دعوكم من الدم على الايدي

حجم الخط
0

يسيطر على اسرائيل منذ نشأت الدولة نوع واحد فقط من الخطاب هو ‘خطاب 1948’. إن كنزه اللغوي ونحوهُ الداخلي واضحان ومعلومان يريان ان العرب أشرار ونحن أخيار، وأننا نطمح الى السلام وهم يُهيجون الحروب، ونحن الأكثر اخلاقا في العالم وهم قتلة سفلة ومتعطشون للدم. ومضامين الخطاب في الجانب الفلسطيني تشبه هذه الصورة شبها دقيقا. وهذا خطاب عدم ثقة مطلق وشك دائم. وكادت تنشأ هنا فرصتان لخطاب جديد مرتين زمن زيارة أنور السادات، وفي فترة مسيرة اوسلو واتفاق السلام مع الاردن، وتم اضاعتهما مرتين.
كتب مئير اريئيل ذات مرة يقول: ‘إعلم ان كل المفاسد تأتي من استعمال فاسد للكلمات. إن الفكر يحتاج الى كلمات للخروج الى العالم، رغم أن اللغة والكلمات تُريان مثل الهواء للنفس. وإن مشروع الانسان العظيم كله يخرج من الكلمات ويعود اليها، وكل شيء متعلق بمن يستعمل الكلمات وبكيفية استعمالها’.
يصعب أن نأمل نتائج مصالحة وتفاهم مع كلمات مصدرها الحرب والعداء. إن الكلمات الاخيرة تولد احيانا مع الزمن والتسليم، وتكون احيانا كما في حالتنا ضرورية لبدء الخطاب أولا وآخِرا. في هذه الايام يجلس مرة اخرى المندوبون ويُجهدون أنفسهم للتوصل الى تسوية. بيد أن اللغة من خارج غرفة المحادثات هي نفس لغة العداوة القديمة، ولهذا يصعب ان نتوقع نتائج تختلف عن تلك التي أحرزتها جولات المحادثات السابقة التي انتهت الى فشل. وتشهد على ذلك بادرة الافراج عن السجناء. فكل ذلك يتم في تجهم وعدم رغبة سافر وعن استعمال لنفس الكلمات حقا: ‘قتلة’ و’دم على الأيدي’ وباقي المعجم الذي كان موجودا دائما.
إن السجناء جميعا هم نتيجة من نتائج الصراع. ولم يوجد منذ 1967 فصل ولا خط جبهة وتحول كل مكان الى ميدان معركة، وثكل المجتمعان الكثير جدا من البشر الأبرياء. وإن تعجب فعجب أن أكثر ملتزمي السلام الاسرائيليين قد جاءوا من صفوف الجيش، وكثير جدا من السجناء الفلسطينيين يعتبرون من مؤيدي السلام. ويتبين أن اولئك الذين كانوا هناك في جبهة المواجهة العسكرية والدم والموت يعلمون ان هذا الطريق يفضي الى ضياع. ويريدون باسم تجربتهم الشخصية ان يمنعوا الجمهور المتحمس والقادة الذين يحرضونه من السير فيه.
وعلى هذه الخلفية يبرز الشعور الحالي باضاعة الفرصة، رغم أن ألم العائلات الثكلى لن يبرد أبدا فانه لا يجوز ان نصوغ مستقبل الشعبين صدورا عن ماضي أفراد. وتحين دائما اللحظة التي يجب فيها ان يُترك ما كان وأن يُنشأ ما سيكون. وهي اللحظة بالضبط التي يغيب فيها عن الصورة رئيس وزراء اسرائيل. فبدل ان يقف في مقدمة مُنشئي اللغة الجديدة ويقود الفرصة يختفي فجأة. يجب عليه اذا كانت نيته صادقة ان يواجهنا جميعا وان يتحدث بلغة مختلفة تماما. وعليه ان يقول ما يلي تقريبا: ‘يا مواطني اسرائيل، إنني أعلم كم هي صعبة هذه اللحظة التي يجب علينا فيها ان نترك المعلوم والمعروف لنا، وان نحاول انشاء مستقبل مختلف لأجل أبنائنا. وأنا اؤمن أنه يجب أن يُمد خط فاصل بين ما كان وما سيكون كي لا نعود مرة بعد اخرى الى الثُكل وفشل الماضي. وأنا أطلب من السجناء الذين يُفرج عنهم اليوم أن يكونوا سفراء تغيير. وسيتبعكم كل اولئك الموجودين في السجون. ولن توجد حاجة في نهاية المسيرة الى الزنزانات لأن رئيسكم وأنا نبذل كل ما نستطيع كي تصبح كلمات الجيل التالي كلمات أمل وفرح حياة، وكي يحل مضمون ايجابي محل الكراهية والخيبات واليأس والانتقام’.
لو أنه كان يقصد ذلك حقا لأقنعنا واضطرنا جميعا واضطر الواقع الى التغير.

هآرتس 18/8/2013

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية