القاهرة ـ «القدس العربي»: شياطين الإنس وهم الأخطر روعوا المصريين جميعا بالقيام بعملية قتل مروعة لثمانية وعشرين من أشقائنا المسيحيين، كانوا يستقلون أتوبيس في طريقهما لدير الأنبا صموئيل في صحراء المنيا في طريق ترابي، واستولوا على ما معهم وقتلوا معظمهم، وفيهم نسبة كبيرة من الأطفال والنساء، ثم فروا في اتجاه الحدود مع ليبيا.
وكانت العملية من الخطورة بحيث دعت الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى عقد اجتماع عاجل لقادة الجيش وأجهزة الأمن.
وقد حصر الرئيس السيسي الاتهام في تنظيم «داعش» وأعلن أنه أمر القوات الجوية بمهاجمة معسكر في مدينة درنة الليبية، التي جاء منها الإرهابيون الذين شنوا الهجوم. وكانت حملة جوية عنيفة شاركت فيها طائرات من مختلف الأنواع الحديثة، بما فيها الرافال الفرنسية. وهذا ثاني هجوم جوي تشنه مصر علي إرهابيين داخل ليبيا، الأول كان عندما ذبحوا عشرين من المصريين المسيحيين العاملين في ليبيا، فقامت مصر بضربة جوية في اليوم نفسه، والثالث الذي تشنه ضد ليبيا، الأول كان أيام الرئيس الراحل أنور السادات عندما قام الرئيس الليبي بتمويل مجموعة وضعت قنبلة في قطار مرسي مطروح – القاهرة، وتفجير مكتب البريد الرئيسي في ميدان العتبة في القاهرة، فأرسل السادات قوات صاعقة نزلت في قاعدة طبرق الجوية، وهاجمت القوات الليبية واستمرت العملية يومين، بعدها تلقى السادات تحذيرا أمريكيا شديدا بالانسحاب، إذ تخوفت أمريكا وقتها أن يكون السادات أرادها حجة لاحتلال ليبيا. واهتمت الصحف المصرية الصادرة أمس الأحد 28 مايو/أيار بمسلسلات رمضان، وكذلك الغالبية الكبيرة من الناس الذين تسمروا بعد الإفطار أمام القنوات. وشهدت صفحات الصحف حملات إعلانية كثيفة جدا، خاصة «الأهرام» و«الأخبار» و«المصري اليوم» ما عوض جزءا من خسائرها، بالإضافة إلى حملات إعلانية هائلة في الشوارع. كما تواصل الاهتمام بقرب امتحانات الثانوية العامة في الرابع من الشهر المقبل، والاقبال الكبير علي المجمعات الاستهلاكية وسرادقات «أهلا رمضان»، التي تبيع فيها الحكومة السلع بأسعار مخفضة عن الأسواق. كما أن الجيش يبيع سلعا بأسعار أقل من السوق مع ملاحظة أن الحكومة والجيش يحققان هامش ربح معقول. ومن أبرز القرارات التي اتخذتها الحكومة لصالح فئة كبيرة من المواطنين قرار تثبيت مئات الألوف من الموظفين، الذين كانوا يعملون بمكافأت. وكذلك ازدياد أعداد السائحين البريطانيين. وزيارة وزير الخارجية الروسي وزيادة الآمال في عودة السائحين الروس. وإلي ما عندنا من أخبار متنوعة….
