من حق المغرب والمغاربة أن يحتجوا، ومن حقهم أيضا أن يثوروا ويغضبوا ويعلنوا الانزعاج الشديد من غلاف العدد الأخير لشهر أغسطس الماضي من مجلة «جون أفريك» ويصفونه على لسان عضو بالحكومة بالعمل «المستفز وغير المقبول».
فلا أحد يرضى أو يقبل بأن يكون بلده مهدا للإرهاب، كما كُتب على غلاف المجلة، لمجرد أن افرادا متهمين بارتكاب أعمال ارهابية في بعض العواصم الاوروبية ولدوا فيه. ولكن هل أن الاحتجاج ثم اعتذار المطبوعة الفرانكفونية في وقت لاحق، سينهي القصة ويحل المشكل من جذوره؟ وهل أن الموضوع لا يتعدى في الاصل مجرد سقطة مهنية غير مقصودة؟ أم انه في حقيقة الأمر رجع صدى ونقل حرفي وأمين لما يتردد سرا وجهرا في أكثر من عاصمة غربية؟ لا شك بأن توجيه اصبع الاتهام الإعلامي للمغرب أو للعرب بشكل عام، على أنهم هم مهد ومنشأ الإرهاب، ليس بالسابقة الأولى أو الجديدة، فالكل يذكر جيدا أن الصورة الهوليودية التي صنعت وروجت قبل عقود طويلة من ولادة «القاعدة» و»النصرة» و»داعش» و شبيهاتها، قدمت العربي والمسلم دوما على أنه شخص بدائي نزق محب للشهوات ومعاد للحضارة ومتعطش للقتل وسفك الدماء. والكل يعرف أيضا أن تلك المصانع العملاقة التي صدرت لنا كل شيء، بدءا بالابرة وصولا للطائرات النفاثة، هي التي باعت لنا وللعالم بأسره تلك الصورة الدموية المريعة. وبالمقابل فان كل ما فعلناه نحن بعدها هو اننا تجاهلنا الرد أو التعليق عليها، ثم غرسنا رؤوسنا في التراب، كما نفعل في العادة مكتفين بالبحث عن تفسيرات ومبررات لتصرفهم، لنخلص في النهاية إلى اننا نحن من يتحمل القسط الاوفر من الذنب والمسؤولية عن كل تلك الصفات التي لصقت بنا، وأن من استعمرونا ونهبوا ارضنا وسرقوا ثرواتنا قد اطلقوها علينا فقط من باب الجهل بنا، وأنهم لم يكونوا يضمرون لنا أي مشاعر عدائية، بقدر ما كانوا فقط يخافون ويتوجسون من أفعالنا. ولكننا لم نسأل أنفسنا أبدا إن كان سوء أو نقص الفهم هو السبب الأصلي والوحيد الذي قادهم لارتكاب كل تلك الجرائم والإبادات بحقنا وحق أسلافنا، وهل أنهم قطعوا الرؤوس ومثلوا بالجثث وهدموا البيوت فوق رؤوس سكانها، وفعلوا ما فعلوا لمجرد الخوف منا؟ أم لغاية أو غايات اخرى؟
لقد كانت المشكلة وما زالت في رفضنا القاطع لأن نبسط تلك الجرائم على أي طاولة من طاولات المفاوضات معهم، وفي اعتبارنا لها اشياء قديمة ولت وانتهت إلى غير رجعة. فلا المغاربة ولا التونسيون ولا الجزائريون مثلا وضعوا لائحة مضبوطة بالجرائم والانتهاكات والإبادات التي ارتكبها الفرنسيون في حقهم وطالبوهم بالاعتذار الرسمي والعلني عنها، وتقديم تعويضات مناسبة لها ثم هددوهم في حال الرفض او الامتناع بانهم سيعتبرونهم ارهابيين، أو متسترين على الإرهاب. صحيح أن الجزائر قد تكون هنا الاعلى صوتا، فقد طالبت فعلا بمثل ذلك الاعتذار، ولكن العلاقات بينها وبين الطرف الاخر بقيت طبيعية ووثيقة، رغم كل شيء. ولم يقم الجزائريون بجهد دولي واسع لفضح الجرائم الفرنسية في بلدهم، أو مطالبة الفرنسيين باسترجاع جماجم المقاومين الجزائريين التي ما زالوا يحتفظون بها إلى اليوم في متحف الانسان، كغنيمة حرب، والتي يصل عددها بحسب بعض التقديرات لعشرين ألف جمجمة. ولم يبادر أي واحد من قادتها الثوريين والمعادين للاستعمار، للضغط على باريس حتى تعيد مثلا جماجم شريف بوبغلة وعيسى الحمادي والشيخ بوزيان وموسى الدرقاوي ومختار التكراوي، التي تم التعرف إليها، وحفظت تحت ارقام خاصة، ولا بادر القادة الثوريون والمعادون للاستعمار في مصر وسوريا بدورهم يوما لمطالبة فرنسا باستعادة جمجمة سليمان الحلبي المعروضة تحت اسم المجرم سليمان الحلبي. وحتى حين قدم رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو برلسكوني لليبيا قبل سنوات، والتقى العقيد القذافي ليوقع معه اتفاقا يعتذر فيه الايطاليون عن حقبة استعمارهم لليبيا ويتعهدون فيه بدفع مبلغ خمسة مليارات دولار على شكل استثمارات على مدى خمسة وعشرين عاما واعتبره «اعترافا ملموسا وأخلاقيا للضرر الذي ألحقته إيطاليا بليبيا» فإن كثيرا من الشكوك حامت حول المستفيد الحقيقي من الصفقة، وفيما إذا كانت الوعود الايطالية نوعا من الخداع والتضليل الاعلامي لترسيخ الاقدام مجددا في ليبيا. لقد تحول التاريخ بدوره إلى ورقة للمساومة على بقاء الحكام في عروشهم مقابل استمرارهم في الحفاظ على مصالح الغرب. ولان المعادلة كانت بين الولاء المطلق لتلك المصالح وتحمل تبعات الاتهام بالارهاب، فقد فضل الكثيرون طي الصفحة وغلق الملف وتجنب استثارة الطرف الأقوى، ولم يعد هناك مجال لأي نظام عربي لأن يكشف العار الغربي ويفضح المصدر الاصلي للارهاب، بقدر ما صار القبول والرضا بكل الاتهامات والاوصاف التي يطلقها هو العرف والقاعدة. ولم نعد بالمقابل نصطدم أو نستفز بعبارة «الارهاب الاسلامي» التي صارت تتردد شرقا وغربا كلما حصل تفجير أو وقعت كارثة، بل صار بإمكان الرئيس الفرنسي الجديد ماكرون أن يقول في أول خطاباته في السياسة الخارجية، وفي مؤتمر سفراء بلاده بالخارج، أسوة بما فعله ترامب يوم تنصيبه بأن «أولى اولويات الدبلوماسية الفرنسية هي مكافحة الإرهاب الإسلامي» من دون أن يخشى اي ردة فعل أو اعتراض، أو حتى احتجاج من جانب الدول العربية والاسلامية على ربط الاسلام بالارهاب. وصار الهم الوحيد لكل دولة هو فقط أن تحاول النأي بنظامها عن اي اتهام بالارهاب، وتحول القضية من نطاقها الديني والحضاري الواسع إلى مجالها الوطني والاقليمي الضيق. وبتنا نرى التونسيين يرفضون وصفهم أو وصف بلدهم بمصدر الارهاب، كلما اتضح أن المتهم بعمال ارهابية تونسي الاصل، ونرى الجزائريين والمغاربة والسعوديين وغيرهم يفعلون الشيء نفسه في حالات مماثلة، ولا نرى بالمقابل أي تحرك جماعي، أو اي حد أدنى من التضامن في الرد على تلك الاتهامات. وتحول إصدار بعض بيانات الشجب والاستنكار لاعمال ارهابية لا يرقى لها الشك من قبيل تلك التي تستهدف الفلسطينيين ومسلمي الروهينغا وغيرهم بمثابة العمل البطولي الذي لا يجرؤ على الاقدام عليه الا القلة القليلة التي لا تخشى استثارة غضب القادة الكبار المباركين لها من خلف الستار. ووسط كل ذلك التسابق والتلاحق المحموم بين العرب على التراشق فيما بينهم بتهم الإرهاب ونزعها عن البعض وإلصاقها بالبعض الاخر لم يعد هناك اي مجال للبحث او للتفكير في الارهابي الحقيقي والاصلي، أو في تلك المصانع الغربية العملاقة التي انتجت الارهاب وفرخته، وفيما اذا كتب علينا نحن العرب والمسلمين أن نظل بنظر العالم والى أبد الآبدين، الارهابيين الوحيدين في الكون. ومن المؤكد انه ما مادمنا قد اغمضنا اعيننا عن كل تلك الجرائم والابادات التي ارتكبت بحقنا ورأينا انه المناسب فقط أن نفتحها في بعض المرات القليلة لنرى أشياء محدودة مثل غلاف مجلة «جون أفريك « أو غيره فان الكشف عن كل ذلك سيستغرق وقتا أطول وربما جيلا أو اجيالا بأكملها.
كاتب وصحافي من تونس
نزار بولحية
تحية للكاتب المحترم
احسنت وابدعت ووضعت النقاط على الحروف
العيب فينا قبل ان يكون فيهم .
الجرائم الإرهابية الكبيرة التى حدثت فى أوروبا فى العشرين سنة الماضية 99 % من مرتكبيها أصولهم مغاربية( مغربية ، جزائرية و تونسية ) و ارتكبوها باسم الدين…هل هذا يمكن إخفائه…؟ انا اتصور ان هناك ظلم اذا كان الإرهابيون مثلا هممن أصول آسيوية و ارتكبوها باسم الديانة البوذية….و يقع الحديث عن أصول مغاربية و اسلامية عوضهم…لكن هم سمو القط …قط …و لم يسموا القط …..فأر…
انا مع الكاتب لفتح ملف الاستعمار و لكن نبداء من البداية ….اى من قرطاج اى 600 سنة قبل الميلاد إلى 15 أكتوبر 1961 …لان الاستعمار استعمار و لا يمكن أن نقول مثلا ان هذه فتوحات و الآخر استعمار….كله استعمار استيطاني….ووقعت فيه جرائم ضد الإنسانية….فنحن لا ننسى مثلا سبى عشرات الآلاف من الامازيغيات (مثل الازيديات أخيرا ) من تونس و تحويلهن إلى جوارى و عبيد فى قصور الشرق الأوسط و لا نعرف اين توجد جماجمهن… لا ننسى القتل و التشريد و فرض ثقافة اى لغة و ديانة أخرى على سكان تونس الاصلييين ….لنفتح ملفات الاستعمار و لكن كل الاستعمار و لا نكون انتقائيين كالعادة….هذه فرصة تاريخية…. و انا متأكد بعد الانتهاء من المسائل الاجتماعية فى تونس و تطبيق الدستور ….سيطرح التونسيين مسألة الهوية ليس من باب الدين مثل كل مرة و لكن من باب الأصول التاريخية …من نحن …هل نحن فعلا عرب كما يقال ….؟ تحيا تونس تحيا الجمهورية