من جبل النار الى غزة… أمهات وزوجات الأسرى المضربين عن الطعام يقاومن

سبعة وثلاثون يوما، مرت منذ بدء إضراب أسرى الحرية الفلسطينيين عن الطعام بتاريخ 17 نيسان/ ابريل. ماذا عن الغد؟
« تعبت من عد أيام الإضراب، 18 و19 و 20..» يقول أحد الأسرى الذين خاضوا تجربة الاضراب عن الطعام، سابقا: «في اليوم العشرين تشعر بأنك دخلت مرحلة اللاعودة، تبدأ بقراءة الفاتحة على روحك وروح رفاقك .. « … وكلما تلعثموا في قراءتها سهوا، أعادوها. كتبت الصحافية ميرفيت صادق، عن الاضراب في يومه العشرين، وهي ترصد وتوثق، مقاومة الاسير الفلسطيني في اضراب الكرامة. وهو ليس الاضراب الاول. مر به جيل بعد جيل من الاسرى، نساء ورجالا وأطفالا، تجاوز عددهم المليون ، منذ عام1967، حتى الآن. الاضراب أداة للمقاومة، حين يصبح الجسد ، في غياب كل سلاح آخر، السلاح الأخير، حين يعمل الإحتلال على تطويع الجسد ثم مسخ العقل ، اعتقالا، وخنقا للحركة، واهانة يومية في وطن تنبع فيه الحواجز وتتكاثر كما الاعشاب الضارة.
المقاومة مئات الأنواع. واضراب الاسرى عن الطعام، حتى يتم تنفيذ مطالبهم، هو واحد من وجوه المقاومة. وأبرز المطالب الأساسية: إنهاء سياسة الاعتقال الإداري، والعزل الانفرادي، ومنع زيارات العائلات وعدم انتظامها، والإهمال الطبي.
اعتصام أهالي الاسرى، في مخيمات التضامن مع الاسرى في ارجاء فلسطين، وجه آخر للمقاومة. تم نصب الخيام أمام كنيسة المهد في بيت لحم. في نابلس جبل النار. في طولكرم. في غزة. ووسط البلد في رام الله. ملونة بصور الاسرى . خيام تذكرنا باستقبال الحجاج واقامة الافراح والمآتم. خيام تجمع كل الفلسطينيين، ففي كل بيت أسير أو أكثر من أسير. نساء ورجال واطفال يتناوبون الجلوس في الخيام، كما المرابطات والمرابطون في باحة الاقصى، يحمون باجسادهم وهتافات التكبير المسجد المبارك من دنس المستوطنين واستفزازاتهم.
المتضامنون جالسون منذ الصباح حتى مشارف الليل. أهالي الاسرى يترقبون سماع اي خبر عن أحبائهم، خاصة، بعد ان توقف عدد منهم عن شرب الماء وتم نقل آخرين الى المستشفى. علقت على جدران الخيمة صور الأسرى. بلا ترتيب. صور صغيرة وأخرى كبيرة . تحيطها شعارات الصمود والمقاومة. امهات الاسرى يحتضن صور ابنائهم . « لم أحتضن ابني منذ 23 عاما. كان صبيا حين أعتقل»، تقول احدى الامهات وهي تضم الصورة الى صدرها بقوة، تمسدها، كما لو كانت تمسح على وجهه، لعلها تمنحه بعض الدفء لتحميه من آلام الجسد وبرده وجوعه وهو يستهلك نفسه.
أغاني المقاومة هواء تستنشقه رام الله . يسكت المنشد فيخفت صوت المتحدثين في الخيمة. أرى المارة واصحاب الدكاكين المحيطين بساحة الاعتصام، يصغون بترقب، حين تمسك طفلة، ترتدي فستانا طويلا لونه ابيض، بالميكروفون. تحكي عن شوقها لوالدها الأسير. انها تحكي بلا دموع ثم ترفع شارة النصر باصابعها النحيلة. « يا الهي كم ينضج الاطفال سريعا في بلادي»، تقول الاسيرة المحررة ايمان غزاوي ( 11 عاما اعتقال). تريد اسيرة محررة أن تلقي قصيدة مهداة الى زوجها الاسير المضرب عن الطعام والذي لم تسمع منه منذ بدء الاضراب، الا ان ابنتها تذكرها بطول الطريق الى البيت. المحامية وفاء زوجة القيادي الاسير مروان البرغوثي، المحكوم عليه بالسجن خمسة مؤبدات و40 عاما، تواسي احدى الامهات. الاسيرات المحررات حاضرات بقوة. ايمان نافع ( 10 سنوات اعتقال) تتنقل بين الاهالي لتطمئنهم وهي نفسها بحاجة الى من يسمعها خبرا عن زوجها نائل البرغوثي (قضى 36 عاما في السجن وحكم عليه بالمؤبد و18 عاما) . الروائية عائشة عودة ( 10 سنوات اعتقال) بهدوئها الساحر. عطاف عليان ( 14 سنة اعتقال) غائبة لأنها كانت تستقبل زوجها الكاتب وليد الهودلي ، المحرر بعد اعتقاله اداريا للمرة .. كم؟ يأتي الجواب : لقد توقفنا عن العد. مي الغصين ( 10 سنوات) لا تعرف ما الذي حل بزوجها « ثمان سنوات مرت لا ادري كيف انقضـــت. ثمان سنوات و انا ابحث عنك في الوجوه صاحبة الظلال الطويلة». هل لايزال حيا؟
الأسرى في حالة صحية صعبة. يقول الاطباء ان المضرب عن الطعام مدة تقارب الشهر يفقد عشرة بالمئة من وزنه ويبدأ بالتقيؤ حتى اذا تناول الماء ، وتبلغ الآلام حدا لا يطاق. يقول المحامون الذين سمح لهم بزيارة 40 أسيرا فقط، ان من بين العقوبات التى فرضت على الأسرى المضربين إخراجهم إلى الساحات مكبلين، وتعريضهم للشمس الحارة من الغرف أثناء المداهمات التفتيشية التي تتكرر مرتين يومياً، ومنع الملح عنهم ، وإغلاق نوافذ زنازين العزل لحجب دخول أشعة الشمس. وينقل الاحتلال الاسرى من سجن الى آخر ( أحمد سعدات ونائل وعمر البرغوثي) بهدف تشتيتهم وإضعاف الإضراب.على الرغم من هذا كله، يقول المقاوم كريم يونس الذي قضى 35 عاماً في معتقلات الاحتلال «لن نتراجع حتى ولو لمونا جثثا». وأكد الأمين العام للجبهة الشعبية النائب الأسير « أحمد سعدات « على تمسك الأسرى بمطالبهم الجماعية وشرعية إضرابهم حتى تحقيقها. « أما ان ننتصر أو ننتصر» ، يقول مروان البرغوثي . يشاركه الموقف المضربون الذين بلغ عددهم الألفين. ولو كانت الحاجة فرحة، والدة نائل وعمر وفخري البرغوثي، حية لما رضيت بأقل من ذلك ، وهي التي قالت للحارس الصهيوني الذي ناداها فرخة: «أنا فرخة، بس خلفت ديوك عشان يلعنو أبوك» .
ماذا بعد؟ ان وحدة الموقف الجماعي، بين المضربين، كلهم، هـــــذه المرة، وروح التضامن المتبــــدية في ارجاء فلسطين، تفتح بابا للتفاوض، باعتبارهم أسرى حرب – حرية، من قبل المضربين أنفسهم، بعيدا عن رطانة الساسة ومناورات ما خلف الابواب على حساب حياة المضربين ومأساة أهاليهم. انها وحدة نضال ومقاومة تهز ما هو أكثر من صورة العدو الصهيوني التزويقية. انها، عبر تضحية الاسرى باعلى قيمة في الوجود، تفكك اساس دولة بنيت على نهب الارض والعنصرية.
كاتبة من العراق

