المغرب.. الإرادة الملكية والقانون

حجم الخط
0

هل العفو الملكي فوق القانون؟ سؤال اصبح جديرا بالطرح بعد الحدث الفريد الذي عاشته المغرب في الأيام الأخيرة، عقب إطلاق سراح مغتصب الأطفال العراقي الأصل، الإسباني الجنسية دانييل جلفان، ثم سحب قرار العفو فإلقاء القبض عليه مجددا.
ولئن تحدثت وسائل الاعلام وأفاضت عن عملية الدمج الغريب للائحتي سجناء إسبانيتين، تتضمن الأولى 18 اسما مقررا لها أن يشملها العفو، أما ثانيتهما فتكتفي بمطالبة نقل السجناء بمن فيهم جالفان إلى إسبانيا لقضاء المتبقي من مدة العقوبة المفروضة، فقد فجّرت الحادثة ايضا نقاشا ذا بعد قانوني- أخلاقي- فلسفي معا، غدا يتساءل اصحابه عن جدوى قرار العفو ما دام قرارا غير مقنّن خاضع لمحض إرادة .
كلّ شيء يتّم حسب إرادتي، هكذا كان يتكلم ملك فرنسا لويس الرابع عشر قبل ثلاثة قرون… ولكن الماء جرى تحت الجسور، كما يقال، فصارت رياح أخرى تجري بها السفن في اتجاه آخر.
والمفروض ان تسير هذه السفن على ما تشتهي رياح المنطق، ورياح المنطق تقول في هذه القضية إن ثغرة يجب سدها بعجالة في آلية تكشّفت اختلالاتها بجلاء، ومن اهمّها، كما ذكرت يومية ‘البايس’ الاسبانية، ‘غياب أي معاهدة دولية تقنن نظام العفــــو بالنسبة للسجــناء الأجانب’.
والأدهى في الأمر أنه حتى الذين شملهم العفو، تواصل الصحيفة الإسبانية، استفادوا من خطوات تعتمد على مغالطات كثيرة أيضا كأن تعفي عن سجين يوجد قيد الاحتجاز الاحتياطي لم يصدر في حقه أي حكم بعد، لا بالإدانة ولا بالإفراج، وهذا ما حدث مع سجين من اللائحة الأولى.
وإذا كانت الثغرات القانونية حجة دامغة تصب في مصبّ وضع القضية لدى المساءلة ـ وهذا ما لم يتورّع فيه الرأي العام المغربي والعالمي سواء بسواء- فإنّ نقاشا اجتماعيا واسعا طغى على الواجــهة أيضا، فلم يفت صحيفة ‘لوموند’ الفرنســــية أن تربط سيل الحركات الاحتجاجية التي أعقبت القرارالملكي قــــبل إعادة النظر فيه، بمظاهر الاحتجاج المتفشية التي عمّت المغرب منذ عامين والتي قادتها حركة 20 فبراير، وقد أدلى أحد مسؤولي الحركة لصحيفة ‘لوموند’ بتصريح مفاده أنّ ‘المحظورات بدأت تسقط الواحدة تلو الأخرى في المغرب.’
بقي السؤال الأساسي وهو الوضع القانوني للعفو الملكي، عنونت صحـــيفة ‘البايس’ الإسبانية بعبارة الخطأ الملكي فقدّمت جوابها على سؤال من المسؤول؟ بشكل لا لبس فيه ولا غبار .
ولكن ثمة سؤال أعم و أشمل، وهو بلا ريب السؤال الأهم- هل يمكن للإرادة الملكية ان تظلّ بمنأى عن الآليات المنظّمة لحكم يستند الى حكومة والى ناخبين؟ فهل يعبر سحب عفو عن مغتصب الأطفال عن مجرد تراجع في اتخاذ قرار تحت الضغط، أم أنه يتضمن خطوة إصلاحية جديدة لم تكشف عن نفسها صراحة؟
ومهما يكن الحال، فلو أنّ الأمر كان محسوما منذ زمان لكان جنّبنا متاعب من المفروض ان يغنينا عنها هذا الزمن.

‘ باحث أكاديمي فرنسي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية