‘الخطر السكاني’ بمتنزه اليركون

حجم الخط
0

كان هلال دقيق يبدو في السماء المسودة، وكان الوقت بعد رأس شهر ايلول (العبري) بيومين. وكما هي الحال في كل ليلة سبت ارتفع دخان الكوانين الابيض فوق مرج المتنزه، لكنه كان في هذه المرة دخان عيد، وهو عيد الفطر، وقد استولت جموع من العرب الاسرائيليين على متنزه اليركون. وجاء يهود اسرائيليون كثيرون ايضا الى المتنزه كعادتهم في ليالي الصيف، فكانت مواقف السيارات مليئة. كان هذا أول أمس مساءً في حدائق يهوشع في تل ابيب.
تحقق الحلم في لحظة ساحرة واحدة، فكانت دولة واحدة ومتنزه واحد لكل مواطنيها. ويمكن ان نرى في شواطئ يافا وجنوب تل ابيب في الايام الاخيرة جموع الفلسطينيين من المناطق ممن حصلوا على تصريح بالاحتفال بالبحر المُحرم، وفي متنزه اليركون شوى موشيه وغريشا ومحمد نفس سفافيد الكباب وخليط اللحم التل ابيبي الذي يثير الخيال. وكانت الموسيقى ايضا مختلطة ـ اسرائيلية وشرقية وروسية وعربية؛ وأسمع غير قليل من العرب أغاني إيال غولان بمكبرات الصوت. كان هناك تعدد ثقافات.
ربما ظهر في متنزه كل مواطنيه كثرة عربية وربما كان الامر نصفَ نصفَ. إنه ‘الخطر السكاني’ بكامل رعبه والحلم الصهيوني الذي اجتُث للحظة. ومع كل ذلك لم يحدث شيء: فقد شوى موشيه وغريشا ومحمد اللحم على النار بلا تشويش وكانت درجة شيّ اللحم تشغلهم أكثر من مقدار حقهم في البلاد. وانقض جموع الاولاد على دراجات متعددة الاطارات للتأجير. وكان من الممكن ايضا أخذ جولة على حصان بوني بعشرين شيكلا وعجلة قُرنت الى بغل بعشرة شواكل. وأثار أوز البحيرة تأثرا خاصا.
كأنما نُسي كل شيء لحظة في ليل السبت الزاهر هذا. نُسيت المخاوف والكراهيات والعنصرية والشعور القومي، وشمعون غابسو وداني دنون. في دولة الفصل العنصري هذه ما زال هذا المتنزه (وكثير غيره) حلالا للسكان جميعا بخلاف ما كان سائدا في الدولة الأصل، جنوب افريقيا ـ فها هو ذا نصر اعلامي (بالنقاط) لكم يا مُنكري الفصل العنصري. ولم تُسجل في المتنزه كما يمكن ان تشهد زيارة خاطفة أية حوادث عنصرية أو قومية ولا تحرشات بل ولا تنبيهات.
تحدثت قبل بضع سنوات هنا عن مشهد مشابه في متنزه مدرون يافو الذي كان جديدا آنذاك. واستمر الامر على ذلك منذ ذلك الحين في كل اسبوع. وتحدثت هنا قبل سنة عن العيد الاول الذي أجازوا فيه لجموع الفلسطينيين من الضفة الاستحمام في بحر تل ابيب، ولم تسقط شعرة من شعر رؤوس الاسرائيليين، وأثار في ذلك آنذاك ايضا تأثرا كبيرا. فهذه هي القطرات في البحر والتباشير التي يجب ان تبشر بشيء مختلف.
بدت حدائق يهوشع أول أمس كما يمكن وكما يجب ان تبدو الدولة. ومن الصبياني والهذياني ومن الحماقة ان نعتقد ان ما يحدث في ليلة واحدة في متنزه يمكن ان يصبح بمرة واحدة أمرا معتادا، وأنه يمكن ان نُنحي جميع المخاوف والكراهيات وان نشوي اللحم على النار ونصنع سلاما في ايام السبت معا. لكن بخلاف صراعات قومية حادة اخرى ما زال ذلك ممكنا هنا (الى الآن). في جنوب افريقيا وفي ايرلندا الشمالية وفي البوسنة وفي رواندا ما كان يمكن ان يوجد هذا الواقع في سنوات العداء هناك. ويجب ان نتذكر هذا، بعد ان عددنا جميع الصعاب والعوائق التي لا يمكن اجتيازها في ظاهر الامر، يوجد هنا شعبان يستطيعان في المستوى الانساني الأساسي (الى الآن) أن يجدا لغة مشتركة أوسع مما يُخيل اليهما. حاولوا ان تُدخلوا اسرائيليا وفلسطينيا من نفس الخلفية الاجتماعية الاقتصادية في غرفة واحدة، وحاولوا ذلك بعد ذلك مع اسرائيلي وسويسري فستجدون انه سيضحك أكثر مع الفلسطيني.
تخيلت لحظة في ليل السبت في المتنزه كيف يمكن ان يبدو كل شيء مختلفا؛ وكيف قد يبدو كل شيء مختلفا ذات يوم أو في ذات ليلة سبت بعد ان يترك الساسة والجنرالات والعاملون في الدعاية والصحافيون التحريضات والتخويف وغسل الدماغ، وبعد ان ينشأ العدل هنا حول المتنزه ايضا بعد مرور حلم ليل الصيف هذا.

هآرتس 11/8/2013

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية