نواكشوط ـ «القدس العربي»: توسعت أمس نطاقات التنديد باستمرار اعتقال السلطات القضائية الموريتانية للسيناتور محمد ولد غده (شيخ مقاطعة تفرغ زينه شمال غرب العاصمة نواكشوط)، الموقوف منذ الجمعة الماضي ضمن التحقيق في حادث سير اقترفه السيناتور المذكور وأدى لمقتل سيدة وطفل وجرح عدد من الأشخاص.
فقد أبلغ مجلس الشيوخ أمس رئاسة الوزراء ووزارة العدل بقراره إلغاء إجراءات توقيف السيناتور غده التي تنال من حصانته البرلمانية التي يمنحها له الدستور، وذلك تطبيقاً من المجلس للمادة 50 من الدستور التي تنص على «أنه لا يرخص في توقيف عضو من أعضاء البرلمان خارج دوراته إلا بإذن من مكتب الغرفة التي ينتمي إليها سوى في حالة التلبس بالجريمة والمتابعات المرخص فيها أو حكم نهائي بشأنه». لكن السلطات القضائية لم تستجب لقرار الشيوخ وواصلت توقيف السيناتور والتمهيد لمحاكمته.
وأعلن الحسن ولد محمد زعيم المعارضة الموريتانية في بيان وزعه أمس «أن الحادث الذي اقترفه السيناتور ولد غده، فعل تنتفي فيه صفة العمد، وخطأ خال من الرعونة وعدم التبصر، وصاحب الحق فيه عفا وتنازل وأسقط الدعوى، فضلا عن تفعيل مجلس الشيوخ للفقرة الأخيرة من المادة 50 من الدستور التي يقتضي إعمالها توقيف اعتقال الشيخ وإخلاء سبيله».
«إن استمرار اعتقال الشيخ وإحالته إلى السجن على الرغم من المعطيات السابقة، يضيف زعيم المعارضة، ليؤكد بجلاء انعطاف الموضوع نحو المحاسبة السياسية وتوظيف المصالح الأمنية والقضائية لتصفية الخصوم، وهو ما تعضده طبيعة المعاملة القاسية واللاقانونية مع الشيخ، حيث تعرض للمضايقة والمنع من زيارة الأهل والمحامين وتفتيش الهواتف والمذكرات والأغراض الخاصة بشكل مهين وسافر، كما تم منع عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الموقرين من زيارته والتضامن معه».
وأكد زعيم المعارضة في بيانه على «ضرورة احترام القانون والمؤسسات وضمان استقلالية القضاء، وعدم استخدامه كمطية لتصفية الحسابات السياسية»، مديناً ما يرى زعيم المعارضة أنه وقع «من انتهاك للقانون ومساس بهيبة ومكانة المؤسسة التشريعية، مما يؤكد الخلل القائم في مبدأ فصل السلطات».
وطالب زعيم المعارضة «السلطة الحاكمة بإطلاق سراح الشيخ فوراً وتمكينه من ممارسة دوره السياسي والبرلماني والاعتذار له ولغرفته المحترمة وللشعب الموريتاني عما حصل من إهانة واستهتار بأحد ممثلي الشعب».
وفي بيان آخر أعلن حزب تكتل القوى الديمقراطية بزعامة أحمد ولد داداه «أنه يتابع باهتمام بالغ ما يتعرض له عضو مجلس الشيوخ السيد محمد ولد غده من سوء معاملة وصلت إلى إحالته للسجن المدني بمدينة روصو، على إثر حادث سير راح ضحيته خطأً، شخصان كما تعرض شخص ثالث لجروح، في حين لم يرفع ذوو الضحايا أي دعوى ضد الشيخ».
وأدان الحزب «بشدة عدم احترام الحصانة البرلمانية التي يتمتع بها الشيخ محمد ولد غده، وما تعرض له من إهانة»، مطالباً «السلطات بالإفراج الفوري عنه طبقاً للفقرة الثانية من المادة 50 من الدستور، والفقرة 5 من المادة 101 من نظام مجلس الشيوخ، المفعلة بقراره رقم 01/2017 الصادر بتاريخ 15/05/2017 والقاضي بطلب تعليق احتجاز المعني».
وبهذه التطورات تشتد الأزمة بين نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز ومجلس الشيوخ، وهي الأزمة التي كانت قد بدأت في الثامن عشر من آذار/مارس الماضي عندما أسقط الشيوخ تعديلات دستورية كان الرئيس يود تمريرها عبر البرلمان.
وأوضح موقع «أكيد» الإخباري الموريتاني المستقل في تحليل نشره عن هذه الأزمة «أن هناك صراعاً غير معلن بين السلطة والشيوخ منذ إسقاطهم للتعديلات، ولكن هذا الصراع ظل في حدود عادية، وظلت السلطة جاهدة تحاول تجاهل المجلس ريثما يجرى الاستفتاء، لكن الشيوخ استمروا في اجتماعات لجنة المتابعة، مسددة في نسق تصاعدي سهاماً لمسار السلطة نحو التمهيد للاستفتاء، وبدأت اللجنة تطرح رؤية لأولويات لا تلتقي مع أولويات السلطة التي تعتبر نفسها خرجت للتو من حوار شامل بين ظفرين، بينما أعاد الشيوخ طرح مسألة التوافق الوطني».«وكان توقيف تجديد الجوازات الدبلوماسية لبعض الشيوخ، يضيف موقع «أكيد»، مظهراً من مظاهر التأزيم، غير أن المظهر الأبرز بدأ بعد وقوع حادث سير مع الشيخ محمد ولد غده الجمعة 12 أيار/مايو 2017 على طريق روصو والذي راح ضحيته سيدة وطفل وبعض الجرحى، فقد تعاملت السلطة مع الشيخ من منطلق الإدانة منذ اللحظة الأولى وهو ما أثار حفيظة الشيوخ الذين بادروا في ليل الجمعة إلى عقد مؤتمر صحافي عبروا فيه عن أملهم في أن تكون الإجراءات التي اتبعها الدرك مع زميلهم مجرد تجاوز للقانون يمكن علاجه.»
وزاد «لكن سارت الأمور على غير ما يشتهي الشيوخ صبيحة الاثنين فقد أحيل السيناتور ولد غده إلى وكيل الجمهورية وبدا أن التحقيقات ستطول وهو ما دعا الشيوخ إلى رفض لقاء وزيرة العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني والدعوة لجلسة مفتوحة لتفعيل الفقرة الأخيرة من المادة 50 من الدستور الموريتاني التي تتيح لهم تعليق إجراءات متابعة زميلهم». وتساءل الموقع في آخر تحليله قائلاً «هل ستستجيب السلطة لطلب المجلس أم ستزيد من سعة فوهة البركان؟».
عبد الله مولود