بغداد ـ «القدس العربي»: لا يختلف المتابعون للشأن العراقي على ان كركوك ليست فقط سلة العراق بما تحتويه من مخزون نفطي هائل، ولكنها كذلك برميل البارود الذي قد ينفجر ويدمر العراق، إذا اسيئ التعامل معه من قبل ساسة العراق.
ومع تصاعد التوتر وتبادل التهديدات بين السياسيين العرب والكرد والتركمان، على خلفية القرار الأحادي الكردي بضم كركوك إلى الاستفتاء على استقلال كردستان المقرر في الخامس والعشرين من الشهر الحالي، فقد دخل العراق أزمة سياسية وأمنية واقتصادية يصعب تحديد أبعادها وتداعياتها، ما يعزز المخاوف من تحديات مرحلة ما بعد تنظيم «الدولة» التي حذر منها الكثير من العراقيين وغيرهم.
ومع اقتراب الموعد المقرر للاستفتاء، يرتفع الخط البياني للتصريحات والمواقف المتشنجة حول كركوك بين بغداد وأربيل يوما بعد يوم من القوى السياسية المختلفة، وسط اصرار كل طرف على التمسك بمواقفه وأهدافه، في وقت يتفق فيه الجميع على حساسية الأوضاع في العراق مع عدم انتهاء الحرب ضد تنظيم «الدولة» بشكل كامل وعدم رسم خريطة طريق للمرحلة المقبلة لمواجهة التحديات المختلفة التي يمر بها العراق.
وفي استعراض مواقف الأطراف والقوى السياسية، فان موقف الحكومة العراقية لخصه رئيسها حيدر العبادي، حينما اعتبر ان الاستفتاء غير دستوري وانه سيفتح على العراقيين أزمات جديدة، وليطلق التحذير من ان الاستفتاء سيدخل العراق في نفق مظلم.
ودعا العبادي، المسؤولين في الإقليم إلى «إلغاء الاستفتاء والتفاهم مع بغداد ضمن الأطر الدستورية وعدم تمرير الإرادات بطريقة فرضها كأمر واقع» مؤكدا ان «إجراء الاستفتاء من دون الوصول إلى نتائج يعد خداعا للناس ويأخذهم إلى طريق مسدود» معبرا عن استغرابه لتصادم قيادة الإقليم مع كل الأطراف حوله.
وكالعادة، فتحت أزمة كركوك، شهية بعض الساسة الباحثين عن الشهرة والدعاية والتصيد في الماء العكر، وذلك عبر إطلاق سيل من التصريحات والتهديدات لقيادة الإقليم بعواقب الاصرار على ضم كركوك والمناطق المتنازع عليها إلى الاستفتاء، وصلت إلى تهديد بعض قادة الحشد الشعبي باقتحام كركوك والمناطق المتنازع عليها لمنع الاستفتاء، داعين الحكومة العراقية للإيعاز إلى القوات الأمنية بالتحرك إلى كل المناطق التي تقع خارج حدود إقليم كردستان لمنع إجراء الاستفتاء فيها.
وفي الجانب الآخر، يقود رئيس الإقليم مسعود بارزاني وقادة حزبه خصوصا، معركة تحشيد الشارع الكردي وشده نحو المشاركة في الاستفتاء، من خلال إظهار عيوب الدولة العراقية منذ تأسيسها وإساءة تعاملها مع حقوق الكرد، مشددين على حقهم في إقامة دولتهم التي تضم كركوك ومناطق أخرى.
وفي خضم هذا التصعيد جاء تأكيد مفوضية الانتخابات في الإقليم شمول جميع المناطق التي تحت سيطرة البيشمركه في الاستفتاء وضمنها كركوك. وإذا كان سكان المناطق المتنازع عليها وخاصة سهل نينوى وسنجار وخانقين، مترددين بين قبول أو رفض المشاركة في الاستفتاء، تبعا للولاءات والإغراءات والضغوط التي يتعرضون لها، فإن عرب وتركمان كركوك وقواهم السياسية والعشائرية أصروا على رفض ضم المحافظة إلى الاستفتاء. وحذر نائب رئيس الجبهة التركمانية حسن توران من ان ضم كركوك إلى الإقليم سيخلف صراعا لعدة أجيال بين مكونات المحافظة. ومن مؤشرات تصاعد الخلاف بين بغداد وأربيل، أن الحكومة العراقية، ورغم إعلان قرب بدء معركة تحرير الحويجة التابعة لكركوك من تنظيم «داعش» لم ترسل أي طلب لوزارة البيشمركه للتنسيق حول المعركة.
وتأكيدا لهذا الخلاف، ذكر مصدر مقرب من الحزب الديمقراطي برئاسة بارزاني لـ«القدس العربي» ان تعليمات واضحة صدرت للقوات الكردية من حكومة الإقليم، أن أي قوة تقترب من الخطوط الدفاعية للبيشمركه المنتشرة حول الإقليم، سيتم التعامل معها على انها قوة عدوة، سواء كانت «داعش» أو الحشد الشعبي أو غيره.
وإزاء التساؤل الذي يحير العراقيين حول مغزى إصرار القيادة الكردية على الاستفتاء والانفصال وضم كركوك، رغم وجود معارضة أو تحفظات خارجية وداخلية، فقد ظهرت إشارات توحي بعدم وجود موقف أمريكي معارض جدي للاستفتاء.
فقد أكد السفير الأمريكي الأسبق في العراق خليل زادة، خلال وجوده في تركيا، انه لا يتوقع ردا عسكريا على الاستفتاء، في تصريح عده المراقبون تشجيعا ضمنيا لقيادة الإقليم للمضي في الاستفتاء والانفصال.
كما أشارت صحف أمريكية إلى ان واشنطن تستطيع منع الاستفتاء لو كانت صادقة في ذلك كونها تمتلك الكثير من أدوات الضغط لإجبار الكرد على تأجيل الاستفتاء ومنها إيقاف الدعم التسليحي والمالي الكبير لقوات البيشمركه.
وتوقعت النائبة الكردية أشواق الجاف، ان «يتغير الموقف الأمريكي بعد معرفته نتائج الاستفتاء، لأن الأمريكان لا يمكن لهم الوقوف ضد تطلعات الشعب الكردي في إنشاء دولة خاصة به».
ورغم إقرار غالبية العراقيين بحق الكرد في تقرير المصير وإقامة دولتهم، إلا انهم يتفقون على ان قرار تقسيم العراق لا يمكن ان يمر بهذه السهولة، وان انفراد القيادة الكردية بقرار التقسيم، وتقرير مستقبل مناطق تتمتع بتعقيدات وحساسيات مفرطة لدى جميع العراقيين مثل كركوك وسنجار وسهل نينوى وخانقين، إضافة إلى الرفض القوي من الدول الإقليمية (إيران وتركيا) يبدو قرارا في غير محله ووقته وينقصه الكثير من التروي والحوار، وهو لن ينسجم مع أمنيات البعض ان لا تكون له نتائج وخيمة على أوضاع العراقيين جميعا بل وعلى المنطقة.
مصطفى العبيدي