أضواء جديدة على مناطق مجهولة من التاريخ المغاربي

حجم الخط
0

تونس ـ «القدس العربي» ـ رشيد خشانة: ألقى العدد الجديد من «المجلة التاريخية المغاربية» أضواء علمية على انعطافات مهمة في تاريخ تونس والجزائر والمغرب المعاصر، خاصة فترة العمل من أجل استقلال الجزائر في خمسينيات وستينيات القرن الماضي.
ويُصدر «المجلة التاريخية المغاربية» نصف السنوية المؤرخ عبد الجليل التميمي، منذ سنة 1973 بدون انقطاع. واهتم عبد القادر صحراوي بقراءة نتائج مظاهرات 1988 التي وضعت الجزائر على سكة انتقال ديمقراطي، كرّس التعددية الحزبية وحرية التعبير، تمهيدا لانتخابات محلية وبرلمانية أجريت في سنتي 1990 و1991 لكن ما لبثت أن انتكست بإلغاء الدور الثاني من الانتخابات، وحمل الرئيس المنتخب الشاذلي بن جديد على الاستقالة. ورأى المؤرخ صحراوي أن مستقبل الديمقراطية في الجزائر مرهون إلى حد كبير «بمدى توافر الشروط اللازمة لعقد لقاء تاريخي بين السلطة والأحزاب، لإقرار مبدأ التداول على الحكم وتثبيت الحريات العامة، اتقاء لأحداث وأزمات عصيبة أخرى مثل تلك التي عرفها البلد في 1988 والتداعيات التي ترتبت عليها».
وعرض عمر بوضربة لدور الحكومة الجزائرية المؤقتة في المهجر (1958-1962) في تدويل القضية الجزائرية، وكذلك الصراعات التي كانت محتدمة بينها وبين قيادة أركان «جيش التحرير الوطني»، الذي اتخذ من الحدود الشمالية التونسية الجزائرية مقرا لقيادته، بعد إسنادها للعقيد هواري بومدين. وسرعان ما أقصى العسكر القيادات السياسية بعد الاستقلال، أسوة بحسين آيت أحمد ومحمد بوضياف وفرحات عباس، فضلا عن تصفية عبان رمضان، العقل المُفكر لمؤتمر «السومام» (1958)، الذي وضع خريطة طريق شاملة لبناء الدولة الجزائرية المستقلة. وأماط بوضربة اللثام عن معارضي تشكيل حكومة في المنفى، وفي مقدمهم عبان الذي هدد، في رسالة خطية إلى الوفد الخارجي لجبهة التحرير في القاهرة، بالتنديد بها علنا وتكريس القطيعة معها، «لأن الحكومة المؤقتة تكون في الجزائر أو لا تكون». وأشار الباحث إلى دور البلدان المغاربية في الضغط باتجاه تشكيل حكومة في المنفى، إذ حاول التونسيون والمغاربة إقناع أعضاء الوفد الجزائري في مؤتمر طنجة (1958) بأن تلك الخطوة من شأنها تسريع الحل التفاوضي وإفشال تهديدات الجيش الفرنسي بملاحقة الفدائيين الجزائريين في أراضي بلدان الجوار.

تعبير فصيح

وتطرق عبد القادر خليفي إلى نشاط الحركة الوطنية الجزائرية في مواجهة السياسة الفرنسية، من خلال تجربة المظاهرات الجماهيرية خلال النصف الأول من القرن العشرين. وربما كانت المظاهرة التي قادها العمال الجزائريون والأجانب في ميناء سكيكدة سنة 1910 رافعين الراية الوطنية للمرة الأولى ومطالبين بالحرية، هي المظاهرة الكبيرة الأولى التي عبرت بشكل فصيح عن المطالب الوطنية الجزائرية. وشكل موضوع التجنيد الإجباري للجزائريين، الذي انطلق الجدل في شأنه خلال 1908 فرصة أخرى أظهرت وحدة الموقف الجزائري ضد ذلك الإجراء. وتوقف خليفي عند مظاهرات 8 أيار/ مايو 1945 عندما خرج الجزائريون إلى الشارع، في أعقاب نهاية الحرب العالمية الثانية، للمطالبة بالحق في تقرير المصير، وهي الحركة التي أغرقت في الدماء، فكانت انعطافا حاسما في مسار الحركة الوطنية الجزائرية. وفيما قدر حزب الشعب الجزائري عدد القتلى في تلك الحملة القمعية بـ45 ألف شهيد، قدر الجنرال توبرت المكلف بلجنة التحقيق (لم يُنشر تقريرها أبدا) عددهم بـ15 ألفا فقط. واعتبر المؤرخ الفرنسي الراحل شارل روبير أجرون أن ذلك القمع «حفر هوة من الحقد والكراهية بين الجزائريين والأوروبيين لم يمكن ردمها أبدا». وفي السياق نفسه رأى المؤرخ خليفي أن دخول الجماهير على الخط النضالي أحدث مناخا غير معهود، وربما لم يتوقعه مهندسو المشروع الاستعماري، إذ تجاوزت حركة الشارع في قوة طرحها وجرأتها ما حملته حقائب النخب السياسية الناشطة آنذاك.

صعوبات مع بورقيبة

على هذا النسق كتب أيضا عبد الله مقلاتي بحثا عن جبهة التحرير الجزائرية وتطور العلاقات مع حكومة بورقيبة في 1956، وهو العام الذي نالت فيه تونس استقلالها. وكان الجزائريون مؤيدين لجناح الزعيم التونسي صالح بن يوسف، غريم بورقيبة الذي كان يدعو إلى رفض الحكم الذاتي ومتابعة الكفاح المسلح على الصعيد المغاربي لتحرير المنطقة من الاحتلال الفرنسي. غير أن عبان رمضان أوفد محمد البجاوي إلى بورقيبة لمعرفة موقفه الحقيقي من حرب التحرير الجزائرية، وأكد البجاوي في كتابه «حقائق عن الثورة الجزائرية» أن بورقيبة «استجاب لجميع الطلبات التي قدمتُها له بدون استثناء، وبتلقائية وصدق مؤثرين». ثم أوفد بورقيبة السفيرين صادق المقدم وطيب سليم إلى القاهرة، ليناقشا مع القيادة الجزائرية اقتراحا بالإشراف على نقل السلاح إلى المقاتلين الجزائريين، بدلا من أنصار بن يوسف، الذين كانوا يقومون بتلك المهمة، لكن حصلت مناوشات بين أجنحة متصارعة في جبهة التحرير داخل الأراضي التونسية، بالإضافة لمعركة على الأراضي التونسية أيضا، بين الجيش الفرنسي وعناصر من المقاتلين كانوا عائدين إلى الجزائر، وهي تجاوزات تُذكر بالتجاوزات المماثلة التي ارتكبتها بعد نحو عشر سنوات فصائل فلسطينية في الأردن ولبنان. ورأى مقلاتي أن تلك الممارسات «أثارت مصاعب لسلطات كانت تبحث عن الاعتراف بشرعيتها واحترام سيادتها». واختار أحمد بن بلة مجابهة تلك التوترات بتسمية أحمد محساس المُقرب منه ممثلا للثورة في تونس، وهو الذي كان مكلفا بنقل السلاح من ليبيا إلى تونس، تمهيدا لإيصاله إلى الداخل. واعتبر مقلاتي أن تكريس علاقة طبيعية بين الجانبين مر بمراحل مختلفة وصعوبات جمة، انتهت بإرساء علاقات واضحة ومنظمة بين «لجنة التنسيق والتنفيذ» وحكومة بورقيبة، وهو ما أتاح تجاوز المشكلات التي كانت تعيشها الثورة الجزائرية في تونس.
وعرض المؤرخ محمد سعيد قاصري في هذا العدد ألوانا من الاضطهاد الذي تعرض له الجزائريون على أيدي سلطات الاحتلال الفرنسية، مُتخذا من مُجمَع سجون بول كازيل أنموذجا على تزايد عدد المعتقلات والسجون، وانتشار ممارسات التعذيب فيها. واشتمل هذا العدد من المجلة أيضا على أربع دراسات عن تونس هي «تونس ومنعرج 1969 في ضوء تقارير من أرشيف البوليس السياسي» لعبد الجليل التميمي، و«مساهمة الاتحاد العام التونسي للشغل في النهوض الاقتصادي والاجتماعي 1956-1962» للباحث عبد المجيد بلهادي، و«خصوصيات التعمير بنفزاوة تحت الحماية الفرنسية» لرضا مقني، و«الجعالة خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر في تونس» للمؤرخ عبد القادر سوداني، بالإضافة لمراجعات لخمسة كتب جديدة. وعن المغرب كتب قاسم الحادق عن «البعد الدبلوماسي في حركة الريف التحررية بزعامة محمد بن عبد الكريم الخطابي. أما القسم الفرنسي والإنكليزي والإسباني من المجلة فتضمن عشر دراسات تراوحت بين تاريخ الحركة الطلابية في تونس 1963-1980 والرقص التقليدي في تونس، وصولا إلى كوريا الجنوبية بوصفها رابع عملاق آسيوي في التنمية والتكنولوجيا.

أضواء جديدة على مناطق مجهولة من التاريخ المغاربي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية