في مطلع كل سنة مدرسية أو جامعية نجد أنفسنا نتحدث عن «الدخول» المدرسي والجامعي، ويتحمس الصحافيون لجمع معطيات عما يسمى «الدخول الثقافي» إسوة بما يجري في بلدان صار الدخول الثقافي جزءا من تقاليدها الثقافية الراسخة.
أما عندنا فما زال بيننا وهذا الدخول مسافة بعيدة. لماذا نتحدث دائما عن «الدخول»، ولا نلتفت إلى «الخروج»، رغم كون نوعية الخروج هي التي تحدد كيفية الدخول؟ ما دمنا لا نتحدث عن الدخول لأنه ليس جزءا من تراثنا الحديث، فإنه والخروج سيان. أما البلدان ذات تراث الدخول، فالخروج مناسبة لتهيئ الدخول الذي تظهر فيه ملامحه وأبعاده.
أقصد بالخروج الجامعي نهاية الموسم الذي كان أساتذة الشعب، في زمان غير هذا، يجتمعون فيه بعد انتهاء الامتحانات وإعلان النتائج، لتقييم تجربة سنة دراسية، ويستعدون للسنة المقبلة، بإعادة النظر في المناهج وطرق التدريس، ويوزعون في ما بينهم المواد بالتراضي، ويسطرون البرامج الثقافية المزمع عقدها خلال السنة أو السنوات المقبلة. وينتهي اللقاء بمأدبة عشاء يتقاسم الأستاذة مصاريفها، فيكون الخروج الجامعي، بذلك، مناسبة للم الشمل، ورأب الصدع، والاتفاق على كيفية الدخول الجامعي.
سألني أحد الزملاء القدامى في آخر الموسم عن العمل الجماعي في الكلية؟ وكيف أن الشعب لا تلتئم، والأساتذة كل منهم في عالمه الخاص؟ واستدرك بأن العمل الجماعي كان مغيبا منذ تأسيس جامعة محمد الخامس.
بعد نقاش قصير تبين لنا أن العمل الجماعي بالصورة المفترضة الآن لم يكن موجودا، كان كل أستاذ يشتغل «منفردا». لكن جوا عاما كان مشتركا بين كل الأستاذة. يطبع هذا الجو العام المنافسة الشريفة، والاهتمام الجاد بالعمل الأكاديمي، والمتابعة الدقيقة لكل ما يجري في العالم المعرفي. كنتَ لا ترى أي أستاذ إلا وهو محاط بطلبته، حين كانت أروقة الكلية هي مكاتب الأساتذة؟ في غياب أي مكتب لأي أستاذ. ولن ترى أي أستاذ إلا وهو في المكتبة، أو محملا بالكتب. كان هناك «عمل» جماعي ولكن بشكل ضمني. وإلى جانب ذلك كانت الصراعات المنهجية بين أنصار القديم والحديث، وبين اللسانيين واللغويين. هذا الصراع، وإن لم يكن يخلو من حساسيات، كان دليلا على عمل جماعي، أو لنقل بتعبير أدق على انخراط جماعي في الهم الجامعي والأكاديمي. كان هذا المناخ العام يدفع إلى الاجتهاد والجد في العمل، وفي تأطير الطلبة، وفي التأليف. وكان من نتائج ذلك أن الشعب كانت قوية بأساتذتها وبعطاءاتهم التي كانت تتعدى الجامعة لتنخرط في المشهد الثقافي المغربي والعربي. وفي الوقت نفسه لم تكن الشروط والبنيات التحتية للكلية على ما هي عليه الآن.
تغير كل شيء بعد اعتماد نظام الإمد (إجازة ماستر، دكتوراه) منذ مطلع الألفية الجديدة. صار الأساتذة منهمكين في ملء استمارات الامتحانات إلكترونيا على برمجيات رديئة. وكان العجز في البداية على التلاؤم مع مقتضيات النظام الجديد. فالبرامج القديمة صبت فيه، ولم تتغير المواد إلا قليلا، وصار الكل منشغلا بـ»العصر الإلكتروني» بدون محتوى. صار الاستعجال في وضع المقررات، وملء دفاتر الاعتماد والتقويم يأخذ وقتا ومجهودا كبيرين. وصار التنافس على من ينسق المسلك والماستر والدكتوراه. وفي زحمة الاهتمام بالجوانب الشكلية والتقنية ضاع الجانب الإنساني بين الأساتذة، وتم تغييب المحتوى العمل الأكاديمي. كان الأساتذة يجتمعون لإدخال النقاط، وفي الوقت نفسه يتناقشون حول مستوى الطلبة وضرورات تجاوز العثرات التي يتم الاتفاق عليها. صار الآن بإمكان بعضهم بعث النقاط إلكترونيا إلى المنسق، وهو يقوم بإدخالها وإعلان النتيجة دون مداولات واقعية.
كان إعداد رسالة دبلوم الدراسات العليا يستغرق سنوات تتجاوز العشر. أما دكتوراه الدولة، فهي نتاج العمر في الوقت الذي كان الحصول على شهادة الإجازة يتطلب أربع سنوات. بُنيَ الآن كل شيء على الخفة والسرعة، فقلصت كل السنوات، وصار بإمكان الطالب قضاء ثماني سنوات في كل حياته الجامعية، من أول سنة في الإجازة إلى مناقشة الدكتوراه. وكانت الميزات قديما تبدأ بمقبول وتنتهي بحسن جدا، مرورا بمستحسن وحسن. لم تبق الآن سوى ميزتين، والكل مشرف جدا.
لا أحد يجادل في أن نظام الإمد أحسن من سابقه. لكن مورس بدون مضمون ولا محتوى. فكانت النتيجة تقنية وشكلية محضة. ورغم محاولات التدارك بمراجعته، كانت الخفة والسرعة لا تعمل إلا على تأكيد ما جرى وتكراره، بدون تحول حقيقي إلى ما يمكن أن يعطي للعمل الأكاديمي قيمة مختلفة. أسست فرق بحث، ومختبرات ومراكز. ومعنى ذلك أننا بتنا أمام إمكانية تحقيق العمل الجماعي الذي يتطلبه البحث العلمي. وبدا لنا بعد الممارسة أن فرق البحث والمختبرات والمراكز استجابة لعمل تمليه الوزارة، وليست وليدة تطور طبيعي في الاهتمام بمشكلات البحث العلمي. ومن خلال إعادة هيكلة فرق البحث والمختبرات والمراكز، ألفينا أنفسنا نستعيد الصورة القديمة.
تتأسس الفرق ليس بناء على نقاش حقيقي وعلى تصورات منهجية تراعي التخصصات، ولكن على أساس ملء استمارات لا علاقة لها بالبحث العلمي. الدخول الجامعي الحقيقي نتاج خروج حقيقي. وحين لا يكون تكون الدائرة.
٭ كاتب مغربي
سعيد يقطين
انصحك للبحث على جهاز الكمبيوتر العملاق الذي وعد به اوباما سابقا بصناعته,, وان تطلب خدماتك منها بما يخض التنبوء بالمستقبل في الحاصل تكون الدائره ,والعمل , الانساني, المادي, والعلمي , والجامعي الثقافي ,, كل المشاكل بامكان الالة العملاقه والتي يتم العمل عليها تستطيع ان توفرها الالة للبشريه,, فلا حاجة للبشريه الى البشريه , لان كل ما سيلزمها فقط هي الالات رفيقة البشريه بقيادة اوباما واصدقائه الداعمين للمشروع الضائع بين الخيال والوهم والاستغناء عن الجامعيين وكبار العلماء ..
قال امير الشعراء احمد شوقي : قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم ان يكون رسولا
وكنا نحترم الاستاذ احترام الاب ونخشاه ونقف عندما يدخل قاعة الدرس ولا نجلس الا عندما يسمح لنا بالجلوس حتى في الصفوف الثانوية اما اليوم فكاد المعلم ان يكون متسولا وهذا كله من اهمال الدولة لأجهزة التعليم والثقافة فأين اليوم وزراء الثقافة والتعليم من ساطع الحصري وثروت عكاشة كما كان اندريه مالرو في فرنسا رجال ثقافة وعلم حقيقيين
يا حسرتي على ايام زمان لقد بتنا كبعر البعير دائما للوراء