لم يعد الكلام عن سقوط ترامب مجرد توقع متطرف، بل أصبح احتمالا جديا، فقد تحول الرجل إلى «بطة عرجاء» من أول يوم رئاسة، وتدنت شعبيته إلى أخفض حد لرئيس أمريكي في عامه الأول، وهرب رفاقه الصقور من إدارته تباعا، وصار الذي يقترب منه كأنه يصاب بالجرب، وبدأت ترتيبات وتحقيقات ومشاريع محاكمات، ربما تؤدي إلى عزله.
أكثر من ذلك، علت صيحات أعضاء في الكونغرس الأمريكي، وزادت جرأتهم عليه إلى حدود غير مسبوقة، إلى حد أن طالب نواب بتوقيع الكشف الطبي على قدراته العقلية واتزانه النفسي، فيما تطايرت عبارة خطرة من فم نائبة، تمنت لو أنه جرى اغتيال الرئيس دونالد ترامب، ولم يعد من حرج حتى لدى جنرالات كبار في التنبيه إلى خطره، وبادر أحدهم بإعلان فزعه من وضع حقيبة «الزر النووي» تحت تصرف رئيس مختل، وقد كان ذلك واحدا من الدعاوى المتواترة لغريمته هيلاري كلينتون في انتخابات الرئاسة، التي لا تخفي، ولا يخفي حزبها الديمقراطي، عداوتهما لترامب، ورغبتهما في الانتقام من شخصه، وعزمهما على شل عمله حتى إسقاطه، فيما يبدو الحزب الجمهوري الذي ينتسب له ترامب، وكأنه ذهب إلى مكان آخر، يباعد في المسافات مع ترامب، الذي وصفته هيلاري بأنه « قذر»، فيما يحرص كبار الجمهوريين على إعلان التبرؤ من أفعال ترامب وأقواله، خاصة بعد تصريحاته المخجلة عن أحداث مدينة «شارلوتسفيل»، وامتناع ترامب عن إدانة صريحة قاطعة لجماعات تفوق العرق الأبيض، التي ارتكبت جريمة دهس إرهابي لمتظاهرين ضد العنصرية البيضاء، وهو ما دفع ريكس تيلرسون وزير خارجية ترامب إلى الزمجرة بأعلى صوت في لقاء تلفزيوني، وإلى درجة تكاد تنزع عن الرئيس صفته تماما، فقد قال تيلرسون لشبكة «فوكس نيوز»، إنه يدافع عن المساواة والقيم الأمريكية، وإن تصريحات ترامب لا تمثل رأي الإدارة الأمريكية، ولا قيمة لها سوى أنها تعكس آراء ترامب الشخصية.
صحيح أن الرئيس ـ أي رئيس ـ في أمريكا ليس حاكما بأمره، وأن الرئيس ليس كل شيء، وأن الحكم للمؤسسات، وللتوازن الثلاثي الحرج بين الكونغرس والبيت الأبيض والمحكمة العليا، ولمصالح المجمع الصناعي العسكري التجاري، لكن الرئيس في العادة يضع بصمته، وبالتفاهم مع الشركاء الكبار، وهو ما لم يستطعه ترامب إلى الآن، بل ربما يكون عاجزا عن إدراك شروطه وتبعاته، فقد أتى الرجل من خارج المؤسسة تماما، وكان مجرد رجل أعمال ومطور عقارات ناجح، وكون ثروة شخصية هائلة، ولم تخل سيرته من تحايلات ضريبية، ومن ميول ظاهرة للنصب والاحتيال وانتهاز الفرص، وامتنع تماما عن بيان موقفه الضريبي خلال حملته الرئاسية، كما امتنع عن الخضوع لكشف طبي وعقلي، قد لا يلزم به القانون الأمريكي، وإن كان المرشحون للرئاسة تعودوا عليه، وكجزء من إجراءات الشفافية والوضوح وكسب ثقة الناخب الأمريكي، وهو ما لم يعره المليادير دونالد ترامب التفاتا، فقد كسب شهرته الإضافية من خلال برامج تلفزيون الواقع، وتعامل مع الحملة الرئاسية كأنها برنامج تلفزيوني، وليس سياسة ولا مسؤولية، فلا تعنيه الفوارق بين الحزبين الرئيسيين «الجمهوري» و»الديمقراطي»، وربما لا يدرك سوى أن أحدهما رمزه «الفيل» والآخر رمزه «الحمار»، وقد سبق للرجل أن قدم تبرعات للحزب الديمقراطي، بل تبرع مرات لصالح هيلاري كلينتون منافسته في ما بعد، ثم