مع نشر هذا المقال في جريدة «القدس العربي» سيكون الأسرى الفلسطينيون قد أكملوا شهراً كاملاً مضربين عن الطعام، وهم يقتاتون على الماء والملح وحدهما، وسوف يكون الشعب الفلسطيني قد أكمل أيضاً 69 عاماً وهو ينتظر تنفيذ القرار 194 الصادر عن الأمم المتحدة بإعادة كل اللاجئين الفلسطينيين الى بيوتهم التي تم تهجيرهم منها.
يُشكل الأسرى الفلسطينيون حالة نضالية استثنائية ذلك أنهم يعيشون المعاناة يومياً ويواجهون السجان طوال الوقت، إضافة الى كون وراء كل أسير فلسطيني عائلة تعاني هي الأخرى بغيابه وتنتظر لحظة الفرج، كما شكَّلت الحركة الأسيرة طوال السنوات والعقود الماضية رأس حربة في انتزاع العديد من المكتسبات، وهو ما يجعل إضراب الكرامة على قدر كبير من الأهمية، ويجعل منه حلقة لا يمكن تجاهلها في سلسلة النضال الفلسطيني المستمر منذ عقود.
وطوال سنوات نضالهم ظل الأسرى محل إجماع وطني فلسطيني بعيدين عن التباينات الفصائلية، وبدا ذلك واضحاً جلياً في صفقات التبادل التي كانت دوماً تشمل أسرى من مختلف الفصائل وليس من أبناء الفصيل الذي يقوم بعملية التبادل، وفي الوقت ذاته فان الاسرى ظلوا على الدوام وقوداً لإعادة إحياء القضية الفلسطينية ولفت الأنظار لمعاناة الشعب الفلسطيني، وهو ما يعني أن الفعاليات التضامنية مع قضيتهم سواء داخل الأراضي الفلسطينية أو خارجها هي أحد الأهداف التي يرمي لها إضرابهم وواحدة من النتائج التي يشكل تحقيقها إرضاءً لهم. يُدرك الأسرى الفلسطينيون أكثر من غيرهم أن إضرابهم عن الطعام قد لا ينتهي بتحقيق مطالبهم، إذ حتى المطالب المعيشية اليومية يستكثرها الاسرائيليون على الأسرى، كما أن اسرائيل لا تريد للفلسطينيين عموماً والأسرى على وجه الخصوص أن تكون لديهم أي ورقة ضغط لتحقيق مطالبهم بما في ذلك المطالب التي تشكل حقوقاً إنسانية أساسية، ولذلك كله فقد ينتهي إضراب الكرامة دون تحقيق مطالبه المباشرة، لكنَّ هذا لن يعني مطلقاً أن الاضراب ذهب أدراج الرياح، لأن موجة التضامن العربي والاسلامي والعالمي مع الاضراب أعادت التذكير بقضية فلسطين وفتحت حواراً حول العديد من الملفات المتعلقة بها، ابتداءً بقضية الأسرى وليس انتهاءً بقضية اللاجئين.
طوال الأسابيع الأربعة الماضية ازدحمت عواصم ومدن أوروبا بالفعاليات التضامنية مع الشعب الفلسطيني، واستعاد الشارع في الغرب مشهد المظاهرات التي ترفع العلم الفلسطيني وتهتف بكل لغات أهل الأرض: «الحرية لفلسطين»، واللافت في هذه التظاهرات والفعاليات التضامنية أن أغلب المشاركين فيها هم من الأجانب أهل البلد وليسوا من أبناء الجالية العربية والمسلمة أو من الفلسطينيين المقيمين في أوروبا، وهو ما يعيد التأكيد بأن الرواية الاسرائيلية الفاسدة لم تعد تنطلي على الغربيين، ويعيد التأكيد بأن الرأي العام العالمي بدأ يتغير ولم يعد مسانداً لاسرائيل كما كان في السابق، بل بات الجميع يعترف بوجود الشعب الفلسطيني وحقه بالحياة. إضراب الكرامة منح الناشطين المتضامنين مع فلسطين على مستوى العالم فرصة جديدة لشرح القضية والحديث عن فلسطين وفضح مجدداً الانتهاكات الاسرائيلية بحق الأسرى وأدى الى إعادة القضية الفلسطينية الى الواجهة، خاصة في الدول الغربية التي يفهم مواطنوها جيداً معنى الاضراب عن الطعام ومعنى انتهاك حقوق الأسرى والاساءة للمعتقلين مسلوبي الارادة، وهذه كلها إنجازات جديدة تضاف الى سجل نضالات الحركة الأسيرة في السجون الاسرائيلية.
يتوجب أن تتواصل الفعاليات التضامنية مع إضراب الأسرى، خاصة أن الاضراب بات متزامناً مع الذكرى الـ69 لنكبة الشعب الفلسطيني وتهجيره وقيام اسرائيل التي تمارس انتهاكاتها بحقه طوال تلك الفترة، ويتوجب أن تتصاعد وتيرة هذه الفعاليات فهي الرسالة الوحيدة التي يسمعها هؤلاء الأسرى، وهي الدعم الوحيد الذي يمكن أن يحصلوا عليه ممن هم في الخارج.
ومن المعيب جداً أن تكون الفعاليات في الأراضي الفلسطينية خجولة وضعيفة ولا تصل الى مستوى نظيرتها في مدن أوروبية، إذ هل أصبح الأوروبيون أكثر تضامناً مع الأسرى من الفلسطينيين أنفسهم؟ وهل باتت السلطة الفلسطينية – سواء في الضفة أو في غزة- تضيق ذرعاً بفعاليات التضامن مع الأسرى؟ وماذا عن الفصائل التي تنشغل بمعارك انتخابية ومنافسات حزبية بينما تترنح أمام قضية عظيمة بعظمة صمود ستة آلاف أسير فلسطيني؟!
الأسرى هم عنوان الصمود الفلسطيني، والتضامن معهم ولو بالقليل هو دعم لهذا الصمود، والاستمرار في التضامن داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها واجب لا يتجزأ ولا عذر لتاركه.
كاتب فلسطيني
محمد عايش