من جبل النار الى غزة… أمهات وزوجات الأسرى المضربين عن الطعام يقاومن

هيفاء زنكنة

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول غاندي حنا ناصر - كوريا الجنوبيه - سول:

    أ.هيفاء الأحترام والتقدير
    يأخذني شعور مستمر بأن شيئا في داخلي يبحث عن موسم للحصاد علّ هذا الأخير يجتثّ كل سنابل الحرقة والألم التي تنغرس قسرا بداخلي.
    في حضرتك سيدي أدرك أن بين الأسير والشهيد مسافة موت مؤجل. الشهيد يعطي عمره للوطن مرة واحدة ويتألم مرة واحدة ثم يزهر؛ أما الأسير فيهدي عمره للوطن في كل لحظة ويزهر بين اللحظة واللحظة مئات المرات. كما جعلتني أدرك أن بينك وبين اعمارنا المهترئة مسافة كرامة، ترتفع أنت بها ونُسحق نحن بها، فكرامتك أسقطت الزيف عن قناعاتنا، فأنت من داخل زنزانتك تحفظ كرامة وطن بأكمله أما نحن فمن داخل بلداننا لسنا قادرين حتى على حفظ صورة الوطن المحتل وندوس على كرامتنا مع كل أسير يُؤسر بلامبالاة سافرة.

    ————–
    إبن النكبه العائد إلى يافا
    لاجىء فلسطيني

إشترك في قائمتنا البريدية