الناصرة – «القدس العربي»: لا تزال قضية أولاد اليهود اليمنيين الذين هاجروا الى فلسطين غداة النكبة واختفوا فجأة، تشكل جرحا مفتوحا. وكشف في إسرائيل، أمس، أنه أجريت عليهم تجارب مميتة، استنادا لرؤية عنصرية وغير إنسانية.
ويفتح هذا الجرح في كل مرة من جديد بعد الكشف عن تفاصيل جديدة تليها احتجاجات أهاليهم ووعود رسمية بالتحقيق باختفائهم. وتم على مر السنين تشكيل ثلاث لجان للتحقيق في القضية: لجنة بهلول – مينوكفسكي (1967)، لجنة شلجي (1988) ولجنة التحقيق الرسمي كوهين – كدمي التي تم تعيينها في يناير/ كانون الثاني 1995 وقدمت تقريرها في 2001. وحددت كل اللجان أنه لم يتم اختطاف اولاد في إطار القضية المطروحة.
ومع ذلك أشارت لجنة كوهين – كدمي، الى عشرات الحالات التي لم يتم فيها العثور على أدلة تؤكد وفاة الأولاد، لكنها تثير الشكوك بأنه تم «تسليمهم للتبني».
لكن عندما ستجتمع اللجنة البرلمانية، الخاصة بهذه القضية، الخميس، لمناقشة بروتوكولات لجنة التحقيق الرسمية (كوهين – كدمي)، يمكن سماع أصوات أخرى.
وتكشف صحيفة «يسرائيل هيوم» أن اللجنة ستناقش البروتوكولات عن افادات يكشف عنها لأول مرة، حول إجراء تجارب على أولاد يمنيين وهم على قيد الحياة، من دون مصادقة او معرفة عائلاتهم، علاج تجريبي أدى الى وفاة أربعة اولاد على الأقل، واختطاف بنت في مستشفى رمبام في حيفا، وتبني بنت من قبل أحد الأطباء في رمبام. كما وصلت الى الصحيفة صور لم يتم نشرها من قبل، تدل على توثيق بعض التجارب، وتؤكد بشكل واضح التجارب التي أجريت على الأولاد.
ففي إحدى الصور، على سبيل المثال، التي يظهر فيها أولاد عراة – كتبت كلمة «طحال» على بطن الولد، كجزء يبدو وكأنه محاولة لدراسة جسم الإنسان. وسيتم عرض هذه المعطيات والصور خلال النقاش من قبل رئيسة اللجنة النائبة نوريت كورن، الخاصة بقضية اختفاء أولاد اليمن والشرق ودول البلقان.
في إحدى صفحات البروتوكولات الكثيرة للجنة التحقيق الرسمية، تم وصف كيف أجرى الأطباء الإسرائيليون علاجا بالقسطرة الوريدية لأربع طفلات عانين من سوء التغذية، تم خلاله ادخال بروتين جاف الى الأوردة، الأمر الذي تسبب بموتهن. وفي إحدى الحالات تحاول المحامية درورا نحماني روت، النائبة من مكتب المستشار القانوني لحكومة الاحتلال التي كانت عضوا في اللجنة، إحياء ذاكرة د. جورج مندل، مدير مستشفى الأطفال في روش هعاين، وسألته: «في المستشفى الذي أدرته، لم يكن العلاج الذي حصل عليه الأولاد الذين عانوا من سوء التغذية جيدا، لم يكن ناجحا وسبب التدهور لحالة أحد الاولاد. هل تتذكر ذلك؟.
فرد قائلا «ربما، لا اعرف». وأصرت على سؤالها: «عندما تقول ربما، يبدو لي هذا غريبا، لأن هذه ظاهرة نادرة جدا في علاج من هذا النوع لأولاد آخرين». فرد عليها الطبيب مندل: «أذكر حالة واحدة او حالتين أمر فيهما طبيب مختص بإعطاء بروتين جاف، مصل، بلازما جافة والنتائج لم تكن جيدة». وسألته المدعية: «هل تتذكر حالتين فقط؟. سأعرض أمامك رسالة كتبها الدكتور مان». وتم في البروتوكولات اقتباس الرسالة التي وجهها الدكتور كلمان يعقوب مان، نائب المدير الطبي في المستشفى، الى الدكتور مندل في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 1949، التي كتب فيها: «زرت مستشفانا في رأس العين، وتبين لي انه ماتت اربع طفلات في ذلك الصباح نتيجة حصولهن على علاج فعال. أولئك الطفلات كن، بهذا الشكل او ذاك، في حالة متزنة حسب ظروفهن المادية والمرضية، ولكن بعد حقنهن بمحاليل مختلفة، اهتز التوازن فتوفين».
وفي بروتوكول آخر، يجري وصف طريقة تبني طفلة يمنية في مستشفى رمبام في حيفا، الأمر الذي من شأنه تأكيد الاشتباه بأنه تم اختطاف الأولاد الذين تم إحضارهم للعلاج. وهناك اتهامات بالعنصرية توجه للسلطات الإسرائيلية التي استخفت باليمينيين بسبب أصولهم الشرقية. وبينما تم إبلاغ عائلاتهم بأنهم ماتوا، تم تسليم هؤلاء الأولاد للتبني، وقد اعترف بذلك في حينه البروفيسور غالي باروخ، من الطاقم الطبي في رمبام. فقد قال للجنة التحقيق: «تعرفت على طبيب في حيفا، تبنى طفلة يمنية من مستشفى رمبام». ووصف الدكتور مندل في إفادة أخرى بأنه شاهد لدى أحد الجيران في كفار شمرياهو طفلة متبناة، لم تكن تشبه أبناء العائلة بتاتا. وقال «إنها كانت سمراء، وتذكرت أنني شاهدت هذا… انا لا أعرف عنهم تفاصيل أكثر».
ويعترف الدكتور مندل في بروتوكول آخر، بأنه أجرى بحثا على أطفال يمنيين أحياء، لفحص ما إذا كانوا يحملون خلايا الدم المنجلي (مرض دم يعاني منه أطفال أفريقيا ويسبب فقر الدم «انيميا»). وقال: «كان هناك شخص معروف ومشهور اسمه البروفيسور دمشق، وكان أخصائيا في أمراض الدم. وقد نظر الى الأولاد اليمنيين واعتقد انه يجب ان يكون لديهم دم السود. وقال – لماذا لا نفحص ذلك؟ وكان البروفيسور فريتس درايفوس (من هداسا – القدس) المسؤول عن ذلك. وأصدر الأمر ففعلنا ذلك. وتحمس البروفيسور درايفوس، وكتب مقالة في إحدى المجلات الطبية، يتضمن وصفا كبيرا لكيفية وصول اليمنيين وأين تجولوا في العالم وهكذا.. الكل جميل جدا.» وسئل الدكتور مندل عن كيفية فحص الأولاد، فقال: «اخذنا عينات من الدم لفحصها وما أشبه. وذات مرة جاء طبيب من المعروف انه أجرى الفحوصات الخاصة للهيموغلوبين في لندن، كان اسمه الدكتور لايمان، وقال إن كل شيء ليس صحيحا، وسقط كل شيء، ونحن كنا قد قلنا لليمنيين بأن لديهم دم السود!»
وقال مندل خلال إفادته»لم تكن هناك حاجة لطلب إذن من الأهالي. أرادوا معرفة ما يحدث لدى الأولاد اليمنيين. أخذوا أولادا ماتوا لأسباب مختلفة وفحصوا أوردتهم.. وفحصوا قلوبهم».
وشهد بأنه كانت هناك تسجيلات دقيقة للأبحاث التي أجريت على الأولاد، ولكن حسب شائعات وصلت إليه، فقد قام أحد ما بإبادة السجلات بعد سبع سنوات. وقالت النائبة نوريت كورن بعد اطلاعها على الإفادات والصور انها اطلعت على إفادات ووثائق وقصص تقشعر لها الأبدان وتصدم كل شخص. فالطاقم الطبي أجرى بحوثا وقدم العلاج غير المناسب للأولاد، ما ادى الى تدهور حالتهم ووفاتهم». وتؤكد إخفاء مسألة تشريح الجثث عن العائلات، وانهم لم يطلبوا منهم الموافقة على ذلك حسب القانون. وتتابع «هذه قضية تشكل جرحا داميا في المجتمع الإسرائيلي، ولذلك سأواصل العمل بكل قوة من أجل كشف الحقيقة واستكمال الصورة».
وديع عواودة