«انقلاب» إسرائيلي كبير على الأردن

التحليل المنطقي لمسار الأمور يظهر بما لا يدع مجالا للشك اليوم أن إسرائيل المتجهة نحو المزيد من التطرف شعبا وحكومة ومؤسسات تصنف نفسها تلقائيا، حتى لا نقول تكشف عن حقيقتها، كعدو أبرز للأردنيين شعبا وحكومة ومؤسسات أيضا.
لا نتحدث مباشرة عن جريمة السفارة الإسرائيلية هنا، ولا عن استمرار النخر الإسرائيلي في ملف الوصاية الأردنية على المقدسات، ولا عن السعي الواضح لتصدير أزمة الواقع الفلسطيني إلى الأردن، بقدر ما نتحدث عن مخطط عدائي منهجي وعميق ينقلب على كل تلك المعادلات التي أسست علاقة بناء على انحياز الأردن للسلام والهدوء مع إسرائيل منذ توقيع اتفاقية وادي عربة عام 1994.
دعونا نتأمل في بعض المشاهد التي أتصور شخصيا أنها محورية اليوم.
اليمين الإسرائيلي المتطرف انقلب على الأردن والأردنيين بكل تلك الصور التي تختزن وتختزل بشاعة الاحتلال.
تل أبيب سطت على وثائق وزارة الأوقاف الأردنية في المسجد الاقصى، وضايقت واعتقلت الموظفين الأردنيين، لا بل أظهرت مشاعرها الحقيقية تجاه الأردن، وهي تسمح للمتطرفين فيها بالحديث العلني بعد جريمة السفارة المشهورة عن كيفية تقديم الحماية للأردن من قبل إسرائيل.
في الواقع الأردن هو الذي ساهم في اعتداله ووسطيته وجنوحه للسلام طوال الوقت في حماية المؤخرة الإسرائيلية، والأردن صاحب الفضل في تأمين أوضاع مستقرة حول ضفتي نهر الأردن، ولم يكن يوما إلا مقرا بميزان القوى، ويتصرف على أساس طاقاته وإمكاناته، ولم يجامل عندما يتعلق الأمر بكل المزاعم التي أحالت معسكر الممانعة المعروف إلى مشهد ساخر ونكتة سمجة في الكثير من المفاصل.
تنقلب إسرائيل على الأردن بوضوح، فهي تتآمر على دوره الإقليمي عندما تقيم جدارا عنصريا عازلا في حدود الأغوار.
وتتآمر على الدور نفسه عندما تسعى وبخطة توسعية شريرة إلى ترويج تلك الأسطوانات والأدبيات عن وطن للفلسطينيين في الأردن.
إسرائيل تتآمر وتنقلب على شريك السلام الأردني ليس فقط من خلال الإعلان الصريح والفصيح عن تخليها عن الأردن الرسمي، بل أيضا وأساسا من خلال مشروعها في تصفية القضية الفلسطينية، ومنع قيام دولة للفلسطينيين كان الأردن دوما يدعم قيامها.
ارتهان الطاقة الأردنية لاتفاقية الغاز الفلسطيني المسروق مع إسرائيل كان خطأ استراتيجيا فادحا والرهان عليها في مشاريع المياه المشتركة، انتهى بالطفل المتطرف المدلل لبنيامين نتنياهو آرون آراد وهو يعلن بأنه يستطيع تعطيش الأردنيين.
ثبت الآن أن ذلك من الأخطاء الاستراتيجية وقد لامنا في الماضي كثير من الساسة وأصحاب الرأي الضيق عندما قلنا بأن مستوطنات نابلس لا تهدف لإخضاع هذه المدينة في جبل النار، فهي خاضعة للاحتلال أصلا بل تهدف لإخضاع القاهرة ومكة، وسبق أن قلنا بأن المستوطنات المحيطة بمدينة القدس تهدف لخنق عمان وليس أهل القدس الذين احتلت مدينتهم أصلا وهي خاضعة الآن.
في حادثة السفارة خطط نتنياهو جيدا لإثارة الأردنيين لا بل لإحراجهم في بعض التفاصيل، وقد خاب أمله هنا عندما تحركت الدولة الأردنية مزنرة بشرعيتها في إطار الموقف الشعبي الموحد خلف القيادة والمؤسسات.
إسرائيل تخيف جميع أصحاب القرار والساسة، وجبروتها الاحتلال الاستيطاني الشرير يرعب بعض النخب، وفكرتها في ابتزاز الأردن كانت دوما أن لديها القدرة على العبث بالداخل، أما فكرة وجود صلات قوية مع العمق الإسرائيلي فقد ثبت إخفاقها في حادثة السفارة، لأن تلك المؤسسات العميقة وبالرغم مما يقال عن التعاون بين الجانبين في مكافحة الإرهاب خذلت الحكومة الأردنية، وشاركت في حفل استفزاز الرأي العام الأردني.
حصل ذلك عندما ترجم مضمون المكالمة بين نتنياهو والحارس القاتل إلى اللغة العربية بقصد إحراج الحكومة الأردنية.
سمعت خبيرا استثنائيا يقول بأن العمق الإسرائيلي الذي نراهن عليه ونتعاون معه كأردنيين أصبح مستلبا لليمين المتطرف، بدليل أن نخبة من مساعدي رئيس الأركان في إسرائيل معادون تماما للدولة الأردنية حاليا. خرجت قصة التعاون مع العمق الإسرائيلي عن السكة، وإسرائيل اليوم التي يسيطر عليها اليمين المتصهين ليست مع الأردن، ولا مع الشعب الفلسطيني، ولا حتى مع اتفاقية وادي عربة، لكنها في الاتجاه المعاكس. فإسرائيل اليوم لم تعد مهتمة بالأردن وأمنه، ولا بالشراكة والتنسيق معه، وفي بعض المشاهد غادرت عدم الاهتمام باتجاه العداء والخصومة لا بل التآمر أحيانا.
تلك إسرائيل في مرآة الحقيقة اليوم.. «مدللة» الغرب والأمريكيين تتحرش يوميا بأقوى حلفائهم في المنطقة.
وهذا التحرش لم يعد يطال الشعب الأردني، بل أصبح يطال اليوم مؤسسات الأردنيين ودولتهم في استهداف منظم ومبرمج لم يعد من الحكمة إنكاره بينما تقتضي الحكمة التعاطي معه الآن كواقع موضوعي يشكل أهم التحديات.
تلك حقيقة إسرائيل العدائية التوسعية ضد الأردنيين، ولا مجال للإنكار.. السؤال هو: ما الذي ينبغي على الأردنيين بالمقابل أن يفعلوه؟.
الجواب يبدأ مع الإقرار بالانقلاب الإسرائيلي، وبتحولات تستهدف اليوم دولة الأردنيين ومؤسساتهم..من دون ذلك وقبل ذلك لا مجال للاستدراك ومواجهة التحدي، ونعتذر مسبقا من أنصار إسرائيل والسلام في دوائر النخبة والقرار الأردني الذين باعونا دوما كذبة الشرق الأوسط الجديد، وأسطوانة دفن الوطن البديل وصداقة الحلفاء والشراكة مع العدو.
العدو واضح.. والاستدراك ممكن، ونأمل من الحكومة أن تعلن هذه الحقيقة على الأقل، ولا نطالب بغير التعامل مع الواقع والحقيقة؛ حيث لا مجال لإعلان الحرب على إسرائيل، ولا مجال لإنهاء اتفاقية وادي عربة طبعا، ولا نتحدث عن الانضمام لمعسكر الممانعة والمقاومة.
الشعب جاهز، والمطلوب من الحكومة إدراك الحقيقة.

٭ إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»

«انقلاب» إسرائيلي كبير على الأردن

بسام البدارين

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود:

    كان الصهاينة في حماية الأمريكان فقط, أما الآن ففي حماية العرب أنفسهم ! والدليل إغلاق الجزيرة !!
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول محمد حاج:

    وهل يوجد عاقل يعتبر ما يفعله الصهاينة انقلاب ؟ هل كنا نتوقع ان يكون شريكا او صديقا ؟ فلن تحمل أذاه اذن ، الصهاينة يستمدون قوتهم الان من الأعراب المنقلبين الذين لن يكتفوا بقطر فقط .

  3. يقول تيسير خرما:

    جيش الأردن قادر على تشتيت يهود من فلسطين لمدنهم الأصلية فالحدود 500 كم بمعدل عمق 100 كم ويكفي نصب 500 منصة صواريخ بمدى 50-100 كم بأنفاق مموهة بدون مهارة أو دقة ورمي 500 صاروخ كل خمسة دقائق غرباً بهلال بعرض 1كم لكل منصة وعمق 20-100 كم لمنع إقلاع أي طائرة مدنية أو عسكرية وإشغال القبة الحديدية وصولاً لانهيارها مع إبقاء ممرات للبحر لتخلي مدن العالم يهودها ويكفي إخلاء نصفهم لانهيار إسرائيل واندثار الصهيونية فميزانية المنصات وذخيرتها 5 مليار يتكفل بها أغنياء الأردن وفلسطين وستتبرع النساء بمجوهراتهن.

  4. يقول S.S.Abdullah:

    من يضحك على من، هنا؟ دولة الكيان الصهيوني ترفض أن يكون لديها دستور، والعلم يقول بكل صراحة عن مفهوم الحدود على أرض الواقع لديها من النيل للفرات، أي عدم الاعتراف بوجود شيء اسمه الأردن أصلا، فأين هي المفاهيم الواقعية لدى الأردن والتي يُصر على التعامل معها؟ ولكن السؤال هنا بالنسبة لي هل ستعود الأندلس أم فلسطين أولا لنا؟ وسبب طرحي للسؤال هو موضوع جبل طارق بالنسبة لدول الاتحاد الأوربي بعد نتائج استفتاء بريكست عام 2016، والذي رفعه ديفيد كاميرون بخبث في انتخابات عام 2013 للهروب من استحقاق توفير وظائف ذات دخل يكفي لإعالة أسرة بكرامة في بريطانيا، فتحجج من أن أصحاب جنسيات الدول الأوربية هي من تستحوذ على الوظائف الجيدة في الدولة، فمشكلة الأردن لتمرير صفقة الغاز، كانت الحجج الاقتصادية لدعم ميزانية الدولة، وسبب التشديد على الحدود لمنع حضور أهل اليمن وسوريا والعراق وليبيا إلى الأردن، فأدت إلى ضائقة اقتصادية كبيرة في قطاع السياحة الصحية، فأي واقع وأي أمن وأي اقتصاد عندما تكون سياسة الدولة ضد أن تكون لغة الاقتصاد أولا، بل لغة الرشاوي والواسطة والمحسوبية أولا هي حقيقة ما يجري على أرض الواقع في الأردن.
    فهل تستغل ذلك وستطالب المملكة المغربية بسبتة ومليلة، بحجة مفاوضات جبل طارق والسيادة عليه مع دول الاتحاد الأوربي من قبل بريطانيا، فتكون فتح باب أمل لعودة كل الأندلس؟
    على أرض الواقع وسبب عقلية المتواطئ من وجهة نظري هو إشكالية الأردن والكيان الصهيوني مفهوم الجنسية لأهل فلسطين؟ قام الكيان الصهيوني بناء على نقل حرفي لنسخة من قانون الوطنية لجورج بوش الذي أصدره عام 2001 للتغطية على تقصير النخب الحاكمة في توفير الأمن والأمان والأجواء لخلق وظائف ذات دخل يكفي لإعالة أسرة بكرامة في أمريكا، بسحب جنسية بواسطة القانون، بينما الأردن يستغل مفهوم ألوان الرقم الوطني، منذ تسعينيات القرن الماضي، ومن بعد ذلك الرقم الوطني في الحكومة الإليكترونية، أظن تجميع ما حصل من حصار لقطر والمسجد الأقصى وجريمة سفارة الكيان الصهيوني في عمان، قد فضح وزير الاتصالات الدرزي في الكيان الصهيوني بخصوص كيف يتم طبخ القرارات في حكومة الكيان الصهيوني للوصول إلى إصدار قرار غلق قناة الجزيرة ما كان مستورا لدى جميع الأطراف والحكومات في المنطقة، فالتنسيق الأمني ضد الإنسان وأبسط حقوقه، رغم ان الدولة عالة عليه، ومع ذلك تقوم باستعباده وذلّه

  5. يقول حسين/لندن:

    وهل اسرائيل الملامه هنا على غطرستها وعربدتها واستكبارها وتغولها وتنمرها على الأردن؟
    ماذا جنى الأردن من وراء عمليه سلام وادي عربه المشؤومه والتي لم يرى الأردن الخير من بعدها؟
    وماذا بقي للأردن من أوراق لعب أكثر من تسهيل هروب قاتل السفاره وطاقمها؟
    هل فعلا أن حكومات الأردن المتعاقبه تؤمن أنها شريك سلام مع كيان مثل اسرائيل؟
    واخيرا إلى متى يبقى الأردن رهين تحت رحمه اسرائيلمن جهه، وانظمه الخليج والشرق والغرب من جهه أخرى؟ وماذا قدم هؤلاء للأردن للمساعده من الناحيه الاقتصاديه ألضروريه للحفاظ على البقاء والوجود وذلك أضعف الإيمان؟
    هذا هو مصير الدول الوظيفيه،،وممالك وجمهورية الموز.
    الله المستعان

  6. يقول عاطف - فلسطين 1948:

    يجب على القيادة الاردنيه التفتيش عن بدائل اقتصاديه ولا تبقي دخلها مرهون بالسياحه الطبيه او الجنسيه او التعليميه – مصدر دخل جيد من الطلاب الذين يتوافدون للتعلم في الأردن.
    ثانيا مسألة المياه – هذا كان خطأ استراتيجي من الاردن.
    الأردن قبل الاقتراح الإسرائيلي بعدم استخدام المياه الجوفيه التابعه له وهي من حقه حفاظا على منسوب مياه جوفيه كما يبدو إسرائيل منتفعه منها لمبررات جيولوجيه ربما تكون صحيحه وهي عدم المساس بملوحة ومخزون المياه الجوفيه في منطقة الاغوار.
    إسرائيل وعدت الأردن يتوفير مياه بديله.
    الإسرائيليون يعتقدون ان تقديم المياه للاردن منة منهم . وكل مرة يهددوهم بقطع الماء عنهم وتعطيشهم.
    هذا تفكير استراتيجي خاطيء من قبل الأردن . لا يعقل ترهن دوله مياهها بدولة أخرى. هذه تعتبر من الخطوط الحمراء لكل دوله وهي بمثابة أمور عسكريه من الدرجه الأولى التي يجب وضع حمايه لها.

  7. يقول د 0 عطوة 0 ايلياءارض الرباط:

    سبحان مسبب الاسباب متى احترم الصهاينة عهدا ويمتازوا حسب الاية الكريمة بنقد العهود وقداعلن نتنياهو بفوزه بانتخابات ست وتسعون بانه لا يعترف باي اتفاق سبقه جهارا نهارا وقد نسف اوسلوا واهله في ستة اشهره الاولى بفتحه النفق تحت الاقصى واستطانه براس العمود وجبل ابو غنيم في القدس الشرقية رافضا الاصغاء لتدخل المغفور له الملك السابق ومبارك ولم يبقى متمسك باسناه باتفاقات من طرف واحد الا جماعتنا فلو ارادنا ان نتصرف بمنطق العين بالعين للوحنا وهددنا بل فعلنا فتح حدود ست مئة وخمسين كيلو متر للناس تأخذ حقها بيدها واقسم ان امريكا وحلفها لا تستطيع حمايتها ويعود الحديث الشريف 0 انتم شرقي النهر وهم في غربيه 0 ارض المعركة حددها الرسول الاكرم صلى الله عليه وسلم قبل الف واربع مئة عام

إشترك في قائمتنا البريدية