الرباط – «القدس العربي» : تقع مدينة الحسيمة جغرافيا، بين برشلونة والدار البيضاء، لكن المناطق الجغرافية الثلاث تحمل عناوين الحالة المغربية: احتجاجات مجتمعية في الحسيمة باتت تحمل بعدا سياسيا، وإرهاب مصدره المغرب، فيه نبت ونما وذهب إلى برشلونة ليمارس قتل مواطنين آمنين، واغتصاب نساء في حافلة نقل عمومي في الدار البيضاء أمام الملأ وفي عز الظهيرة.
العنوان جيل مغربي يطمح لمغرب ديمقراطي متقدم يصطدم بمقاومة شرسة من فاسدين معادين للديمقراطية، ويجد نفسه، في ظل فقدانه للثقة في ما هو قائم من مؤسسات، نحو الإرهاب أو اللامبالاة بلا قيم أو مسؤولية.
وينشغل المغرب، مؤسسات ومكونات المجتمع بحادثة اغتصاب شباب لفتاة في حافلة للنقل العمومي، ويتجرأون على تصوير جريمتهم ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي ويتبادل الجميع مسؤولية ما وصل اليه الشباب المغربي، وكل طرف، يجد في الحادثة طريقة لتصفية حسابات مع طرف يعتبره خصما لمصالحه، خاصة أن جريمة الاغتصاب تترافق مع تقارير عن جرائم بشعة ترتكب يوميا ليس الاغتصاب إلا واحدا منها.
وأعلن المركز المغربي لحقوق الإنسان، أن ”ما يشهده المغرب حاليا (اغتصاب للأطفال والفتيات وتهجم واعتداء بالأسلحة البيضاء)، ينذر بانهيار منظومة القيم الإنسانية في نفوس الشباب، على نحو يوشك أن يصيب المجتمع بعطب قيمي وإنساني رهيب، حيث بات أغلبهم ممزق الهُوية ومنحلا عن القيم الإنسانية والأخلاقية، فضلا عن الدينية».
وأضاف المركز في بلاغ ارسل لـ«القدس العربي» إن «هذا الانحلال كان نتيجة انكفاء الأسر المغربية عن مستلزمات تربية الأبناء، بسبب انشغالهم المرير بالبحث عن لقمة العيش، فضلا عن السقوط في نزاعات تفضي إلى التفكك الأسري، بالنسبة لفئات عريضة مهمشة أو معدمة واضمحلال الدور التربوي والأخلاقي للمدرسة العمومية، في وقت باتت تشكل فيه محورا أساسيا في تكوين شخصية المواطن في الدول الديمقراطية».
وانتقد المركز «انتشار وسائل الإصابة بالإدمان، وتهييج غرائز اليافعين، عبر شبكات التواصل الافتراضي، والتباهي بالممارسات اللاأخلاقية، وتمييع العلاقات الإنسانية، داخل الأسرة وخارجها»، وضعف الرادع القانوني، «في الحد من الاختلالات الاجتماعية الخطيرة، التي ترى طريقها نحو المؤسسات الأمنية والقضائية، بسبب ممارسات فاسدة، وغلبة المال والنفوذ والشطط، بما يفضي بالنهاية إلى الإفلات من العقاب، ما شجع تباعا على غياب الوازع الأخلاقي والضمير الإنساني في نفوس المعتدين”.
واعتبر المركز الحقوقي أن «الدولة تشجع الإعلام التافه، وتصرف عليه ميزانيات ضخمة من الأموال العمومية، وغايته إفراغ الأجيال الصاعدة من انتمائهم الهُوياتي، من خلال تحريك الغرائز بدل العقول، وتنمية أفاعيل الغش والخداع والخيانة، وثقافة الشوفينية في عقولهم، بدل قيم المبادئ والأمانة وروح الانضباط».
وقال: إن «الجريمة المرتكبة في حق الفتاة ثابتة وتستلزم إنزال العقوبة بأولئك المجرمين، وأن المغرب قد شهد، ولا يزال، حالات اعتداءات إجرامية بشعة، لم تنل الاهتمام والضغط اللازمين، لفرض تغيير للقوانين ولسلوك المؤسسات في ضبط الوضع، كحالة اغتصاب خديجة في مدينة ابن جرير من لدن وحوش آدمية، وإطلاق سراحهم من قبل القضاء، ما دفعها إلى الانتحار، وحالة الطفلة فاطمة الزهراء من مدينة تيفلت، التي تعرضت للاختطاف والاغتصاب، قبل أن يجهز عليها الجاني ليرديها قتيلة، بعد أن أشبع غريزته البهائمية في جسد طفلة بريئة». وحمل المركز المذكور المسؤولية إلى السياسات العمومية غير الديمقراطية، التي أدت تداعياتها إلى انهيار وشيك لمنظومة القيم الإنسانية في المجتمع، وفي صفوف الشباب على وجه التحديد، قبل أن يطالب الدولة المغربية بمراجعة مقاربتها في تدبير الخدمات الاجتماعية، والبنى التحتية، المرتبطة بالحقوق الأساسية، كالتعليم البناء والصحة للجميع والتشغيل للجميع وبالاستحقاق، وإيلاء الجانب الاجتماعي والرعاية التربوية، وما يجب من أجل النهوض بقيم المجتمع، بدل التنصل منها، بدعوى العبء المالي الذي تتحمله الدولة، ما سيتسبب في تدميرها تديريجيا.
واستنكر منتدى «الزهراء للمرأة المغربية» المقرب من حزب العدالة والتنمية، ذات المرجعية الاسلامية والحزب الرئيسي بالحكومة، جريمة الاغتصاب الجماعي التي تعرضت لها الفتاة واعتبرها انتهاكا صارخا لحقها الدستوري في التمتع بالسلامة الشخصية التي يكفلها الدستور.
ودعا المنتدى إلى التطبيق العادل والصارم للقانون في حق الأحداث الجانحين المشتبه في ارتكابهم للأفعال المذكورة، مؤكدا أن العناصر التكوينية لجريمة هتك عرض مع استعمال العنف ثابتة وذلك بمقتضى القانون الجنائي، وطالب الجهات المسؤولة القيام بالإجراءات القضائية اللازمة ومتابعة كل من تبث تورطه في هذه النازلة وفقا لمقتضيات القانون وأكد أن هذه النازلة تؤشر بقوة إلى انهيار منظومة قيم المجتمع وتردي السلوك الاجتماعي لأفراده، وتساءل من جهة، الفعاليات المدنية والسياسية والحقوقية والدينية جميعها ومختلف مؤسسات التنشئة في اتخاذ المبادرات كافة الكفيلة بتربية وتأطير الشباب وفقا للهُوية المغربية. مؤكدا ضرورة أن تعمل الدولة على توفير الحماية القانونية والاعتبار الاجتماعي والمعنوي للأطفال جميعهم بكيفية متساوية بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية حتى لا تتكرر مثل هذه الأحداث.
وقال مصطفى الرميد، وزير الدولة (نائب رئيس الحكومة) المكلف بحقوق الإنسان: إن «الاعتداءات ضد النساء كانت دائما موجودة في الفضاء العمومي، لكن الذي تغير الآن، هو بث هذه الاعتداءات وتصويرها على مواقع التواصل الاجتماعي» واضاف: إن «توالي الاعتداءات الجنسية ضد النساء في المغرب مرده غياب التربية والأخلاق وليس بسبب غياب القوانين والتشريع»، وقال: إن «الاعتداءات ضد النساء تقع في كل بقاع العالم وليس في المغرب فقط».
وقالت السوسيولوجية المغربية سمية نعمان جسوس: إن «واقعة محاولة اغتصاب فتاة داخل حافلة عمومية ليست سوى مشهد يعكس ازدواجية المجتمع المغربي الغارق في «التقليدانية» ويدعي الحداثة المزيفة والمتطرفة»، وأضافت: «حتى ستينيات القرن الماضي، كان ولوج المرأة للفضاء العمومي ممنوعا، وكان يتم تصويرها، فريسة محتملة في الشارع». واتهمت الرجل المغربي بانه «يميل إلى استعراض قوته الجنسية كلما أتيحت له الفرصة وحتى داخل الفضاء العمومي».
واعتبر عبد الصمد الديالمي، أستاذ علم الاجتماع «واقعة تصوير فتاة تتعرض للاغتصاب داخل حافلة عمومية حادثا عاديا يقع مثلها داخل المجتمع المغربي كل يوم، داعيا المنظمات النسائية لتكثيف الجهود عبر سن قوانين جديدة تحمي حقوقهن وكرامتهن». وتعتقد أوساط حقوقية أن «حادث الاعتداء الجنسي الذي تعرضت له فتاة مغربية داخل حافلة عمومية بالدار البيضاء لن يكون الأخير، وذلك راجع لغياب قانون زجري يحد من انتشار هذه الظاهرة.
واكد تقرير حكومي نشر سنة 2015، ارتفاع نسبة قضايا الاعتداء الجسدي المعروضة على المحاكم المغربية بنحو 8.33 من مئة مقارنة بسنة 2013، وهي حالات ارتكبت من قبل رجال راشدين بلغت نسبتهم نحو 88 من مئة»، وحسب وزارة العدل والحريات فان الاعتداءات الجسدية قد ارتكبت بشكل رئيسي من قبل الرجال بنسبة تبلغ 88 من مئة سنة 2014، في حين 11.4 من مئة فقط من النساء البالغات ارتكبن أفعال عنف جسدي ضد نساء خلال السنة نفسها. وكشف التقرير الذي أعدته وزارة العدل والحريات سنة 2015 عن أن «12148 حالة اعتداء جسدي تم عرضها على المحاكم المغربية برسم سنة 2014، وسجلت خمسة مناطق أزيد من 70 من مئة من مجموع قضايا الاعتداءات الجنسية المبلغ عنها والمسجلة بمحاكم الاستئناف» وان معظم النساء اللواتي تعرضن للاعتداء في المدن الكبرى، وتتراوح أعمارهن بين 18 و45 سنة، وجلهن عاطلات، كما تطال الاعتداءات الجسدية نساء العالم القروي، لكنهن يعانين في صمت.
ووفقا لمعطيات نقلها موقع «جون أفريك» استنادا إلى مصادر من مديرية الأمن فإن «55 من مئة من الاعتداءات الجسدية التي تطال النساء تكون في الفضاء العمومي (سنة 2013) وشهدت هذه النسبة انخفاضا خلال سنة 2014 بنسبة 1 من مئة، فيما ارتفعت حالات الاعتداء داخل بيوت الزوجية إلى نسبة 39 من مئة مقارنة مع سنة 2013 التي شهدت نسبة 38 من مئة، فيما بلغت هذه النسبة نحو 4 من مئة في مكان العمل سنة 2014.
وتشير المعطيات المسجلة لدى وزارة العدل والحريات إلى أن أشكال العنف الجنسي، كالتحرش اللفظي والجسدي وجرائم الاغتصاب، شكلت فقط 8.6 في المئة من مجموع قضايا العنف ضد المرأة المسجلة برسم سنتي 2013 و2014، حيث شكل الاغتصاب 70 في المئة، وقد باتت حالات الاغتصاب تعرف انتشارا واسعا بفضل وسائل التواصل الاجتماعي وأنه «تم تسجيل 1114 حالة اغتصاب سنة 2015، فيما بلغت حالات الاعتداء على الشرف نحو 400 حالة، بينما تم تسجيل 24 حالة تهم الاستغلال الجنسي لأهداف ربحية».
يجب أن يكون هناك دور للمساجد في توعية المراهقين أخلاقياً من خلال حلقات علم بالمساجد وبعض النشاطات الرياضية خارجها
ولا حول ولا قوة الا بالله