«ويبر شاندويك» روّجت لمزاعم الاستقرار في مصر ولعبت دوراً في التعبئة ضد الإخوان المسلمين

حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»: تساءل أفي أشر شابيرو في مجلة «ذا أتلانتك» عن السبب الذي يدفع شركات العلاقات العامة ولوبي العمل الأمريكية لتبييض صورة المخابرات المصرية والدفاع عن عملها. وأشار في بداية مقاله لاجتماع سنوي تعقده الشركات المعنية باللوبي لتوزيع جوائز «الإنجاز المتفوق في ماركة السمعة والمشاغلة».
ويأتي ذلك في أول ثلاثاء من شهر أيار (مايو) في مطعم «كبرياني» المعروف بمنهاتن/ نيويورك. ويتم اختيار الفائزين من لجنة داخلية لها خبرة في صناعة اللوبي ويقدمها القائمون عليها بأنها «أحسن ما يمكن أن تقدمه شركات العلاقات العامة»، وهي مثل حفلة توزيع الأوسكارات. وفازت شركة إلدمان للفيديو الذي انتجته لصالح سلسلة مقهى «ستارباكس» حول أناس يقومون بحياتهم الطبيعية. وكانت شركة العلاقات العامة ومقرها نيويورك «ويبر شاندويك» من الشركات التي فازت وحصلت على 3 جوائز. واحدة هي «الوكالة الأفضل في شمال أمريكا» وأخرى لحملة على وسائل التواصل الاجتماعي وأخرى للتعليم العلمي أنتجتها لشركة لوكهيد مارتن.
وكان واحد من برامجها أيضاً وقيمته 1.2 مليون دولار في العام ولم يثر انتباه الكثير هو حملة لصالح المخابرات المصرية العامة. وهي المؤسسة التي يشبه عملها عمل المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) وتعرف بالمخابرات وهي جزء من أجهزة سيئة السمعة وتعاملت مع المخابرات الأمريكية في برامج التعذيب وذلك في المرحلة التي تبعت هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول. وتتهم المخابرات المصرية بالتعاون مع أجهزة المخابرات الأخرى للتلاعب بالانتخابات وقمع المعارضة المحلية منذ الانقلاب الذي نصب عبد الفتاح السيسي في عام 2013 .

أمر غريب

ويعلق الكاتب أن عقد شركة ويبر للعلاقات العامة مع المصريين لا يعتبر غير تقليدي إلا أن قرارها التعامل مع وكالة مخابرات أجنبية معروفة بممارسة التعذيب والقمع وكانت أداة مهمة في حملة السيسي ضد الإخوان والجماعات الأخرى أمر غير معروف بين شركات العلاقات العامة. ويضيف شابيرو أن محاولة المخابرات المصرية للعمل مع شركات لوبي أمريكية تأتي في لحظة مهمة لمصر التي مر عليها أربعة أعوام من حكم السيسي. ويحاول الرئيس المصري عقد علاقات قوية مع الإدارة الأمريكية الجديدة التي أظهرت استعدادا للتعاون مع الأنظمة الديكتاتورية وعدم إيلاء ملف حقوق الإنسان أهمية. وترتبط محاولات النظام المصري أيضا بتوسيع شبكة «الأصدقاء» داخل الكونغرس ممن يشرفون على حزمة المساعدات السنوية الأمريكية لمصر.

منحة

ويرى الكاتب أن نظام السيسي وجد في ويبر شاندويك شركة علاقات عامة مستعدة لتطبيق قوتها في إرسال الرسائل لتأمين الدعم من أموال دافعي الضرائب وإبداء حسن نية تجاه قيادة وحشية لأكبر دولة عربية. ويقول الكاتب إن شركة ويبر والشركة الأخرى كاسيدي أند أسوسييتس – وهي شركة «متخصصة» من ويبر (وهما مملوكتان من إنتربابلك غروب) وقعتا عقداً مع مصر في نهاية كانون الثاني (يناير) بعد تنصيب ترامب. وبحسب أوراق قدمت إلى وزارة العدل الأمريكية فإن الشركة ستقدم تقارير مباشرة إلى الجنرال ناصر فهمي، من المخابرات المصرية العامة وستقوم بالترويج «للشراكة الإستراتيجية مع الولايات المتحدة» والتأكيد على «الدور الريادي في إدارة أزمات المنطقة». فدور الشركة بعبارات أخرى سيكون تضخيم رسالة الحكومة المصرية والتي تؤكد على أن دعمها وتسليحها يعتبر ضرورة للحفاظ على السلام.
ويعتبر الرئيس ترامب بمثابة الفرصة الذهبية للسيسي، ففي أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية لعام 2016 عبر ترامب عن إعجابه برئيس مصر القوي. وفي نيسان (إبريل) 2016 قال الجنرال جيمس ماتيس، الذي أصبح فيما بعد وزير دفاع ترامب إن الطريقة الوحيدة لدعم «نضج» مصر بمجتمع مدني وديمقراطية هو دعم الرئيس السيسي. ومن هنا فقد كان ترامب وعد بمنحة لحكومة السيسي الذي حظي بدعوة إلى البيت الأبيض بعد سنوات من ابتعاد إدارة باراك أوباما عنه. فعلى صعيد الدعم الأمريكي تراجع عن تخفيض المنحة المقدمة لمصر مع أنه أكد في استراتيجيته على «أمريكا أولاً» وقامت الخارجية بالتقليل من أهمية التركيز على حقوق الإنسان وقمع النظام المصري للمعارضين وهما موضوعان ظلا محلاً للتوتر بين إدارة أوباما والنظام المصري.
ويرى الكاتب أن اتفاق شركة ويبرشاندويك مع المخابرات المصرية يعتبر شاذاً فآخر تعاون مع مصر يعود إلى عقد من الزمان عندما وقعت الشركة عقداً من أجل الترويج لصناعة القطن المصرية. وعملت مصر مع «غلوفر بارك غروب» التي ساهمت في إقناع المشرعين الأمريكيين بإعادة الدعم العسكري لمصر الذي علقته إدارة أوباما في مرحلة ما بعد انقلاب عام 2013. وعلى خلاف «غلوفر بارك» التي يعمل فيها ناشطون سابقون في الحزب الديمقراطي فويبر لها علاقة بحملات التوعية العامة مثل «اوباما كير» أو الضمان الصحي الذي قدمته إدارة أوباما وتقوم الإدارة الحالية بإلغائه.

بلد مستقر

وقامت الشركة باختراع شعار «مصر للإمام» وبنت موقعاً للإنترنت وحساباً على «تويتر» لتقديم معلومات ومقالات وأشرطة فيديو تصور مصر بلدا نشطا ومستقرا يزحف نحو الديمقراطية والمجتمع الذي يشمل الجميع. ويعتقد الكاتب أن التوقيت مهم لأن المشرعين سيناقشون حزمة المساعدات البالغة 1.5 مليار دولار وسيقررون في ما إذا كانوا سيربطون المساعدة باحترام حقوق الإنسان. كما يعمل نظام السيسي بشدة كي تستمر المساعدات المالية ويسمح له بشراء الأسلحة المتقدمة وعلى الحساب. ولم يتم بعد استكمال الميزانية الدفاعية إلا أن مسؤولي الإدارة أكدوا لمصر أنه لن يتم تغيير الحزمة رغم تخفيضها لدول مثل باكستان وكولومبيا.
أما بالنسبة لبرامج وكالة التنمية الأمريكية «يو أس إيد» فمرشحة للتخفيض. وأبدت الإدارة استعدادا لمواصلة خطة أوباما القاضية بتخفيض الدعم المالي للبرامج. إلا أن شركة العلاقات العامة ويبر- شاندويك يجب أن تواصل العمل. ومن هنا فقد تجد في الإخوان المسلمين فرصة. فهذه الجماعة التي فازت في الانتخابات بمرحلة ما بعد حسني مبارك. وفاز مرشحها محمد مرسي عام 2012 بالرئاسة وهو ما قاد عام 2013 لانقلاب السيسي الذي أراد من واشنطن تصنيف الجماعة كحركة إرهابية. وهو أمر قاومته إدارة أوباما.
أما ترامب، فقد اختار عدداً من نقاد الإخوان كأعضاء في فريقه. وفكر جدياً بعد أسابيع من تسلمه المنصب بالطلب المصري تصنيف الجماعة كحركة إرهابية. ويقال إن ستيفن بانون، مسؤول الإستراتيجيات في البيت الأبيض دفع ترامب لاستخدام أوامره الرئاسية كي يصنف الجماعة كحركة إرهابية.

ضد الإخوان

وتلعب «ويبر شاندويك» دوراً في هذه الجهود. وبدأت هذا الربيع بضخ مقالات وأشرطة فيديو لمراكز البحث ومسؤولي السياسة كتبها كتاب «شبح» وكلها نشرت على موقع ووصفت egyptfwd.org المواد مصر كدولة تسير باتجاه الديمقراطية وكشريك في الحرب على الإرهاب وهو الإرهاب نفسه يهدد الولايات المتحدة، كما ورد في مقال «مصر تحارب الإرهاب نيابة على الإنسانية» إلا أن الحملة أخطأت طريقها. ففي 31 آذار (مارس) نشر موقع egyptfwd.org أول مقالاته «ما يجب على العالم معرفته عن الإخوان المسلمين» وحمل الجماعة مسؤولية الهجمات التي نفذها تنظيم الدولة نهاية عام 2016. وفشلت الشركة في تقديم معلومات سياقية مهمة حول الإخوان المسلمين.
فعندما وصل السيسي إلى السلطة قامت قواته بذبح عدد كبير من داعمي الجماعة، مما أجبر عدداً كبيراً من ناشطيها للعمل في المنفى أو سراً. وحتى لو قام بعض الناشطين بتبني العنف إلا أن أشد نقاد الجماعة يعترفون بأن تصنيف الحركة بشكل كامل إرهابية أمر خطأ. ونقلت مجلة «بوليتكو» عن دانيال بنجامين قوله: «سيكون من الحمق بمكان أن تفعل، والسبب الرئيسي هو أنها ليست منظمة إرهابية». ومنذ أن وقعت شركة ويبر- شاندويك قام السيسي بحملة قمع واعتقالات واسعة. وانتشرت صور فيديو وهي تظهرعدداً من الجنود المصريين وهم يعدمون فورياً عدداً من الأشخاص. واتهم عدد من الجمهوريين والديمقراطيين في لجنة الشؤون الخارجية مصر وملف حقوق الإنسان.
وفي جلسة الاستماع قدم النائب الديمقراطي بن غاردين والجمهوري ليندزي غراهام اقتراحا قطع حزمة المساعدات العسكرية. وقام ممثلو شركة ويبر شاندويك بتوزيع رزمة صقيلة عن مصر وأنها «شريك موثوق به ومستقر». وفي الوثيقة التي تحتوي على 14 صفحة قدمت فيها الشركة تقييماً باهراً لسجل السيسي ونظامه. وزعمت الوثيقة أن العامين الأولين من حكمه اتسما «بتحسن الظروف السياسية والاقتصادية والمدنية للناس». ومع أن مراقبي الشأن المصري منقسمون حول خطورة التهديد الإرهابي الذي تواجهه مصر وحكمة القمع الذي يمارسه السيسي إلا أنهم يتفقون على أن الحريات الإنسانية تواجه هجمة شديدة. ووصفت ناجية بونعيم، مديرة الحملة من اجل شمال أفريقيا في منظمة أمنستي إنترناشونال شركة ويبر شاندويك والحملة التي تقوم بها نيابة عن النظام المصري بأنها «سخيفة ومن ناحية موضوعية فالأمور سيئة جداً أكثر مما كانت عليه في عهد مبارك».
ولعبت الشركة دوراً مهماً كمسهل سياسي عندما وصل وفد نيابي مصري إلى واشنطن لتقديم معلومات لمراكز البحث والمشرعين قبل أسابيع عدة. قامت الشركة وكاسيدي أند أسوسيتس هي التي قدمت النقاط من أجل النقاش في الكونغرس حسب بعض الأشخاص الذين حضروا اللقاء. وكان السناتور تيد كروز قد جعل من تصنيف الإخوان المسلمين هدفاً رئيسياً له. ومع أنه لا يوجد دليل أن الإخوان المسلمين يقومون بتمويل الإرهاب يمكنه تحقيق هذا إلا أنه لم يتم تحقيق أي من الأهداف أثناء زيارة الوفد المصري لواشنطن في نيسان (إبريل). وينقل الكاتب عن مايكل وحيد حنا من «مؤسسة القرن» قوله إن دور ويبر شاندويك في الموضوع قد يكون محدوداً خاصة أن العديد من اللاعبين في واشنطن لديهم وجهة نظر حول التحالف الأمريكي – المصري «لن يستطيعوا تغيير موقف الكثير من الأشخاص مثل ماكين وليهي وغراهام» الذين يعتبرون من أشد نقاد مصر في مجلس الشيوخ. ومع ذلك فلا تزال شركة ويبر متورطة في مهمتها. فقد أصدرت فيديو حول الزيارة الذي شمل على لقاءات مع مسؤولين أمريكيين. وبعبارات النائب أحمد يوسف:»دعونا نتحد وأن نكون يداً بيد في مواجهة الإرهاب».
أما النائبة داليا يوسف فقالت إن الزيارة كانت تهدف لتصحيح «المفاهيم الخاطئة» عن مصر. ومن القضايا التي ناقشها الوضع قانون تنظيم عمل المنظمات غير الحكومية. ويعطي القانون المخابرات المصرية العامة لكي تغلق المنظمات هذه ومراقبة الأموال التي تصل إليها. وقدم الوفد المصري إلى جانب شركة العلاقات العامة والمواد التي قدمت لمؤسسات البحث بأنه قانون منظم لعملها مع أنه حسب منظمات حقوق الإنسان يمنع بشكل فعلي عمل أي جهة مستقلة عن الدولة. بالإضافة لنهاية عمل منظمات حقوق الإنسان.
ويقول حنا ومراقبون للشأن المصري إن ما يهم حول عمل شركة العلاقات العامة هو قرارها العمل وبشكل مباشر مع المخابرات المصرية. فمن ناحية تاريخية ظلت أجهزة الاستخبارات تعمل بعيدا عن الأضواء كما يقول أوين سيرز، المحلل السابق في وكالة الاستخبارات العسكرية الأمريكية وهو ما ادى للتغطية على انتهاكات المخابرات في مجال حقوق الإنسان. ومع أن المخابرات لا تستفيد مباشرة من الدعم الأمريكي إلا أن الأمريكيين يدفعون بشكل مباشر لخدمات ويبر شاندويك. ويقول سيرز «عندما يتم صعقك بالكهرباء أو تعذيبك لا تعرف إن كانت المخابرات العامة أو أية مؤسسة امنية أخرى». وقال إنه لا يعرف كم تقدم المخابرات الأمريكية كل عام من دعم للمخابرات المصرية العامة، مشيراً إلى أن المفارقة الغريبة هي أن الولايات المتحدة تقوم بتمويل المخابرات المصرية السرية ويتم إعادة انتاجها على يد شركات اللوبي الأمريكية. ويقول حنا إن خروج المخابرات العامة يعكس أياً من المؤسسات المصرية في صعود مستمر في مصر. ويضيف حنا إن السيسي قام بتعزيز سيطرته على مؤسسات الدولة بما فيها البرلمان والإعلام. وأظهرت التحقيقات الصحافية كيف قامت المؤسسات بتقديم أموال للمرشحين الموالين للنظام ودعمتهم إعلاميا. وتشعر الوزارات الأخرى مثل الخارجية أنها مهمشة حيث تقوم المخابرات بممارسة دورها التقليدي. ومنذ وصول السيسي للسلطة استقال 40 دبلوماسيا بناء على طلب من المخابرات المصرية.
ويقول الكاتب إن تمثيل ويبر شاندويك لمصر من أجل تعزيز صورتها في واشنطن قد يضعف من موقفها كما يقول مختار عواد، من جامعة جورج واشنطن « لو استمر هذا فإنهم سيضمنون بالتأكيد أن لا يتعامل أي أحد مع مزاعم (الحكومة المصرية) بشكل جدي». وترى ميشيل دان، المسؤولة السابقة في الإدارة الأمريكية، والباحثة في مؤسسة كارنيغي، إن هناك ثمنا أخلاقيا يدفعه الأمريكيون لمواصلة دعم مصر «إن حالة حقوق الإنسان في مصر شائنة بدرجة أصبح فيها من الصعوبة العمل مع الحكومة بدون أن تكون متواطئا» معها.

«ويبر شاندويك» روّجت لمزاعم الاستقرار في مصر ولعبت دوراً في التعبئة ضد الإخوان المسلمين
كيف تقوم شركة علاقات عامة بتبييض صفحة المخابرات المصرية في واشنطن؟
إبراهيم درويش

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية