لندن – «القدس العربي»: كتب المعلق في صحيفة «إندبندنت» البريطانية باتريك كوكبيرن محللًا الوضع بعد تنظيم الدولة قائلا: إن التركيز في الوقت الحالي هو على هذا التنظيم الجهادي «الدولة الإسلامية»، في الوقت الذي يتقوى غريمه تنظيم القاعدة داخل سوريا. وقال: إن «القاعدة» تقوم بإنشاء أكبر معقل لها هناك في وقت يتركز فيه انتباه العالم وبشكل كامل على الهزيمة المستمرة لتنظيم الدولة في شرق البلاد. وأكدت سيطرتها على وبشكل كامل على محافظة إدلب المهمة للحدود السورية – التركية. وقال بريت ماغيرك، المبعوث الأمريكي الخاص لدول التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة: «تعتبر محافظة إدلب من أكبر الجيوب الآمنة منذ 9/11».
وكانت «هيئة تحرير الشام» المعروفة سابقاً بجبهة النصرة قد تحولت لأقوى تنظيم جهادي في غرب سوريا. وبعد سيطرة النظام السوري على الجزء الشرقي من مدينة حلب في كانون الأول/ ديسمبر الماضي تحركت الهيئة للسيطرة على المحافظة وتهميش جماعة «أحرار الشام» المدعومة سابقاً من تركيا. ولدى الجماعة نحو30.000 من المقاتلين المجربين جاء معظمهم من الكتائب السابقة التي هزمت، فيما جندت شباباً من السكان النازحين داخليا الذين أرسلهم النظام السوري ضمن برنامج اتفاقيات فك الحصار المحلية. ويرى كوكبيرن أن تنظيم القاعدة تتعزز قوته حول محافظة إدلب في وقت تتراجع فيه حظوظ تنظيم الدولة في شرق سوريا وفي العراق. وكانت آخر خسائره هي فك الجيش التابع لنظام بشار الأسد الحصار عن وحدات للجيش في دير الزور يحاصرها التنظيم منذ ثلاثة أعوام.
وتعتبر المدينة التي يقسمها نهر الفرات قسمين؛ الأكبر في شرق سوريا وحالة استكمل النظام سيطرته عليها فستفتح الباب أمام استعادة حقل «العمر» النفطي الذي كان يعد المورد الرئيسي للنفط الخام للتنظيم. ويضيف: إن نهاية الحصار يحرر 5000 – 10.000 من الجنود و93.000 من سكان المدينة. وتعتبر دير الزور آخر معقل يخسره التنظيم على الجزء السوري من نهر الفرات. وعلى طول النهر وفي مدينة الرقة تقوم قوات سوريا الديمقراطية التي تدعمها الولايات المتحدة بمحاولة استعادة المدينة وقد سيطرت على القرى المحيطة بها ودخلت عددا من أحيائها.
انهيار سريع
ويقول كوكبيرن إنه برغم القوة الخارقة التي تميز بها التنظيم عند ظهوره على الساحة إلا أنه ينهار سريعاً تحت ضغط القوى التي تضربه من كل اتجاه. ويرى أن ما حرف ميزان القوى لمصلحة أعدائه هي الغارات الجوية التي يقوم بها الطيران الروسي والأمريكي الداعم للقوى المقاتلة على الأرض. وسيدفع انهيار التنظيم في شرق البلاد القبائل العربية التي نال دعمها خلال حكمه في الثلاث سنوات الماضية لتغيير ولائها والانضمام للطرف الرابح.
ويضيف: إن الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية قد لا تحبذ عودة قوات النظام إلى شرق البلاد وجنوب الرقة إلا أنهما لا تقومان بمنع تقدم قواته في المناطق هذه. وتقوم أولوية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على هزيمة تنظيم الدولة والقاعدة من دون الاهتمام بمن سيحكم سوريا في المستقبل.
أخبار جيدة لـ «لقاعدة»
إلا أن الأخبار السيئة لتنظيم الدولة تعتبر أخبارًا سارة لتنظيم القاعدة، فهزيمته تشغل بال وتحتل جهود أعدائه العسكرية. ولا يستطيع الجيش السوري شن حرب على جبهات عدة نظراً لنقص الوحدات القتالية. أما الأكراد فليسوا معنيين بهزيمة كاملة للتنظيم خشية أن لا تتخلى الولايات الأمريكية عنهم وخدماتهم وتعود لتوطيد علاقاتها مع تركيا، عضو حلف الناتو. وتعتبر هيئة تحرير الشام المستفيد الأول من هزيمة تنظيم الدولة، خاصة أنها المؤسس الأول له من خلال جبهة النصرة والمظهر الأول لحضور تنظيم القاعدة بعد اندلاع الانتفاضة السورية في عام 2011. إلا أن الحركة انقسمت في عام 2013 نظراً لرفض أبو بكر البغدادي تنفيذ أوامر زعيم القاعدة بتركيز عمل تنظيمه في العراق وترك الساحة السورية لجبهة النصرة. وفي حالة تدمير تنظيم الدولة أو تحوله لقوة هامشية فلن يكون أمام المقاتلين الجهاديين الذين سيرفضون الاستسلام لقوات بشار الأسد خيار إلا الانضمام لهيئة تحريرالشام. وستتحول الهيئة إلى عربة مقاومة لهم ضد النظام حالة تصرف هذا بطريقته المعروفة التي تمزج بين الوحشية والفساد.
