إسطنبول – «القدس العربي» : على شاشة القناة التركية الأولى يتابع الناس بعد الإفطار برنامجا رمضانيا فريدا، للوهلة الأولى يظن المشاهد العربي أنه برنامج مسابقات من طراز «عرب أيدول» أو «اراب جوت تالنت».
ثلاثة حكام بكامل أناقتهم يجلسون إلى طاولة تحكيم، خلفهم جمهور يصوت إلكترونيا، جمهور معظمه من السيدات المحجبات، اللواتي لا تكاد تراهن في جمهور برامج المسابقات العربية، المنتقى كعينة من النخبة أكثر منه عينة من المجتمع، ووسط مسرح حديث بكامل تقنيات الإضاءة والإبهار البصري شيد مجسم كبير لمصحف يجلس أمامه المتسابق لتجويد القرآن، ثم يطل مذيع يقدم المتسابقين ويأخذ تعليقات لجنة الحكام، عن الإدغام والغنة وطبقة الصوت ومقام الأداء، والحروف العربية ونطقها السليم، وتتخلل تلاوات القرآن فقرات قصيرة من الإنشاد الصوفي.
هذا البرنامج يبث في القناة الأولى، ولا تكاد تمر ربع ساعة حتى يدخل فاصل إعلاني تجاري لا يقل عن خمس دقائق متواصلة، ما يعكس حجم المشاهدة العالية التي يحظى بها البرنامج في تركيا.
قد تبدو الفكرة غير مستساغة للبعض، خصوصا ممن يرى قطيعة بين الدين والفنون، وهناك في المقابل من لا يستسيغ الفن، إلا حسب قالبه الشائع في الإعلام العربي التجاري الراهن، المبتذل في أغلب الأحيان، والمقلد في جميع الأحيان.
فجميع برامج المسابقات الشهيرة في القنوات العربية، هي نسخ ولصق عن مثيلاتها الغربية، تكاد تكون برامج مدبلجة للعربية، كما هو حال المسلسلات الأرجنتينية والتركية المدبلجة، وإن وجدت ما هو قريب لثقافتنا في العروض الفنية المقدمة، كالاغاني التراثية والقدود الحلبية مثلا، ستجد أنها ليست سوى محاولة تقليد للقديم، دون القدرة على إبداع مادة فنية جديدة تنتمي لواقعنا وهموم مجتمعنا المعاصر، رغم الملايين المرصودة للإنتاج الفني في تلك المؤسسات.
فالمال لا ينتج الفن.. فيروز والرحابنة بقليل من المال وكثير من الإلهام أنتجوا أرقى الأعمال المسرحية والغنائية، والكثير منها باللغة العربية الفصحى، وحولوا قصائد عربية لشعراء من وسط الصحراء لموسيقى عذبة في حدائق غناء أثرت الساحة الثقافية، ورافقت الوجدان العربي في القضية الفلسطينية، وأحيت تراثا عربيا دون حداثة مبتذلة.
يتجاهل الإنتاج الفني الرمضاني في الفضائيات العربية العربي هموم المجتمع الأساسية، الفقر والموت اليومي في كبرى حواضر المشرق العربي بالعراق وسوريا وفلسطين، فتجد برامج لتوزيع جوائز سخية بالمليارات والسيارات الفارهة، بينما الأعشاب هي طعام أطفال الموصل وريف دمشق على موائد فطورهم.
ليست مشكلة مؤسسات الانتاج المرتبطة بالنخب الحاكمة، التي تهيمن على الإعلام الفني العربي، أنها عاجزة فقط عن إنتاج مواد إعلامية وفنية تنتمي للمجتمع وثقافته، بل هي ايضا بعيدة عن نبض المجتمع.. كالقطاع الحكومي الرسمي، أو انها تفترض ان مجتمعها هو جمهور محدد تم تفصيله على مقاس ثقافي ما، ولا يعني أبدا إقبال عامة الجمهور على هذا الانتاج لجودته، بل لانعدام البديل وتدجين للذائقية العامة بعد عقود من احتكار الشاشة والاثير.
