تنظيم «الدولة» لم يعد باقياً ولكنه يتمدد… خسر مناطق ولكنه توسع في خريطة العمليات عالمياً… وإدارة ترامب تريد تحقيق نصر سريع على ظهور الأكراد ولا خطة لديها لما بعد الرقة

حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي» : مع تواصل المواجهات حول الرقة، عاصمة ما يطلق عليها الدولة الإسلامية، تطرح عدد من الأسئلة حول التحضيرات الأمريكية لما بعد خروج تنظيم الدولة منها وهزيمته. فمن ناحية تعتبر خسارة الجهاديين لمعقل قوي من معاقلهم القليلة المتبقية في سوريا ضربة قوية لفكرة «الخلافة»، كما أن غياب الخطة التي ترتب الوضع وتشرف على العملية السياسية مهم من جهة أخرى. ويرى فردريك سي هوف من المجلس الأطلنطي في مقال له نشر على صفحة الموقع أن هناك ضرورة لتأمين الرقة بدون التسبب بكارثة إنسانية، مشيراً إلى أن العملية كان من المفترض عملها بحرفية عسكرية قبل نهاية ولاية باراك أوباما الثانية. ويرى أهمية وجود خطة تدعو للانتقال السياسي من حالة الدولة الفاشلة إلى الشرعية. ويعتقد أن العقبة الأولى والقاتلة للسياسة التي تهدف لجعل سوريا بلداً لا يرحب بالجهاديين هي المؤسسة السياسية الأمريكية التي ترى أن المهمة صعبة التحقيق، ولهذا تقوم وزارة الدفاع والقيادة المركزية بالإشراف على حملة يقودها الأكراد في العمليات ضد تنظيم الدولة لتقليل الخسائر الأمريكية، وكل هذا لتحقيق انتصار سريع. ولن يتحقق هذا بدون خطة يمكن تنفيذها لإعادة الإستقرار بالمناطق المحررة. ولكن الإدارة ترى أن العمل مع المعارضة السورية والانتباه للدروس التي تم تعلمها من الحملات في العراق وليبيا ينظر إليها المسؤولون على أنها عمليات بناء أمم.

حل سياسي؟

ويقول إن عدداً من المسؤولين الأمريكيين يستحضرون اسم أحمد الجلبي باعتباره سبباً لعدم التعاون مع المعارضة السورية في عملية إعادة الاستقرار بعد نهاية الحرب. ويقارنون بين الرجل العراقي الواثق بنفسه برياض حجاب، رئيس الوزراء السوري السابق الذي لم يحاول فرض نفسه على الداعمين الخارجيين. فالولايات المتحدة المستعدة لاستحدام ميليشيات للهجوم على تجمع مدني لا تعارض وزارة دفاعها إدارة المناطق المحررة من خلال مجموعة من اللاعبين المحليين لا عبر تحالف تدعمه إدارة سورية. ففي تصريحات لمبعوث الإدارة الخاص لدى قوات التحالف، بريت ماكغيرك في 19 أيار (مايو) لمح إلى بروز جماعات وشخصيات محلية في المناطق التي سيخرج منها الجهاديون. إلا أن جون ماتيس أشار في تصريحات أخرى إلى أن الولايات المتحدة موجودة في سوريا لتركيع تنظيم «الدولة». وأشار إلى أهمية الحل السياسي لكن القوات الأمريكية لن تكون موجودة هناك كي تحقق هذا. ومن هنا فالمهمة في العراق وسوريا تتمحور حول هزيمة عسكرية للجهاديين تماماً كما اعتقد الأمريكيون في عام 2003 احتلال بغداد كان بمثابة إنجاز للمهمة. فماتيس يتحدث عن حل سياسي بملامح غامضة لا يختلف عما يقدمه ماكغيرك بشرط عدم عودة نظام بشار الأسد إلى المناطق المحررة. ومن سيمنع النظام من العودة إليها في ظل تصميم كل من روسيا وإيران على جعل هذا حقيقة؟ ومن سيمنع عودة الظروف نفسها التي أدت لبروز الجهاديين؟ ويرى فردريك أن أوباما ترك خليفته محشوراً في سوريا، فهو لا يريد مواجهة مع إيران غربها وفي شرقها يعتمد على الجماعات الكردية بشكل ترك نتائج سيئة على المدنيين السوريين العزل وعلى حلفاء أمريكا في المنطقة. وعليه فسياسة الإدارة الحالية نفعت نظام الأسد وكلاً من حليفيه الروسي والإيراني وتنظيم القاعدة الذي يحاول السيطرة على جماعات المعارضة المسلحة.
ويعتقد هوف أن لدى ترامب مع كل هذا أهدافاً جزئية من خلال رده السريع على استخدام النظام السوري السلاح الكيميائي في خان شيخون، شهر نيسان (إبريل) ومنعه الميليشيات الإيرانية الموالية للأسد من السيطرة على قاعدة التنف، جنوب سوريا والتي تعمل فيها قوات معارضة مدعومة من واشنطن وهذه ليست كافية لفرض حل للأزمة. فالموقف السلبي الذي اتخذته إدارة أوباما سمح لروسيا وإيران بتعزيز موقع الأسد المسؤول عن جرائم عدة ودعم الجهاديين سواء القاعدة أو تنظيم الدولة. ومن هنا فتطهير شرق سوريا من الجهاديين يعطي فرصة لنشوء بديل عن نظام الأسد ويسمح باستئناف مفاوضات جنيف التي أجهضت. لكن البديل هذا يحتاج لدعم أمريكي. ويقول إن البديل يجب أن لا يكون بالمناطق ذات الغالبية العربية أو الكردية ولا في المناطق المتشرذمة التي لا يمكن الدفاع عنها. وعليه فترك عملية إعادة الاستقرار في مرحلة ما بعد تنظيم الدولة للحظ يعني واحداً من أمرين – عودة التنظيم بحلة جديدة أو عودة النظام. كما أن التعويل على الحل السياسي الذي قد يخدم في النهاية مصالح الولايات المتحدة والدول الشريكة لها بالمنطقة ليس كافياً. ويحتاج الأمر لمشاورات مع المعارضة السورية والإنتباه لدروس العراق وليبيا وإلا عاد الجهاديون.

نهاية اليوتوبيا

وبنهاية التنظيم في سوريا والعراق ينتهي شعار «الدولة» «باقية وتتمدد»، صحيح أنها لم تعد باقية ولكنها تتمدد كما يناقش سكوت باترسون في «كريستيان ساينس مونيتور». وقال إن التنظيم تكبد خسائر فادحة في كل من العراق وسوريا إلا أن سلسلة الهجمات التي نفذها أتباع له أو متعاطفون في بريطانيا وإيران والفلبين تؤكد أنه لم ينهزم بعد . فمن مانشستر إلى نيجيريا وبغداد وكابول إلى لندن بريدج وطهران وأخيراً ماراوي في الفلبين قائمة طويلة لعمليات نسبها التنظيم لنفسه وتظهر أن «ماركة» الجهاد له تتمدد ولا زالت حركية. ويأتي على خلاف التراجع المستمر ومنذ عامين في المناطق الواقعة تحت سيطرته. ففي الموصل يحاول المقاتلون التمسك بآخر مناطقهم هناك. وفي الرقة من المتوقع أن تنتهي المعركة بخروج المقاتلين منها. والسؤال هو كيف سيعوض الجهاديون خسارة «يوتوبيا الخلافة» ويجعلون منها المحرك الرئيسي لعمليات واسعة تعتمد على أسلحة بسيطة كالسكاكين والدهس بالسيارات. ومن هنا يعتقد محللون أن تقلص الأراضي لا يترجم على أنه هزيمة للجهاديين ولا حتى انتصار عليهم. ويرى شيراز مهر، نائب مدير مركز دراسات التشدد والعنف السياسي في جامعة كينغز- لندن أن «تنظيم الدولة هو في الوقت نفسه صلب وسائل وغاز ويمكنه التحرك بين هذه الأشكال عندما يريد». ويعتقد أن فكرة نهاية التنظيم أو أنها بداية النهاية له غير صحيحة. ويشير التقرير للمناطق التي برز فيها من جديد، فقد استهدف بريطانيا ثلاث مرات في فترة لا تتعدى 73 يوما بين الهجمات. وفي أفغانستان ظل ينظر إلى التنظيم على أنه حركة هامشية مقارنة مع طالبان إلا أنه أصبح خطراً كبيراً. وفي الفلبين الذي يواجه تمردا إسلاميا منذ عقود، استطاع بناء موطئ قدم له هناك. وقامت قوات الجيش الفلبيني بدعم من القوات الأمريكية الخاصة باستهداف عدد من المقاتلين الذين احتجزوا ما بين 500 – 1000 من المدنيين في بلدة ماراوي.
ويعلق باترسون أن القتال في الفلبين يظهر التحديات التي تواجه أعداء التنظيم حول العالم، فطرده من مناطقه ليس كافياً. وتقول سيدني جونز، مديرة معهد تحليل سياسات النزاع في جاكرتا عاصمة أندونيسيا إن الغارات الجوية والعمليات العسكرية «لن تقضي على جذور التطرف: سوء الحكم، نظام قضائي عاجز وفقر مدقع» وكلها موجودة في الفلبين. وتعلق أيضاً أن الأساليب العسكرية القوية عادة ما تفرخ مقاتلين جديد وبرغبة للانتقام.

أزمة دعاية

ويغلف تمدد التنظيم أزمة يعيشها في مناطق ولادته حيث يقاتل معركته الأخيرة وهذا يفسر غياب الدعاية المتقنة والتي رسمت صوراً عن العدل والأمان في أراضي الخلافة التي دفعت بالمقاتلين من أنحاء العالم للتدفق على سوريا. وفي تحليل أجراه مركز دراسات التشدد وجد أن نسبة تصوير الحياة المثالية في مناطقه بلغت 53% من الفيديوهات التي بثها في منتصف عام 2015 أما المواد الأخرى المتعلقة بالحرب، ومن الفترة نفسها، فلم تتجاوز 39% . وبعد انغماس الجهاديين بمعركة الموصل وصلت نسبة المواد الدعائية الحربية إلى 80% فيما خصصت نسبة 14% للمواد المتعلقة بالحياة في ظل الخلافة. ويقول تشارلي وينتر، من مركز دراسات التشدد إن أعمال التنظيم الشريرة في الخارج لا تعني أنه لا يعاني من هزيمة في ما تبقى له من مناطق. وهو ما أجبره على إعادة توجيه استراتيجية الدعاية لديه، فقد خسر القيادة والقوة والمصادر المالية ولم يعد قادراً على تعبئة ما يكفي من المقاتلين خاصة العام الماضي والعام الحالي. وقد جهز المتحدثون باسم التنظيم أتباعه للخسائر المناطقية حيث صورها في العدد الأخير من مجلة «رومية» على أنها جزء من التقلبات التاريخية. بل وسيجبر الجهاديون على إعادة إشعال نار الجهاد من جديد. وتعهد كاتب المقال باستعادة كل شبر خسره المقاتلون والتوسع. ويجب أن نلاحظ أنه وهو يتعرض للضغوط العسكرية في الموصل كان قادراً على تنفيذ هجمات انتحارية في بغداد. بل وضرب العاصمة الإيرانية طهران في هجوم مزدوج على البرلمان ومرقد الإمام الخميني. ولم يكن الهدف الإيراني مثاراً للدهشة فلطالما وضع التنظيم الجمهورية الإسلامية نصب عينيه. ويقول المسؤولون الإيرانيون إنهم فككوا 45 «خلية إرهابية» خلال 12 شهراً حتى شهر آذار (مارس) العام الحالي. وفي النهاية تمنح الهجمات المتزايدة له في الخارج الفرصة كي يحافظ على أهمية النسخة الجهادية له. ويحذر المحللون من أن الفوضى التي أدت لظهور التنظيم الجهادي ستظل موجودة . وقالوا إن الخلافات الطائفية والجهوية والقبلية والعرقية قد تشعل نارًا جديدة في عالم ما بعد الخلافة. ويقول «ستظل القضايا الإجتماعية المتجذرة عاملاً باستمرار التنظيمات الموالية لتنظيم الدولة». فقد استغل مخاوف السكان من القوات الأمنية العراقية عندما اجتاح الموصل عام 2014. ويقول مهر إن غياب الاستقرار والتوتر عوامل مهمة تساعد على انتعاش التنظيم كما حدث في العراق وهو بلد أمامه ملايين الأميال كي يصبح دولة متماسكة ومستقرة.

تورا بورا الجديدة

ولا تختلف حال الجهاديين في الرقة والموصل عن حال القاعدة في اليمن فهي وإن خسرت مناطقها خاصة المكلا في الجنوب إلا أن رجالها وأفكارها لا يزالون حاضرين. وفي العدد الأخير من مجلة «إيكونومست» أشارت الى الوضع في المكلا التي ساهمت القوات الإماراتية بإخراج القاعدة منها. واستطاعت في ثلاثة هجمات متتالية إجبار مقاتلي القاعدة على ترك هذا الميناء المهم. وأظهر قائد عسكري إماراتي خريطة لمناطق القاعدة وكيف خسرت نفوذها منذ العام الماضي. وبعد المكلا تمت السيطرة على زنجبار التي تبعد 500 كيلومتر عن المكلا والمنصورة في عدن. ويقول العسكري الإماراتي «لو لم نتحرك لسيطرت القاعدة على الجنوب و(المتشددين الشيعة) على الشمال ولخرج اليمن عن السيطرة للأبد».
وتشير المجلة إلى ان القاعدة في اليمن حسب الكثيرين تعتبر الفرع الأقوى من فروع التنظيم الأم إلا أن قوتها تلاشت، رغم دعوات قادتها للأتباع القيام بهجمات ضد أوروبا، كان آخرها الهجوم على مجلة تشارلي إيبدو الساخرة في فرنسا قبل أكثر من عامين. وحتى في ذروة قوتها لم تكن حرفية بالكامل وفشلت في محاولات عدة مثل محاولة تفجير طائرة أمريكية بزرع قنبلة بسروال أحد عناصرها عام2009. وتقول البنتاغون إن غاراتها أضعفتها وشن أوباما 150 غارة حيث قتل معظم قادتها. وبالنسبة للمكلا نسب الإماراتيون لأنفسهم عملية إخراج القاعدة منها حيث دربوا 30 ألفاً من المقاتلين المحليين. ولأن معظم الذين كانوا في صفوف القاعدة هم من أبناء القبائل الذين توقفوا عن القتال بعد هروب مشائخهم مع تقدم القوات الإماراتية نحو المدينة. وتعلق المجلة أن تراجع القاعدة لا يجعلها أقل خطورة، حيث أجبرت على التخفي في مرتفعات جبلية تشبه تورا بورا في أفغانستان ولا يزال قادتها يحملون معهم 100 مليون دولار من خزينة البنط وأسلحة جديدة نهبوها من القواعد العسكرية.
وأوجدت الحرب فرصاً للتهريب والتي استغلها الجهاديون بالتأكيد. ومع أن الكثيرين لا يريدون عودة الجهاديين إلا أن العام الذي قضوه في المكلا وفرضوا فيه الأمن جذب الكثيرين. ولم يكونوا فاسدين ودفعوا رواتب العاملين في أوقاتها. ورغم تشددهم إلا أن تطبيقهم للشريعة كان مرناً ولم يجبروا الرجال على إطالة لحاهم. ويأمل القادة الإماراتيون الحصول على دعم دونالد ترامب للبقاء في اليمن حتى نهاية المهمة. وشن ترامب في الخمسة أشهر من توليه المنصب غارات أكثر مما شن اوباما طوال عام 2016. وعادت القوات الأمريكية الخاصة لليمن وإن بأعداد قليلة وقام البيت الأبيض بتخفيف القيود على شن الغارات ومنح العسكريين الصلاحية لاختيار الأهداف. ورغم النجاح ضد القاعدة فالإماراتيون يتساءلون عن الوقت الذي سيبدأ به السكان ينظرون إليهم كمحتلين. كما ان هزيمة القاعدة قد تفتح المجال أمام حركة الإصلاح التي تستهدفها الإمارات. وعليه فهزيمة القاعدة قد تعمل في النهاية على توسعها وانتشارها.

بين أميرين

وإلى هذا ذهب سايمون هندرسون مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى في مجلة «بوليتكو» وهو وإن خصصه للعلاقة الحميمة التي تربط ولي العهد الإماراتي بولي ولي العهد السعودي وما نتج عنها من مفاجآت في الخليج من حرب اليمن إلى عزل قطر، إلا انه يرى أن التعاون في اليمن كان فاشلاً وبثمن فادح للإماراتيين.
وقال ربما تكون تلك العلاقة هي الأهم في المنطقة، فالأمير السعودي محمد بن سلمان، البالغ من العمر 31 عامًا، والأمير الإماراتي محمد بن زايد، البالغ من العمر 56 عاماً لا يشتركان فقط بالرغبة في شن الحرب على إيران والراديكالية الإسلامية بل يتوافقان بشأن فكرة اعتماد دول الخليج على أمريكا. وقام كلاهما بذكاء بتقريب الرئيس ترامب الذي يريد أن يظهر بأن لديه استراتيجية جديدة للتغلب على الإرهاب ومواجهة طهران. ووصف الكاتب العلاقة بينهما بأنها علاقة التلميذ بأستاذه، حيث ينظر محمد بن زايد الأكبر سناً إلى محمد بن سلمان أنه الملك المستقبلي للسعودية الذي يحتاج إلى تعليم من أخيه الأكبر. والرجلان هما القوة خلف عرشي بلديهما.
ويقول الكاتب إن الشراكة بين الرجلين لم تؤد إلى نتائج جيدة فتدخلهما في اليمن لم يكن ناجحاً حيث لا يزال الحوثيون يسرحون ويمرحون في صنعاء ولا يمكن رؤية الجيش الموالي لعبد ربه منصور هادي. والأداء العسكري السعودي كان سيئاً للغاية – فطيارو طائرات الهيلوكوبتر يخشون النزول إلى مستويات يكونون عليها في مرمى الحوثيين وطيارو الـ إف15 يلقون بقنابلهم دون اعتناء بالهدف مما أدى إلى إصابات بليغة بين المدنيين. وفي الوقت ذاته لا يزال الحوثيون في مواقعهم بالرغم من تكبدهم خسائر ضخمة. ورغم أن الأداء الإماراتي في جنوب اليمن أفضل إلا أنه جاء بثمن حيث أصبح موضوع الإصابات بين أفراد الجيش الإماراتي قضية محلية. ويقوم محمد بن زايد شخصياً بزيارة عائلات الضحايا والجرحى في المستشفيات.

قطر

أما من ناحية الموقف من قطر فيتناقض موقف الأميرين. فبن زايد مهتم بتعاطف الدوحة مع عناصر من الإخوان المسلمين. وترى أبو ظبي أن العناصر المحلية الموالية للإخوان المسلمين خائنة، ولذلك قامت السلطة باعتقالات وأصدرت أحكاماً طويلة بالسجن. أما تركيز بن سلمان فهو على إيران التي ينظر إليها على أنها قوة حاقدة تزعزع الاستقرار في المنطقة. وكلاهما ساخط على علاقة قطر الحذرة مع إيران والتي يمكن تفسيرها على أن البلدين يتشاركان في أكبر حقل غاز طبيعي بحري في العالم. وكلاهما غاضب من الإعلام القطري وبالذات فضائية الجزيرة. ويعتقد هندرسون أن عزل قطر كان أمراً تم طبخه مسبقاً سواء كان الأمير تميم أعلن في تصريحات تعاطفه مع إيران، وهو ما تنفيه قطر، أم لم يفعل. ولكن قطع العلاقات الدبلوماسية وإغلاق الحدود يطرحان السؤال: أي تحالف يأمل بن زايد وبن سلمان أن يحققاه. ويرى أن الرابح دبلوماسياً من كل هذا هو إيران. ويتساءل إن كانت حملة الأميرين على قطر ستؤدي لنجاح سريع أم ستتطلب تراجعاً محرجاً؟ ويجيب أن الأمير تميم وأباه يعرفان كيف يغيران مواقفهما بحسب ما تقتضي الضغوط. وبينما تستمر هذه الأزمة سيحدد الدور الذي سيلعبه بن زايد وبن سلمان معاً أو كل على حدة في مستقبل المنطقة. ونجاحهما سيعني وضع حد لطموحات إيران وهزيمة لتنظيم الدولة «ولكن الثقة الزائدة ليست هي الوصفة الصحيحة للنجاح فيجب أن يسمع للعقول الهادئة في الرياض وأبو ظبي وواشنطن. فالخطأ في التحرك قد يكون له تداعيات سيئة للمنطقة وللعالم» كما يقول.

تلميحات في القصر الملكي الأردني عن «المشروع الجديد» واستفزازات سليماني وميليشات حزب الله فرضت واقعاً جديداً
«التنف» بؤرة صراع ملتهبة بين الكبار و«تحريك» أشرس منظومة صواريخ أمريكية في العمق السوري مقدمة لـ«منطقة آمنة» تنتهي بتشكيل «إقليم درعا الجنوبي»
عمان ـ «القدس العربي»

من بسام البدارين:

اتخذت إدارة الجيش الأمريكي ما يمكن وصفه بالخطوة الأولى التي تعزز تواجدها الحربي في عمق الأراضي السورية من جهة الحدود مع العراق وتحديداً في منطقة العمليات التي تم تحريزها عسكرياً حول مثلث التنف الإستراتيجي الذي أصبح اليوم بؤرة لصراع الأجندات الدولية والإقليمية.
وتمثلت الخطوة في «نقل» منظومة صواريخ أرض أرض المتطورة جداً والبعيدة المدى «هيمارس» ولأول مرة منذ تكثفت العمليات في منطقة التنف قرب البادية السورية وهي منظومة تعتبر من أشرس ما في عهدة الجيش الأمريكي.
عملية النقل واستناداً إلى ما صرح به ثلاثة عسكريين أمريكيين لوسائل إعلام عدة من بينها محطة «سي إن إن» تمت من الأردن إلى داخل الأراضي السورية وبعمق نحو 20 كيلومتراً حسب المصادر التي توثقت منها «القدس العربي» ميدانياً.
الخطوة اتخذت بوضوح رداً على الاستفزاز الإيراني الذي تمثل في وصول قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني إلى المنطقة في الجهة الشرقية من مثلث التنف حيث التقط صوراً برفقة الفيلق الشيعي الذي وصل الى المنطقة منذ اسبوعين ويضم نحو سبعة الاف مقاتل من الحشد الشيعي العراقي وخمسة آلاف من مقاتلين أفغان وبنغال وإيرانيين.
الهدف من «تحريك» واحدة من أثقل وأضخم منظومات إطلاق الصواريخ في الجيش الأمريكي يتمثل سياسياً في «ردع» الميليشيات الإيرانية التي تقترب أكثر من المنطقة وسط «صمت روسي» وتواطؤ قوات النظام السوري .
وكانت القوات الأمريكية في التنف من جهة الأردن قد حذرت النظام السوري والميليشيات من الاقتراب لنحو مسافة 50 كيلومتراً من مسرح تواجدها وعملياتها.
لكن اوساط القرار الأردني تتحدث عن «التفاف» قوات سليماني وميليشياته على المساحة الأمريكية من جهة الشرق وإقامة معسكر ضخم في منطقة الزكف المحاذية، الأمر الذي ترى عمان فيه تحدياً خطيراً يتزامن مع تقدم ميليشيات حزب الله اللبناني في محور عمق درعا لإنتاج ما يصفه العسكريون بـ«طوق أمني» للميليشيات الحليفة يسيطر على وسط البادية السورية ويعيد حسابات التوازنات الإستراتيجية والعسكرية على الحدود مع الأردن وبالقرب من إسرائيل.
في رأي المراقبين الطوق الميليشياتي الذي تدعمه ايران في منطقة الحدود مع الأردن يستهدف اقامة «الممر المائي» إلى المتوسط وغرفة العمليات الأردنية- الأمريكية تحركت بقوة خلال الساعات القليلة الماضية لردع التحركات وسط رسائل وصلت لعمان من إيران وروسيا تفيد بان الميليشيات تهدف لمطاردة تنظيم داعش الإرهابي ولا تخطط للبقاء وهي رواية لا تصدقها المؤسسات الأردنية.
دخول منظومة هيمارس الصاروخية الأمريكية الحديثة وذات التأثير التدميري في عمق الأرض السورية من جهة الأردن هو الخطوة الأكثر تأثيراً والأعمق زمنياً في في إطار «صراع الأجندات» المكثف الذي يستهدف منطقة التنف على الحدود بين العراق وسوريا والأردن وهي الآن بؤرة ملتهبة عسكرياً وأمنياً وسياسياً حسب كل المعطيات.
يتخذ الأمريكيون خطوتهم بعدما ابلغ العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني وفي مناسبات عدة مسؤولين وسياسيين ووجهاء في بلاده بان ما يحصل في شمال مملكته وليس في دول الخليج هو ما يشغل ذهنه ويحظى بالأولوية ملمحا الى أن أزمة الخليج شأن داخلي ولا ينبغي التدخل كثيراً به وسيعالج في نهاية المطاف.
اتصالات أردنية مكثفة تحظى برعاية ملكية حصلت خلال الساعات القليلة الماضية بعد التلميح في اجتماعات «سيادية» الى ان المشروع الذي يتصدر حالياً في المنطقة عسكرياً يتعلق بحرص التحالف الغربي على «طوق جغرافي محكم» يلتف من شرق درعا ووسط البادية السورية ويشمل كل خطوط الحدود الأردنية مع سورية وما نسبته 70% من مثلث التنف.
المشروع جدي وبدأ فعلياً بالميدان بعد تحريك منظومة الصواريخ الأمريكية المشار إليها ولن ينتظر حسب ما علمت «القدس العربي» الغطاء «الأممي» ولا قرارات من مجلس الأمن وروسيا بالصورة لكن الخلاف ما زال قائماً على «تسمية» العملية الأمريكية الجديدة التي تستخدم غطاء التحالف.
موسكو تتحدث عن موافقتها على منطقة «منخفضة التوتر» وخالية من حظر طيران والولايات المتحدة ومعها الأردن يتحدثان عن»منطقة آمنة تماماً» وبغطاء جوي تحت لافتة التحالف ولمحاربة الإرهاب وإعادة توطين بعض اللاجئين.
وجود سليماني الاستفزازي والعمليات التي يقوم بها حزب الله في درعا برفقة الجيش النظامي السوري سارعا في الخطوة الأمريكية تحوطا لما يمكن ان يحصل في التنف.
تم التلميح لهذه التفاصيل في اجتماعات بالقصر الملكي الأردني مؤخراً والأوساط الدبلوماسية الغربية بدأت تربط المشروع الأمريكي الجديد باتفاق ضمني وسري أو غير معلن بين واشنطن وموسكو على «فدرلة» سوريا في نهاية المطاف عبر تسريبات تتحدث مبكراً عن «إقليم درعا الجنوبي».

تنظيم «الدولة» لم يعد باقياً ولكنه يتمدد… خسر مناطق ولكنه توسع في خريطة العمليات عالمياً… وإدارة ترامب تريد تحقيق نصر سريع على ظهور الأكراد ولا خطة لديها لما بعد الرقة

إبراهيم درويش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية