أخطأ الوزير التونسي . ما في ذلك شك. خانه لسانه… خدعته حواسه… غاب عنه حسن التقدير لعواقب مزحته الثقيلة. تسطيعون ان تقولوا ما تشاؤون وتفسروا كيفما تريدون وتقدموا ألف سبب وسبب لتصرفه النزق والطائش. لكن ذلك سيبقى بالنهاية مجرد تفصيل هامشي لن يقدم او يؤخر في شيء.
لا أحد في تونس بات يشك في ان السقطة المدوية لرياض المؤخر ستكلفه غالياً وربما تفقده كرسيه الحكومي وتخرجه عاجلاً ام آجلاً من الوزارة بعد ان بات من شبه المستحيل اقناع التونسيين والجزائريين بانه لم يقصد ابدا وصف بلد المليون شهيد بالدولة الشيوعية. لكن الا تبدو لكم كل تلك القصة اشبه بالملهاة العبثية الساخرة ومثل شجرة بلاستيكية عملاقة تحجب خلفها غابة طبيعية واصلية أحق وأجدر بالاهتمام؟
كيف تقوم الدنيا ولا تقعد وتتهاطل التنديدات بالجرم الفظيع ويضيع في خضمها الاصل والجوهر وهو ان هناك اشكالاً مزمناً وعميقاً في علاقة البلدين؟ من يصدق ان الكلمة التي كادت تشعل الجزائر وتهز علاقتها بتونس كانت نعتا للبلد بالشيوعي؟ تراها سبة وعاراً يستدعي حمماً من الغضب الجارف؟
لنراجع الملهاة من أولها. فكل تلك الضجة بدأت بشريط فيديو بثته مواقع اخبارية جزائرية وظهر فيه وزير الجماعات المحلية التونسي رياض المؤخر وهو يلقى كلمة في العاصمة الايطالية يذكر فيها انه لما كان طالباً في امريكا كان يقول لمن لا يعرف تونس انها تقع تحت ايطاليا تجنباً لان يقول بانها تقع بين الجزائر التي كان الغرب يعتبرها شيوعية وليبيا التي كان يراها في عهد القذافي فوضوية.
القراءة التي ظهرت على موقع «ألجيري باتريوتيك» الجزائري لذلك المشهد كانت ان الوزير التونسي «يفضل القول بان تونس تقع تحت ايطاليا على القول بانها بجانب الجزائر البلد الشيوعي وليبيا البلد المخيف» قبل اتهامه بانه يجهل علاقات التعاون الوثيقة بين الجزائر وايطاليا ويكرر تقليداً ترسخ لدى بعض المسؤوليين التونسيين وهو عض اليد التي تطعمهم. وقبل التذكير بالمساعدات المالية السخية التي قدمتها الجزائر لتونس بعد هروب بن علي وكيف اتهمها الرئيس الباجي قائد السبسي ووزير دفاعه في وقت من الاوقات بأنها تقف خلف الارهاب الذي ضرب بلاده. ورغم ان رياض المؤخر لم يتأخر في التصحيح والنفي والتأكيد على ان الامر «يتعلق بسوء فهم» فلا احد كان مستعدًا لا في الجزائر ولا حتى في تونس لان يقتنع بما قاله من ان الامر تم «في اطارمزحة ودردشة مع وزير الخارجية الايطالي قال فيها انه عندما كان طالبا في امريكا كان يضطر للقول بان تونس تقع تحت ايطاليا لان الامريكان يعتقدون ان الجزائر بلد شيوعي ولا يعرفون ليبيا الا عبر القذافي» أو حتى تأكيده في تصريح اعلامي من انه «لا يوجد اي وزير أو مسؤول سياسي في تونس يمكن ان يقوم بتصريحات عدوانية تجاه الجزائر نظراً للعلاقات الاخوية الوطيدة بين البلدين».
لماذا حصل ذلك؟ ولماذا اصر الكثيرون على تصوير كلام الوزير على انه عدوان شرس وكاسح بل مؤامرة على الجارة التي صمدت امام محاولات الاختراق والتدخل الاجنبي في شؤونها؟ ألهذا الحد باتت كلمة الشيوعية في صورة ما ثبت ان الوزير أطلقها على الجزائر تثير الغضب والسخط؟ ألم يكن ممكناً ان يغض الثوريون الصادقون والمتحمسون للعلاقات التاريخية بين البلدين الطرف قليلاً ويحاولوا احتواء الموضوع واعتباره في اقصى الاحوال زلة لسان أو تعبيراً معيباً وغير مناسب كان من الاجدر اجتنابه قبل ان يغلق القوس نهائياً وينتهي الامر بسلام؟
لا شك ان ضيق السلطات الجزائرية بتصريحات بعض السياسيين التونسيين وحساسيتها المفرطة منها زادت بشكل ملحوظ. ولعل الكل يذكر كيف تعرض الرئيس المرزوقي في الاسابيع الاولى لاستلام مهامه على رأس الدولة لعاصفة من الانتقادات وصلت حد وصف صحيفة الفجر الجزائرية له بالرئيس الفاقد للصلاحيات والمؤتمر بأوامر الغرب وتعدتها لاحقاً للحديث عن أصوله المغربية وحنينه الظاهر والخفي للرباط لمجرد انه تحدث في زيارة له للعاصمة الليبية عن العشرية الحمراء وعبر عن رفضه للطريقة التي اجهض بها المسار الديمقراطي في الجزائر.
والمشكل ان ما صور في العاصمتين تونس والجزائر كانفلات لغوي فردي «للرئيس المؤقت» تواصل بعد انتخاب اول رئيس تونسي وفقاً للدستور الجديد.
وعادت الهجمات الاعلامية لتطال الباجي قائد السبسي ووزير دفاعه حين نسب لهما انهما تحدثا عن مسؤولية الجزائر عن انتشار الارهاب في تونس. ولم يعد اي تصريح يصدر عن مسؤول تونسي ولا ترضى عنه سلطات الجزائر يخرج عن دائرة الوصم اما بالتآمر المقصود ضدها والرغبة في المس بالعلاقات الوثيقة معها أو بالاصطفاف خلف المغرب في حربه الباردة والمستمرة ضدها؟
الامر المعروف هنا هو ان التداخل والتقاطع يبدوان شديدين بين كل ما يحصل في الجزائر وكل ما يستجد في تونس. والمؤكد انه ليس بمقدور احد في البلدين ان يتجاوز التاريخ والجغرافيا ويقفز فوقهما. كما ان الثابت ايضا ان الاختلاف العميق في تركيبة النظامين منذ استقلالهما عن فرنسا لم يكن ليؤثر بشكل واضح وكبير على علاقتهما التي مرت مثل ما يحصل مع اي دولتين جارتين بكثير من التقلبات والهزات وعرفت في بعض المرات حالات من البرود والجفاء وفي مرات اخرى حالات من الدفئء والحرارة.
ولكن الامراللافت هو ان الجزائريين ظلوا ينظرون دوماً بشيء من الحساسية الزائدة لجارتهم الصغرى ويتوجسون من ان تفلت منهم بعض خيوط التأثير والسيطرة على مواقع القرار فيها فيما ظلت الاخيرة تشعر بقدر من التخوف المبالغ احياناً من قطع اي خطوة او اخذ موقف من دون تحسس ردة فعل الجارة الكبرى ومدى تقبلها له. انه التوازن الديمغرافي والثقل العسكري والاقتصادي للبلدين الذي ألقى بظلاله على مسار العلاقات الرسمية بينهما وهو الذي فرض الى حد كبير حالة من الشك والريبة المستمرة بين النظامين. من الواضح ان الغموض الشديد في مستقبل البلدين بات يزيد من حالة الخوف المتبادل بينهما. فالسلطات الجزائرية لا تشعر بالارتياح للتحولات التي تحصل في جوارها القريب بل تعتبرها تهديداً مباشراً لها. وهي تغذي فكرة المؤامرة الغربية عليها حتى في أذهان التونسيين انفسهم بعد ان بات قسم واسع منهم يتجاهل اي حديث او اشارة الى وضع الحريات في الجارة الغربية ظناً منه ان ذلك سيجنبه الاتهام بالتآمر ضدها. وبالمقابل لا تبدو السلطات التونسية مطمئنة بالكامل لما ستؤول إليه الاوضاع في مرحلة ما بعد بوتفليقة.
والسؤال هو هل إقالة الوزير أو لجم أفواه المسؤوليين التونسيين ستبدد كل ذلك؟
قطعاً لا. فالحل الوحيد هو ان يبدأ الجزائريون والتونسيون في معالجة الخلل المتراكم في علاقتهما الرسمية. وساعتها فقط سيدركون ان علاقة الشعبين اقوى واثبت من أن تهزها أو تؤثر فيها أي كلمات غاضبة أو عابرة قد تصدر من هذا الجانب أو من ذاك.
