تمر مصر بمرحلة صعبة وعصيبة بسبب الاوضاع التي نتجت عن انقلاب الثالث من يوليو الذي قام به الجيش المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي وعزل الرئيس محمد مرسي. بالرغم من الوساطات الامريكية والاوروبية والعربية التي حاولت حل الازمة المصرية سياسيا من خلال اقتراحات للتوصل الى حلول ترضي الطرفين، ولكن كل هذه الوساطات قد باءت بالفشل، لأن كل طرف وضع لنفسه حلول وشروط لا يمكن التخلي عنها مما عقد حل هذه الازمة المستعصية بالطرق السياسية، فالاخوان المسلمون تمسكوا باعتصاماتهم واستمروا بها لتحقيق مطالبهم بعودة الرئيس المخلوع محمد مرسي الى كرسي الحكم اي العودة بالاوضاع عما كانت عليه قبل الثالث من يوليو، من جهة اخرى فان الحكومة وقيادة الجيش اصرتا على فض الاعتصامات بالقوة وعدم السماح بعودة الاوضاع الى ما قبل الثالث من يوليو. يبدو ان مصر التي نجت من حمام دم عندما تخلى الرئيس المخلوع حسني مبارك عن السلطة وعدم فض الاعتصامات بالقوة واستعمال العنف، فان ما يحصل اليوم ينبئ بدخول مصر دوامة العنف، ولن تكون مصر استثناء عما يجري وجرى في بعض البلدان العربية التي حصل فيها التغيير، فحجة الحكومة الحالية باستعمال القوة ضد الاعتصامات هي أن جماعة الاخوان تملك اسلحة في ميدان رابعة العدوية، ويُذكي هذه الحجج ايضا الاعلام المصري الذي يلعب دورا محرضا من خلال نشر المعلومات الغير دقيقة والمضخم. ان الحدث المصري قد اعمى الكثير من الناس عن الحقيقة، ان كانوا مؤيدين للاخوان او معارضين لهم، وقد نسي البعض ان التغيير هدفه الديمقراطية والحرية وليس قتل فئة على حساب فئة اخرى، فالشعب المصري هو الذي يدفع الثمن بكل انتماءاته، ومن ثم الوطن العربي من خلال اضعاف مصر ودخولها أتون الحرب الداخلية، والتي من الممكن ان تتطور الى حرب اهلية. فمهما كانت الاهداف التي تريد تحقيقها الحكومة المصرية ومن وراءها الجيش المصري نبيلة حسب وجهة نظرهم فمن غير المقبول مهاجمة الناس بالقوة واطلاق النار عليهم في الشوارع لان ذلك قد يرتد ضدهم في المستقبل، فالاخوان المسلمين جزء من الشعب المصري، وان هذه السلطة الجديدة ليست سلطة مثالية واهدافها غير معروفة، فهي لم تحدد سياستها بالنسبة لاسرائيل التي تبدو مرتاحة من وجود هؤلاء العسكر الذين يقيمون علاقات جيدة معها، ويبدو ان التنسيق الامني مستمر ايضا. ان هذه الاحداث التي تشهدها مصر قد تؤدي الى عسكرة المجتمع المصري، وقد تؤدي الى شرخ في هذا المجتمع لا يمكن ردمه في المستقبل القريب، ومن الممكن ان تؤدي هذه الاحداث الى توتر ومواجهات في سيناء بين المسلحين الجهاديين والجيش المصري، وايضا قد يؤدي هذا الشحن الى عمليات انتقام بين مؤيدي الرئيس المخلوع مرسي وبين المؤيدين للحكومة الحالية وبين الاقباط والاسلاميين. بدون شك ان استعمال القوة ضد المعتصمين قد يثير ردود فعل دولية منددة، ويبدو ان الحكومة المصرية المدعومة من الجيش غير عابئة بهذه الانتقادات ونتائجها على هذه الحكومة التي تتحمل مسؤولية ما يحدث من نزيف الدم الذي يسيل في شوارع مصر. ان الثورات العربية اتت بالاخوان الى السلطة في مصر وفي بعض الدول العربية، فهل ان ما يجري الان في مصر هو امتداد للربيع العربي والثورات العربية ام اجهاض لهذه الثورات، وهل ان الربيع العربي له قوى محددة يجب ان تحكم دون غيرها؟ بدون شك ان الوطن العربي المنقسم على نفسه والشعوب المنقسمة على نفسها سياسيا وطائفيا، تبدو بعيدة عن التعايش وتفهم معنى الحرية والديمقراطية، فصل جديد من نزيف الدم وعدم التعايش وعدم الاستقرار واستعمال العنف بدأ في اكبر دولة عربية.