الناصرة – «القدس العربي»: يكشف بحث جديد في إسرائيل أن فئة الشباب فيها اليوم أكثر تدينا ويمينية، وأقل ليبرالية وتفاؤلا، ويؤمنون أقل بمؤسسات الدولة وهم أقل قلقا من شبح الطائفية، لكنهم مقتنعون بأن الخلاف الأكثر خطرا في إسرائيل هو ذاك بين اليهود وبين الفلسطينيين فيها. ويعرف 67% من الشباب (24-21) والشبيبة (18-15) أنفسهم كيمينيين وبحال الخيار بين الديمقراطية وبين احتياجات الأمن فإن 82% منهم يختارون الخيار الأخير. في المقابل يرى 74% منهم أنه قبل سؤال «الإرهاب» والتربية فإن السؤال الأهم الذي على الحكومة معالجته هو غلاء المعيشة.
وردا على السؤال عن التهديد الأخطر على الإسرائيليين لم يشر الشباب الإسرائيليون للتصدعات بين اليمين وبين اليسار أو بين المتدينين والعلمانيين أو بين الشرقيين والغربيين بل أشاروا للتصدع الحاصل مع فلسطينيي الداخل (17٪).
والدراسة، التي أنجزها معهد «ماكرو» للاقتصاد السياسي ويكررها مرة كل ست سنوات بدء من 1998 بهدف المقارنات بين الأجيال وفحص المواقف الشخصية والاجتماعية والقومية، تظهر بوضوح أن الجيل الإسرائيلي الصاعد ينحو بقوة لليمين، ويقترب للدين وهم أقل تفاؤلا حيال مستقبل إسرائيل: لا يثق بالقيادات، أو المحاكم وبقية مؤسسات الدولة لكنه راغب جدا بالانتماء.
الشقة أولا
كما يتضح أنهم قلقون من الأوضاع الأمنية ومع ذلك يشعرون بالأمان ولا يحلمون بالمغادرة ويضعون حاليا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني جانبا.
وكما في دراسات أخرى يظهر هذا البحث أيضا أن الشباب الإسرائيليين يعتبرون الشقة أمرا ملحا أكثر وكذلك الاستمتاع قليلا بالحياة. ويتطلع الإسرائيليون الجدد لتحقيق ثلاثة أهداف أساسية: نجاح اقتصادي، والتمتع بالحياة وحيازة تعليم جامعي ويغيب كما هو ملاحظ موضوع السلام أو تسوية الصراع وهم منغمسون بما يحدث الآن وفورا.
الدراسة تظهر جيلا إسرائيليا علمانيا جديدا غير مسبوق من ناحية تشاؤمه حيال مستقبله بعكس نظرائهم الفلسطينيين الذين يبدون تفاؤلا أكبر بكثير مما كانوا عليه بالماضي ويؤمنون بقدرتهم على تحقيق أهدافهم في إسرائيل.
وتشير الدراسة لعلاقة وثيقة بين الازدياد المتواصل بنسبة الشباب اليهود التقليديين والمتزمتين (الحريديم) وبين الميول المتفاقمة نحو اليمين السياسي.
انقراض العلمانيين
وفيما كانت نسبة العلمانيين اليهود في هذه الفئة العمرية عام 2004 نحو 54% فإنها اليوم تنخفض لـ 40% أما الذين يعرفون ذاتهم كتقليديين أو حريديم فقد ارتفعت نسبتهم بشكل كبير. ولا يفسر القائمون على الدراسة الارتفاع بنسبة الاقتراب من الدين بالزيادة الطبيعية الكبيرة لدى المتدينين والمتزمتين اليهود فحسب.
والدراسة تشير أيضا إلى الظروف البيئية. وتقول إنه في ظل الأجواء الاجتماعية والقومية الناتجة في إسرائيل خلال السنوات الأخيرة تزداد الحاجة لتعريف الهوية الذاتية خاصة لدى الشباب. ويرى هؤلاء أن العلمانيين يحتاجون لاتخاذ قرارات كثيرة وميولهم للدين تمنحهم مرساة وثقة وتخفف عنهم مشاعر البلبلة الملازمة لمثل هذا الجيل في كل العالم.