وتتوقع هيئة تحرير الشام أن يأتي الدور عليها ولكنها ستحاول تأخير المواجهة في الوقت الذي ستعزز فيه من قدرات الحركة. وبرغم تشابه الأفكار إلا أن الهيئة ستتجنب مواجهة نهائية مع أعدائها تعني خسارتها للمناطق التي تسيطر عليها. ويحذر الخبراء في الشأن السوري من الانتظار طويلاً. ويقول فابريش بالونش، الأكاديمي الفرنسي الزميل في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى إن هيئة أحرار الشام راغبة بالسيطرة على الثورة السورية وهي تقترب من تحقيق أهدافها.
حرب شاملة
ووصف في دراسة له تحت عنوان «منع مصنع الجهاديين في إدلب» قائلا: «قد يحتاج المجتمع الدولي وبشكل عاجل لمواجهة هيئة أحرار الشام التي تتقوى كل يوم من دون الانتظار حتى يتم تدمير تنظيم الدولة».
ويعتقد الكاتب أن تسيد هيئة تحرير الشام المعارضة السورية سيخلق معضلة لداعمي المعارضة السورية ومنهم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والسعودية وتركيا وقطر. فالهيئة التي حاولت تمييز نفسها عن تنظيم الدولة مصنفة كإرهابية في عدد من الدول وعلى خلاف حليفها السابق، أحرار الشام. ومن هنا فستجد الدول هذه صعوبة في التعامل معها. وبرغم دخول العناصر المتطرفة للثورة السورية إلا أنه لا توجد اليوم جماعة مستقلة يمكن للدول المانحة نقل السلاح والمساعدة لها كي تواصل مهمة قتال نظام الأسد ومن دون أن تظهر بمظهر من يدعم الإرهاب.
ويقول كوكبيرن إن تنظيم الدولة أعلن حربا ضد العالم عام 2014 ودفع ثمن خلق دائرة كبيرة من الأعداء له الذين يقومون الآن بسحقه في كل من العراق وسوريا. ومع أن الدول المشاركة في التحالف ضده كرهت بعضها بعضاً إلا أن الخوف هو ما وحدها. وربما كانت هناك صعوبة لخلق وحدة مماثلة ضد تنظيم القاعدة.
«فايننشال تايمز»: سيستمر «الجهاد» حتى بعد هزيمة «الدولة»
سيجد الجهاد عربة يمكنه من خلالها التعبئة والتحشيد حتى بعد نهاية تنظيم الدولة الإسلامية. هذا ما يقوله المعلق ديفيد غاردنر في صحيفة «فايننشال تايمز» حيث كتب: إن سكان برشلونة ولندن وقبلهم سكان باريس وبروكسل ونيس واسطنبول وأنقرة وسانت بطرسبرغ وستوكهولم وبرلين كانوا يعرفون أن الجهاديين استلهموا هجماتهم من تنظيم الدولة مع أنه يواجه مجموعة من القوى التي تضرب معاقله في الرقة ودير الزور.
وربما كانت «الخلافة» وما تميزت به من وحشية في الطريق للنهاية، إلا أن «الجهادية» بدمويتها وبساطتها ستجد مستقبلاً نارياً وحامياً. فالهجمات على ساحة رمبلاس في برشلونة وقبلها جسر ويستمنستر في لندن ليست جديدة ولا تعتبر تكيتكاً يحاول من خلاله التنظيم تعويض خسارة معاقله في سوريا والعراق. فتنظيم الدولة كان أول تنظيم جهادي يقيم ما يشبه الدولة إلا أنه ظل يدعو أتباعه للقيام بهجمات مستخدما كل أساليب الحرب غير النظامية من عمليات حرب العصابات الكلاسيكية واضرب واهرب إلى استخدام السكاكين والشاحنات.
وسيشاهد العالم الكثير من هذه الهجمات مع ذوبان الجهاديين في بلداتهم وقبائلهم ويقومون ببناء شبكاتهم الجهادية والفروع الإقليمية للتنظيم المنهار. ولا يستطيع الباحث تقدير عدد هؤلاء لكن علينا التذكر أن تنظيم القاعدة في العراق الذي أنشأه أبو مصعب الزرقاوي دمر بالكامل في الفترة من 2007 – 2009 حيث تعاونت القبائل السنّية في الأنبار أو ما عرفت بالصحوات مع القوات الأمريكية التي زاد عددها على تدميره.
واستعادت القاعدة عافيتها مع انهيار سوريا ودخولها دوامة الحرب الأهلية حيث تحولت الحرب لنقطة تعبئة للجهادية السنّية وبقايا النظام السابق في عهد صدام حسين الذين استجمعوا قواهم وشكلوا جيشاً عرفه العالم من خلال تنظيم الدولة الذي اجتاح معظم شرق سوريا وشمال وغرب العراق.
هل سيعود؟
والسؤال هل يمكن أن يستعيد التنظيم قوته ويكرر ما فعله في عام 2014؟ فالحرب السورية في عامها السابع وهي التي صنعت تنظيم الدولة الذي كان في جوهره تنظيماً عراقياً ولكنه جزء من صورة أكبر من تلك التي صنعت سابقه تنظيم القاعدة. والسؤال يذهب أبعد من تنظيم الدولة، فهيئة تحرير الشام التي تعتبر آخر تمظهر لجبهة النصرة لديها الآن أكبر الجيوش في سوريا ويقدر عدده بنحو 30.000 مقاتل ويتمركز في محافظة إدلب، شمال سوريا. واستطاعت الحركة ضم الجماعات السلفية لها وتسيطر على شريط حدودي قرب الحدود التركية- السورية ولديها خزان كبير من الانتحاريين وقدرات عسكرية كبيرة. وعلى خلاف تنظيم الدولة فالهيئة كما يقول الباحث الفرنسي في الشؤون السورية فابريس بالونش «تمارس الحذر حتى لا تستعدي السكان المحليين» و»تعتمد على قوة شبكاتها بدلاً من التركيز على حيازة المناطق». ويضيف إن الطموحات الدولية لهيئة تحرير الشام بدت واضحة من خلال قطع الصلة مع تنظيم القاعدة، مع أنه لا يوجد ما يؤكده. وتظل بالتالي في موقع قوي كي تحل محل تنظيم الدولة الإسلامية كنقطة جذب وتعبئة للجهاديين الدوليين. ويعد الناشطون الذين يعملون في بلادهم أكثر خطرا من المتطوعين العائدين من ساحات القتال.
استغلال الحرمان
ويعتقد الكاتب أن المنظور قاتم في السياق الجيوسياسي المصمم لإلهاب مشاعر السنّة المحرومين والتي استغلها الجهاديون بمهارة وحولوها لحالة من اليأس. ويشعر سنّة سوريا بالخيانة فيما يعاني سنّة العراق الذين كانوا تاريخياً في السلطة من حالة اقتلاع. ويعاني البلدان من انهيار، بسبب الغزو الأمريكي عام 2003 وما تبعه من انقسامات ومن ثم اضطرابات الربيع العربي عام 2011. وهناك نقاش يدور حول استحالة إصلاح البلدين وهو نقاش نظري طالما لم يتم الإتفاق دوليا، إقليمياً أو محلياً على طريقة إعادة لحمة البلدين. فالقوى الخارجية الرئيسية في سوريا وهي الولايات المتحدة وروسيا والسعودية وتركيا كل منها تريد تحقيق مصالحها الخاصة وليس لديها أية فكرة لوقف هذا الخزان الذي يغلي بالثقافة الجهادية الهامشية. وكلها تريد هزيمة تنظيم الدولة إلا أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإدارته يريدان من السعودية بأيديولوجيتها الوهابية المتطرفة شن جهاد سنّي ضد إيران الشيعية.
أما روسيا فلاديمير بوتين فتمثل لها سوريا المسرح الذي تعود من خلاله إلى الساحة الدولية. وتقوم إيران بمليشياتها في العراق وسوريا ولبنان ببناء محور يمتد من حدودها حتى البحر المتوسط. وتقوم تركيا عضو الناتو والمرشح السابق لعضوية الاتحاد الأوروبي بتركيز جهودها على منع الأكراد السوريين الذين تدعمهم الولايات المتحدة من بناء كيان لهم على حدودها الجنوبية. وطالما لم تجد هذه القوى هدفاً ومعلماً واحداً فلن ينبعث العراق وسوريا بل ستتوفر ثروة من الأهداف والفرص للوباء السام في مرحلة ما بعد الخلافة.
إبراهيم درويش