ربما لا يتفق معي الكثيرون في هذا التفسير، ويقولون إنه يعتمد على معيار المؤامرة في تفسير ظاهرة الثورات العربية ومآلاتها، مع أنها ظاهرة شعبية بامتياز مطالبة بالتغيير وتحسين ظروف العيش والحياة، ونحن لا نختلف في هذا الأمر، بل ونؤكدّه، ذلك أن الشعوب هي صانعة الثورة وحارسته الأمين، ولكن عندما تتلهى هذه الشعوب عن حراسة ثورتها التي ناضلت من أجلها سنوات طويلة، وضحت بالنفس والنفيس من أجل هذه اللحظة التاريخية، فإنها ستفقد ما حققته في ثانية من الزمن، لأن المتربصين بالثورة كُثر، وأعداء حرية الشعوب أكثر، وسأقدم محاولة لفهم ما جرى في هذه النقاط. – تقوم الثورات في العادة من أجل تحقيق الثلاثية المشهورة الحرية والمساواة والعيش الكريم، وبما أن مرحلة ما بعد الثورة هي مرحلة انتقالية صعبة تتطلب الصبر والرضا بالقليل، إلا أن الشعب المظلوم والمكلوم يستعجل تحقيق هذه الأمور، فيحدث الانفصال بين الشعب صاحب الثورة والنخب الحاكمة قائدة الثورة لأن هذه الأخيرة لا تستطيع تلبية كل الطلبات، وهذا الانفصال من شأنه أن يؤدي في النهاية إلى هدم المنجزات التي تحققت لا مواصلة التشييد والبناء، ولنا في التراث العربي حكمة تقول: ‘من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه’. – الثوار بعد الانتصار وتحقيق الهدف الأول في مسيرة الثورة ألا وهو التخلص من الديكتاتورية والطغيان، تختلف تطلعاتهم فتجد الكثير منهم يجري وراء المكاسب واقتسام الغنائم، فيحدث الشرخ بين تطلعات الشعوب وحسابات النخب، وهذا كله على حساب الثورة، وأهدافها المستقبلية في البناء والتنمية. – الاختلاف الإيديولوجي والاصطفاف الفكري وانتهاج الفائز في الانتخابات نهج المغالبة لا المشاركة في تحقيق أهداف الثورة، جعل الثوار ينقسمون حيث أصبحت عداوتهم بعضهم لبعض أكثر من عداوتهم لمن ثاروا ضده، والمشهد المصري دليل على ذلك، فالشركاء في الثورة في الأمس القريب من الإسلاميين كالإخوان وغيرهم أصبحوا في نظر البعض اليوم شياطين لا يمكن التعايش معهم بل يجب إقصاؤهم واستئصال وجودهم، وفي المقابل يأخذون أعداء الأمس أي فلول نظام مبارك بالأحضان والمدح. – هناك توافق غربي عربي أي الأنظمة – على إفشال ثورات الربيع العربي ذلك أن حسابات الغرب لم تكن في محلها، فالبديل الذي صنعوه ودربوه ودعموه لم يكن في المستوى، و لا يحظى بأي شعبية، مما يجعل تطبيق مبادئ الديمقراطية في البلاد العربية مخاطرة لا تحمد عقباها، وخطر على مخططات الغرب في المنطقة. – ربما تكون هناك صفقة فيما يشبه الاتفاق بين الدول الغربية وبعض الدول العربية خاصة الخليجية، وصيغة هذه الصفقة هي كالآتي: تتراجع الدول الغربية خاصة أمريكا وفرنسا وبريطانيا عن مناصرة الثورة السورية والتنصل من عهودها والتزاماتها في دعمها من أجل تحقيق الهدف الرئيسي ألا وهو إسقاط الأسد وذلك إرضاء لإسرائيل، في حين تقوم هذه الدول العربية التي تستشعر الخطر من الربيع العربي الذي اكتسى زياً إسلامياً في مصر وتونس وليبيا في تنفيذ مخططاتها في الإطاحة بالنظامين المصري والتونسي، وهذا ما يفسر السر وراء تراجع الدول الغربية في تنفيذ تعهداتها تجاه الثورة السورية بالسلاح والعتاد الحربي القتال، وفي المقابل تسكت الدول الغربية عما حدث في مصر من انقلاب عسكري مفضوح على إرادة الشعب المصري المدعوم خليجياً، إذاً فالانقلاب العسكري مخطط من أجل إرضاء الإرادات القوية في الشرق الأوسط، من إسرائيل المستفيد الأول من الانقلاب التي ترفض إسقاط بشار الأسد وتحلم بإرجاع مصر إلى حظيرة الاعتدال العربي كما كانت في عهد مبارك، إلى إيران المستفيد الثاني التي تريد الحفاظ على بشار الأسد، ولا تحب نظام الإخوان في مصر لأنه ينافسها على قيادة العالم الإسلامي ويأخذ من يدها العديد من أوراق التفاوض مع الغرب كالقضية الفلسطينية، إلى الغرب عموما – بما فيها روسيا – الذي يؤرقه وصول الإسلام السياسي إلى الحكم، أما المستفيد الخاسر في الوقت نفسه فهي الأنظمة الرجعية العربية التي تتآمر على شعوبها وتريدها أن تعيش حياة الرق والعبودية، أما الخاسر الأكبر فهي الشعوب العربية التي ظنت في لحظة السكر بالانتصار بأن ما حققته كفيلا بأن لا يعيدها مرة أخرى إلى الوراء، ونست بأنها في عالم يسيطر عليه الانتهازيون، وللأسف رجعت القهقرى إلى ما قبل لحظة الثورة، وكأن ما عاشته في العامين والنصف العام مجرد حلم لم يتحقق على أرض الواقع. – قد يقول البعض بأن تدخل الجيش المصري لم يكن انقلاباً، بل هو استجابة للجماهير التي استدعته في 30 من جوان حيث أدى واجبه الوطني لأجل التقليل من هوة الانقسام التي سادت المجتمع المصري قبل 30 جوان، إلا أن الملاحظ بعد الانقلاب الذي تم في 3 جويلية يرى بأن وتيرة الكراهية قد زادت، والانقسام في المجتمع قد اتسع، وحدثت ردة كبيرة في مجال احترام الحريات والحق في التعبير والتظاهر السلمي، وأصبح إزهاق النفوس لا يثير البعض، مما يهيئ الوضع أكثر للدخول في أتون حرب أهلية الرابح فيها خاسر، والمنتصر مهزوم، ولكن السؤال المطروح هل تسمح أمريكا باندلاع حرب أهلية في مصر؟. هناك هدف تسعى أمريكا وإسرائيل من أجل تحقيقه في مصر، وربما تكون هذه المرة الفرصة السانحة، هذا الهدف يتمثل في كسر شوكة الإسلاميين في مصر باعتبارهم قوة لا يستهان بها هذا من جهة، ومن جهة أخرى تدمير الجيش المصري باعتباره الأقوى عربياً، وهذا ما يفسر الاستقطاب الحاد في مصر هذه الأيام بين الإسلاميين من جهة، والعسكر من جهة أخرى، وهذا السيناريو مقدمة لتقسيم مصر. سعدون يخلف [email protected]