البشير وترامب: موسم الهجرة إلى الشمال؟

حجم الخط
7

تقدّم رواية الكاتب الراحل الطيب صالح «موسم الهجرة إلى الشمال» رؤية مأساوية لمصير علاقة بطلها السوداني المهاجر إلى أوروبا تنتهي بقتله زوجته البريطانية وهجرته المعاكسة عائداً بعدها بسنوات إلى بلاده.
النص، الذي اعتبر واحداً من أهمّ مئة رواية عالمية، يمكن أن يشكّل خلفيّة عميقة للعلاقة المضطربة بين السودان والغرب (بالنسبة للمشرق العربي أو الشمال حسب التقسيم الجغرافيّ قياساً بالجنوب الذي تمثّله افريقيا) وقد يفيد أيضاً في إعطاء بعد أدبيّ للرحلة السياسية التي قطعها الرئيس السوداني عمر البشير منذ عام 2009 حين بدأت المحكمة الجنائية الدولية عمليّاً بملاحقته بتهم ارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية (وتبعه حكم آخر عام 2010 بتهمة ارتكاب جرائم إبادة) مرتبطة بالنزاع في دارفور الذي أدّى إلى مقتل ما لا يقل عن ثلاثمئة ألف شخص.
ورغم أن البشير لا يستطيع إعادة التاريخ إلى الوراء أو الاستئناف ضد الحكم الدولي الصادر بحقّه فإنه مع ذلك حقّق نجاحا بمقاييس كسر قدرة المحكمة المذكورة على تطبيق حكمها وكان خروج طائرة البشير خلال مؤتمر قمة الاتحاد الأفريقي عام 2015، بعد محاولة محكمة فيها إصدار حكم بوجوب تسليمه التزاماً بالقوانين الأممية، إحدى النقاط الدراميّة الكبيرة التي أدت المواجهة فيها بين الأمم المتحدة وجوهانسبرغ إلى مفترق كانت نتيجته الفعلية انتصاراً للبشير، ولو بصيغة الهروب المتّفق عليه مع جنوب أفريقيا ما كان ممكناً ألا تحضر فيه مواضعات الصراعات القديمة والجديدة بين القارتين.
أركان هذا الصراع كانت موجودة أيضاً خلال القمة الطارئة للاتحاد الأفريقي عام 2013 والتي خصصت للنظر في إمكان انسحاب جماعي لدول القارة من المحكمة الجنائية الدولية والتي شارك فيها الرئيس السوداني، وما كان لهذه القمّة أن تعقد أو لدعوة مقاطعة المحكمة الدولية أن تجد صدى لولا مطاردة المحكمة لرؤساء أفارقة ولشخصيات حكومية في دول أفريقية عديدة بينها كينيا وليبيا ومالي والكونغو وأوغندا وأفريقيا الوسطى إضافة للسودان على خلفية اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
تشكّل القمة العربية الإسلامية التي ستعقد في الرياض مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرصة مهمة جداً يريد الرئيس السوداني استغلالها وسيشكل قبول ترامب وجود البشير مع الزعماء العرب والمسلمين الآخرين سابقة سياسية لا نظير لها لأن تطبيع علاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع السودان ورئيسه سيكون له مفعول هائل ضمن المنظومة الدولية.
الحكومة الأمريكية، من خلال سفارتها في الخرطوم، كانت واضحة في معارضتها حضور البشير للقمة الإسلامية الأمريكية وعليه فإن الأغلب أن المراهنة السودانية لن تكون محسومة.
الواضح أن رياحاً عديدة، وخصوصاً القادمة منها من دول الخليج العربيّ، تدفع مراكب الرئيس السوداني نحو التطبيع مع العالم، وهو ما يحمّس البشير على المراهنة على القمة المقبلة معتمداً على هذا الدعم وربما على فرضية أن ترامب رئيس لا يحب الالتزام الدقيق بالبروتوكولات الدبلوماسية والقانونية لكنّ الواقع الذي لا ينصاع للمراهنات هو أن كسر قرارات أممية في موضوع لن يجلب فائدة كبرى لواشنطن هو أمر خارج الحسابات.
تقدّم وضعيّة الرئيس السوداني إشكاليّة كبرى عربية وأفريقية وعالمية لأنها تثبت مجدّداً محدودية فعل القوانين الدولية والهيئات التي يقوم عليها النظام الأممي فإمكان تطبيقها يتعلّق بداية باتفاق الدول التي تمتلك حقّ النقض على تحويل القضية إلى المحكمة الجنائية، وهو ما يمنح بعض أكثر الطغاة توحّشاً في العالم كالرئيس السوري بشار الأسد رخصة أممية بالقتل، كما يمنح دولة إسرائيل وضعية الدولة الأعلى من القانون.
… وحين تنجح في إصدار أحكامها، كما حصل مع البشير، فإنها غير قادرة على إلزام العالم بها، مرّة لأنها زرعت الشكوك في عدالتها، ومرّة لأن تداعيات صراعات الشمال مع الجنوب والغرب مع الشرق وآلام «العالم الثالث» المستديمة ما تزال تتفاعل.

البشير وترامب: موسم الهجرة إلى الشمال؟

رأي القدس

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ع.خ.ا.حسن:

    بسم الله الرحمن الرحيم. رأي القدس اليوم عنوانه (البشير وترامب: موسم الهجرة إلى الشمال؟)
    العدالة الدولية العوراء، التي تعطي دول حق النقض الخمسة رخصة في القتل الوحشي والتدمير عبر العالم دون مساءلة،هي عدالة المهزلة التي لا تطبق الا على الضعفاء الذين لا ظهير لهم من الدول الخمس اعلاه.فتدمير العراق-حضارة وعمرانا -على يد امريكا عام 2003 وادخال ميليشيات ايران على ظهر الدبابات الامريكية لاتمام مهمة التقتيل الوحشي وتدمير عمران اهل السنة في العراق ؛ومن ثم اهداء العراق للنفوذ الايراني التوسعي والذي لا يزال يسير على النهج الامريكي والميليشيات الشيعية في التقتيل والتدمير مباشرة او بواسطة عملائه الذين ينصبهم حكاما.
    ومن اشهر المطلوبين لمحكمة الجنايات الدولية حاليا هو الرئيس السوداني عمر البشير والذي زار كثيرا من الدول دون ان تنجح هذه المحكمة في القبض عليه.وسيكون حضوره للقمة العربية الاسلامية الامريكية، في الرياض – ان حدث -مسمارا كبيرا في نعش هذه المحكمة. ومع ان ما ينسب الى البشير من جرائم لا يقاس في وحشيته وبشاعته بما ارتكبته، ولا تزال ترتكبه اسرائيل في حق الشعب الفلسطيني منذ سبعة عقود ولا تصل جرائم البشير الى معشار ما ارتكبه نظام بشار الاسد بحق شعبه منذ اكثر من 6 سنوات. واسرائيل ونظام الاسد محميان ومعهما كرت اجرام ووحشية ابيض من اكبر رعاة الاجرام الدولي وهما امريكا وروسيا
    ومن النادر تنجح المحكمة الجنائية الدولية في احكامها، ولكن(حين تنجح في إصدار أحكامها، كما حصل مع البشير، فإنها غير قادرة على إلزام العالم بها، مرّة لأنها زرعت الشكوك في عدالتها، ومرّة لأن تداعيات صراعات الشمال مع الجنوب والغرب مع الشرق وآلام «العالم الثالث» المستديمة ما تزال تتفاعل.) وتعطل وتتهرب من التنفيذ

  2. يقول سامح //الأردن:

    *القوانين (الدولية) لا تطبق
    إلا على الضعفاء من دول العالم الثالث
    المنكوبة.
    *(أمريكا ) رأس النفاق العالمي مستعدة
    أن تسامح (البشير ) على شرط أن
    (يبصم ) ويكون تابع لها.
    سلام

  3. يقول تونسي ابن الجمهورية:

    البشير هو ديكتاتور تعيس مثله مثل غيره حل بانقلاب مع الإخوان المسلمين ثم انقلب عنهم وواصل مشروعه وهو مشروع إسلام سياسي بكل المقايييس …ادى الى تقسيم البلاد و حروب انفصالية فى البلاد و جرائم ضد الشعب السوداني فى دارفور و غيره من المناطق …فى السياسة العبرة بالنتائج و نتائج هذا الديكتاتور هى الخراب للسودان و الشعب السوادنى …تحيا تونس تحيا الجمهورية

  4. يقول Passer-by:

    أليس من السخرية بمكان أن البشير مطلوب من قبل المحكمة الدولية ورأس النظام الأسدي غير مطلوب أو بوتين أو الخائنئي؟؟!!!. هذا أكبر دليل على أنها محكمة مسخرة وبالتالي لا يجب إحترام ذرة من قراراتها مع تحفظنا طبعاً على جرائم البشير وسواه في كل أنحاء العالم؟

  5. يقول Dinars:

    البشير هذا بشير شؤم على السودان. فهو غراب لم يجلب الخير للسودانيين الذين قضى كثير منهم بسببه. لا يسانده ولا يحميه إلا من هو مثله.

  6. يقول بلحرمة محمد المغرب:

    نحن مع تطبيق العدالة في كل مكان في العالم وضد اي شخص ثبت بالادلة والبراهين ارتكابه جرائم ضد الانسانية ولكن ما نرفضه رفضا قاطعا هو ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين ففي الوقت الدي نرى المحكمة الجنائية الدولية تصدر مدكرات توقيف بحق رؤساء دول فاشلة وضعيفة نجدها تصمت صمت القبور امام فظائع وجرائم الكبار الدين اداقوا الانسانية الامرين فاين هم قضاة المحكمة المدكورة من جرائم بوش الابن وفريقه من المحافظين الجدد وطوني بلير واثنار وجون هوارد؟ الا يرى القضاة الموقرون بام اعينهم ما ارتكبته العصابات الصهيونية ولا زالت من جرائم يندى لها الجبين بحق الفلسطينيين؟ متى سمعنا مدكرات توقيف بحق مجرمي الحرب الصهاينة؟ الم تكن هده المحكمة بمثابة السيف المسلط على الضعفاء فقط واداة في يد المنتصرين لتصفية الحسابات مع خصومهم والضغط عليهم لاجل ترويضهم؟ كيف سيقنعني احدهم ان هده المحكمة هي مؤسسة لتطبيق العدالة الدولية؟ لو كانت كدلك لراينا الكثير من حكام العالم وراء القضبان جراء ما ارتكبته اياديهم الاثمة من جرائم في حق الانسانية بدل تمتعهم بحياتهم البادخة في قصورهم ومزارعهم الخاصة ويخوتهم فادا كانت المحكمة الجنائية الدولية تطالب براس البشير فالمطلوب منها ان تكون عادلة ومنصفة وهي التي تدعي تمثيلها العدالة في تعاملها مع كل المجرمين عبر العالم والا سنبقى نشكك في نزاهتها واستقامتها وجديتها وبالتالي عدالتها الغائبة.

  7. يقول ابراهيم .السودان:

    البشير يجب ان يحاكمه شعبه اذا ثبت عليه جرم ولكن ان تحاكمه امريكا وفرنسا وبريطانيا وروسيا اصحاب الجرائم والابادات الجماعيه علي نطاق العالم فهذا ما لا يمكن حدوثه بتاتا . العداله قي مجلس الامن الدولي انتقائيه وعلي حسب المصالح ولا تطبق الا علي الضعيف القانون الذي يسود في العالم حاليا هو قانون الغاب القوي يفترس الضعيف اما القوي في هذا العالم فلا احد يساله عن جرائمه .

إشترك في قائمتنا البريدية