بيروت – «القدس العربي» : انتصب شجر اللزّاب في جانب من شارع الحمرا بعد أن ترك لساعات أمكنته الحميمة في سفوح الهرمل. في ساحة السارولاّ سابقاً انتشر بأشكاله المختلفة مستعجلاً الرحيل، فهو شجر لا يحتمل الغربة عن جرده. تعرّف إليه من لا يعرفه، وهم كُثر من أمثالي. فرصة فنية وبيئية أتاحها المهندس بوميدين الساحلي لرواد المكان. نشر ما التقطه عدسته على مدى سنوات، وعرض بعضها للبيع بأسعار متهاودة. ضمّ المعرض حوالي خمسين لوحة، إنما في حوزة هاوي التصوير وعاشق اللزّاب الآلاف منها.
في سيرة بومدين الساحلي مع هذه الشجرة يخبرنا بلهجته البعلبكية بأنه موجود في «جردنا» منذ قديم الزمان، وعمر بعضه مئات السنوات. جغرافياً يحدد مكان الإنتشار: في السفح الشرقي لسلسلة لبنان الغربية، أي في السفح الشرقي لجبل المكمل. وهو أكبر شجر مُعمِر في العالم. يمكن للشجرة التي يصل قطرها لخمسين سنتم أن تعيش لخمسمئة سنة، والتي قطرها متر تعيش لألفي سنة. وفي جردنا أشجار قطرها خمسة أمتار.
هذا في عمر الشجر لكن لماذا لم نجد شجرة منه تشبه الأخرى في معاينة المعرض؟ ملاحظة يجيب عنها الساحلي: شجر اللزّاب لا يتماثل. اعتدنا هذا الشجر في جردنا، وبتنا نعرفه من خلال ثمرته. فهو مصدر لصناعة مشروب الجِّن. في شروط عيش اللزّاب أنه يتوافق مع شروط مناخية صعبة للغاية سواء برداً قارصاً وصقيعاً، أو حراً قوياً. شجر يعيش على ارتفاع ثلاثة آلاف متر عن سطح البحر، في حين أن أعلى شجرة أرز في لبنان تعيش على ارتفاع ألفي متر، ومن شروط عيشها الأساسية أن تُزرع بمواجهة هواء البحر لأنها تحتاج إلى رطوبته يومياً.
نستغرب مقارنة مقحمة وليست من صلب الموضوع مع شجرة الأرز، فيجيب الساحلي بتأكيد مطلق لموقفه: أنا شديد التعصب لشجرة اللزّاب، التي عايشتها منذ زمن بعيد، وقد بدأت بتصويرها قبل 15 سنة. أعشق المشي لساعات طويلة في الجرد، مما أتاح لي فرصة تصوير الكثير من تلك الأشجار التي تؤنس وحدة المكان.
لماذا اختار الساحلي مكان المعرض في أول شارع الحمرا؟ يقول: أمتلك امكانية اقامة المعرض في كاليري، وبالتالي أن أبيعها بأسعار أكبر مما هي الآن. لكني أردته معرضاً في الشارع كي تتاح لنسبة أكبر من الناس مشاهدة هذه الشجرة.
المعرض يحمل عنوان «اللزّاب حارس الجرد وحارثه». والسبب في هذا العنوان بحسب الساحلي: الجرد جميعه من الصخور، ويأتي شجر اللزّاب ليكون العنصر الوحيد الحنون في هذا الصخر. والحقيقة القاسية أن ليس جميع جيران تلك الأشجار يعرفون قيمتها فيقطعونها. معرضي هذا هو مناسبة لرفع الصوت لمنع قطع تلك الأشجار، فهي إلى تناقص. وللأسف بعض النواب والوزراء في لبنان يتمتعون بأكل المشاوي في جرود الهرمل على صوت مناشير الحطب. وربما لا يحلو لهم الطعام بعيداً عن صوتها.
في جرود الهرمل الآلاف من شجر اللزّاب، وعدد جمعيات البيئة والأخضر في لبنان كبير، لكن أحدها لم يبادر لدعم حضور شجر اللزّاب في بلادنا. وعن ذلك يقول الساحلي: «لا تندهي ما في حدا». لا عتب عليهم، فحتى أهل المنطقة التي يعيش فيها ذاك الشجر لا يعرفونها. معرفتي بتلك الشجرة أتت بعد هروبي من الباطون والمدينة والعمل مع الشركات الهندسية والناس، فانشأت مشروعاً للسياحة البيئية في الجرد. ومن ثمّ كان لقائي مع تلك الأشجار.
خشب اللزّاب أحمر، تتساقط منه حبوب بيضاء هي بخّور له رائحة رائعة، وهو مذكور في التاريخ منذ القديم. بخّور متروك على الأرض تفنيه عوامل الزمان وما من أحد يجمعه للتجارة. تعريف المواطنين إلى ثروة مجهولة أحد أسباب ذاك المعرض، الذي حلّ خفيفاً لطيفاً وليوم واحد على شارع الحمرا، وجذب كل رواده.