لاءات بريطانيا الثلاث

حجم الخط
3

لم يكن مستهجناً أو مفاجئاً قرار الحكومة البريطانية رفض طلب الاعتذار على جريمة إصدار وعد بلفور المشؤوم قبل نحو مئة عام، ولم يكن متوقعاً على الاقل بالنسبة لي ان تذعن وزارة خارجية لندن للطلب في أول محاولة وبدون ضغوط فعلية وحقيقية وبدون ان تشعر او تحس بأنها ستدفع ثمناً باهظاً لهذا الرفض.
وليس رفض الطلب هو أسوأ ما في الرد البريطاني على الطلب الفلسطيني الذي جاء على لسان الرئيس أبو مازن في اكثر من مناسبة وآخرها في الحوار الذي اجرته معه «القدس العربي» على هامش القمة العربية، أواخر آذار/مارس الماضي. وهدد ابو مازن في ذاك الحوار بملاحقة بريطانيا في كل المحافل الدولية.
وكما أسلفت فقد كان الرفض متوقعاً وقد ارادت وزارة الخارجية البريطانية بردها الفظ والوقح والاستفزازي «فرك بصلة» في أعين الفلسطينيين ومن يؤيدهم في هذه الحملة. وهي عملياً تقول للجميع «اللي يطلع بإيدكم يطلع في مكان آخر…» ويجب ألا نلومها بل نلوم انفسنا.
«أليست لندن هي مربط خيولنا؟»
.. أوليست اسكتلندا هي التي تصنع لنا او كانت قبل دخول الصين على الخط، اجود أنواع «الاشمغة» رمز الفخر والاعتزاز العربي»؟
ولكن ما لم يكن متوقعاً هو اعراب الوزارة وبكل صفاقة ووقاحة عن فخرها واعتزازها بدور لندن في إيجاد دولة اسرائيل، دون الاشارة بأي شكل الى انها جاءت على حساب تهجير ودماء شعب آخر.. أي وقاحة هذه وأي استخفاف بمعاناة الشعب الفلسطيني…
وفي الحقيقة ومن باب جلد الذات اننا ولا اقصد الفلسطينيين فحسب بل العرب بالمجمل نستحق هذه المعاملة لاننا لم نتعلم الدروس من تجاربنا وتجارب غيرنا وجاءت مطالباتنا بحقوقنا متأخرة عشرات السنين.. ويضيع أي حق ليس وراءه مطالب.
بيد أنه يجب ألا يكون هذا الرفض آخر المطاف بل لا بد أن يكون محفزاً لبذل المزيد وإيجاد الطرق الكفيلة باقناع او بالأحرى الضغط على حكومة تيريزا ماي المحافظة ومن يخلفها ان هي خسرت في الانتخابات المقبلة، للاعتذار عما تسببت به بريطانيا من مآسٍ بسبب الوعد المشؤوم قبل نحو مئة عام، لا يزال الشعب الفلسطيني ومنطقة الشرق الاوسط برمتها يدفعون ثمنه.
ان رد الحكومة البريطانية يعكس ايضاً استخفافها بنا وبمشاعرنا وبأحاسيسنا وبمآسينا لأنها لو كانت تقيم لنا، أي وزن.. لوازنت على الاقل بين فخرها واعتزازها بالمساعدة في اقامة دولة لليهود، بإعلانها الاعتراف بدولة فلسطين ولمارست دورها في تطبيق الجزء الثاني من قرار التقسيم الدولي رقم 181. ولكنها لا.
وللتذكير فقط وليس محاولة لتقديم محاضرة في التاريخ، فبلفور، هو وزير الخارجية البريطانية آرثر جيمس بلفور، كاتب الرسالة التي اصبحت وعداً، وبعث بها في الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1917 الى اللورد الصهيوني ليونيل وولتر دي روتشيلد، واعداً فيها بان تساعد بريطانيا، في إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.
ومنحت الخارجية البريطانية هذا الوعد حتى قبل ان تكون فلسطين خاضعة لانتدابها (1920 – 1948) وفق تقسيمات اتفاق سايكس بيكو لعام 1916، بين فرنسا ممثلة بالدبلوماسي فرانسوا جورج بيكو، وبريطانيا ممثلة بالمستشار الدبلوماسي الكولونيل سير مارك سايكس، وبموافقة روسيا القيصرية. وفي هذا الاتفاق تناهشت القوتان الاستعماريتان الرئيستان في حينه، سراً مخلفات الدولة العثمانية في منطقة الهلال الخصيب بعد هزيمتها في الحرب العالمية الاولى. وظل الاتفاق الكولونيالي، طي الكتمان الى ان فضحته الثورة البولشفية التي اطاحت حكم القياصرة في روسيا عام 1917.
وللتذكير ايضاً فإن وزير الخارجية البريطاني الحالي هو بوريس جونسون أشد المغرمين بإسرائيل وديمقراطيتها!، وان كنا لا نحمّله وحده، مسؤولية هذا الرد، فالحكومة بمعظمها شديدة التأييد لدولة الاحتلال مع أنها تقف في بعض القرارات الدولية ضد الاحتلال مثل القرار الدولي 2334 الذي أدان الاستيطان.. ولكنها في الوقت نفسه قاطعت عملياً مؤتمر باريس للسلام في الشرق الأوسط، وحالت دون تبني الاتحاد الأوروبي للبيان الختامي للمؤتمر.
نعود الى رد الخارجية البريطانية على الاعتذار الذي طالب به أكثر من11 ألف بريطاني في عريضة قدمت قبل نحو اسبوعين، وهو ما يلزم الحكومة البريطانية بإرسال رد رسمي في غضون أيام ثلاثة.
بالمناسبة لو حصلت العريضة على مئة ألف توقيع لأرغمت الحكومة على مناقشة الطلب في مجلس العموم. ولكن للأسف فإن الكثير منا لم يكلف نفسه عناء إضافة اسمه او اسمها الى العريضة.. ورغم ذلك فان الوقت لم يفت بعد ولا يزال هناك نحو ستة أشهر قبل ان تحيي بريطانيا الذكرى المئوية لوعد بلفور.
فماذا جاء في الرسالة:
«إن اعلان بلفور هو بيان تاريخي، ليس لدى حكومة جلالتها النية للاعتذار عنه. ونحن فخورون بدورنا في إقامة دولة اسرائيل ومهمتنا الآن هي تشجيع التحرك نحو السلام.
ان الاعلان كتب في عالم قوىإمبريالية متنافسة، في خضم الحرب العالمية الاولى وفي نهاية الامبراطورية العثمانية. وفي هذا السياق فان اقامة وطن لليهود في الارض الذي تربطهم بها علاقات تاريخية ودينية قوية، كان الشيء الصح والاخلاقي، خاصة على خلفية قرون من الاضطهاد. بالطبع فان تقييماً كاملاً للاعلان وما تبعه هو أمر يترك للمؤرخين.
الكثير حدث منذ عام 1917. نحن نعترف بأن الاعلان كان لا بد ان يدعو الى حماية الحقوق السياسية للمجموعات غير اليهودية في فلسطين، خاصة حق تقرير المصير. ولكن الشيء المهم الان هو ان نتطلع الى الامام ونحقق الامن والعدل للاسرائيليين والفلسطينيين عبر تحقيق سلام دائم. ونحن نعتقد ان افضل السبل لتحقيق ذلك هو من خلال حل الدولتين: تسوية متفاوض عليها تقود الى اسرائيل آمنة ومؤمنة الى جانب دول فلسطينية ذات سيادة وقابلة للحياة، على أساس حدود 1967 مع تبادل أراضي متفق عليه، والقدس عاصمة مشتركة للدولتين وحل عادل وواقعي ومتفق عليه لمشكلة اللاجئين.
نحن نعتقد ان مثل هذه المفاوضات ستنجح فقط إذا ما جرت بين الإسرائيليين والفلسطينيين مع دعم مناسب من المجموعة الدولية. وسنظل على تواصل وثيق مع الطرفين والشركاء الدوليين للتشجيع على مفاوضات ثنائية ذات معنى. نحن لا نقلل من شأن التحديات ولكن اذا ما ابدى الطرفان قدرات قيادية شجاعة، فان السلام سيكون ممكناً. وان المملكة المتحدة مستعدة لان تعمل ما بوسعها لتأييد هذا الهدف».
فماذا نقرأ من هذا الرد.. اولاً ان بريطانيا تعاطفت مع اليهود بسبب الاضطهاد الذي لحق بهم على مدى قرون وعلى ايدي اوروبيين، وارادت ان تكون كريمة معهم.. وهذا حقها ولكن كان يجب ان يكون كرمها من «كيسها» كما يقال وليس من كيس غيرها.. وعلى حسابها وليس على حساب شعب اخر.
ثانياً ان بريطانيا تأبى ان تتعاطف مع الشعب الفلسطيني رغم مرور قرن على مسؤوليتها عن مأساته وتهجيره، بل تمعن في غيها وتحتفل بذكرى نكبته.
ثالثاً ان بريطانيا تريد ان تقول لنا يا «جماعة خلص» وعفا الله عما سلف ونحن ابناء اليوم وليس زمن التنافس الامبريالي… ولكنها لا تطبق هذه السياسة على نفسها.. وهي مستعدة لخوض حرب حتى مع اسبانيا لانها تطالب بجبل طارق.. كما فعلت مع الارجنتين في جزر الفوكلاند في ثمانينيات القرن الماضي.
رابعاً ان احياء الذكرى المئوية للوعد المشؤوم ستتم في موعدها، ضاربة بعرض الحائط بمشاعر وأحاسيس ومآسي الفلسطينيين.
وخامساً ان بريطانيا بلؤمها لم ترد ان تقطع الحبل بالكامل، فألقت لنا بعظمة الاعتراف بأن الاعلان كان يجب ان يدعو الى حماية الحقوق السياسية للجاليات غير اليهودية في فلسطين، خاصة حق تقرير المصير… ولكنها لم تحاول ان تدفع ولو جزءاً من الفدية بالاعتراف بدولة فلسطين.
وباختصار فان بريطانيا ترد بثلاث لاءات.. لا للاعتذار عن الجريمة.. ولا للتراجع عن الاحتفال بالجريمة.. ولا للاعتراف بدولة فلسطينية دون موافقة إسرائيل.. «واللي مش عاجبه يبلط البحر».
«كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

لاءات بريطانيا الثلاث

علي الصالح

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول غاندي حنا ناصر- إبن النكبه العائدإلى يافا لاجىء فلسطيني - كوريا الجنوبيه -سول:

    أخي علي صباح الخير … كل ما أوردتموه من سرد مؤلم ومبكي على الحال الذي وصلناإليه كفلسطنين شعب وقضيه وارض قياده فلسطينيه تدور حول نفسها وتجتر الكلام ونعيب على بريطانيا والعيب فينا قل لي سيدي ماذا لدى من تسمي نفسها قياده فلسطنيه من اوراق ضغط على العالم المجبول خسه وقذاره هل تعتقد بضعفنا وهوننا هذا أن بريطانيا سوف تخافنا وترتعد فرائسها او تسحي من جرم وعار ركبها لا زالت عورته تقبح وجه التاريخ ياسيدي قبل أن نعيب على احد يجب ستر انفسنا بعد ما عرينا انفسنا امام أنفسنا وذاتنا وفقدنا بكارتنا وذاكرتنا ونجري خلف وعود وعهود وسلام موعود وعلى اسوار القدس وعكا مكتوب يا إبن الكرام من هنا مر كل الغزاه وهنا حطمت إرادتهم مكتوب على حجاره اسوار القدس وعكا وصيه عطا الزير ومحمد جمجوم ويوسف حجازي ورجاء ابو عماشه وفاطمه غزال مكتوب وثيقه الشرف لفلسطين في احراش يعبد وجنين بدماء نزفت من قائدها الحاج عبدالرحيم محمد لا بريطانيا ولا اي قوه في الدنيا تقف امام إراده اي شعب صمم على حريه ارضه وسترعرضه ولكن إن بقينا على هذا الحال وكما قالها صاحبنا سنصبح نحن يهود التاريخ ونأوي الى الصحراء بلا مأوى ومن تسمي نفسها قياده الشعب الفلسطيني هي من يتحمل هذا الألغاء من بريطانيا وكل من خلفها وهذا العالم المنحط القذرلا يفهمون إلا لغه القوه ولايعترفون إلا بالآقوياء منهجآ لتفاوض في الحرب والسلم لا تملك ورق انت مشطوب من قائمه الأقوياء فهنيئآ لبريطانيا ومن خلفها كيانها المسخ الذي اتت به من اساطير التاريخ ,من تسمي نفسها القياده الفلسطينيه هي من يتحمل هذا ! وإذا اردنا ان نلوم احد نلوم أنفسنا اولا وهذه القياده التي ادمنت مفاوضات ولا حجه لها إلا المحافظه على مكتسباتها واي مكتسبات؟؟!! إذا كان اسلوا مكتسبات والتنسيق الأمني مكتسبات فمرحى بالأحتلال من جديد فإذا هم أطول إحتلال فنحن اطول مقاومه وعندها كل شيء سوف يتغير والمعادله ستتغير وأوراق اللعب ستتغير واللعيبه حتمآ سيتغيرون رحم الله الشهده فاطمه غزال ستشهدت في معركه وادي عزون هي تقدم الماء والغذاء للثوار في 26 حزيران 1936 وهي اول شهيد فلسطنيه , يليها الشهيده المناضله رجاءحسين ابوعماشه ستشهدت على اسوار القدس وهي تنزع العلم البريطاني من على القنصليه البريطانيه وترفع مكانه العلم الفلسطيني في19 ديسمبر 1955 هذه هي إراده شعب الجابرين….. وإن غدآ لناظره لقريب

  2. يقول Hadib:

    الحقيقة المرة هي أن نخبنا تعتقد أن بريطانيا دولة فاعلة وتخفق في إدراك أنها دولة مفعول بها. فما يجري مخطط لمئات السنين يقف وراءه عقل غير بشري. من أراد الدليل فعليه بكتيب صدر عام 1935 للمؤلف البريطاني Leslie Fry إسمه The Jews and the British Empire. وأود أن أقول لك شخص مقيم ببريطانيا، أو حتي متحدث بالإنجليزية: إذا لم تقرأ هذا الكتيب فأنت تفتقد a crucial part of the puzzle أي جزء في غاية الأهمية من المعضلة. هذا الكتيب هو في الحقيقة مقالة طويلة يمكن أن يقرأها القارئ في اقل من نصف ساعة. أوصي بهذا الكتاب ليعرف القارئ كيف حلت بريطانيا محل أسبانيا وهولندا في تنفيذ هذا المخطط.

    وللمزيد عن العقل الغير بشري الذي يقف وراء هذا المخطط راجع تعليقي عن ما يقوله العلماء عن تعرض البشرية ل genetic reset أي تعديل جيني علي هذا الرابط بموقع القدس العربي:

    http://oldquds.motif.net/?p=613673

  3. يقول الدكتورجمال البدري:

    الأستاذ الفاضل علي الصالح صاحب القلم الجريء والمبضع الجارح.أحييك بشوق الشرق للغرب ؛ أيها الهلال في سماء ذات سحاب وضباب.
    أخي المحترم : من مباديء لعبة السياسة والمصالح ؛ أنّ المقابل ولوكان صديقاً ؛ لا يقدّم تنازلاً من دون مقابل أوضغط عليه هائل.فماذا لدى الفلسطينيون من قدرة ضاغطة الآن على جزرالمالديف ؛ فضلاً على بريطانيا أوعلى الكيان الصهيوني ؟ دائماً أكررفي تعليقاتي مقولة بسمارك
    مستشاربروسيا ( ألمانيا حالياً ) والقائل : المدفع يمزّق الورق.لا نقصد بالمدفع العدوان لخلق الكراهية البغيضة بل الدفاع المشروع عن البلدان ؛
    وفي المفاوضات أية مفاوضات فإنّ ما تحصل عليه لا يزيد عن مسافة القذيفة التي تصل إلى العدوّ…فحينما نتملك ذلك ستكون النتيجة وإلا
    فهوالتغنيّ بأمجاد الأندلس يامؤنس.بارك بقلمك الأبيّ ياكاتب فلسطيني من أسرة القدس.

إشترك في قائمتنا البريدية