لماذا يكره المستبدون قطر ويدعو لها الفقراء؟ وإعلان وفاة الدبلوماسية العربية

حجم الخط
3

القاهرة ـ «القدس العربي»: بالأمس قال البرلمان كلمته واضعا حد سيفه على رقاب الأغلبية، التي انتظرت من حكامها ونوابها أن يحافظوا على الأرض والعرض، بعد أن فشلوا في توفير الخبز والعدل والأمن.
لكن أياً من ذلك لم يحدث، حيث أشرفت الولاية الأولى للرئيس على الانتهاء، والأزمات أشد قسوةـ والحصول على الغذاء بات مطلباً جهادياً تزهق دونه الأنفس في الطوابير الطويلة أمام المجمعات الاستهلاكية، للحصول على زجاجة زيت أو دجاجة على وشك انتهاء صلاحيتها في أغلب الأحوال.
نسي المصريون كل تلك المعاناة وقذفوا بأحلامهم في غياهب النسيان، وباتوا يتشبثون بحلم واحد يتمثل في سلطة تحافظ على الوطن وسلامة أراضيه، غير أن هذا الرهان لم يصمد طويلاً أيضاًـ حيث أقر البرلمان أمس الأول 14 يونيو/حزيران بسعودية جزيرتي تيران وصنافير، لتجد مصر الشعبية نفسها أمام سلطة مراوغة غير قادرة على الوفاء بأبسط الحقوق المتعارف عليها منذ الأزل.
المدهش على وجه التحديد أن معسكر 30 يونيو الذي بنى شرعيته على أساس أن خصومه من الإسلاميين يكرهون فكرة الوطن، ولا يقيمون لها اعتباراً، باتوا اليوم في صدارة من يتهمون النظام بالتفريط في الأرض، وفيما الدولة المصرية بمختلف مؤسساتها مشغولة بدرء التهمة عنها، نشط كتاب النظام أمس الخميس في رمي خصومهم بالخيانة والعمالة. واهتمت الصحف كذلك بالدعاية للرئيس وإظهار أنه وجيشه وكافة الأجهزة الأمنية على قلب رجل واحد، وفي سبيل ذلك انتشرت في الصحف كافة صورة للرئيس وهو يتناول طعام الإفطار مع مجموعة من أفراد الكوادر الأمنية، بما فيها من دلالة لأولئك الداعين لاستعادة الزخم في الميادين، تنديداً بتردي الأوضاع والتفريط في الحدود. بالأمس كان التعاطف مع قطر في الأزمة التي تواجهها ما زال كبيراً في نطاق الصحف المستقلة والفقيرة، فيما تواصل الهجوم عليها على يد كتاب الصحف القومية وإلى التفاصيل:

يكتب نهايته بيده

«إذا سلمنا بأن تمرير التنازل عن السيادة، بات قرارًا نافذًا، فإن ذلك يعني وفق رؤية محمود سلطان في «المصريون» أن النظام، قد اقترب من آخر نقطة على قمة الضعف والسيولة وتآكل الشرعية والشعبية في آن.. وهي الحالة التي قد تغري مكونات «الدولة السرية» على التحرك واستثمار اللحظة، واقتطاف الثمرة لصالح قوى جديدة طامعة أو ناهضة. مجرد احتمال يمكن أن يعبر عن نفسه، وممكن أيضًا أن تكون مجرد مبالغة في تقدير مستوى ومنسوب الغضب، داخل حلفاء السلطة وشركائها في إدارة الدولة، أو في خارجها. في المقابل فإن الرهان على «روح المجتمع» ليست مضمونة، فقدرة الإعلام الموالي على التأثير، لا يمكن إغفالها، في مجتمع يعاني من الأمية، وانتشار الجهل على نطاق واسع بين خريجي نظام تعليمي متهرئ وشديد التخلف.. فيما النخبة منقسمة بين «أقلية» متحالفة مع شبكات مصالح وجماعات ضغط مالية وإعلامية، خرجت من رحم نظام مبارك، وانتفخت وتوحشت، وباتت أكثر قسوة على المجتمع، دفاعًا عن نظام يوليو/تموز، خوفًا من عودة التحالف الإخواني الإسلامي إلى الحكم مجددًا، و»أغلبية» تناضل في «أزقة» السياسة، بدون أي غطاء إعلامي، أو حقوقي يحميها من القمع والترويع. لكن رصد مستوى الغضب على شبكات التواصل الاجتماعي منذ مطلع الأسبوع الجاري، وإلى الآن، يشير إلى وجود حالة تشبه «الاستبياع» عند الطرفين.. سلطةً ومعارضين، وكأن كل طرف لم يعد لديه ما يخاف عليه، وعلى استعداد أن يسدد ثمن موقفه وأجندته، مهما كان الثمن.. وما علينا إلا الانتظار والترقب.. وربنا يستر».

برلمان مشكوك في نسبه

«ما الذي يعنيه أن نقرأ أن 11٪ فقط من المصريين مقتنعون بسعودية جزيرتي تيران وصنافير؟ فهمي هويدي في «الشروق» يرى أن الخبر مهم صحافيا وسياسيا، غير أنه لا وزن له ولا قيمة من الناحية العملية: أتحدث عن نتائج استطلاع الرأي العام الذي أجراه مركز (بصيرة)، وبين أن 47٪ من المواطنين الذين استطلعت آراؤهم مقتنعون بمصرية الجزيرتين، وأن 42٪ من المصريين يرون أنه من الضروري استفتاء الشعب. وما أثار انتباه الكاتب ليس فقط ارتفاع نسبة المعارضين، وإنما أيضا التفاوت الكبير بين هذه الأرقام ونظيرتها في مجلس النواب. أدري أن التصويت في الجلسة العامة للبرلمان لم يتم، فضلا عن أن الحكومة ضامنة لتمرير الاتفاقية، لكن التصويت بالموافقة على الموضوع في اللجنة الدستورية والتشريعية له دلالاته التي استوقفتني، ذلك أن المؤيدين كانوا 35 عضوا، في حين أن معارضيه كانوا ثمانية أعضاء فقط، الأمر الذي يعني أن نحو 22٪ فقط من أعضاء اللجنة عارضوا بينما 78٪ وافقوا. وهو ما يدل على أن موقف أعضاء اللجنة على النقيض تماما من موقف عينة الرأي العام المصري، وهي نتيجة لا تفاجئنا، لكنها تؤكد ما نعرفه عن البرلمان وما يجرح شرعيته. أعني أنه يعيد التأكيد على أنه جرى تصميمه ليكون ذراعا للحكومة وليس ممثلا للشعب، وهذا الانفصال يضع الحكومة والبرلمان في جانب والشعب في جانب آخر. ويكشف الكاتب عن واقعة مشابهة شهدتها منطقة الخليج أخيرا. ذلك أن أحد الأكاديميين حاول أن يجري استطلاعا على موقعه للتعرف على موقف الخليجيين إزاء الأزمة الراهنة، التي أدت إلى مقاطعة قطر وحصارها، وحين جاءته الردود خلال ساعات تبين أن 65٪ من الخليجيين يرفضون المقاطعة والحصار. ولكن لأن الموقع ينتسب إلى إحدى الدول التي اتخذت قرار المقاطعة، فقد تم إغلاقه خلال ساعتين فقط، بما يدل على أن الشعب في واد والسلطة في واد آخر».

الفريق يحرج الرئيس

في أخطر تصريح صادر عن الفريق سامي عنان رئيس أركان الجيش المصري السابق، الذي يعد المنافس القوي للرئيس الحالي السيسي، عن مصرية تيران صنافير، كتب «عنان»، وفقاً لـ«الشعب» في تصريحاته، علي حسابه علي فيسبوك يقول: «ليس المهم الآن إثبات مصرية تيران وصنافير، فمصريتهما ليست مشكوكا فيها، ولكن المشكوك فيه هو مصرية من يعارضون مصرية الجزيرتين. وشهادة عنان، رغم تشكيك البعض في نسب الحساب له على فيسبوك، تتناسق مع عدائه للسيسي وتنافسه معه في ضوء منع السيسي له من الكلام ومنعه من الترشح للرئاسة ضده، وتجاهله في المناسبات العامة بخلاف ما يفعله مع المشير طنطاوي. وصمت عنان عن تكذيب أن يكون هذا الحساب علي فيسبوك خاص به يؤكد أنها صحيحة، ما يعني انه يتهم السيسي صراحة بالخيانة لبيع الأرض للسعودية، ما يؤشر لانتقال الصراع حول تيران وصنافير من صراع في مجلس النواب والشارع إلى صراع بين العسكريين. ويزيد من حجة الصراع مشاركة ممثلة عن جهاز المخابرات سابقا في تأييد مصرية الجزر، وهي مديرة مكتب رئيس المخابرات المصرية السابق ونائب رئيس الجمهورية الراحل عمر سليمان، التي استعان بها النواب المعارضون في جلسة مساء الاثنين، فأكدت تكليف سليمان والمشير طنطاوي وزير الدفاع السابق لها بجمع وثائق عن تبعية تيران وصنافير انتهت إلى أنها مصرية».

فقهاء السلطان سبب الكارثة

وممن انتابه الغضب على ضياع الجزيرتين أشرف البربري في «الشروق»: «تطوع «فقهاء السلطان» المصريون ورسموا صورة لمصر ستتندر عليها البشرية أبد الدهر. فلأول مرة ترى البشرية «فقيها دستوريا» مصريا مزعوما يقول إنه قام بدراسة قانونية أثبتت سعودية الجزيرتين، وكأنه مستشار في الديون الملكي السعودي. ولأول مرة ترى البشرية «فقيها تاريخيا» مصريا مزعوما يتجاهل حقائق التاريخ ويلوي عنق الحقائق، ليس لكي يؤكد أن لبلاده حقا في هذه الأرض ذات الأهمية الاستراتيجية والسياحية، وإنما لكي يؤكد أنها ملك للجارة السعودية، فيقول إن مصر احتلت الجزيرتين عام 1950 بطلب من السعودية صاحبة السيادة والحق فيهما، مع أن الوثيقة التي يستند إليها هي برقية أرسلها الملك عبدالعزيز آل سعود بتاريخ 17/1/1950 إلى وزارة الخارجية المصرية. ولأول مرة ترى البشرية «فقيها جيولوجيا» يقول إن التكوين الجيولوجي يمكن أن يثبت سيادة ويرسم حدودا بين الدول، فيدعي أن التكوين الجيولوجي للجزيرتين يؤكد سعوديتهما، مع أن هذا المنطق المختل ينقل السيادة على شبه جزيرة سيناء إلى كل من إسرائيل وفلسطين، لأنها جيولوجيا تابعة لقارة آسيا، وأن الصحراء الغربية هى جزء من ليبيا باعتبارها امتدادا للصحراء الإفريقية الكبرى وهكذا، ثم يخرج علينا «فقيه استراتيجي» وقيادي في مجلس النواب ليقول إن «مصر لن تخسر شيئا بإعادة الجزيرتين إلى السعودية» مع أن أي شخص لديه الحد الأدنى من الدراية، يدرك أن التنازل عن جزيرة تيران بشكل خاص سيكبد الأمن القومي المصري خسائر لا يمكن تعويضها، لأن هذه الخطوة ببساطة ستحول ممر تيران إلى مياه دولية، لا تستطيع مصر ولا السعودية غلقه أمام إسرائيل إذا ما جد جديد من عدوانها المتواصل على أمننا القومي».

جائزة مجانية لإسرائيل

ومن تداعيات الإقرار بتسليم الجزيرتين ما عبر عنه أسامة غريب من مخاوف في «مصر العربية»: «نخشى كل الخشية والسلطة توغل في الضغط على المجتمع المصري ومخاصمته، وتسعى لتقديم جزيرتي تيران وصنافير على طبق من فضة لإسرائيل. نخشى من أن تأخذ إسرائيل الهدية وبدلًا من أن تقول شكرًا، فإنها قد تسارع بمقاضاة مصر واختصامها في الأمم المتحدة وأمام المحاكم الدولية ومطالبتها بتعويضات باهظة، لأنها في يوم 21 مايو/أيار عام 1967 قامت بإغلاق أحد الممرات الدولية التي يكفل القانون الدولي حرية المرور فيها! نعم، قامت مصر بإغلاق مضيق تيران في وجه الملاحة الإسرائيلية، وهو منفذها الوحيد للمرور عبر البحر الأحمر، فإذا كان هذا المضيق مصريًا فإنه يحق لنا استخدامه في حالة الحرب ضد عدونا، أما في حال كونه مضيقًا دوليًا فإن من يغلقه فإنما يقوم بعمل من أعمال البلطجة، ويتعين عليه أن يدفع ثمن بلطجته. تستطيع إسرائيل أن تتهمنا بأننا نحن الذين تسببنا في الحرب وأننا قمنا بترويع دولة آمنة كانت تريد العيش في سلام، ويمكنها أن تطلب لقتلاها تعويضات بليونية. هذه ليست مبالغة، لكنها للأسف ستكون أبسط تداعيات تسليم تيران وصنافير للسعودية. أما التداعيات الأخرى فمعروفة ولا نحتاج إلى تكرارها، وللأسف فإن السلطة وهي تمضي في هذا الأمر غير عابئة بمشاعر الناس فإنها تخسر القوي الحية في المجتمع، وتضع نفسها في مواجهة أشرف أبناء الوطن، وأكثرهم استعدادًا للبذل في سبيله. ومن المؤكد أن هزيمة هؤلاء هي بمثابة نصر إسرائيلي جديد ستحصل عليه بلا ثمن».

برلمانك يا سيسي

«التقيل جاي ورا يا هايدي» كانت هذه الجملة مفتاح ليس فقط جلسة مناقشة اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، وما يخص الجزيرتين «تيران» و«صنافير»، بل هي بالأساس كما ترى كريمة كمال في «المصري اليوم» مفتاح ما يجري في مصر الآن.. كيف تدار الأمور ومن يديرها وعلى أي مستوى تدار؟ هذه الجملة وجهها مرتضى منصور إلى خبيرة ترسيم الحدود هايدي فاروق بعد أن قدمت الوثائق التي تثبت مصرية الجزيرتين، وبعد أن أوضحت أن الدراسات التي قامت بها والوثائق التي جمعتها من الأرشيف البريطاني والأمريكي كانت بتكليف من المخابرات المصرية، ومن اللواء عمر سليمان نفسه، أي أنها كانت تعمل للدولة المصرية، ولم تكن تعمل لأي طرف آخر في الداخل والخارج. كان واضحا أن شهادة الخبيرة تقلب الموازين رأسا على عقب، فماذا كان الرد، من إدارة البرلمان ممثلة في رئيسه؟ وماذا كان رد فعل الأغلبية الممثلة في دعم مصر، فبينما قال علي عبد العال إن المجلس لا يعتد إلا بالوثائق المصرية، جاء رد دعم مصر في الهجوم على الخبيرة، حتى وصل الأمر بالنائب مرتضى منصور إلى التشكيك في جنسيتها متسائلا: هل أنت مصرية أبا عن جد؟ وعندما لم تتحمل الخبيرة الجليلة الاتهامات والتهديدات التي انهالت عليها من كل جانب، انسحبت مرددة «أنا عندي بنت أربيها» وجه لها النائب مرتضى منصور العبارة المفتاح وهي تخرج من القاعة باكية «التقيل جاى ورا يا هايدي». النائب بعبارته التي ستدخل التاريخ، يوم أن يكتب التاريخ، أوضح بطريقته أن الأمور تتم بالتهديد والوعيد، وأن الإقناع والوثائق والحقائق ليس لها مجال في هذا البرلمان، بل ربما في كل مؤسسات مصر في هذه اللحظة المصيرية، التي يقتطع فيها جزء من أرض مصر رغما عن مصر».

هل يفعلها وينقذ نفسه؟

من بين الذين قرروا التوجه للرئيس للحفاظ على الجزيرتين حمدي رزق في «المصري اليوم»: «سيادة الرئيس، لعل خطابي هذا يغضب غلاة المتحمسين، فليغضبوا أنى شاءوا وشاء لهم الهوى السياسي. وخطابي خلو من الغرض والهوى، ولست بطالب قرب ولا مطلوب، ولكني مواطن يثق في رئيسه، ولا يقبل عليه كلمة، كبرت كلمة تخرج من أفواههم، نصيحة مخلصة لوجه الله، هذه الاتفاقية نذير شؤوم، السحب السوداء تتجمع في السماء، أخشى مطراً أسود. سيادة الرئيس، وحدك من تستطيع أن توقف الاحتراب الوطني على أرضية جزيرتي تيران وصنافير، وحدك ولا أحد غيرك في هذا البلد الأمين، من يملك سلطة القرار بإلغاء هذه الاتفاقية الظالمة التي قسمتنا قسمة غير عادلة، قسمة ضيزى، الاتفاقية فتنة زاحفة كالحية تسعى بين الناس، تفتنهم في ثوابتهم الوطنية ولا يجرمنكم شنآن قوم.. سيادة الرئيس مصر التي في خاطري وفي دمي لا تحتمل خلافاً بهذا العمق، خلافاً يخلّف صدعاً وشرخاً لا يلتئم. وبحق تفويض المصريين لكم بالملايين، نفوضكم في إلغاء هذه الاتفاقية الملعونة، اتفاقية يتبعها أذى، الناس التي تحبك.. ليسوا مرائين، لا تقبل عليكم اتهاماً بالتفريط، وتتأذى من كلام كوسخ الودان، وما كنت مفرطاً قط، وسوابقكم في رفض عطايا الإخوان، وانحيازكم لاختيار الشعب، الذي كاد يكلفكم حياتكم، خليق بالاعتبار.
الانحياز للإرادة الشعبية الرافضة بالأغلبية الساحقة لهذه الاتفاقية ليس بغريب عليكم، ولتعلم، وأنتم سيد العارفين، أن الاستخدام السياسى لهذه القضية بلغ أشده والاستقطاب بلغ مبلغه، ولو شاهدت الاحتراب البرلماني، وهو صورة من الاحتراب الشعبي، لخشيت على سلامة الصف الوطني المهدد بالانقسام والتشرذم، ناهيك عن راكبي الموجة من الإخوان والتابعين. سيادة الرئيس، لا تعدو عيناك عن ملايين تحبك وتثق في شخصك، ملايين هالها أمر هذه الاتفاقية التي فاجأت المحبين قبل الرافضين، فصارت غصة في حلوق المؤيدين».

درس في الديمقراطية

من تجليات الخلاف الكبير حول أمر الجزيرتين ما التفت إليه مكرم محمد أحمد في «الأهرام»: كان يمكن لمناقشات البرلمان المصري حول قضية تيران وصنافير أن تكون نموذجاً لعمل ديمقراطي صحيح، يمكن المؤيدين والمعارضين من إبداء آرائهم في مصير الجزيرتين، دون تمييز، بحيث تتكافأ الفرصة بين الجانبين في نظام واضح يتفق عليه الجميع، وكان يمكن دعوة الخبراء والفنيين والمتخصصين وخبراء المساحة العسكرية والمدنية، لكي يقولوا آراءهم بشكل علمي موضوعي، مؤيداً كان أم معارضاً، ويدلون بشهاداتهم في رصانة دون اتهامات بالتخوين أو التفريط، ودون مقاطعات أو هتافات أو تصفيق أو عويل، وكان يمكن تشكيل لجنة تحضيرية مشتركة من المعارضين والمؤيدين تعمل على توفير كل الخرائط الجغرافية حصراً، وهو أمر ممكن وميسور، كما تعمل على توفير جميع الوثائق والرسائل المتبادلة بين مصر والسعودية حول القضية، ابتداء من رسالة الملك عبد العزيز إلى الملك فاروق يطالبه باحتلال الجزيرتين وتولي مسؤولية حمايتهما، بعد أن احتلت إسرائيل منطقة أم الرشراش وبنت عليها مدينة إيلات، إلى رسائل وزير خارجية السعودية الأمير سعود الفيصل الشفهية والكتابية إلى وزير الخارجية المصري عصمت عبد المجيد قبل 26 عاماً، وكان يمكن نقل هذه المناقشات إلى الجمهور المصري على الهواء مباشرة، لكى يتابعها أهل مصر أصحاب القضية، بما يقدم نموذجاً مشرفاً لمناقشات حرة وصريحة تلتزم أدب الحوار وشجاعة الرأي وحق الاستماع إلى الرأي والرأي الآخر دون صخب أو شغب يفسد المناخ».

لهذا قامت القيامة على قطر

لماذا اشتدت الحملة على قطر؟ زهور أسامة في «البديل» تبحث عن إجابة: «إذا أمعنا النظر في القضايا والمواقف التي تم اتخاذها من قبل الدول الخليجية ضد الحكومة القطرية، يتضح لنا الأمر أكثر من قبل بأنه ليس سوى لعبة تستفيد منها الحكومة الإماراتية والحكومة المصرية، إذ يرى محمد بن زايد هذه القضية أفضل فرصة للثأر مما يسميه بالخيانة القطرية، بعد دعم الدوحة لجماعة الإخوان، واتخاذها مسارا مختلفا عن السعودية ومصر والإمارات، في ثورات الربيع العربي عام 2011.
كما كانت أبوظبي تشير إلى هذه الخيانة بصراحة في مجمل حديثها عن سياسات قطر، معتبرة أن هذه الخيانة ليست فقط لأنّ الدوحة كانت تتبنى سياسة خارجية مختلفة عن تلك التي وافق عليها جميع الأعضاء الآخرين في مجلس التعاون الخليجي، ولكن أيضًا لأنّ الإمارات تنظر إلى الإخوان المسلمين، فضلًا عن الحركات السياسية الأخرى في المنطقة، كتهديد وجودي لنظامها السياسي غير الديمقراطي والسلطوي، كما كانوا غاضبين أيضًا من أن مبارك، أقرب حليفٍ لأبيهم المؤسس الشيخ زايد، قد أُجبر على التنحي عن السلطة، وكان ذلك بمساعدة شبه الجزيرة الصغيرة التي تسمى قطر، وأبطن الإماراتيون غضبهم تجاه جيرانهم، وتعهدوا بالانتقام، فاستعانوا في هذا الطريق بأقرب حليف لهم في المنطقة وهو ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والذي بطبيعة الحال له نفوذ واسع على العاهل السعودي الملك سلمان، والحكومات العربية التابعة للمملكة، إذ استخدم كل ما تحت يديه من أدوات لتحقيق مآربه المشتركة مع محمد بن زايد، وإجبار الشيخ تميم بن حمد وحكومته على الاستسلام لمطالبهم».

مصر لن تربح من الأزمة

عن الأزمة في الخليج وما يمكن أن تجنيه مصر، قال السفير رخا أحمد حسن عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية: «إن الجامعة العربية أصبحت منذ عدة سنوات لا تستطيع أن تتخذ قرارا إلا بموافقة دول مجلس التعاون الخليجي، وإلا فيكون من الصعب إصداره، مضيفا أن الموضوع فيه جوانب معقدة، لعدم كشف المستور، رغبة في الحل في الإطار الخليجي، وأضاف رخا وفقاً لـ«الوطن»، أن الأمر برمته «قرصة أذن شديدة لقطر»، ولكن في المسائل التجارية سيكون هناك ضرر متبادل، ما جعل إطار الأزمة هو المستوى الخليجي الأمريكي. وتابع، في 2014 مصر ودول الخليج سحبت السفراء، ثم قامت دول الخليج بحل أزمتها مع قطر، وأعادت سفراءها بعد الاستجابة لمطالبها، ومصر استمرت في تجميد علاقاتها السياسية مع قطر، ونحن نتوقع أن تقوم دول الخليج بحل أزمتها مع قطر في الإطار الخليجي الأمريكي، وتبقى الأزمة مع مصر دون استجابة لمطالب القاهرة. ولفت إلى وجود تناقض بين إعلان دول الخليج رفضها اتهام مصر لقطر بعلاقاتها بالمتهمين بحادث الكنيسة البطرسية، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وبين اتهامها الآن بدعم الإرهاب واعترافها بذلك».

فروض الطاعة للتاجر ترامب

«على مدى ما يزيد عن أسبوع حتى الآن من اندلاع الأزمة غير المسبوقة في دول الخليج، لم يسمع الكاتب في «مصر العربية» خالد داوود ولو مرة واحد كلمة عن جهود «عربية» لحل الأزمة، خاصة أن السيد أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، أعلن أنه محايد من سويسرا في هذا الصدد. فالكل يعلم جيدا أن أبو الغيط كانت علاقته شديدة السوء بدولة قطر، التي كادت أن تصدر بيانا رسميا يرحب بخروجه من منصب وزير الخارجية بعد الإطاحة بالرئيس المخلوع مبارك. كما أنه من المعروف أن السعودية منحت أمناء عام سابقين للجامعة مبالغ سخية لدى خروجهم من مناصبهم، تقدر بملايين الدولارات كمكافأة نهاية خدمة، ولا أحد يستطيع أن يقول «بم» للمملكة الثرية داخل المؤسسة المتهاوية المسماة جامعة الدول العربية، التي تعاني من أزمة مالية خانقة وتستطيع بالكاد، وأحيانا لا تستطيع، دفع مرتبات موظفيها، ووسط هذا السعي المحموم من طرفي الأزمة للتأكيد على أن كلا منهما على صواب، ويحظى بدعم أمريكا وترامب، لم أعد أستبعد وأنا أتابع هذه القنوات الدعائية الممولة، سواء السعودية أو القطرية أو الإماراتية، أغنية المطرب الهضبة عمرو دياب «أنا بحبك أكتر»، والجميع في انتظار الرد من واشنطن «وانا كمان».. ولكنه غالبا لن يأتي الرد، وستكون إجابة ترامب «طيب سيبني أفكر شوية»
ماتت الأمة العربية، والتنافس الآن هو في فتح أرضينا للاحتلال الأمريكي، وأضعف الإيمان امتلاك قاعدة عسكرية أمريكية يتم استخدامها لتأكيد النفوذ الإقليمي ولتقديم فروض الطاعة والولاء والوله للتاجر الأرعن ترامب».

عاصمة القمامة

الإهمال الذي تعاني منه العاصمة والمدن المختلفة، حيث تنتشر القمامة أصبح مصدر استياء الكثيرين، وهو ما يؤلم وجدي زين الدين رئيس التحرير التنفيذي لـ»الوفد»: «رؤساء الأحياء والمدن لم يعد يعنيهم من قريب أو بعيد نظافة الشوارع، لأسباب كثيرة هي تكاسل المحافظين وعدم متابعتهم رؤساء الأحياء، واختفت تماماً صناديق القمامة، التي كانت تملأ الشوارع والحواري. وزاد الطينة بلة أن هناك شوارع تكدست فيها القمامة بشكل يدعو إلى الحزن. ولأن رؤساء الأحياء لا يجدون رقابة حقيقية من المحافظين، تركوا الشوارع تغرقها القمامة بشكل بشع. ولكم أن تتصوروا حياً مثل الوراق، وتحديداً أمام وزارة الموارد المائية، يوجد شارع مواجه تماماً لمدخل الوزارة، وممتد حتى أرض الجمعية في إمبابة، هذا الشارع تم إغلاقه تماماً من كثرة أكوام القمامة، ولن أتحدث عن الروائح الكريهة ولا عن القطط والكلاب الضالة والحمير وحيوانات أخرى تعتلي هذه القمامة. أين إذن رئيسا حي الوراق وإمبابة من هذه المهزلة؟ ألم يريا أن هذا الشارع تم إغلاقه تماماً بسبب أكوام القمامة؟ ثم أن المرور بات معجزة لمن يمر بهذا الشارع. لو أن رئيسي حي إمبابة والوراق مرا من هذا الشارع، لشاهدا بنفسيهما هذه الكارثة المروعة.. ما الذي يجعل المسؤولين، سواء في وزارة الري أو المسؤولين في محافظة الجيزة يتكاسلون عن هذه الجريمة البشعة في حق أنفسهم وحق الناس؟ الغريب أن هذا الشارع تحيط به من كل جانب مستشفيات كثيرة، وقريب جداً من الكورنيش.. فهل أحد من هؤلاء المسؤولين يرضي بهذه المأساة؟ علما بأن الأهالي تقدموا بالعديد من الشكاوى ولم يجبهم أحد على الإطلاق».

فساد غير مرئي

الحرب على الفساد دعوة الكثيرين من أجل إنقاذ مصر من أزمتها الاقتصادية الخانقة، في هذا السياق يؤكد عمر جاد في «اليوم السابع»: «أنه في اليوم نفسه الذي سقطت فيه عصابة من 12 موظفًا في الحكومة لتسهيل الفساد، قام رئيس الحكومة نفسه بتكريم موظف في بني سويف، لأنه رفض رشوة ضخمة لتمرير قليل من الفساد، ستقول لي: هذا دليل على أنه مازال هناك أمل في الإصلاح، ربما يكون صحيحًا، لكن أكثر ما يقلقني هو الفساد الذي لا نستطيع الإمساك به، أو الاستفادة من ملابساته، فبالتأكيد صفقة الفساد هذه ليست الأولى لهؤلاء الموظفين، ولأن ذاكرتنا ضعيفة فربما تنجو عصابة مماثلة في مكان آخر وظروف أخرى، بصفقة لم نستطيع الإمساك بها، فهذا بلدنا ونحن أدرى بحجم الفساد فيه، إلا إذا تطورنا قليلًا في محاربة الفساد ونظرنا لمئات القضايا التي بين أيدينا بعين التحليل والمذاكرة، لمعرفة الثغرات التي يفسد منها الموظف والمواطن معًا، فهذه مثل كل الحروب يكسبها الناس بالعلم والعقل قبل أن يحسمها الرصاص والمدافع».

الاحتفاء بالظالمين

من معارك أمس الخميس الصحافية تلك التي شنها حلمي قاعود على خصوم الإسلاميين في «الشعب»: «يأتي بعض ما يكتبه اليساري الناصري منير عامر ـ والد المذيع شريف عامر، الذي يقدم بعض البرامج في فضائيات النفط أو فضائيات التجار الواصلين ـ حيث يرسم صورة مشوهة للواقع العام، ويكفّر المسلمين، ويبني عالما من الأوهام، يقوم على مديح الاستبداد والحكم العسكري والفاشية التي تؤمن باستئصال الإسلام والقوى الفاعلة في المجتمع. احتفظت له بمقالين نشرهما في «الأهرام» الأول بعنوان «السيسي رسالة مصرية» والآخر سماه: «رصاصة مصرية قديمة في قلب التأسلم» ويقصد بها انقلاب العسكر. والمقالان يلخصان بصورة عامة الخطوط الرئيسة لما يدعيه اليسار المصري في مجال خدمة النظام العسكري الدموي الفاشي وتبرير جرائمه ضد الشعب، من قتل واعتقالات ومحاكمات سياسية ملفقة، وتكميم الأفواه باستثناء الأبواق التي تخدمه، وإعلاء قدر المادية المتوحشة وإهدار موارد البلاد، وازدراء الإسلام ما لم يكن إسلاما على الطريقة الأمريكية. يدندن منير عامر على جملة يرى أنها بَنتْ تاريخ مصر وتقول: «أول من يضحي وآخر من يستفيد»، وهي جملة لا يكتشف ما فيها من عطاء، إلا أولو العزم من أهل الإيمان العميـــــق، ولست أدري أي إيمان يقصد؟ ولكنه يشير إلى أنه لمسها في أثناء حياته من خلال قصص المقاتلين الذين عبروا القناة بعد هزيمة 1967. وفي نموذج آخر هو الفلاح رسلان الذي مضى يكافح نيرانا اشتعلت في حطب القطن الذي غطى سطوح قرية والده، وظل العديد من أهل القرية يشاهدونه وهو يكافح النيران وحده، لكن ما أن لمسته النار حتى اندفع أهل القرية ليكافحوا النيران وينقذوا رسلان في آن. وهو كلام طيب، ولكن علاقته بما يتحدث عنه بعد ذلك مقطوعة تماما، ولا أثر للإيمان ـ أي إيمان ـ به، ما لم يكن قهر الشعوب بمعرفة المستبدين».

لهذا يثور المغاربة

حول حراك الريف المغربي اهتم حسن أبوطالب في «الوطن» بتقرير صندوق النقد الدولي، المتضمن إشارات إيجابية للاقتصاد المغربى، لكنه ألمح لجانب آخر فيه تفسير مباشر لحراك الريف المغربى، فالسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي اتخذتها حكومة بنكيران ذات الميول الإخوانية، وإن أسهمت في تمكين الاقتصاد المغربي من تجاوز مرحلة الخطر، حسب نص التقرير الدولي، إلا أنها لم تعالج مشكلات بطالة الشباب وعمل المرأة والفساد المالي والإداري والرشوة والعدالة، وجودة التعليم والخدمات الأساسية. وإن هذه الحكومة كانت لا تهتم بالتوازنات الاجتماعية المحلية، وكانت تصب اهتمامها على التوازنات الإقليمية. والجملة الأخيرة تحديداً تفضح سياسات حكومة الإخوان المغربية إبان حكمها، فهى لم تهتم بالشعب المغربي قدر اهتمامها بصلات المغرب الخارجية في إطار توجهاتها الأيديولوجية. ودون افتئات على أحد فإذا لم تشمل الإصلاحات التي قيل إن حكومة بنكيران طبقتها خلال خمس سنوات، وعلى مدى حكومتين مثل هذه القطاعات الحيوية فكيف نصف هذه السياسات بالإصلاحية؟ هنا يبرز تناقض في السياق وفي الاستنتاج، لكن يظل الدرس الأكبر يتعلق بأن أي إجراءات اقتصادية قد تُحسن الوضع الاقتصادي جزئياً، إن لم ترافقها سياسات اجتماعية تعتمد العدالة في التوزيع والعدالة في إسقاط عوائد التنمية على الجميع بدون استثناء، وإن لم تشمل كل القطاعات وكل المناطق الجغرافية، سيظل هناك ثقب أسود كبير يزداد اتساعاً ويلتهم على مرّ الأيام ما قد يحدث من تحسُّن أوَّلى في مجال هنا أو مجال هناك».

لماذا يكره المستبدون قطر ويدعو لها الفقراء؟ وإعلان وفاة الدبلوماسية العربية

حسام عبد البصير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Jean J. Rousseau:

    ARABIC DIPLOMACY, WHAT A JOKE
    PERHAPS ,IT IS KANGAROO COURT

    IGNORANCE ,GREED, TRIBALISM,POWER AND NO CONCEPT OF NATION BUT CLANS-TRIBAL
    TWO-FACED LOYALTY

  2. يقول سوري:

    الشعب المصري على حق، والبرلمان المصري برلمان الفرعون المتخبط الباحث عن الرز وثلاجته فارغة

  3. يقول فرهود:

    البرلمان المصري ده اشترته السعودية بفلوسها وباع الجزيرتبن وغدا تشتريه السعودية ويبيع القاهرة ( ومعهم الادلة على ان الجزيرتين مصريتان )

إشترك في قائمتنا البريدية