لقاء ترامب وبوتين والعقبة الإيرانية أمام الصفقة الكبرى

يجمع المراقبون على أن لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، المزمع عقده على هامش قمة العشرين في مدينة هامبورغ الألمانية يومي الجمعة والسبت القادمين، سوف يكون حدثاً بالغ الأهمية والتأثير في الوضع العالمي الراهن، ولا سيما في وضع المنطقة العربية والوضع السوري على الأخص.
وقد حان الوقت لموسكو كي تقطف ثمار رهانها العربي، أو هذا ما تأمله. ولإدراك ما سوف يكون في صلب الحوار بين الرئيسين، لا بدّ من فهم المغزى من التدخّل المباشر لطيران روسيا الحربي في الساحة السورية بدءا من خريف 2015، وقد ترافق بتدخّل روسيا في ساحات عربية أخرى، منها ليبيا حيث تلتقي مع المحور القائم بين مصر عبد الفتّاح السيسي والإمارات العربية المتحدة. فقد استغلّت موسكو الفرصة التاريخية التي منحها إياها رئيس أمريكي، هو باراك أوباما، خشي التورّط العسكري إلى أقصى حدّ (وعوّض عن خشيته هذه باستخدام كثيف للطائرات بدون طيّار، أجبن الأسلحة)، وقد أشرف على سنته الأخيرة في الرئاسة، وهي السنة التي يكون فيها الرؤساء الأمريكيون على درجة عليا من الشلل، لا سيما في مجال الخيارات العسكرية.
فرأى لاعب الشطرنج بوتين أن يقدّم أحجاره على الرقعة العربية بما يعزّز من حظوظه على الرقعة الأوروبية وعلى الرقعة الدولية بوجه عام. وكانت المجازفة محدودة في الواقع، إذ يعلم بوتين علم اليقين أن واشنطن ليست مبالية بدفاع موسكو عن نظام آل الأسد، وهو ما تدخّل هو من أجله، وهي ليست مبالية بالوضع السوري برمّته، عدا تنظيم داعش الذي تحدّاها بصورة مباشرة باكتساحه الأراضي العراقية في عم 2014، والذي رأت أن تحاربه في سوريا مذّاك بواسطة القوات الكردية. (ومن المعلوم أن واشنطن أكثر اهتماماً بالعراق بكثير، إذ تتناسب درجة اهتمامها ببلدان المنطقة مع ما يحوز عليه كل بلد من ثروة نفطية وموقع استراتيجي بالنسبة للثروة النفطية الإقليمية.)
أما مجازفة بوتين في تدخّله المباشر في الحرب السورية فاقتصادية في المقام الأول، إذ أن روسيا غير قادرة على خوض حرب عالية الكثافة والكلفة لمدة طويلة بينما يعاني اقتصادها من هبوط الواردات النفطية. وهذا الهبوط بذاته ناتجٌ عن حرب تخفيض أسعار النفط التي شنّتها المملكة السعودية على إيران وروسيا بتشجيع من واشنطن منذ ثلاث سنوات. وهنا تكتمل الحلقة إذ أن إنهاء تلك الحرب الاقتصادية هدفٌ رئيسي من أهداف مجازفة بوتين الأشبه بالمقامرة.
هذا وقد تبدّلت الأوضاع منذ خريف 2015 بما يلائم تماماً الرهان الروسي. طبعاً، كان الحدث الأساسي في هذا الصدد اعتلاء ترامب سدة الرئاسة الأمريكية، وهو معجبٌ ببوتين ينوي التعاون معه، بل يعوّل عليه كي يساعده على فرض استتباب النظام الرجعي القديم في المنطقة العربية. فهو ذا خيار ترامب الأساسي، والسبب الرئيسي الكامن وراء إعطائه الضوء الأخضر للهجمة السعودية/الإمارتية/المصرية على قطر التي يتهمونها بمواكبة «الربيع العربي» ومحاولة تسييره بواسطة جماعة الإخوان المسلمين وقناة «الجزيرة». وطبعاً يدرك ترامب أن النظام الرجعي القديم لا يستطيع أن يستتبّ في المنطقة العربية بدون إنهاء الحرب السورية وتدعيم الحكم القائم في دمشق الذي هو ركنٌ أساسي من أركان ذلك النظام.
لذا لا يبالي ترامب باستمرار بشّار الأسد بحكم سوريا بالرغم من أنه سبق ونعته بالحيوان، وهو على قناعة من أن «أسداً» من هذا النوع يسهل تدجينه. كما يلتقي الحلف الثلاثي السعودي/الإماراتي/المصري مع هذا الاعتبار، والحال أن مصر السيسي أعادت نسج العلاقات مع النظام السوري منذ مدّة. كما نتذكّر أن السعودية انتظرت طويلاً قبل أن تدخل في منافسة قطر على إدارة ملفّ المعارضة السورية، وهي مستعدّة بالتأكيد للقبول بمساومة تبقي آل الأسد في السلطة تمشّياً مع المنحى الأمريكي الذي بات موضع إجماع غربي منذ أن تبنّاه الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون.
غير أن ثمة عقبة عظيمة على طريق اتفاق واشنطن وموسكو على سوريا وترحيب الرياض باتفاقهما، وهذه العقبة اسمها إيران. فالعداء الشديد لطهران أهم ما تلتقي عليه واشنطن في عهد ترامب والرياض (ومن ورائهما دولة إسرائيل بالطبع)، ويحكم هذا العداء سياستهما المشتركة في المنطقة. فلن تقبل العاصمتان ببقاء نظام آل الأسد إن لم يترافق بقاؤه بصيغة (قد تكون الاتفاق على نشر قوات دولية في سوريا) تؤدي إلى إقصاء التواجد العسكري الإيراني وملحقاته من داخل الحدود السورية.
كما تعلم واشنطن والرياض أن تحقيق هذا الشرط يقتضي مشاركة روسيا، إذ يصعب، بل يكون من الجنون أن تدخل إيران في مواجهة مع أمريكا وروسيا مجتمعتين لو اتفقتا الدولتان، ومعهما مجلس الأمن الدولي، على صيغة تتطلب خروج القوات الإيرانية وملحقاتها من سوريا.
فسوف يعتمد مصير الحوار الأمريكي/الروسي على ما تستطيع واشنطن أن تقدّمه لموسكو من تنازلات ومكاسب من أجل قيام روسيا بالدور المطلوب منها، وليس أقل ما تتوخّاه موسكو تعهّد السعودية بالعمل على إنهاء حقبة أسعار النفط المتدنّية. وقد تجد طهران في هذا الشرط الأخير تعويضاً اقتصادياً عن خسارتها لسوريا، أو على الأقل قد يقتنع بذلك الجناح الإصلاحي البراغماتي في النظام الإيراني، الذي يتزعّمه الرئيس الحالي حسن روحاني، بما يصعّد التوتّر بينه وبين الجناح الأيديولوجي/العسكري الذي يضمّ قوات «الحرس الثوري» ويميل إليه المرشد الأعلى علي خامنئي.

٭ كاتب وأكاديمي من لبنان

لقاء ترامب وبوتين والعقبة الإيرانية أمام الصفقة الكبرى

جلبير الأشقر

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ابو امير:

    يقول الاستاذ ” عقبة عظيمة اسمها ايران” و “عداء شديد لايران”. تخيل انسان عراقي من حشد السيستاني يحارب على الارض بقيادة ايرانية وتحميه من الجو الطائرات الامريكية .تخيل هكذا انسان طبعا سيضحك كثيرا لكن بالتاكيد سيسال ما قيمة الجهد الاكاديمي والالقاب الجامعية من دكتور واستاذ الذي لم يسمع بهذا الحدث القائم منذ سنين وفي الواقع منذ الاحتلال الامريكي للعراق . سيطالب “مثقفينا” ان يسمعوا الاخبار على الاقل. زميلك المفكر اللبناني فواز طرابلسي عبر عن هذا “العداء الايراني الامريكي” جيدا عنما قال كفاية نضحك على بعضنا البعض قوات ايرانية على الارض تحميها قوة جوية امريكية فعلام هذه النكتة السمجة؟؟ الغريب مستمرة حنى بعد الاتفاق النووي واطلاق المليارات المجمدة وعقود طائرات البوينغ والاكثر تحويل دولة محورية (كانت تسمى دولة عربية ) في الاقليم – العراق – الى تابع ايراني وبحماية امريكية ومن نقطة البداية.اي منذ اول لحظة للاحتلال الامريكي لا بل يقول البعض حتى من قبل الاحتلال من التفاهمات التي جرت في لندن باشراف خليل زادة.

إشترك في قائمتنا البريدية