نداء السيسي للرئيس الأمريكي
ونبدأ التقرير بالكلمة التي وجهها الرئيس للشعب عن الحادث وأبرز ما فيها قوله نقلا عن الصفحة الثالثة من «أهرام» السبت: «وجّه الرئيس السيسي نداء للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مؤكدا فيه أنه يثق في كلامه وقدرته على أن مهمته الأولى ستكون مواجهة الإرهاب في العالم، معربا عن ثقته في أنه قادر على تنفيذ هذا الامر بالتعاون مع دول العالم المحبة للإنسانية والسلام والأمن والاستقرار. وشدد على ضرورة معاقبة الدول التي تدعم الإرهاب وتقدم المال والسلاح والتدريب للإرهابيين دون مجاملة أو مصالحة مع هذه الدول. وناشد الرئيس المصريين بالانتباه وتوخى الحذر والحفاظ على تماسكهم، مشيرا إلى أن الجميع متألم ومجروح من حادث (أمس) ولكننا ندفع ثمنا كبيرا من أجل حرية حقيقية لبلدنا، الذي كان سيقع في إيدى التطرف والإرهاب، وكسر تماسك المصريين. موضحا أن استراتيجية تنظيم «داعش» هى عمل الفتنة بين المسلمين والمسيحيين في مصر، حتى يتم إيهام الشعب أن الدولة لا تحميه بالشكل الكافي، وأنه غير آمن في بلده. ومشيرا إلى أنهم يعملون منذ عدة أشهر على كسر تماسك المسلمين والمسيحيين اعتبارا من حوادث الاعتداء على الكنائس المصرية في الإسكندرية وطنطا والكنيسة البطرسية. إن تنظيم «داعش» يهدف إلى إسقاط مصر، باعتبار أن ذلك سيؤدي إلى أن تسود الفوضى في العالم بأسره. موضحا أن كل جهودهم تبذل لضرب الاقتصاد المصري والسلام الاجتماعي في مصر».
أمريكا والغرب والإرهاب
وعلى الرغم من أن الرئيس طالب الرئيس الأمريكي ترامب بالتعاون في مكافحة الإرهاب ومعه العالم ورد ترامب بإبداء التعاطف معه. إلا أن رئيس تحرير «الأهرام» محمد عبد الهادي علام اتهم امريكا والغرب بمعرفة كل معسكرات الإرهابيين قائلا أمس الأحد: «الضربة الجوية المصرية لم تأت من فراغ، ولم تكن سوى إجراء فوري ضد معسكرات يخرج منها الإرهابيون تحت سمع وبصر أجهزة الاستخبارات الغربية، ونعرف فقط عن تحذيرات قبل وقوع حوادث إرهابية من وسائل الإعلام الدولية، وهو أمر غريب فكيف تترك تلك الجماعات تعمل بحرية في بلد يُفرض حظر على تسليح جيشه، ويقف المجتمع الدولي لا يحرك ساكنا؟
زيف الإدعاءات
كما تعرض الرئيس السيسي لهجوم عنيف جدا أمس الأحد من طارق أبو السعد في جريدة «المقال» الذي أبدى دهشته من مخاطبة الرئيس السيسي للرئيس الأمريكي، وقال في صفحتها الثالثة: «عقب حادث دير المنيا قام الرئيس السيسي بتوجيه خطاب للأمة شكلا، لكنه في الحقيقة كان خطاب استغاثة واستجداء إلى الرئيس الأمريكي. هذا خطاب لم يبث فينا قوة ولم يحيي فينا أملا، أي عزة ونحن نستجدي طلب المساعدة الخارجية من امريكا، أي قوة وهذا الاعتداء يكشف عجزا شديدا في المواجهة الداخلية، ما دخل أمريكا بما حدث في المنيا؟ أليس الشأن شأنا مصريا؟ المجرمون الإرهابيون مصريون، والاعتداء تم في أرض مصرية والضحايا مصريون، فلماذا استجداء التدخل الأمريكي؟ لقد أذلنا هذا الخطاب وهذا الاستجداء، كما لم يبث فينا قوة وحماسا لنخوض معاركنا مع الإرهاب ففي الخطاب قال الرئيس إن مصر لن تتردد في ضرب معسكرات الإرهابيين في الداخل والخارج، هذه الجملة لا تزيدنا قوة، بل تضعفنا لأنه ببساطة إذا كنا قادرين على ضرب هذه المعسكرات، لماذا لم يتم ضربها حتى الآن؟ هذه الجملة تكشف لنا زيف الادعاءات التي سمعناها آلاف المرات، من أن معسكرات الإرهابيين انتهت وتم تدميرها، هذا خطاب أفقدنا الثقة في إعلامنا، وفي تصريحات مسؤولينا أيضا، أفقدنا الثقة في الأمن ومدى جاهزيتهم للتصدي للإرهاب، فعندما يقول الرئيس إنه ومن شهور قال للأجهزة «خلي بالكم، مهمتهم في سوريا خلصت، دمروا سوريا خلاص وأول ما المقاتلين بدأوا يرجعوا من حلب، قلت خلي بالكم، فيه جزء من المقاتلين هيجولنا هيتحركوا من تجاه سيناء واتجاه المنطقة الغربية للحدود المشتركة بيننا وبين ليبيا». وتتم بعدها كل هذه العمليات ضد المسيحيين فلابد أننا نشك في قدرات الأمن».
قتل المسيحيين
ونبقى مع فاجعة قتل أشقائنا المسيحيين قبل ساعات من بدء أول أيام شهر رمضان الكريم وقتل أكثر من عشرين، أغلبهم من الأطفال، كانوا في طريقهم لدير الأنبا صموئيل في صحراء محافظة المنيا، وقول أحمد سامر في «المقال» عن الحادث: «إطلاق النار على حافلة كانت في طريقها لدير الأنبا صموئيل في محافظة المنيا، يأتي نتيجة طبيعية في ظل مناخ عام ديني واجتماعي مسمم ومأزوم بخطابات التطرف الإسلامي، التي لم تفتقد التبجح والغطرسة، والتي لم تقتصر فقط على جماعات العنف المسلح والجهاد الإجرامية، بل وصلت حتى إلى الأوساط الرسمية. واقعتا سالم عبد الجليل وعبد الله رشدي الأزهريين اللذين تفننا في تكفير المسيحيين ووصف العقيدة المسيحية بأنها عقيدة فاسدة، لا تزال أصداؤها سارية حتى تاريخه، ويدفع ثمنها الأبرياء من أبناء الوطن، ومن ينكر أن هنالك اضطهادا دينيا، اجتماعيا وسياسيا للمسيحيين فإنه شخص بلا ضمير وبلا مبادئ، ولا يكترث لسلامة الوطن واستقراره. أعزائي القراء أشارككم الإفلاس، فالوطن على شفا حفرة، والأزمة باتت حاسمة في تحديد مصير مصر في السنوات المقبلة جردوا الأزهر من أي وصاية على الدين والتشريع أو الاجتماع، عدلوا الدستور ليكون دستورا علمانيا يفصل فصلا تاما وواضحا بين الدولة والدين، أطلقوا العنان لأقلام المفكرين والمبدعين لينهشوا جسد الأصولية الدينية دون رحمة، عدلوا من المناهج التعليمية ونقحوها من كل أفكار التخلف والرجعية، كونوا جادين وصادقين في محاربة التطرف، فدون ذلك سيستمر الوطن في النزيف، وسيدفع المزيد من الأبرياء الثمن من حياتهم وحياة أبنائهم، وسيستمر المنافقون في التأكيد على أن الارهاب لا دين له».
الطائفية والمذهبية مطلوبتان
ومن «المقال» إلى «اليوم السابع» ورئيس تحريرها التنفيذي أكرم القصاص مقاله اليومي الذي يكتبه تحت عنوان «كأنه» وقوله فيه: «مرات كثيرة كانت التنظيمات الإرهابية تنفذ عملياتها في رمضان، وكانت أكبر مجزرة ارتكبها الإرهابيون ضد جنودنا في رفح وهم صائمون. واليوم اختار الإرهاب ليلة رمضان، الذي يمثل مناسبة مصرية بجانب أنها إسلامية. اللافت أن البعض يبدي دهشة من أن يرتكب الإرهابيون مجزرة في رمضان، وكأنهم يحسبونها فقهيا وإسلاميا، أو أن الإرهابي ينتظم في جلسات الحوار الديني قبل أن يفجر نفسه أو يطلق النار على الأطفال. وعلى الرغم من أن الشعور بالمصاب يتضاعف لكون الشهداء أغلبيتهم من الأطفال، لكن هذا لا يعني أن الأمر سيكون أخف لو كان الشهداء أكبر سنا. الواقع أن الإرهابيين لا ينشغلون بغير تنفيذ مخطط هدفه بث الرعب في المجتمع، وإحداث شرخ يكبر ليتحول إلى شق طائفي. هم لم ينجحوا لكنهم يفتحون الباب لمزايدات من أشكال مختلفة حول الحماية والتدخل، ومن يطرحون هذا لا يخلو طرحهم من خبث، لأن الطائفية والمذهبية مطلوبتان لذاتهما ضمن تحركات التنظيمات الإرهابية، ولم تنجح أي حماية أو تدخلات في منع توسع الإرهاب في العراق، وهي قضية يفترض أن ينتبه لها من يطنطنون في هذا السياق».
أين التنسيق الأمني؟
أما عبد الناصر سلامة في عموده اليومي «سلامات» في «المصري اليوم» فشن هجوما علي أجهزة الأمن رغم تحذيرات سابقة للسفارة الأمريكية في القاهرة من هذا الهجوم المتوقع وقال:
«الأربعاء الماضي حذرت السفارة الأمريكية في القاهرة رعاياها من عمل إرهابي، العملية الإرهابية في المنيا تمت بعد أقل من 48 ساعة من التحذير، ليست المرة الأولى كما التحذيرات الإسرائيلية العديدة أيضاً للإسرائيليين من زيارة سيناء، قبيل وقوع عمليات إرهابية. بالفعل يبدو أننا لا نتوقف كثيراً أمام تلك التحذيرات التي كان يجب أن تؤخذ على محمل الجد، ليس ذلك فقط، بل كان يجب أن نطلب تفاصيل المعلومات التي توصلوا إليها مبكراً قبل أصحاب الدار، فإما أن نتعلم ونستفيد منها، وإما أن نعي خيوط علاقتهم بالفاعل مادام هناك ما يُطلق عليه «التنسيق الأمني» بيننا وبينهم، أو ما هو أكثر من ذلك، وهو التعاون الأمني، وإلا فعلى ماذا نتعاون؟ أتصور أن وزارة الداخلية يجب أن تصدر تقريراً حول ملابسات هذه العملية الأخيرة تحديداً، التي كان معظم ضحاياها من الأطفال الأبرياء. ماذا فعلت بعد صدور التحذير الأمريكي؟ وكيف تعاملت معه؟ وفي أي اتجاه سارت وكيفية تعاملها مع مثل هذه التحذيرات بشكل عام؟ ولماذا لا تصدر التحذيرات من مصر قبل أن تصدر من آخرين، مادام الأمر يتعلق بشأن مصري؟ وإلى متى سوف نظل نتلقى تحذيراتنا من الخارج وإلى متى سوف يظل الأبرياء يسددون فواتير سياسية لا دخل لهم بها؟على أي حال أخشى ما أخشاه أن نظل نعلق فشلنا على شماعة الدين، ذلك أن الأمر لا علاقة له بالدين من قريب أو بعيد نحن أمام مشكلة سياسية من الألف إلى الياء، وبالتالي لم يعد مقبولاً استمرار أو تكرار مثل هذه النكبات دون مواجهة علمية، تضع في الاعتبار كل مجريات الأحداث في مصر، قبل أن تصبح مثل هذه الأنباء الكارثية اعتيادية، كما هو حال الأنباء المقبلة من سيناء على مدى ثلاث سنوات مضت، أطفال يتيتمون وزوجات يترملن وأمهات ثكلى وأسر تتمزق ولا حول ولا قوة إلا بالله».
وقفة حداد
وفي الصفحة الخامسة من العدد نفسه من «المصري اليوم» طالب صاحب الجريدة صلاح دياب في عموده اليومي، الذي يكتبه تحت عنوان «وجدتها» ويوقعه باسم نيوتن بإعلان الحداد في العالم العربي بقوله: «بعد ما حدث في المنيا، لا يسعني إلا أن أقول شيئا، الحزن والغضب يغلف الروح، كل ما أرجوه أن نقوم على الأقل بإعلان الحداد بعد هذا الحادث الأليم، نقف جميعا في كل أنحاء الوطن العربي في وقت محدد حدادا على شهداء أتوبيس المنيا، كما حدث في بريطانيا حين وقف الجميع حدادا على أرواح ضحايا حادث مانشستر، وإذا لم نتمكن من ذلك فعلى الأقل الوقوف حدادا في وقت واحد في كل أنحاء مصر، لنثبت أننا جميعا يد واحدة وقلب واحد ينزف ألما على الضحايا الأبرياء».
فشل المنظومة الأمنية
أما علاء عريبي في «الوفد» فاعتبر ما حدث فشلا أمنيا، وقال في عموده اليومي «رؤى»:
«بالفعل أغلب البلدان تشهد وقائع إرهابية، وصحيح لا يوجد أمن بنسبة 100٪ لكن هذا يقال بعد أن ننفذ ما يجب أن يكون ولا يقال، وأغلب قياداتنا الأمنية يجلسون خلف مكاتبهم يتبادلون النكات السخيفة. نحن فوضنا الرئيس ووكلناه لمحاربة الإرهاب، وتفويضنا هذا لا يعني أن نصبر على بعض القيادات الفاشلة، أو نرضى بخطط عفى عليها الزمن، يجب أن نعيد النظر في المنظومة الأمنية ككل، أشخاصاً وقيادات وبرامج وتسليحاً وخططاً، وآليات أمن المواطن أهم من البناء، وله الأولوية عن المدن والمزارع والمصانع. لم يعد من المقبول أن نشاهد دماء أولادنا تلطخ جدران الكنائس والسيارات والمدرعات والكمائن، إذا كان تحديث المنظومة يحتاج لأموال فالشعب يمكنه أن يشارك بالأموال وبالجهد وبالفكر، بشرط أن تخرجه المنظومة الجديدة من: «وهكذا دواليك».
رمضان كريم
ونبدأ بالشهر الفضيل فقد نشرت مجلة «روز اليوسف» تحقيقا لحسام عبد الهادي عن قصة إنشاء الزعيم خالد الذكر جمال عبد الناصر إذاعة القرآن الكريم فقال: «عندما وصلت معلومات عبر تقارير سرية تؤكد وجود نسخ من المصحف الشريف محرفة، كان قراره الفوري بالتصدي إلى ذلك العبث، من خلال إصدار اوامره إلى وزارة الأوقاف والشؤون الاجتماعية متمثلة في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية والأزهر الشريف، بضرورة تسجيل القرآن الكريم كاملا مرتلا برواية حفص عن عاصم، بصوت القارئ الشيخ محمود خليل الحصري، على اسطوانات، وتوزيع نسخ منها على المسلمين في جميع انحاء العالم الإسلامي، باعتبار أن ذلك أفضل وسيلة لحماية المصحف الشريف من الاعتداء عليه. وكان هذا أول جمع صوتي للقرآن الكريم، بعد أول جمع كتابي له في عهد خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم « أبي بكر الصديق «رضي الله عنه وأرضاه». قرار عبد الناصر بتسجيل المصحف المرتل جاء في شهر رمضان من عام 1382 هجرية الموافق 1963م، بعد أن لوحظ في اوائل الستينيات من القرن الماضي ظهور طبعة مذهبة من المصحف ذات الورق الفاخر والشكل الأنيق، فيها تحريفات خبيثة ومقصودة لبعض آياته منها قوله تعالى «ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين» (الآية 85 من سورة آل عمران). الخبث المقصود مطبعيا هنا ظهر في حذف كلمة غير فأصبحت الآية تعطي عكس معناها، وبناء عليه وفي الأول من رمضان من عام 1383 هجرية، أي بعد عام من تسجيل القرآن الكريم على اسطوانات، طلب من الدكتور عبد القادر حاتم وزير الثقافة والإرشاد القومي، وهي الوزارة المعنية بالإعلام آنذاك اتخاذ قرار بتخصيص شبكة إذاعية لإذاعة المصحف المرتل، الذي سجله المجلس الأعلي للشؤون الإسلامية والأزهر، ليصل كل مكان في مصر والعالم الإسلامي، وهو القرار الذي تم بناء عليه إنشاء إذاعة القرآن الكريم، التي استغرق إعدادها شهرين وعشرة أيام، بعدها انطلق صوت الشيخ محمد رفعت كأول مقرئ عبر أثيرها في الساعة السادسة من صباح الأربعاء 11 ذي القعدة من عام 1383هـ الموافق 25 مارس/آذار لسنة 1964 إيذانا بافتتاحها، ليصل صوتها إلى كل مسلمي العالم ليتواصلوا مع دينهم الإسلامي الحنيف، خاصة أن الراديو الترانزستور كان أفضل وسيلة لالتقاط إرسالها في العالم الإسلامي كله».
شهر المسلسلات
هذا ما كان من عهد خالد الذكر، أما الآن فقد عبر محمد عبد القدوس عن حزنه لما أصبحنا عليه وقال في عموده «حوار مع حائر» في جريدة «أخبار اليوم: «ومجتمعنا طرأ عليه تغير كبير ولم يعد مثل زمان، بدليل أن قطاعا واسعا من الرأي العام يرى رمضان شهر المسلسلات والتسلية والأكلات الحلوة والسهرات الجميلة، بينما العبادة والتقوى أمر ثانوي. وصعب على الواحد من هؤلاء أن يقرأ القرآن الكريم كله في الشهر الكريم، وأن يصلي التراويح يوميا وبانتظام، وأنا شخصيا أدعوك إلى ذلك وأبدأ بنفسي قدر إمكاني والقرآن الكريم يقول: «أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم». وأتعجب جدا من تلك المفارقة الغريبة التي نشاهدها في بلادي التي تعاني من أزمة اقتصادية طاحنة، وفي الوقت ذاته تجد مئات بل آلاف الملايين من الجنيهات تنفق على المسلسلات والتسلية، هل عندك تفسير لهذا التناقض؟ أنا شخصيا أراه يدخل في دنيا العجائب».
الأزهر والإرهاب
وإلى الأزهر والفكر الإرهابي والمتشدد، حيث نشرت «الوطن» حديثا مع الدكتور الشيخ محيي الدين عفيفي الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، أجراه معه سعيد حجازي، سأله فيه عن خروج متطرفين وإرهابيين من الأزهر، مثل الدكتور المرحوم عمر عبد الرحمن، وقتلة النائب العام السابق المستشار هشام بركات فقال: «لا يوجد «إخوان» أو «سلفيون» داخل مجمع البحوث الإسلامية، إذ لا توجد فيه أي شخصية مسؤولة، ولو كان مدير إدارة أو موظفاً من الموظفين يتولى مسؤولية، وله فكر يخالف فكر الأزهر. ومن يثبت أن لديه فكراً مخالفاً تُتخذ معه جميع الإجراءات القانونية. حينما ننظر إلى الأزهريين فنحن لا ننظر مطلقاً إلى حالات فردية، بل ننظر للأزهر باعتباره مؤسسة كبرى، وننظر إلى جامعة الأزهر باعتبار أن عدد من يدرسون فيها نحو نصف مليون طالب وطالبة، كما أن المعاهد الأزهرية يدرس فيها أكثر من 2 مليون طالب وطالبة، فأنت تتكلم إذن عن حالات فردية، فحينما يظهر شخص مثل عمر عبدالرحمن أو غيره ممن شذوا عن المنهج الأزهري فهل نحاكم المؤسسة بفكر شخص واحد؟ وهل في جميع مؤسسات العالم يُحكم على مؤسسة بفكر شاذ لشخص أو شخصين؟ وهل يمكن أن ينسف ذلك رصيد مؤسسة مثل الأزهر على مدار أكثر من عشرة قرون، ويقال عنها ما يقال الآن؟ فلماذا لا يقال مثل هذا الكلام إلا في هذه الفترة؟ ولماذا لم يظهر خلال القرون السابقة التي عاش فيها الأزهر مدافعاً عن الوسطية وعن القيم، وحائط صد في مواجهة التشدد والدفاع عن غير المسلمين؟ هذا ليس صحيحاً من قال هذا الكلام؟ فالأزهر يتبرأ من أي فكر يخالف منهجه، ولا يمكن قول غير ذلك، ولا يمكن أن تقبل شخصية أزهرية بما يفعله هؤلاء الذين خرجوا عن المنهج الأزهري الوسطي، الذي يمثل وسطية الدين واحترام الإسلام للإنسانية، وعدم إكراه الناس على اعتناق فكر معين باسم الجنة أو النار أو الحلال والحرام، فنحن نرفض ذلك في الأزهر رفضاً تاماً. وأقول على مسؤوليتي الشخصية، نحن نرفض توظيف الدين في السياسة، كما نرفض استخدام الدين وسلب عقول الناس تحت اسم الجنة والنار، فالله سبحانه وتعالى لم يعط أحداً «وكالة» لكي يتحدث بالنيابة عنه، وبالتالي حينما نرى أي إنسان لديه فكر شاذ نرفضه ونتبرأ منه، لأنه ليس حجة على الدين، فالإسلام حجة علينا، ولا يوجد أحد حجة على الإسلام».
استرداد الأراضي
وإلى معركة استرداد أراضي الدولة المنهوبة، التي أطلقها الرئيس وطلب من جميع الأجهزة الجيش والشرطة والمحافظين والوزراء استردادها من الذين نهبوها، مهما كانت مناصبهم وأوضاعهم، وقول إبراهيم خليل رئيس تحرير مجلة «روز اليوسف» الحكومية: «أقرب مثل لذلك ما حدث من ممثل آل مبارك مجدي راسخ، الذي استولى على أرض الصالحية بمشاركة صفوان ثابت وعدد من الإخوان، في مزادات وهمية ليتم بيعها لشركة الاستثمارات الليبية بعد اشتراط القذافي أن يكون مجدي راسخ هو ممثل جميع الشركاء. وفي هذا السياق قام بالمفاوضات مع مجدي راسخ أحمد قذاف الدم، الذي دفع 50 مليون دولار، إضافة إلى الثمن الزهيد لأرض الصالحية. وفي وقت سابق باع جميع الشركاء نصيبهم في الأرض لمجدي راسخ.
وبعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني تم تقديم مجدي راسخ للنيابة، وكان أحد الاتهامات هو استيلاؤه على أرض الصالحية. المفاجأة أن مجدي راسخ تم حفظ التحقيق معه في هذه القضية وقت حكم الإخوان لوجود شركاء له من الجماعة، على رأسهم صفوان ثابت. يأتي هذا العبور الجديد بإرجاع الحق لأصحابه في وقت ينتعش فيه الأمل بأن السنوات العجاف مرت، وأن فجر الدولة القوية أخذ في الانتعاش، وأن كل محاولات وأد آمال وطموحات الناس قد ولت إلى غير رجعة. لقد استعلمت من جانب واضعي اليد علي أرض المصريين والمتعدين على النيل كل أساليب التهديد والوعيد، ولم تؤد إلى أي نتيجة تذكر، وها هي يد الدولة تقتلع من على أرض مصر كل المغتصبين وواضعي اليد، مهما كان نفوذهم وتضخمت ثرواتهم، وأنه لا يصح إلا الصحيح ولو بعد حين، وما بني على باطل فهو باطل».
مافيا الأراضي
ومن مجلة «روز اليوسف» إلى «أخبار اليوم» ومقال الدكتور الشوافي منصور الأستاذ في جامعة المنوفية، الذي يكتبه تحت عنوان «صوت الجامعة»، حيث شبه قرار السيسي بقرار عبد الناصر تطبيق الإصلاح الزراعي بأن قال: «الرئيس السيسي اتخذ أهم وأخطر قرار في مصر بعد قانون الإصلاح الزراعي جمال عبد الناصر 1953»، باستعادة عشرات الآلاف من الأفدنة التي اغتصبتها مافيا الأراضي، سواء من خلال ثغرات القوانين، أو في غيبة القانون. والحقيقة أنه على الرغم من انني سعيد بهذا القرار، رغم ادعاء البعض أنه تم اتخاذه دون دراسة أو تقييم لآثاره السلبية على الاستثمار وشعبية الرئيس؛ وأن هناك جهات معينة وشخصيات على رأسها ريشة لن يمسها أو يطبق عليها هذا القرار، وأنه أدخل الرئيس السيسي حفر الثعابين، وليس خلية الدبابير، وأنا أقول بل إنه أعاد للدولة هيبتها وسلطانها؛ وللمسؤولين كامل صلاحياتهم، فيما كانت اياديهم مغلولة؛ محافظين وجهات أمنية في تنفيذ قرارات الاعتداء على أراضي الدولة وأرض مصر الزراعية؛ فكانت الدراسات الأمنية إياها تمنع الاقتراب من هؤلاء البلطجية واللصوص الحرامية المجرمين، كما وصفهم السيد الرئيس».
الثروات الكبرى
أما عماد الدين حسين رئيس تحرير «الشروق» فقد كان صريحا عندما اعترف بحقده على لصوص الأرض قائلا في عموده اليومي «علامة تعجب»: «الثروات الكبرى للمصريين في السنوات الأخيرة جاءت عبر أراضي الدولة، خصوصا الصحراوية والمستصلحة قبل ثورة يوليو/تموز 1952. كان الإقطاع في الأراضي الزراعية في الوادي والدلتا، الآن الإقطاع في الأراضي الصحراوية. لا أقصد بحق الدولة أن تصل إلى الموظف البسيط الذي حصل على عمولة أو إكرامية، تبدأ من مئة جنيه وتصل إلى ألف جنيه مثلا نظير استخراج ورقة أو وضع الختم عليها. أتحدث عن الحيتان الكبار خصوصا في الهيئات المختلفة في وزارة الزراعة وكل هيئة ومؤسسة رسمية ساهمت في وضع يد الكبار على ملايين الأفدنة من أراضي الدولة التي يقدرها البعض بثلاثة ملايين فدان، لو عاد نصفها فقط أو تمت تسوية وسداد حق الدولة لتم حل معظم مشاكل مصر، ولتحققت العدالة الاجتماعية، أو الجزء الأكبر منها. ربما أيضا في اللحظة التي سيضطر فيها كبار الحيتان إلى تسوية أوضاعهم أو تسديد مستحقاتهم، قد يعترفون بالذين سهلوا لهم الأمر، خصوصا أن هذه الأموال والإكراميات غير مسجلة رسميا. قد يتهمني البعض بعد قراءة السطور السابقة بأننى أحمل روحا انتقامية، الأمر ليس كذلك، على الرغم من أن هذا الموقف يتطلب روحا انتقامية من أولئك الذين ساهموا في سرقة أراضي الدولة. الانتقام ليس سيئا دائما، لكن الهدف الرئيسي من هذا الاقتراح هو توجيه رسالة مهمة وحاسمة ورادعة لكل من يفكر في التواطؤ على حق الدولة وحق الغلابة، ويبيع أراضيها وثرواتها لكبار الفاسدين أو من دون وجه حق أو بأقل من قيمتها».
فساد مقنن
ولو تركنا عماد في «الشروق» وانتلقنا فورا إلى «أهرام» السبت لنكون مع الدكتور محمد حسين أبو الحسن سنجده يقول في مقال له عنوانه «السيسي يقطع رأس الهيدرا» ؟ عن المصــائب والمفاسد في عهدي السادات ومبارك: «طيلة أربعين عاما مضت سقطت أراضي الدولة في قبضة أباطرة الفساد، تعدوا بفجاجة على ملايين الأفدنة، تفننوا في تكوين ثروات حرام بمئات المليارات بمساعدة مسؤولين تربحوا، نظير تسهيل الســيطرة عليها أو التغاضي عنها بوضع اليد أو التواطؤ أو خلافه.
ليس غريبا أن ينهب رموز نظام مبارك ورجال أعمال مقربون منه مساحات شاسعة من أملاك الدولة – أضف إلى ذلك عمليات الخصخصة- فساد مقنن في ظل مئات القوانين المنظمة للتصرف في الأراضي وتعدد الوزارات والهيئات التي لها حق الوصاية عليها، وتداخل اختصاصاتها مع صلاحيات المحافظين، أخذ القانون إجازة مديدة لأن «ترزيته» تعمدوا ترك ثغرات يستغلونها في تمرير النهب والفساد والسرقة، بل إن جهات رسمية كان لها نصيب من المال السايب.
أهدر النظام ثروات البلد أهداها على طبق من فضة لأصحاب الحظوة والسفاحين. استمر التواطؤ على حلب البقرة حتى شارفت الموت، ولا أحد لديه حافز لإفساد «الحفلة». وكانت الأراضي المنهوبة هي «الكرزة على قطعة الجاتوه» بينما سقط 40٪ من الشعب تحت خط الفقر وتدهورت أحواله اقتصاديا واجتماعيا، من سيئ لأسوأ على مدى عقود».
حسنين كروم