التقيت منذ أيام في أبوظبي بالصديق الشاعر والروائي العراقي محسن الرملي، الذي يعتبر واحدا من أفضل الأصوات الشعرية والروائية في جيلنا، ومثلي بدأ شاعرا، لكنه لم يتخل عن الشعر أبدا، ويكتبه باستمتاع شديد، جنبا إلى جنب مع الرواية التي أبدع فيها أيضا. متحدثا عن بلده العراق تاريخا وحضارة وانتكاسا، وما زال هنا في قصيدة وهناك في رواية، يبدع، وقد حصلت روايته «حدائق الرئيس» التي صدرت بالعربية منذ سنوات، وكانت في القائمة الطويلة لجائزة البوكر، ومؤخرا بالإنكليزية، على أصداء كبيرة، في الغرب، وما تزال تحصد كثيرا من الأضواء، مؤكدة على عظمة الأدب العربي، حين يترجم بحياد، ويقرأ بعيدا عن عنصرية التلقي، التي دائما ما تطال آداب العالم الثالث، خاصة العالم العربي.
في ذلك اللقاء العابر، بسبب أنني كنت على موعد مع السفر، طلب مني محسن أن أعود إلى الشعر من جديد، وهو الطلب نفسه الذي حدثني به صديقي الشاعر محمد سليمان، منذ سنوات، مسجلا لوما لي بأنني تركت الشعر مبكرا جدا، وكان في إمكاني أن أجعله أخا للرواية، بدلا من هجره.
قال محسن إن الشعر الآن يستعيد مجدا مفقودا، بعد أن تكالبت الأقلام على كتابة الرواية وهدت حيلها، ليستيقظ ويبدأ في رسم خطوات جديدة على درب الإبداع، وتخطيط مستقبل مشرق في أسواق البيع الإبداعي، وأن أمريكا اللاتينـــــية، بسحـــريتها وغرائبيتها، تقيم سنويا مهرجانات حاشدة للشعر، يطوف فيها الشعراء المدن والقرى، ويحصدون جماهير، لن يحصدها كتاب الرواية، أيضا توجد حوافز كثيرة للشعراء، وتوجد جوائز، ويوجد التفات جيد، حتى في العالم العربي.
في الحقيقة كان الكلام جميلا، وهذا التغزل في الشعر لم يكن مجرد غزل عابر، إنما هو نتاج مشاهدات عن تجارب، خاضها ويخوضها محسن وغيره من الكتاب الشعراء، الذين أصروا على وجود الشعر في حياتهم، مزاحما للرواية، وأعتقد أن الحالات الطارئة المشحونة بسعرات عالية من التشنج، تكتب قصيدة والحالات الخامدة التي تتطلب وقتا من التفكير، ووقتا من الرسم والكتابة والحذف والإضافة،، تسعها الرواية. ويأتي وقت أحيانا أن يكتب الشاعر قصيدته، ويأتي الروائي داخله، ليحولها إلى ملحمة روائية، والمتتبع لروايات كثير من الروائيين العرب والغربيين، الذين كانوا شعراء وظلوا شعراء، أو هجروا الشعر، يجد تلك الإشراقات الشعرية دائما، يجد اللغة البسيطة المستوحاة من لحم القصائد، والعبارات الرنانة التي لن تخرج إلا من قلب شاعر، إضافة للمشاهد الحية التي يكتبها السرد، وعندي نموذج ممتاز لكتابة حداثية، في رواية «ابن القبطية» لوليد علاء الدين، الصادرة من عام تقريبا، هذه رواية حية، وإضافة بديعة للرواية، وكونها رواية أولى لشاعر كان مخلصا للشعر، أضاف لها الكثير من الجماليات.
وتأثرا بكلام الصديق محسن، بدأت أنفض الغبار عن مجموعات شعرية، لشعراء معاصرين، كنت قرأتها منذ زمن، ولم أعد إليها مؤخرا، وأيضا أدرجت في قراءاتي بعض القصائد الحداثية لشعراء شباب، وقد عثرت على تلك المعاني التي تلهم الشعوب، واضحة بلسان الشاعر وليس بلسان شخص بديل داخل رواية طويلة، ربما لن يكملها أحد..
القصيدة تتغنى بكل شيء وترقص أيضا، وممكن أن تلمع داخل نص روائي إن وضعها الروائي داخله، وقد اعتدت صياغة قصائد وأغنيات ووضعها داخل نصوص روائية، تحتاجها، مثل أن يكون أحد الشخوص شاعرا أو مادحا، أو مطربا يحتاج إلى أغنيات، وفوجئت مرة أن أحد المغنين انتزع واحدة من تلك القصائد، ورددها من دون أن يشير إلى أنها نص في رواية، كتبتها إحدى الشخصيات، لكني كنت سعيدا رغم ذلك.
الآن في رأيي كثرت الحاجة إلى الشعر، ذلك الذي يذكر الشعوب، وفي جمل قليلة مختصرة، بأنهم شعوب، لهم أوطان توشك على الضياع، وينبغي إنقاذها، ويذكر الإنسان، بتلك الصفات الغالية التي تساقطت من إنسانيته، ولم يهتم بلمها، فالحماس الذي ينتج من قصيدة مشتعلة، كان في الماضي كفيلا، بإشعال الدنيا، وأظنه الآن، إن عاد الشعر إلى عافيته الأولى، سيفعل ما كان يفعله، ودليل على ذلك أننا ما زلنا في مواقف كثيرة، نستعين بأبيات للشابي، والبارودي وأحمد شوقي، وحتى جيل عبد الصبور، وأمل دنقل، وكل الذين كتبوا قصيدة حداثية، فقط ترتدي ثياب الحماس الأولى التي كانت مفصلة للشعر، وشخصيا آردد فجأة وفي كثير من الأحيان، قصيدة عظيمة، لشاعر شاب، هي «ما لم تقله زرقاء اليمامة» لمحمد عبد الباري.
لنتحدث قليلا عن قصيدة النثر، تلك الصيغة الأخيرة التي وصل إليها الشعر، بعد تجارب كثيفة في شعر التفعيلة، وهي الصيغة المتعارف عليها الآن، حين نتحدث عن الشعر. هذه القصيدة، وأعني النثرية، تحتمل تعبئتها بالجماليات أكثر من غيرها، وفيها صور عظيمة، وتطرب حقيقة، ولا تحتاج إلى وضعها في قالب تقليدي، من أجل استيعابها والتفاعل معها، وقد لاحظت أن شعراء عديدين من أجيال متنوعة، وحتى من الذين كانوا يكتبون العامودي، والتفعيلة، الآن يكتبونها، وأحس بتجدد عظيم في كتاباتهم.
سؤال: هل يمكن لهذه القصيدة الحداثية، أن تثير الحماس إن تناولت مواضيع تهم الناس فعلا؟
نعم بالتأكيد، والذي يتابع ما ينشر الآن، متناولا حالات الشعوب العربية المختلفة، من حروب ودمار وتشتت، ومحاولات البحث عن أوطان بديلة، يدرك أن الشعر موجود، ويواكب الأحداث، بصورة عظيمة ومشرقة.
عموما، هي التفاتات تحدث فجأة، لأشياء جميلة في حياتنا قد نكون نسيناها وانشغلنا بغيرها. كنا نعشق الشعر، ونتبارى في كتابة القصة القصيرة، ثم جاءت الرواية لتشغلنا زمنا، والآن بدأ الشعر يشرق، وأيضا القصة القصيرة، التي رصدت لها مؤتمرات أيضا، ورصدت لها جوائز كبرى.
كاتب سوداني
أمير تاج السر
أديبنا المتألق. الكاتب المشرق أمير تاج السر
ذكرتني بمقولة للدكتور الناقد المعروف حسين سرمك. حين ميز بين لذة الشعر ولذة الرواية.
عندما تكتب نثرًا فإنك تطبخ الأرز. وعندما تكتب شعرًا فإنك تحول الأرز إلى نبيذ. طهو الأرز لا يغير من شكله، لكن تحويله إلى نبيذ يجعلك تثمل!
أرجو أن أتواصل مع الأستاذ تاج السر على البريد وشكرًت
شاعرنا وكاتبنا المشرق الأمير تاج السر. بعد التحية
ذكرتني بالشاعر الصيني ” وو كياد ” في توضيح الفرق بين الشعر والنثر ، معبرا عن ذلك بالبلاغة البوذية المركزة والمكثفة ، وبفن التشبيه المعروف الذي يشتق من حكمة الطبيعة التي تغنيها عن الكثير من الإطالات التفسيرية والاستطالات الكلامية :
” إن رسالة الكاتب مثل الأرز ، عندما تكتب نثرا فإنك ” تطبخ ” الأرز، وعندما تكتب الشعر فإنك تحول الأرز إلى نبيذ . طهو الأرز لا يغيّر شيئا من شكله ، لكن تحويله إلى نبيذ يغير شكله وخصائصه . الأرز المطبوخ يجعل المرء يشبع ، ويحيا حياة كاملة . النبيذ من جهة أخرى يجعل المرء ثملا ، ويجعل السعيد حزينا والحزين سعيدا . إن أثره ، وبكل رفعة ، يقع خارج الشرح ” .
يا شاعرنا المبدع , يا كاتبنا الفذ , يا ناقدنا المنصف …يا استاذنا امير تاج السر اسعدت مساءً وبعد!
الشعر هو تناسق زهور ملائكية في سلالٍ ابداعية, هي نغمات ربانية تتوارد دون حاجةٍ في تشذيبها , لانها لا نشازجية المزاج , هي توارد خواطر غيبية وترصيعها بجواهر لفظية , وتعابير ( بندية ).
من باب محبتي لك اخي امير , تقبل مني هذه الهدية التي كُتِبت قبل ربع قرن , وسامحني لوقاحتي باقتحام ابواب امارتكم .!!
بأول غَتة الرُحراح…
شافتني هدى..
وكان النهار اول ما ابتدا…
انا ما شفتها !!
يمكن كان هاجم عليّ الطساس..
يا الله والعليم …ضاربني العمى..!!
—————–
وبعد ما توجهت نحو اليسار…
وقَبلت…تَكَمّل المشوار..
وحياة الله ..والنبي المختار
ما عرفت شو الي صابني…!!
مدري غفة ندى ..
مدري صيحة حدا…
يا اما داهمتني هلوسي..
او كأنها قرصة تابعة لملمسي…
وتخيلت ..اني سمعت صوتها…
ومن ورا السريس والعبهر…
حاملي عراسها بوطها…
——–
بسملت..ثلاث مرات…
وخزيت ابليس..عشر مرات
وشديت حالي بالمشي…
بس صوت التابعة…
حاشيني حشي…
————
وبعد ما صرت ازرب عرق…
تململت..عند ما ظهري برق..
شفتها….!!
وعشني كنت عنها بعيد…
ودقات قلبي..من الخوف
نازلي ترعيد..
ناديتها…ناديتها..
ناديتها واستنيتها تترد!!..
**********
غابت هدى
غابت هدى !!
قبل ما ترفع ايدها وتروح..!!!
وتسكن بهالقلب ..حفنة جروح…
سبيتها ؟!..
بقطع لساني اذا سبيتها…
حبيتها ؟..
ولكو آه شو حبيتها..
تصورتها بجنون..
نحتّها قطعة كون..
.وخبيتها
وعملت من حالي رواية اثم…
ورويتها .
******
ان كانت بعض الكلمات مبهمة؟! فعندنا نحن الفلسطينيين القرويون هذه كلمات ومسطلحات دارجة مع الشكر والسلام