اخيرا، وبعد سنوات عديدة من نجاح بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة الاسرائيلية، في سحق وإبعاد كل من يمكن ان يكون منافسا جديا له، في حزبه (الليكود)، او في بقية الاحزاب الاسرائيلية، بزغ نجم جديد في الساحة السياسية الاسرائيلية، اسمه: آفي غباي.
خريطة سياسية جديدة تتشكل في اسرائيل. نجمها الصاعد هو آفي (أفرهام) غَباي، الذي فاز في الانتخابات الداخلية (البرايمرز)، لرئاسة حزب العمل الاسرائيلي، في دورتها الثانية والاخيرة، يوم الاثنين الماضي، على منافسه القوي عمير بيرتس. وكان غباي قد وصل الى الانتخابات النهائية هذه بعد اسبوع من تفوقه على مرشحين آخرين عريقين في الحزب ابرزهم اسحق هرتسوغ الرئيس السابق للحزب، ورئيس المعارضة في الكنيست (البرلمان الاسرائيلي).
يتساءل كثيرون في اسرائيل، وفي حزب العمل ذاته ايضا، عمّن يكون هذا «القادم من لا مكان، والذي استطاع احتلال القلعة باندفاعة واحدة»؟.
آفي غباي، هو قصة نجاح. بل قصة نجاحات متواصلة. ولد في اطراف القدس، في «معبراة»، (مساكن غاية في التواضع، في تجمعات فقيرة وفي اطراف بعض المدن، اقامتها اسرائيل لإيواء القادمين الجدد اليها من الدول العربية). كان ذلك في العام 1967، بعد سنوات قليلة من قدوم عائلته من المغرب، ليكون الولد السابع بين ثمانية اخوة واخوات.
انهى دراسته الثانوية، وجند في الفرقة 8200 في الجيش الاسرائيلي، وهي الفرقة الاكبر المتخصصة في الاستخبارات والتنصت واستخدام وابتكار الاجهزة التكنولوجية الحديثة والاحدث، وانهى خدمته العسكرية برتبة ملازم اول، حيث التحق بالجامعة العبرية في القدس، وتخرج منها بالشهادة الاولى في الاقتصاد، وبالشهادة الثانية في إدارة الاعمال.
عمل بعد تخرجه عام 1995 في قسم الميزانيات، فرع الاتصالات، في وزارة المالية، ثم انتقل الى العمل مساعدا لمدير عام شركة «بيزك» للاتصالات عام 1999، وعين مديرا عاما للشركة عام ، 2007 براتب عالٍ ومكافآت دسمة، فجمع 52 مليون شيكل، (ما يعادل 15 مليون دولارتقريبا)، في سنواته الست في المنصب. ومع استقالته بدأ في اعمال تطوعية في مجالات متعددة.
خلال وجوده على رأس شركة الاتصالات الاكبر في اسرائيل، كان موشي كَحَلون، (رئيس حزب «كولانو» (كلّنا، او جميعنا)، وزير المالية الحالي في حكومة نتنياهو)، وزيرا للإتصالات، واصدر قرارا بفتح سوق الاتصالات للمنافسة، فدخلت السوق شركات اتصالات عديدة، الامر الذي ادّى الى خفض قيمة فواتير الاتصالات الى درجة مذهلة وغير مسبوقة، والى رفع شعبية كحلون بالنسبة ذاتها، وعندها خشي نتنياهو من طموحات كحلون، فبدأ يضيِّق عليه، فاستقال من الحكومة ومن حزب الليكود.
في العام 2014 شكل كحلون وصديقه غباي حزب كولانو، ورفض غباي ان يكون على قائمة مرشحي الحزب لعضوية الكنيست، وتولى مسؤولية العمل الميداني للحزب الذي حصل على عشرة مقاعد في الكنيست، الامر الذي مكنها من الحصول على ثلاث حقائب وزارية في حكومة نتنياهو الحالية، واصبح آفي غباي وزيرا لحماية البيئة فيه، ليكون الوزير الوحيد الذي ليس عضوا في الكنيست.
لكن، وبعد يوم واحد من ابعاد نتنياهو وزير الدفاع السابق موشي يعلون، وتنصيب افيغدور ليبرمان زعيم حزب «يسرائيل شيلانو» اليميني العنصري، وزيرا للدفاع، فاجأ غباي نتنياهو، كما فاجأ حليفه ورئيس حزبه كحلون، بالاستقالة من الوزارة ومن حزب كولانو ايضا، معلنا رفضه لمجمل سياسة حكومة واسلوب وطريقة اتخاذ القرارات فيها.
بعد اشهر من استقالته، انضم غباي الى حزب العمل الاسرائيلي معلنا نيته المنافسة على زعامة الحزب، وفي الانتخابات التي انتهت دورتها الثانية والاخيرة، بعد سبعة اشهر فقط على انتمائه للحزب، اصبح غباي الرئيس المنتخب للحزب الثاني في اسرائيل من حيث عدد المقاعد في الكنيست.
هذا الانجاز الكبير لغباي، احدث زلزالا ايجابيا في حزب العمل الذي كان قد بدأ كثيرون في تأبينه منتظرين انسحاقه في الانتخابات العامة المقبلة في اسرائيل، ومتوقعين اندثاره بالكامل.
لزلزال غباي الايجابي في حزب العمل، ارتدادات وانعكاسات بالغة التأثير على مجمل الخريطة السياسية الاسرائيلية. تخشى غالبية تلك الاحزاب ان يقتنص هذا «الطائر الغريب» غباي مصوتيها في الانتخابات المقبلة. والاكثر قلقا هو نتنياهو وحزب الليكود، ويليه في «سُلّم القلق» كحلون وحزبه كولانو، ثم يَئير لَبيد وحزبه «ييش عتيد» (هناك مستقبل)، الذي شكل المنسلخون عن حزب العمل واليائسون منه في الانتخابات السابقة غالبية المصوتين للبيد، ويليهم حزب شاس لليهود المتدينين الشرقيين بزعامة اريه درعي، حيث تستهوي اعضاؤه والمصوتين لصالحه قصص نجاح غباي اليهودي الشرقي، وقد لا يكون آخر هذه القائمة «مقاولي الاصوات» للاحزاب اليهودية في الشارع العربي الفلسطيني في اسرائيل.
يرى كثيرون في اسرائيل، ومعهم المتابعون للشأن الاسرائيلي في العالم، ان بزوغ وصعود نجم آفي غباي، هو «طبعة جديدة ومنقحة» لإيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي الذي اندفع كقذيفة نحو الإليزيه، فاحتل القلعة متخطيا كل الاحزاب اليسارية واليمينية التقليدية الفرنسية، والحق ذلك باحتلال حزبه الوليد الغَضّ للـ»شامبر دي ديبيوتي» (البرلمان الفرنسي).
تبقى بعض الملاحظات التي أرى ضرورة تسجيلها في نقاط مختصرة:
ـ اهم هذه الملاحظات انه نشأ في اسرائيل بديل جدي حقيقي لنتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة العنصرية.
ـ المتنافسان على رئاسة حزب العمل الاسرائيلي في الجولة الختامية، هما عمير بيرتس وآفي غباي. عمير بيرتس مضمون ومعروف بايجابيته، لكن غباي مُتوقَّع ومأمول، إضافة الى انه هو الأقدر على زيادة عدد مقاعد الحزب في الكنيست، ولذلك فالرهان عليه مغامرة محسوبة، وليس مقامرة.
ـ قال غباي: عمير بيرتس في الكنيست منذ 35 عاما، ولم يحتل منصب رئيس الحكومة، لماذا يتوجب علينا الآن ان نتوقع ذلك؟. وقال ايهود براك: «بيرتس سياسي ينتمي الى العقد الماضي. غباي ينتمي الى العقد المقبل».
ـ نقطة ضعف غباي انه ليس رجل سياسة تقليديا. لكن هذه النقطة بالذات هي مصدر قوته ايضا.
ـ في اول مقابلة صحافية إثر فوزه برئاسة حزب العمل، قال غباي: يسعدني كثيرا ان نصل الى وضع يكون فيه المجتمع العربي (الفلسطيني في اسرائيل) جزءاً من الحكم في اسرائيل. لا يمكن اقامة حكومة مع القائمة المشتركة (للانتخابات في اسرائيل) كما هي عليه اليوم، مع المكونات الاسلامية (السياسية) و»التجمع».
ـ وقال قبلها: اختلف مع بيرتس في موضوع «حماس». انا لا ارى مثله ضرورة الدخول في مفاوضات مع «حماس»، باستثناء مسألة التبادل. وارى في (الرئيس الفلسطيني محمود) عباس، شريكا لاتفاقية سلام».
ـ بعد ساعات قليلة من فوز غباي برئاسة حزب العمل، ارسل له عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، مسؤول لجنة التواصل مع المجتمع الاسرائيلي، محمد المدني، رسالة تهنئة باسم الرئيس الفلسطيني ابو مازن، وبعد ساعات أقل، رد غباي على رسالة المدني بشكر وبايجابية واضحة.
ـ لاحظت وسائل اعلام اسرائيلية عديدة، ان ابو مازن اتصل هاتفيا بغباي مهنئا، قبل ان يفعل ذلك نتنياهو وكحلون. بعد كل هذا لا يكتمل المقال قبل تحويل النظر من اسرائيل والحياة السياسية المتدفقة فيها، الى فلسطين، ومنظمة التحرير الفلسطينية، والسلطة الوطنية الفلسطينية، و»العمود الفقري» لكل هذه الاجسام: حركة «فتح»، والتحسّر على ما نحن فيه.
أُقِرُّ وأعترف: أشعر بالغيرة والحسد. ارجو المعذرة. فليست الغيرة ولا الحسد مشاعر واحاسيس ايجابية يفخر المرء بها. لكن: ألَيس في فتح، ولا في السلطة، ولا في المنظمة، ولا في كل فلسطين، آفي غباي، ولا إيمانويل ماكْرون. لدينا ماكرون بكسر الكاف، وننتظر بماكرون بتسكين الكاف.
٭ كاتب فلسطيني
عماد شقور
بتنا للاسف نعول على العاقلين في اسرائيل العدوة اكثر من ” الماكرين” من العرب، وماكرون العربي بتسكين الكاف من الصعب ان تجده لأن غباي وماكرون وجدا في دولتين ديمقراطيتين، فأين هي الدولة الديمقراطية في العالم العربي..
تعجبني كلمة “لدينا ماكرون بكسر الكاف” حقاً لدينا ماكِرون، فهم الموجودون في دهاليز السلطة، هذه السلطة/القيادة التي لا تنظر أبعد من أنفها وأبعد من هؤلاء المندلسين، وتنسى المخضرمين المناضلين لعشرات السنين، الذين ينأون على أنفسهم أن يقفوا على الأبواب وفي الدهاليز.
اشكر الاستاذ شقور على نظرته التفصيلية و افادتنا بما يجري داخل دوائر العدو. و آسف على الوضع العربي الحالي الذي بات يستجدي التغيير و التفهم من العدو لا ستعادة حقه مثل طالب الدبس من طxx النمس كطالب العسل من انياب الثعابين
صعود غابي هذا يذكرني بصعود نتنياهو المفاجئ من وكيل وزارة الى رئيس وزارة في 1996 كأصغر رئيس. و ارى انها تقلبات طبيعية من جملة طبيعة النظام السياسي المفتوح والمنافسة الحرة و التعيين بالاقتراع
المهم انها تفاصيل قد تمس الاحوال المباشرة و الوقتية و لكنها لا تغير حقيقة ان اسرائيل الى زوال لانها اصطناعية تفتقر الى مقومات الدولة و خاصة الاساس الاخلاقي و لوجود الشعب الفلسطيني بعمقه الحضاري العربي و الاسلامي. فلقد استمر الكفاح منذ اول هجرة يهودية في 1883 حتى اليوم على الرغم من ارادة الدول العظمي و على الرغم من تغير العالم عدة مرات منذ ذلك التاريخ و سيستمر هذا الكفاح حتى زوال هذا الكيان المغتصب و الاصطناعي من اوله الى آخره