في إسرائيل بطة عرجاء، اسمها: بنيامين نتنياهو. لكن لا مبرر لانتشاء الأصدقاء في «العاصمة الفلسطينية المؤقتة ـ رام الله». فلديكم، أيها الأصدقاء، «بطتكم العرجاء» الخاصة بكم. كذلك تتربع على كراسي الحكم، في العديد من عواصم المنطقة والإقليم بكامله، بطّات عرجاوات. ويصل هذا «الوباء» إلى العاصمة الأهم والأخطر: واشنطن. ففيها بطة عرجاء اسمها: دونالد ترامب.
لكأننا نعيش في عالم هو عبارة عن مزرعة بط أعرج مهولة الحجم والضخامة.
دخل نتنياهو «نادي الحزانى» هذا قبل أسبوع، عندما توصلت الشرطة الإسرائيلية إلى اتفاق مع رئيس طاقم موظفي ديوان نتنياهو الأسبق، آري هارو، صباح يوم الجمعة الماضي، تحول بموجبه من متهم مع غيره من المتهمين، إلى «شاهد ملك» يشهد ضد رئيسه السابق نتنياهو في الملفات الثلاثة التي تحقق فيها الشرطة الإسرائيلية.
جراء تعدد الملفات الجنائية والقضائية التي تحقق فيها الشرطة الإسرائيلية، بشكل سري منذ أشهر عديدة، وبشكل معلن منذ نحو شهرين، ولنتنياهو وعائلته (وخاصة زوجته سارة)، إضافة لأكثر القريبين من نتنياهو عائليا وعمليا من خلال أدوارهم ونشاطاتهم السياسية، وجراء الأعداد الكبيرة من المشبوهين قيد التحقيق، والمتهمين، فإن شرح الموضوع، وتفسير خباياه، وتعداد المتورطين في هذه القضايا وصفاتهم ومواقعهم والشبهات التي تدور حولهم، يستدعي تفصيل هذه المسائل في نقاط محددة، لتسهيل فهمها واستيعاب أبعادها، وما قد تصل إليه من خواتيم، دون أن ننسى تسجيل الشرطة الإسرائيلية للملفات الثلاثة، تحت أسماء «الملف رقم 1000»، و»الملف رقم 2000»، و»الملف رقم 3000»، مع تأكيد مصادر صحافية إسرائيلية عليمة، أن «الملف رقم 4000» على الطريق، وسيُكشف عنه خلال فترة قصيرة. ويمكن لنا أن نوجز ذلك، قدر المستطاع، على النحو التالي:
ـ الملف رقم 1000 يتعلق بشبهات استلام وأخذ نتنياهو وأفراد عائلته، «هدايا» تقدر قيمتها بمئات آلاف الدولارات، من مليارديرات يهود من أمريكا واستراليا وغيرها، هي عبارة عن شحنات متواصلة من صناديق السيجار الفاخر والشمبانيا، إضافة إلى عقود وأطقم مجوهرات للزوجة سارة، وتكاليف رحلات إلى الخارج لأفراد العائلة.
ـ الملف رقم 2000 يتعلق بإجراء نتنياهو مفاوضات مع مالك وناشر صحيفة «يديعوت احرونوت»، نونو موزيس، دارت حول مبادرة واستعداد نتنياهو للجم الصحيفة المجانية «يسرائيل هَيوم» (إسرائيل اليوم)، والتضييق عليها بما في ذلك العمل على سن قانون يؤدي إلى تلك النتيجة، مقابل تخفيف حدة النقد في «يديعوت احرونوت» لنتنياهو وعائلته وسياسته.
ـ الملف رقم 3000 يتعلق بتورط الأشخاص الأكثر قربا من نتنياهو (بينهم ابن عمه ومبعوثه السياسي الخاص ومحاميه الشخصي شومرون) في قضية التعاقد مع شركة ألمانية لبناء غواصتين وعدد من السفن العسكرية، وقبض رشاوي بمئات ملايين الدولارات في تلك الصفقة.
كانت القضية في الملف رقم 1000 هي الأسهل والأقل خطرا، لأن اتهامات من نوع الحصول على «هدايا» مبالغ فيها تظل تهما تسجل في خانة المخالفات الممجوجة، لكن هذه المخالفات وهذه المبالغ تصبح «رشوة» في حال تمكُّن الشرطة من إثبات حصول مقدمي الهدايا على تسهيلات أو تفضيل من السلطة لما يخدم مصالحهم الخاصة وأعمالهم ومشاريعهم. وهنا يجيء الدور الحاسم لـ»شاهد الملك» آري هارو الذي يعرف كل الخبايا والحكايا وراء هذه المخالفات الجنائية.
آري هارو هذا يهودي أمريكي هاجر إلى إسرائيل في منتصف الثمانينات، وربطته علاقة مع نتنياهو تحولت إلى صداقة، فأوفده إلى أمريكا مسؤولا عن حزب الليكود هناك، حيث تعرف وتخالط مع العديد من الأثرياء اليهود الأمريكيين، وكان حلقة وصل بين نتنياهو وبينهم، وزادت العلاقات توثقا مع تقدم نتنياهو في الصفوف القيادية لليكود والحكومات التي شكلها إلى أن احتل الموقع الأول رئيسا للحكومة.
مع تقدم نتنياهو تقدم آري هارو في المناصب الملاصقة لنتنياهو وعائلته، إلى أن أصبح رئيسا طاقم العاملين في ديوان نتنياهو، وتعارف العاملين حوله وتحت أمرته على تسميته «وزير المالية الخاص لرئيس الحكومة وعائلته». ومن هنا يتضح مدى كثرة ودقة المعلومات التي لديه عن كل الخبايا والخفايا الخاصة بنتنياهو وعائلته، وخاصة على الصعيد المالي.
أما في الملف رقم 2000، فقد كان آري هارو هو الذي نظم اللقاءات بين نتنياهو وموزيس (ناشر يديعوت احرونوت)، وحضر اللقاءات والمفاوضات، وأكثر من ذلك أنه سجلها في هاتفه الذكي واحتفظ بها، إلى أن عثرت الشرطة عليها أو على جزء منها، عندما داهمت منزله قبل أشهر وفتشته وحققت معه في تهم أخرى، وكانت التسجيلات على هاتفه بمثابة «حلوان» لم تكن الشرطة تعتقد بوجوده أو تبحث عنه.
[يجدر بنا هنا التسجيل أن القضية التي عرّضت هارو لتفتيش بيته وللتحقيق معه، كانت أنه احتفظ بملكية شركة علاقات عامة في إسرائيل في الوقت الذي شغل فيه منصب رئيس طاقم العاملين في ديوان نتنياهو. وعندما طلبت منه جهات رسمية من مدغشقر ترتيب زيارة رسمية لرئيس مدغشقر لإسرائيل، أحالهم إلى شركة العلاقات العامة التي يملكها لتنظيم وترتيب الزيارة، وتقاضت الشركة مقابل أتعابها 60000 شيكل (حوالي عشرين ألف دولار) وجدت طريقها إلى جيبه الخاص.
في الملف رقم 3000، وهو الملف الأخطر لأنه يتعلق بقضايا الأمن والجيش وسلاح البحرية أساسا، فإن نتنياهو شخصيا، لم يخضع (بعد) لأي تحقيق بخصوصه، لكن المتورطين فيه كثيرون: فعدا عن قريبه ومحاميه ومستشاره ومبعوثه في القضايا الأكثر سرية وحساسية، هناك بين المتورطين والذين خضعوا ويخضعون للتحقيق الجنائي، قائد سلاح البحرية السابق، ونائب رئيس مجلس الأمن القومي، الذي أجبر شركة بناء الغواصات الألمانية على الاستغناء عن خدمات وكيلها في إسرائيل، وتعيين صديقه ميكي غانور وكيلا للشركة، وغانور هذا المتهم بترتيب الرشاوى للمتهمين الآخرين، وقع مع الشرطة قبل أسبوعين اتفاقا أصبح بموجبه «شاهد ملك»، شريطة الاعتراف بتفاصيل تلك الرشاوى والشهادة في المحكمة، مقابل تخفيض التهم الموجهة له، واكتفاء الشرطة بالطلب إلى المحكمة تخفيف العقوبة عليه واقتصارها على السجن لمدة ستة أشهر فقط.
في إسرائيل يتساءل كثير من الكتاب والسياسيين ما إذا كان نتنياهو يعرف بقضايا هذه الرشاوى أو أنه هو شخصيا شريك فيها، ويقولون ما معناه: إذا كان يعرف فهو مذنب وجبت إدانته، وإذا كان لا يعرف كل مخالفات المتهمين القريبين منه حد الالتصاق، فإنه ليس جديرا بتحمل المسؤولية الأولى في إسرائيل.
إضافة إلى كل ذلك كشفت الشرطة الإسرائيلية في وثيقة رسمية قدمتها إلى المحكمة أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو متورط بتهمة قبول الرشوة، الأمر الذي يعني الحكم عليه بالسجن الفعلي في حال إدانته المحكمة بالارتشاء.
تأتي بعد كل ذلك أنباء اقتراب توجيه التهمة إلى سارة نتنياهو بتحميل موازنة الدولة مصاريف خاصة بها وببيتها و»بتسمين» فواتير الضيافة في بيت رئيس الحكومة.
فرحة الفقراء: عندهم فساد كالذي عندنا. لكن الفرحة لا تتم. الذي ينكشف عندهم يُطرد ويحاكم ويسجن ويُنبذ. عندنا….!.
٭ كاتب فلسطيني
عماد شقور