طالبان… والروس والأمريكان

أواخر 2001: الولايات المتحدة تغزو أفغانستان في أعقاب هجمات 11 أيلول/سبتمبر بهدف تدمير تنظيم «القاعدة» هناك وإزاحة حركة «طالبان» من السلطة.
نيسان/أبريل 2017: «طالبان» توجه ضربات عسكرية كبيرة متتالية لقواعد عسكرية حكومية بعضها تديره أو تشرف عليه القوات الأمريكية نفسها.
الخلاصة: الحركة التي قامت الحرب هناك لتصفيتها قبل 16 عاما ما زالت على قيد الحياة بل و تسيطر حاليا على 43 في المئة من مساحة البلاد بزيادة تقدر بــ 13 في المئة عن العام الماضي.
ليس هذا فقط، بل إن هذه الحركة التي لم تجد من يقف معها عام 2001 لا سياسيا، ولا عسكريا طبعا، تجد نفسها اليوم في سياق دولي مختلف يجعلها تبدو وكأنها إحدى ورقات صراع أمريكي ـ روسي جديد على الأرض الأفغانية، صراع مختلف عما شهدته البلاد بعد التدخل السوفييتي هناك عام 1979 و الذي جابهه الأفغان بضراوة شديدة مدعومين بالأساس من الولايات المتحدة.
الهجمات الأخيرة لــ»طالبان» على أهداف عسكرية هامة و التي أودت بحياة العشرات و أدت إلى استقالة، أو إقالة، وزير الدفاع و رئيس الأركان لا تكتسي خطورتها من حجمها و حصيلتها فقط، و هي الأسوأ منذ 2001، ولا من كون بعضها جرى في شمال البلاد وهي ليست من مناطق نفوذ الحركة التقليدية المعروفة، بل من أن هذه الهجمات أظهرت التبلور التدريجي لساحة صراع جديدة بين الأمريكيين والروس تضاف إلى ساحتي سوريا الملتهبة وأوكرانيا الخامدة نيرانها تحت رماد خفيف.
هذه الزاوية بالتحديد من فهم ما جرى مؤخرا في أفغانستان هي ما يفسر هروع وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس إلى كابل في زيارة لم يعلن عنها مسبقا و تصريحاته هناك المنتقدة لروسيا لتقاربها مع حركة «طالبان» ومدها كما يقال بالسلاح والأموال عن طريق إيران، وهو الاتهام الذي لم ينفه المسؤول الأمريكي عندما سئل عنه في مؤتمره الصحافي هناك، علما وأن قائد القوات الأمريكية في أفغانستان جون نيكلسون كان قد سبق وزيره في الإعراب عن القلق من تنامي الاتصالات بين موسكو و»طالبان».
ما يجري حاليا هو أن روسيا بصدد حشر أنفها من جديد في الملف الأفغاني بعد سنوات طويلة من إحتراقه هناك إثر ما تكبدته من خسائر رهيبة على يد «المجاهدين الأفغان» عندما لم تكن واشنطن و لا حلفاؤها ينظرون إليهم كإرهابيين أو حتى كإرهابيين محتملين في المستقبل. و حتى إذا ما تركنا جانبا إتهام روسيا بالدعم العسكري و المالي لــ«طالبان»، فإن الأكيد الذي لا لبس فيه الآن هو وقوف موسكو القوي سياسيا إلى جانب هذه الحركة فهي لم تكتف بتأييد زامير كابولوف المبعوث الخاص للكرلملين إلى أفغانستان دعوة «طالبان» إلى انسحاب القوات الأجنبية من البلاد دون قيد أو شرط، وهي قوات أمريكية بالأساس يبلغ تعدادها تسعة آلاف، بل إنها عقدت هذا الشهر اجتماعا في موسكو دعت إليه دولا عديدة من بينها الصين و إيران و الهند و باكستان، واعتذرت عن حضوره الولايات المتحدة، كما أنها احتضنت قبل أكثر من شهر لقاء ثلاثيا (روسيا، الصين، باكستان) و كلاهما خلصا إلى ضرورة تشجيع إطلاق حوار مع «طالبان» بغية إشراكها في تسوية سياسية شاملة مع الحكومة.
الواضح اليوم أننا نقترب شيئا فشيئا من تصادم وشيك بين أجندتي كل من الولايات المتحدة وروسيا في أفغانستان إلى درجة قالت فيها صحيفة «واشنطن تايمز» أمس أن الزيارة المفاجئة لوزير الدفاع الأمريكي لكابول غذت التكهنات بأن إدارة ترامب تقترب من خطة معركة جديدة لهذه الحرب المستمرة منذ 16 عاما.
وترجح بعض التقديرات المتداولة أن الخلاف الأمريكي الروسي يعود بالأساس إلى أن واشنطن تريد التركيز في هذه المرحلة على ضرب «طالبان» و تحجيمها بينما تفضل موسكو التوجه لضرب «القاعدة» و «تنظيم الدولة الإسلامية» هناك لأنهما الأخطر والأكثر تهديدا لها لجهة إمكانية تمددهما إلى الجمهوريات السوفييتية السابقة.
الجديد هنا، و الذي ما زال إلى حد الآن بعيدا عن أضواء الإعلام أن بلدا مثل إيران الذي وقف ضمنيا وعمليا مع واشنطن في غزوها لأفغانستان عام 2001 يجد مصلحته الآن في الوقوف مع الروس ضد الأمريكيين هناك، و ذلك كساحة جديدة لعض الأصابع بين طهران وواشنطن تضاف إلى ساحتي سوريا والعراق. هنا تجد إيران من مصلحتها أن تجمع أقصى ما يمكن من أوراق القوة بيدها إستعدادا لمعركة كسر عظام محتملة مع إدارة ترامب المختلفة في تعاطيها مع إيران، وملفها النووي وتنامي دورها الإقليمي، مع إدارة أوباما الذي بدا ضعيفا معها أو لينا إلى حد شبهة التواطؤ.
ما يمكن أن يربك الولايات المتحدة وروسيا على حد سواء في عملية التسخين الجديدة لهذه المواجهة المحتملة في أفغانستان هو هذه الانقسامات الشديدة والخلافات داخل الحكم الأفغاني بين ثالوث الرئيس ونائبه والرئيس التنفيذي، وهي خلافات لا يمكن أن تخدم سوى «طالبان» الذي يتوقع منها المزيد من الضربات المقبلة..

٭ كاتب وإعلامي تونسي

طالبان… والروس والأمريكان

محمد كريشان

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    16 عاماً على إزاحة طالبان من حكم أفغانستان لم تنجح فيه الدول الغربية بشيئ
    فالإرهاب إزداد والفساد في كل مفاصل الدولة وكأن الأمر متشابه مع العراق !
    كسياسي نرويجي عارضت نقل قوات نرويجية لأفغانستان لأنه بلد مغتصب
    ولكن الحجة هي أن النرويج بحاجة لحلف الناتو خوفاً من بوتين روسيا
    ملاحظة :
    كنت معارضاً لحكم طالبان المتشدد ولكن إتضح أنهم خير من يحكم أفغانستان
    فالأمن والأمان كان منتشر بسائر أفغانستان وتم القضاء عل المخدرات والفساد
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول محمد ادريس:

    يكفي الاطلاع على خريطة أفغانستان لفهم ما يجري هناك مند 1979 الى الان.

    روسيا و الصين و ايران لا يمكن ان يسمحوا لامريكا بان تضع موطئ قدم في أفغانستان لان من شان ذلك ان يفتح وسط اسيا لامريكا و هي المنطقة الوحيدة من مناطق نفود الاتحاد السوفييتي التي لم تستطع أمريكا بسط نفودها عليها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي

    أمريكا لم تستطع ان تحسم حرب أفغانستان و هي في اوج قوتها عام 2001 و عليها ان تواجه استحقاقات ذلك الان و قد استعادت روسيا توازنها و ازدادت الصين قوة و مازلت ايران تستثمر في أخطاء أمريكا.

    لن تكون هناك حرب تكسير عظام بين ايران و أمريكا مادامت ايران مدعومة من الصين و روسيا و لمواجهة ايران عسكريا يجب ان تكون أمريكا مستعدة لمواجهة روسيا و الصين عسكريا. و ايران تعلم ذلك جيدا و كل سياستها قائمة على هذا الأساس و تستغله الى اقصى حد عبر الاستثمار في أخطاء سياسة أمريكا. اقصى ما يمكن ان تقوم به أمريكا مع ايران هو خلق اضطرابات داخلية لتقويض النظام من الداخل.

    الخلاف الرئيسي بين أمريكا و روسيا هو توزيع مناطق النفود في العالم. طالبان و القاعدة و الدولة الإسلامية كلها عبارات للاستهلاك الإعلامي فقط.

    في الصراع على أفغانستان، روسيا معها الصين و ايران و هي دول له حدود مشتركة مع أفغانستان.

    أمريكا في احسن الأحوال تستطيع توريط باكستان مرة أخرى الى جانبها، و لكن حتى هذا ليس بديهيا بالنظر الى مصالح باكستان مع الصين و حتى لو استطاعت ذلك فلن تشكل إضافة ذات مغزى بالنسبة لامريكا. على الأرجح باكستان ستلتزم الحياد او تساند ضمنيا محور روسيا الصين ايران مقابل الحصول على بعض النفوذ في أفغانستان الجديدة.

    من نافلة القول ان حلف الأطلسي لا يمثل أي قيمة تذكر في هذا الصراع.

    و بناء عليه يمكن الجزم ان أمريكا خسرت أفغانستان. قد تأخذها العزة بالاثم و ترفض الإقرار بذلك. دعها تجرب اذن

  3. يقول عبد الكريم البيضاوي . السويد:

    ياأخ محمد , مالنا وأفغانستان وطالبان ؟ لدى العرب أفغانستانات عديدة أقرب مسافة من أفغانستان الأصل. ماذا عنها ؟
    تحياتي.

  4. يقول محمد ادريس:

    يا اخ عبد الكريم

    الأطراف الرئيسية التي تتصارع على أفغانستان تكاد تكون نفس الأطراف المتورطة في الصراع على العالم العربي

    و فهم طبيعة هذه الصراعات يساعد على بلورة الاستراتيجية الأنسب للتعامل مع هذا الصراع على مستوى العالم العربي.

    لا يمكن باي حال من الأحوال ان نعول على أمريكا لمواجهة ايران. أمريكا حاولت احتواء ايران لاكثر من ثلاثين سنة و فشلت في ذلك.

    الاتفاق النووي هو إقرار امريكي بفشل سياسة احتواء ايران و خطوة اولى في طريق محاولة تقويض النظام من الداخل عبر خلق شبكة مصالح مرتبطة بالغرب يمكن استعمالها لاحقا لزعزعة استقرار ايران.

    و عليه لا يجب علينا ان نضع كل بيضنا في سلة أمريكا. أمريكا قوة عظمى مازال بوسعها خلق مشاكل جمة لمن لا يسايرها و لكن ليست بالقوة التي لا يمكن للمرء مواجهتها.

    أمريكا حاليا في اضعف وضع منذ الحرب العالمية. لقد شكل غزو اكبر خطا في تاريخ أمريكا وقد تؤدي تداعياته التي مازلت مستمرة الى اليوم الى زوال أمريكا كقوة عظمى عبر استنزاف قدراتها. و هو خطا افدح من حرب فيتنام و اسوء من غزو الاتحاد السوفييتى لأفغانستان

    و لو عرف العرف كيف يستغلون هذا الخطأ لأمكنهم الخروج من عباءة أمريكا.

    و اول شيئ يجب القيام به هو وقف هذا الصراع العبثي مع ايران و تبتى سياسات تستغل الاختلافات بين القوى المتصارعة.

    عمليا امر صعب تحقيقه في ظل تورط الأنظمة العربية حتى النخاع في كل السياسات الفاشلة لامريكا و لكن اول من سيستطيع القيام بذلك سيفوز بكل العالم العربي

    1. يقول عبد الكريم البيضاوي . السويد:

      الأخ محمد إدريس.
      “..و لو عرف العرف كيف يستغلون هذا الخطأ لأمكنهم الخروج من عباءة أمريكا..”
      من قال أنهم يريدون الخروج من عباءة أمريكا ؟ وإن قدر وفعلوا فتحت عباءة من سيستترون ؟ من يحميهم ؟ لولا الحماية الأمريكية لذهب منهم الكثيرون, عندما رفعت العباءة عن بعضهم هرولوا هربا.
      العباءة الأمريكية قائمة مادامت يد المقايضة العربية فارغة وماداموا في حاجة لتلك العباءة الفضفاضة سيبقى الحال هو الحال, لن تنفعهم لاتجربة أفغانستان ولا تجربة حروب الهند الصينية قبلها.

إشترك في قائمتنا البريدية