كما تظهر أن الشباب يفقدون بشكل دائم وبطيء الثقة بمؤسسات الدولة بما في ذلك الجيش، بل تدنت ثقتهم بها للحضيض.
وتتطرق الدراسة للتحولات الديموغرافية وتشير لانخفاض نسبة الشبيبة والشباب اليهود في العقود الأخيرة إلى 15% من مجمل السكان بينما زادت نسبة نظرائهم من فلسطينيي الداخل بـ 20% مقارنة مع ما كان غداة نكبة 1948. ويؤكدون أن جيل 1998 كان أكثر نقدا وطموحا لأهداف صارت اليوم أقل صلة كالسلام أو التطوع داخل المجتمع أما جيل اليوم فهو أقل اهتماما بالقيم مما يتسبب في إنتاج شعور بالفراغ وعدم الوضوح وعندما يتوجهون للدين يجدون القيم والأهداف معرفة بشكل أوضح مع شعور بوجود من يوجههم. ويتابعون «في ظل الأوضاع الأمنية الهشة يسأل هؤلاء ذواتهم كثيرا عن الحق بالوجود في البلاد وعلى هذا السؤال الدين يعطي أجوبة واضحة جدا. وينبه القائمون على الدراسة لدلالة مهمة جدا تترتب على ازدياد التدين لدى الجيل الصاعد الإسرائيلي لأنه هو الميزة الديموغرافية الأكثر تأثيرا على الموقف السياسي حيال الصراع والعرب وفلسطينيي الداخل. والمعادلة هنا واضحة فكلما زادت نسبة التدين لدى الإسرائيليين قلت أهمية القيم الديمقراطية والليبرالية وزادت التوجهات اليمينية لأنهم ببساطة يمتثلون للشريعة اليهودية أكثر من احترام قوانين الدولة.
إسرائيل دولة شريعة
ويخلص الباحثون المسؤولون عن الدراسة أن إسرائيل بالتالي ستصبح أكثر تدينا ويمينية وأقل ليبرالية وديمقراطية. وتؤكد الدراسة ما يستدل من استطلاعات ومؤشرات كثيرة أخرى أن اليسار في إسرائيل أصيب بجراح بالغة ويائسة في العقد الأخير حيث يعرف 16% فقط منهم على أنهم يساريون و 10% أنصار المركز. و10% فقط لدى العرب (فلسطينيو الداخل) يرون أنفسهم يساريين اليوم مقابل 25% لدى اليهود و 50% لدى العرب عام 2004. ويعتبر اليمين في إسرائيل هو الفائز من هذه التحولات أما لدى العرب فالرابح هو معسكر الوسط. وفيما تهيمن نسبة الرجال لدى اليهود اليساريين في إسرائيل فإن أغلبية اليساريين في المجتمع العربي هم من النساء. ويشير القائمون على الدراسة أن الانزياح اليهودي نحو اليمين بدأ خلال الانتفاضة الثانية ورغبة الفلسطينيين بالقضاء على إسرائيل.
أجوبة اليمين قاطعة
كما يعتقدون ضمن تفسيرهم لهذا الواقع أن اليمين يقدم أجوبة واضحة حول الأرض، الدين والدولة مقابل يسار يقترح بدائل ليبرالية أكثر بكثير ومع خيارات كثيرة ويخلو من قيادة موحدة ومن أجوبة قاطعة يسهل الالتفاف حولها. وتربط الدراسة بين التطرف القومي والديني وبين تفاؤلهم المتدني اليوم حيال أحلامهم المادية نتيجة ظروف اقتصادية ليست سليمة تتجلى بغلاء المعيشة.
انقلاب 1977
لكن هذه الدراسة الإسرائيلية الواسعة والمهمة تغفل خلال قراءة التحولات، دور مناهج التعليم الصهيونية المتطرفة المشبعة بالمواد العنصرية منذ وصول الليكود للحكم للمرة الأولى عام 1977 منذ 1948. ويبدو أن المدارس الإسرائيلية تعلم تلاميذها بأن الديمقراطية هي حكم الأغلبية فقط ولذا فهم يؤيدونها ولكنهم يعارضون تطبيق دلالاتها الليبرالية تجاه الفرد والأقليات والمرأة الخ.
وتكشف أن 35% فقط من الشباب اليهود يؤمنون اليوم بمساواة سياسية كاملة للمواطنين العرب في إسرائيل مقابل 59% عام 1998. وهذا برأي الباحثين نتيجة البيئة المتطرفة أيضا التي ينمون فيها، كيف لا وهم يشاهدون رئيس الحكومة ووزراءه يحرضون مباشرة ضد المواطنين الفلسطينيين بصفتهم « طابورا خامسا خطيرا».
في المقابل تظهر الدراسة أن الشباب الفلسطينيين في الداخل أكثر تفاؤلا رغم الأزمة الاقتصادية. ويرى القائمون عليها أن ذلك ينبع من عوامل عدة منها تحسن المستوى الاقتصادي في السنوات الأخيرة لديهم نتيجة ازدياد عدد الأكاديميين منهم وانخراطهم أكثر بسوق العمل.
تأثير الربيع العربي
ويعتقد الباحثون أن الشباب الفلسطينيين اليوم أكثر براغماتية من الماضي وأقرب للبحث عن أمن اقتصادي أكثر مما عن أهداف مثالية كدفع مسيرة السلام. ويتنبه الباحثون للدور الكبير لحالة الفوضى والاستنزاف في المحيط العربي على رؤية الشباب الفلسطينيين في الداخل مما يعمق إدراكهم بأن حياتهم أكثر استقرارا في إسرائيل رغم التمييز العنصري. ناهيك عن كون تطلعاتهم المادية أكثر تواضعا من نظرائهم اليهود. وعلى خلفية العزوف الملاحظ جدا عن السياسة داخل أراضي 48 تشير الدراسة إلى أن الشباب الفلسطينيين اليوم يتجهون نحو مشاغل مادية تتعلق بحياتهم، وسعادتهم ورفاهيتهم وهم فقدوا الثقة بقدرتهم على التغيير والتأثير داخل دولة تدير ظهرها لهم كأقلية ولذا يفضلون استثمار طاقاتهم بتطورهم الشخصي.
في المقابل تتجلى خطورة رؤية الإسرائيليين الجدد باعتبار 60% منهم أن فلسطينيي الداخل لم يسلموا بوجود إسرائيل وأنهم كانوا سيدمرونها لو استطاعوا. والمفاجئ بنظر المشرفين على الدراسة أن نصف الشباب الفلسطينيين وافقوا معهم.
ويقترح القائمون على الدراسة أفكارا لتحسين الأوضاع : علاقات عامة مكثفة حول دلالات الديمقراطية، وتعديل مضامين التعليم، وزيادة الاتصالات بين الشباب الإسرائيليين والفلسطينيين.
وديع عواودة
هذه المقالة تهمني لسبب جوهري هي جزء من موضوع رسالتي للماجستير( أيام زمان ).وقبل معهد «ماكرو» للاقتصاد السياسي ؛ توصلت فيها
إلى مضمون ما جاء في المقال لغاية 1977 بل إنّ من الخطأ النظرإلى الكيان الصهيوني إلا من زاوية الدّين اليهودي بكلّ طوائفه الدينية في الشرق والغرب.وللتذكيرفإنّ المؤتمرالصهيوني الأول ببازل في سويسرا( 1897 للميلاد ) بدأ أعماله بالصلاة اليهودية المنيان.فأية علمانية ويسار
تقولون ؟ هي موجودة أساساً في صلب الشخصية الصهيونية قبل الآن ؛ وحينما درست اللغة العبرية ( القديمة والمستجدة ) لمست كم هي لغة دينية قبل أنْ تكون لغة محكية كباقي لغات الأرض.لوقلنا ذلك ربما لم يصدّقنا أحد من الكرام كما صدّقوا معهد ماكرو( الماكر).تحياتي للكاتب.