وما يزيد الطين بلة بالنسبة للجمهور العربي ليس فقط احتكار الإنتاج الفني، بل احتقاره ايضا. احتكاره من قبل نخب المال والسلطة العربية الحكومية، التي هي في الواقع نخبة واحدة تمتلك المال والسلطة معا. يبرز ايضا من الطرف المقابل قدر من الاحتقار للانتاج الفني، بل العداء المأزوم لكلمة فن، فالتيار الإسلامي الأصولي طلق الفن بالثلاثة، ليتزوجه خصومه ويفرضوا ذائقتهم على الجمهور، ويملأوا فراغا لا يمكن ان يبقى شاغرا في الهوية. وينشغل البعض في نقاشات حول الحلال والحرام مستندين لتأويلات تعكس اسقاط العادات والتقاليد لبيئة محلية محددة على النصوص الدينية، عادات وتقاليد تفرض مزاجها على الفهم الديني، وإن كان في فروع الدين وليس أصوله، وتتباين بين ابن البادية القبلي وابن الحاضرة والمدينة، لتجد مثلا ان علماء كبارا كابن حزم والغزالي والعز بن عبد السلام يناصرون الغناء والموسيقى «الغناء كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح»، بينما يأخذ مخالفوهم موقفا حادا من الغناء والموسيقى، رغم ان جمهورهم انتج بالنهاية فنه الخاص، كالاناشيد الذي يخضع بالنهاية للقواعد والمقامات الموسيقية، عندما يستمع للاناشيد وللقرآن المجود، وهي كلها فنون من ألوان الأداء الصوتي الغنائي الذي يعتمد على موسيقى المقامات والموشحات.
ويمتد الخلاف ليصل بين المذاهب والأقوام حول مرونة الموقف من الفن، فالاقوام ذوو الميل الصوفي كالاتراك، لهم نظرتهم الخاصة وتفسيراتهم للنصوص الدينية المتأثرة ببيئتهم المحلية وتراثهم، وهؤلاء الصوفيون، وهم يمثلون نسبة هائلة من عدد المسلمين بالعالم، تعتبر الموشحات والرقص المولوي والموسيقى جزءا راسخا من ثقافتها وذاكرتها، وفي بلد كتركيا وبعد ان تمكن الاسلاميون المحافظون رويدا رويدا من تلوين الإعلام المحلي بلونهم، اصبحنا نرى برامج رمضانية تقدم الفنون الإسلامية بلمسة صوفية تركية، منها برنامج مسابقات تجويد القرآن الذي تحدثنا عنه، وعدة برامج اخرى، حازت متابعة ورضى قطاع واسع من العرب المقيمين في تركيا ومنهم المهاجرون من العراق وسوريا، حتى من اولئك الغاضبين من سياسة حكومة انقرة، جراء مشاركتها العسكرية المرتبطة بالاجندة الأمريكية في شمال سوريا.
فالانتاج الفني الرمضاني للقناة التركية تجعلك تشعر بأنك تشاهد إعلاما ينتمي لمجتمعه، يمثل كل قطاعات المجتمع التركي وتياراته الثقافية، ولكنه بالوقت نفسه يمنح المساحة الاكبر لثقافة وقضايا اغلبية المجتمع، وينتج فنا من صلب ابداعه المحلي، وليس مقلدا كمواد النسخ واللصق، ورغم انها قناة تركيا الأولى المشاهدة، والمخصصة للمشاهد التركي والناطقة بلغته، إلا انها خصصت ساعة تلفزيونية كاملة لقصة وثائقية عن عائلة سورية نازحة من حلب، أصيبت الام بالسرطان، ثم قتل زوجها ونزحت لتركيا، ويقدم البرنامج في نهايته للأسرة السورية علاجا طبيا لمرضها بالسرطان، بعد ان يصور مراحل لقائها بالطبيب التركي والتشخيص، وبعد العلاج يرسل البرنامج فريق صيانة لتجديد بيتها، ثم يحتفل بأطفالها وهم يشاهدون شقتهم بعد التجديد مزينة بباقة ورد كبيرة وسط الصالة، مع مفاجأة خاصة للطفلة الصغيرة ياسمين بسرير جديد في غرفتها.. مادة في قناة تركية قريبة من اهتمام المجتمع التركي الإسلامي المحافظ المتعاطف عموما مع معاناة السوريين، بحكم الهوية والانتماء المشترك، بينما يندر ان تشاهد في رمضان مثل هذه المادة في قنوات فضائية عربية، توحي بأن القائمين عليها يعيشون في عالم آخر.
مؤسسات الإنتاج الفني العربية المرتبطة بالنخب الحاكمة بعيدة عن نبض المجتمع
يا اخي سبحان الله يحضر رمضان وتأتي معه بركاته
منذ سنين وانا مصاب بالعجز والسبات احد عشر شهرا بالسنه ولا حول ولا قوة الا بالله.
ياتي الشهر الكريم وتحل بركاته فيذهب المصاب والعجز والسبات وخصوصاً في النهار فمن يرى مسلسل الحربابيه ومشتقاتها لا بد ان يلبى نداء الطبيعه، اسغفر وانتظر الليل بشوق وأحمد الله على نعمه وشفائي من السبات .
يحل الليل وتباح المحظورات ولكن افلاطون يترك الفلسفه ويعود لسابته بالبنطلون ……يا حسرتي، ويا حسرة العرب