أعلم أن موجة، بل موجات من اليأس تخيّم على الكثيرين، وتحكم البعض بخناقهم فينتقلون إلى الموقع السلبي.. لا يرون في الثورة، ومسارها، وما فعلته سوى أكوام الأخطاء، والتجاوزات، والموبقات.. وهناك من يعالي ويضخم، وهناك من يقتنص أي خطيئة، او تصرف مدان محسوب على الثورة كي يعممه، ويتخذه ذريعة، ودريئة، بل ووثائق دامغة لإصدار أحكام قاسية.. وهو ما يريده نظام الطغمة.. وهو ما يخطط له، وهو ما ينجح فيه عبر سياسة خبيثة تمكنت من نقل الأزمة إلى داخلنا.. ـ مراراً تناولنا السلبيات، وهي كثيرة، وعائمة، ولا تحتاج إلى منظّرين ومنقبين لمعرفتها.. لكننا نختلف في موقعها، وفي تأثيرها، وهل هي الثورة حقيقة، ام بعض ظاهراتها، وبعض فقاقيعها، وبعض تصرفات الراكبين عليها، وبعض ألوان ضعيفة من تشكيلها الأصيل؟ ـ هل يمكن لثورة بهذا الحجم، والتعقيد.. والتداخل ، والتدخل متعدد الوجوه أن تكون نقية تماماً؟ حلماً.. فقط.. نظيفة كما نشتهي؟ وأين هي الثورة التي لم تختلط فيها الألوان والممارسات المختلفة؟.. اي ثورة لم تمرّ بمراحل ضعف، وتراجع، وجمود في فترات ما؟ اي ثورة لم تعرف الأخطاء، وحتى الصراع الداخلي، والممارسات السيئة من بعض المحسوبين عليها؟ بل وحتى التصقيات والاحتراب وغير؟ فما بالكم بثورة يتيمة، وقد تعقدّت لوحتها، وكطال زمنها في وقت لم يكن الكثير يعتقد أنها ستكون بهذا التعقيد، والزمن، والأفق.. وبمعارضة متواضعة الأداء، شديدة الذاتية والمرض.. وثوار نزلت بهم عديد الخسائر والتصفيات المنهجة.. فعجزوا عن إنتاج قيادة من بين صفوفهم.. فاقتحمت معارضة ضعيفة الميدان.. وسبحت في التناقضات.. والمراهنات.. ثم سلّم كثيرها القرار الوطني للغير، أو استسهل الانزلاق تحت دعاوي الأمل، واستجلاب التدخل الخارجي؟ ـ الأهم من ذلك كله ونحن ننساق مع لعبة النظام في التكريه بالثورة وتحميلها مسؤولية ما يجري من دمار وخراب.. وموت.. وتطويف.. اننا ننسى الفاعل الحقيقي.. العدو الرئيس. المصيبة الكبرى الذي يقوم بكل أنواع الموت.. وكأن الثورة هي التي تقصف بالراجمات والصواريخ والطائرات والكيماوي والدبابات.. وكأن الثورة هي التي تحمل المذهبية أس حربة وتقوم بعمليات إبادة جماعية وتطهير عرقي.. وكأن الثورة هي الفاعل وليست الضحية. ـ نعم نظام الجريمة المنظمة عرف كيف يدمر المناطق التي تتواجد فيها الثورة.. في سياسية الأرض المحروقة لتصدير الزمة للثورة، وإشعار الناس أن وجودهم في أي منطقة أو قرية أو مدينة سيجلب معه القصف والنزوح واللجوء، والموت.. والفناء.. وننسى الذي يقصف، والذي يقتل. ـ نعم نحتاج وقفة مسؤولة لمراجعة مسار الثورة ومعرفة الإيجابي والسلبي.. بهدف تأمين عوامل الانتصار، وليس النزوح غلى اليأس، والانفضاض، والحيادية .. لأن الثورة مستمرة، وهي قدر شعبنا ووطننا، وطريقه للخلاص في سبيل بناء الدولة المدنية الديمقراطية.. مهما طال الزمن، وغلت التضحيات. ـ حاجتنا للتقويم تستلزم الالتزام بالثورة.. والإيمان بها سبيلاً وحيدا لتحقيق الأهداف.. وعندها يمكن أن يكون نقدنا بنّاء، ولصالح الثورة.. وليس لفشّ الخلق، والتنفيس، والهروب من واجباتنا. ـ الثورة تحتاج أبناءها المخلصين اليوم أكثر من اي وقت مضى كي يكونوا عوناً لها، وليس عبئاً عليها.. وحين ذاك يمكن علاج الأخطاء والسلبيات، ورسم خارطة طريق حقيقية للمخارج، وبناء معادلة القرار الوطني المستقل غير القابل للبيع، والتجيير، والايجار.. والاستخدام. عقاب يحيى