كاتب وصحافي من تونس
نزار بولحية
لو كانت لنا ديبلوماسية قوية وثابتة لما ارتعشنا من كل تصريح يقوم به مسؤول “غير مسؤول ” في غير محله لكن مادامت حدودنا غير مؤمنة بالكامل وهو ما يجعلنا ترتهن بطريقة او بأخرى للشقيقة الكبرى والا لما لم نرى انزعاجا من الجانب الليبي وهي جارتنا كذلك ؟ نحترم كل بلدان الجوار لكن يجب ان تبقى صورة تونس فوق كل اعتبار.
المفروض من الساسة في تونس أن لا يخجلوا من قولهم الحقيقة للعالم أنه بفضل الجزائر وحنكة ساستها أن تونس موجودة الْيَوْمَ كدولة ولم يخطفها عنف الإرهاب وهذا كله بفضل الجزائر
سؤال لبعض الاخوة في تونس إذا كانت الجزائر وهي القوة الاقليمية الوحيدة في المنطقة ولا يتجرأ اي من مسؤوليها التدخل ولو بتصريح في الشؤون الداخلية لدول المنطقة فلماذا اذا مسؤوليكم يتجرأون مرة رئيسكم المؤقت المرزوقي ومرة السبسي ووزير دفاعه والان هذا الوزير ، ولا مسؤول جزائر تدخل ولو بالاشارة في الشؤون الداخلية لدول المنطقة اما بعض المغاربة الذين يريدون ان يصفو قضية الصحراء الغربية بالشأن الداخلي فحجتهم حجة المستعمر كفرنسا التي كانت تدعي حرب التحرير الجزائرية بالشأن الداخلي الفرنسي هل الجزائر تدخلت في الشأن الليبي او الموريتاني او احداث تونس المتنوعة او احداث الريف والحسيمة في المغرب او مسارات التحول الديموقراطي في المنطقة اذا من سمح لكم بالتحدث في الشأن الجزائري ، ام تريدون منا ان ننزع عن انفسنا صفة الجار المراعي للمشاعر وحسن الجوار
و لكن لم تجد اي تصىيح لمسوؤل جزائري يمس من قيمة تونس
يا كاتب المقال دعنا من الشيوعية او غير ذلك ليس مسموح ان يخطىء وزير في اشياء مثل هذه لانه يمثل دولة ذات سيادة هو لم يسىء الى الجزائر فحسب بل قلل من قيمة تونس كدولة عندما قال عنها تقع في شمال افريقيا … عفوا.. في جنوب ايطاليا الا يبدو لك الامر مقرفا دعنا من هذا وذاك ماذا لو قال الوزير الذي تدافع عنه ان تونس تقع شرق الجزائر هل يقبل اي مواطن تونسي هذه الدعابة لماذا لم يقل سعادة الوزير هذ لان ايطاليا تقع شمال تونس لماذا هذا الوزير يصر على ان يطأطئ راسه وينتقد جيرانه من اجل ارضاء اسيادة يا سعادة الوزير عندما تكون بين الناس احفظ لسانك لوكان هنيبعل القرطاجي بيننا لفصل راس هذا الوزير عن جسده لانه لا يستحق ان يكون ممثل لدولة مثل تونس
لست وزيرا لكني نفس الشيئ عندما يسألونني عن موقع تونس أقول إنها قرب إيطاليا جنوب البحر الأبيض المتوسط لأنها فعلا كذلك درة المتوسط وحين أقول ذلك أرى الاعجاب في عيون الأصدقاء الأجانب فما العيب ?
“وصف بلد المليون شهيد بالدولة الشيوعية” ينم عن ضعف على مستوى الأداء السياسي و على مستوى المعرفة. تصريح وزير الجماعات المحلية يكشف مدى التصحّر السياسي الذي ينخر النخبة السياسية. تصحّر جاء نتيجة تجريم العمل السياسي طيلة 6 عقود من الدكتاتورية. تصحّر جاء بدخلاء من وراء البحار لا يفقهون شيء في مسألة العمق الستراتيجي لتونس. تصحّر جاء بإنتهازيين يتنكرون للجار و ينبطحون أمام المستعمر. سقطة مدوية لا لرياض المؤخر فحسب بل لمنظومة حاكمة متهاوية.