انضم مؤخرا كعضو عادي في الحزب الجمهوري، ونجحت حملته الدعائية البهلوانية في كسب ترشيح الحزب رسميا، وفاز في النهاية بأغلب أصوات المجمع الانتخابي، وإن لم يفز بأغلبية أصوات الناخبين التي ذهبت لهيلاري، وهذه واحدة من آثام النظام الانتخابي الأمريكي العتيق، ولم تكن تلك هي المشكلة الكبرى، بقدر ما كانت في تناقضات ترامب نفسه، فقد كسب أصواتا بنقده العنيف لمؤسسة الحكم في واشنطن، وامتيازاتها وفسادها وتواطئها الداخلي، لكن ترامب سعى في المقابل إلى مؤسسة حكم عائلية ضيقة جدا، وجعل من ابنته مستشارته الرسمية، ومن زوجها اليهودي جاريد كوشنر مستشاره الأول وموضع إلهامه، ثم سعى إلى دعم النواة العائلية بجنرالات فوق سن التقاعد، جعل أحدهم مستشارا للأمن القومي، وجعل آخر حاكما بأمره في البيت الأبيض بعد شهور من الفوضى الرئاسية، وتكفل الجنرال الأخير بطرد العقائديين اليمينيين الذين ساندوا ترامب في الرحلة للبيت الأبيض، وتساقط هؤلاء تباعا، وتحولوا بطبائع الأمور إلى خصوم ضمنيين لترامب، وبما هدم دعواه الأصلية في الحملة الانتخابية، التي رفعت شعار «أمريكا أولا»، وتخفيف التزامات أمريكا في العالم، وإعادة توطين الصناعة الأمريكية الهاربة إلى تسهيلات خارجية، وفي ظل اقتصاد أمريكي هو المدين الأول في الدنيا، وفي التاريخ بإطلاق عصوره، ورغم تحسن ملموس جرى في معدل النمو وخفض البطالة، ينسبه محللون إلى الأثر الممتد لسياسات أوباما لا إلى وعود ترامب، فلم يحصد ترامب عطفا شعبيا مضافا، وظلت أسهمه تتراجع يوما بعد يوم، وتفاقمت أزماته مع الإعلام والكونغرس وقوى اجتماعية عريضة، بل حتى مع شركات الأعمال الكبرى بسبب لغته العنصرية، ولم ينجح في تمرير وعد داخلي واحد، فقد وعد بإقامة جدار عازل مانع للهجرة غير الشرعية على الحدود مع المكسيك، ووعد بحزمة خفض ضرائب هائلة على كبار رجال الأعمال، ووعد باستبدال نظام «أوباما كير» للرعاية الصحية، ولم يستطع تحويل الوعود إلى تشريعات وميزانيات، رغم أن حزبه الجمهوري يملك الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ، لكن أغلب قادة الحزب الجمهوري ليسوا متحمسين لمسايرته، وعينهم على قواعدهم الانتخابية، خاصة أنه لم يبق سوى عام على انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر 2018 .
لقد فعلوها باختصار، وتركوا ترامب وحيدا على القمة الباردة، ولم يعد «الرجل البرتقالي» يستدفئ سوى بتغريداته التويترية المثيرة للتندر والسخرية، بينما تتصرف مؤسسات الحكم الأمريكية كأنها بلا رئيس، بل إنها ترغمه كثيرا على تجرع السم، وعلى طريقة إرغامه على توقيع حزمة عقوبات ضد روسيا وفلاديمير بوتين مثله الأعلى، ويشرب الرجل السم مجبرا، لكنه لا يكف عن الثرثرة، فهو متهم بالعمالة لروسيا خصم أمريكا العسكري الأول، ولا مانع عند المؤسسة من ابتزازه، وفرض السياسة الجمهورية القديمة الموروثة عن عهد بوش الابن، وزيادة الإنفاق العسكري على موازنة مثقلة بالديون التريليونية، وقبول غنائم ترامب من رحلته السعودية الشهيرة، ولكن من دون استعداد جدي لتقبل ترامب نفسه، فقد تركوه يهدد بما يشبه «الحرب النووية» ضد كوريا الشمالية، ثم أعلن رئيس أركان الجيوش الأمريكية أنه لا حرب ولا سلاح، واضطر ترامب لابتلاع لسانه.
وفي الشرق الأوسط، بدت أولوية إسرائيل جامعة بين المؤسسة وترامب، فكل عدو لإسرائيل هو عدو لأمريكا بالضرورة والطبيعة، وهو ما يفسر حماس المؤسسة النسبي لحملة ترامب ضد إيران واتفاقها النووي وحزب الله، ولكن مع إدراك أنه لا يمكن تحقيق فوز نهائي بشن حرب شاملة، ولا حتى عقد صفقات سلام، وهو ما لا يدركه ترامب، الذي اضطر تحت ضغط المؤسسة والجنرالات إلى زيادة الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان، ولكن من دون أمل في إنجاز ما أخفق فيه بوش الابن، وهرب منه أوباما، فحقائق القوة في العالم تجاوزت نطاق «الأحادية الأمريكية» من سنوات، ولم تعد فوائض القوة الأمريكية كافية لفرض سياسة أولوية أمريكا، وهي الحلم الذي داعب به ترامب خيال الأمريكيين المحيطين، مرة بوعود الانعزال عن العالم وقضاياه المكلفة ماليا وعسكريا، ومرة أخرى بميل ترامب إلى الاستعراض وأداء دور الجنرال النووي الكاسح، وتساقط التهديدات من فمه للصين وإيران وكوريا الشمالية وفنزويلا والمكسيك، وميله الظاهر إلى التظاهر بقوة زالت عوالمها، وهو ما جعل الحلفاء الأوروبيين ينفرون منه، ويتمنون اليوم الذي يذهب فيه، فقد صار الرجل عبئا مربكا على أعدائه وأصدقائه معا، وقد فوجئ أصدقاؤه بهزال دوره، على نحو ما جرى في الأزمة الخليجية، وفي أزمة خفض المعونة الأمريكية لمصر، فيما بدا ريكس تيلرسون وزير الخارجية كأنه الرئيس الحقيقي، القادر على إقامة تواصل أفضل مع المؤسسة الأمريكية ومصالحها الكبرى، وفيما يجهز مايك بينس نائب الرئيس نفسه لخلافة ترامب إذا سقط .
كاتب مصري
عبد الحليم قنديل
فى الوقت الذى توقعنا فية ومنذ اليوم الأول عزل السيد بلحة الامريكانى من منصبة وانة لن يتم عامة الاول كان السيد الكاتب يبشرنا بالكمياء المشتركة بين بلحة الامريكانى وبلحة المصرانى!وهو محق تماما
فما يجمع بين البلحتين اكثر بكثير مما يفرقهما!
*فالاول معروفة بعنجهيتة وغرورة وعدم اجادتة للغتة الام وكذلك الثانى!
*الاول معروف عنة الابتزاز وكذلك الثانى بالإضافة الى المحلسة والشحتفة والسهتنة!
*الاول معروف بانتهاكاتة فى حق النساء والتحرش بهن اينما وُجِدوا وكذلك الثانى(كشوف العذرية)!
*الاول معروف بعدم اتزانة النفسى والخلل فى قدراتة العقلية وكذلك الثانى!
*هناك هلع ورعب من وضع حقيبة (الزر النووى) بين يدى شخص مختل وغير متزن وكذلك هنا هلع ورعب من وضع حقيبة(الرز الخليجى) بين يدى شخص مختل وغير متزن!
*الاول تخلى عنة كل من ساعدة على الفوز إلا اليمين العنصرى المتطرف الثانى تخلى عنة كل من ركب اكتافهم وكل من عاونوه فى الانقلاب إلا عصابة العساكر الحرامية من جنرالات المال الحرام!
*الاول فاشل وجاهل بالسياسة ولم ولن يفى بأى وعد من وعودة على الإطلاق وكذلك الثانى!
*الاول لن يكمل فترتة وكذلك الثانى!
عندما كانت هناك كمياء مشتركة بين السيسي وترمب وعندما كان هناك اعجاب من طرف السيسي لشخصية ترامب واعجاب متبادل بحذاء السيسي كان طبالوا النظام يتكلمون عن البطل الامريكي الذي سيهزم الارهاب .
اليوم وبعد انقشاع الغيوم وبعد تقليص المعونة سنسمع الاسطوانة القديمة الجديدة عن امريكا التي تتامر على السيسي .
بالمناسبة ما اخبار قائد الاسطول الامريكي الذي اسره جيش الكفتة ؟؟؟
” صحيح أن الرئيس ـ أي رئيس ـ في أمريكا ليس حاكما بأمره، وأن الرئيس ليس كل شيء، وأن الحكم للمؤسسات، ” إهـ
سؤال غير بريئ :
هل تقصد يا أستاذ بهذا الهمز واللمز السيسي ؟ فهو كل شيئ بمصر ولا وجود لمؤسسات تحكم هناك !
ولا حول ولا قوة الا بالله
ترامب راحل لا محالة سواء بالعزل أو بصناديق الانتخابات. المشكل في السيسي الذي سيبقى جاثما إلى الأبد
السيد قنديل يقصد أن سيناريو الانقلاب الذي حصل في 3 يوليو في مصر قد يتكرر في أمريكا. هذه طبعا إحدى أماني مؤيدي الانقلاب كي يشعرنوا انقلابهم.
يا اخ قنديل: دع ترامب للأمريكيين و عليك ب المحلي.
هناك الكثير من المؤشرات التي تؤكد حالة الأضطراب التي يعيشها النظام في أمريكا تحت حكم ترامب،وهل ستسمح المؤسسة في أمريكا لرجل ليس له خبرة في عالم السياسة أن يذهب بهم الى المجهول؟ وما يهمنا نحن في العالم العربي كيف سيؤثر ذلك على حلفاء ترامب ومن منهم يستمد قوته من بقاءه في السلطة مثل رجل أمريكا في مصر.