لقد بدأ الربيع العربي عفوياً دون مستوى مناسباً من الأحزاب والقادة، خصوصاً الشباب، كما بدا وكأنه أتى على غير موعد، كولادة مبكرة، لم يحتضن من المفكرين والفلاسفة، تخطيطاً ومتابعة ورسماً لأفق المستقبل. إنه الطوفان، ولكن لم نستطع السيطرة على ما قد ينشأ من تراجعات، فأصبح ناراً تحرق الأخضر واليابس، إن لم يتم السير به بالطريقة الصحيحة. لقد كان واضحاً قبل حدوث فض الإعتصامات المطالبة بعودة الرئيس المعزول محمد مرسي، مقدمات الإنقسام المجتمعي الواسع، وتكرس هذا الإنقسام بعد فض الإعتصامات. أمام هذا الواقع الذي وصلته الأمور في أكثر من بلد، وخصوصاً في مصر، ما الحل ؟ رغم أنه من الصعوبة بمكان عودة وحدة المجتمعات، التي تنقسم بسبب الدين أو الطائفة أو المذهب أو العرق أو اللون، إلا أن ما قد يخفف من هذا التشاؤم، هو الأرضية التاريخية التي تشكلت منها أمة أو شعب، حيث المكونات المشتركة التي تلم شمل الأمة، من لغة وعادات وتقاليد وثقافة، تلك المكونات التي تشكل بديلاً أمام أسباب واهية للصراعات بين أفراد الشعب الواحد. إن مصر العربية يجب بكل جدية، إعادة بناء شخصية المواطن المصري فيها على أساس نبض العروبة من المحيط إلى الخليج. كما أن مصر يجب أن تتخذ موقعها التاريخي في قيادة الأمة والدفاع عن مصالح العرب جميعاً. إن العامل النفسي يبرز أكثر من أي وقت مضى، في ترقيع ما أصاب نفسية المواطن المصري والعربي عموماً، وهو يبحث عن حقه في الكرامة والحرية، وسط أكوام فيها أحياناً الترهات، وفي توجهات محلية وخارجية حاولت تبديل بوصلته الحقيقية، التي تقوم على أساس بناء الدولة الحديثة الديمقراطية متعددة الأطياف. عبدالله أبو مازن