الخليل ـ «القدس العربي»: في منطقة نائية جنوب مدينة يطا في الخليل المحتلة، وعلى أراضي خربة صارورة التي هجر الاحتلال الإسرائيلي أهلها في عام 1998، ما اضطر أهلها إلى الرحيل عنها واتخاذ الكهوف في تلك المنطقة مأوى لهم، عادت الحياة من جديد بعد أن برز قليل من الأمل في قلوب سكان الكهوف، مع وصول مجموعة من نشطاء المقاومة اللاعنفية في فلسطين ونشطاء سلام أجانب وإسرائيليين وبناء قرية تحت اسم صمود لدعم سكان الكهوف والعمل على إعادتهم إلى أرضهم التي هجروا منها قسرًا.
ففي التاسع عشر من شهر أيار/ مايو الماضي وصل عدد من النشطاء الفلسطينيين والدوليين والإسرائيليين وأقاموا عدة خيام وسط الكهوف المنتشرة في محيط خربة صارورة المهجرة التابعة لمدينة يطا جنوب الخليل، وأطلقوا عليها اسم قرية «صمود» التي تدعم صمود السكان الأصليين الذين اتخذوا من الكهوف منازل لهم بعد تشريدهم من الخربة رغمًا عنهم.
التهجير الأول نفذته سلطات الاحتلال بحق عشرات العائلات الفلسطينية التي كانت تعيش في الخربة على النمط البدوي الفلسطيني. وكانت الحجة التي تواصل سلطات الاحتلال استخدامها هي أن المنطقة «منطقة عسكرية مغلقة ومنطقة إطلاق نار غير آمنة، لكن الهدف الحقيقي هو الاستيلاء على الأرض الفلسطينية لصالح الاستيطان».
وتبلغ مساحة خربة صارورة قرابة مئتي دونم، هاجمها الاحتلال في عام 1998 وتم نقل سكانها إلى خربة مجاورة، وتعيش كافة الخرب المنتشرة في جنوب يطا ومسافرها البدوية، حياة بدائية دون أية خدمات سواء من الطرق أو الكهرباء والماء والخدمات الطبية، إلا أن السلطة الفلسطينية وعددا من الدول المانحة يقدمون بين الحين والآخر عدة خدمات لسكان المنطقة، وسرعان ما تصل قوات الاحتلال وتقوم إما بالهدم أو المصادرة بمنع تطور الخدمات وممارسة مزيد من الضغط كي تجبر السكان على المغادرة.
وقال سامي عوض أحد القائمين على القرية ومدير مؤسسة هولي لاند ترست في بيت لحم في حديث مع «القدس العربي» «بالنسبة لي من الواضح أن جيش الاحتلال الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية لا تستطيع الرد على اللاعنف الفلسطيني والمقاومة الشعبية دون خلق احتجاج دولي ضدهم. هذا ما خلقته قرية صمود».
وأضاف «صمود ليست مجرد حركة مقاومة للحقوق السياسية. بل هي أيضًا جزء من حركة عالمية من أجل حقوق السكان المحليين في جميع أنحاء العالم من أجل العدالة والحرية والمساواة».
وأكد حافظ حوراني من القائمين على القرية والمرابطين فيها، أن الفكرة جاءت في محاولة لتشجيع سكان الكهوف من أهالي خربة صارورة المهجرة وبث الأمل فيهم، أن هناك من يقف معهم ويدافع عن حقوقهم. وأكد أن النشطاء قاموا في البداية بترميم بعض الكهوف التي يقطن فيها السكان، ثم اتخذ النشطاء من أحد الكهوف القريبة مقرًا لهم، وحولوا الكهف إلى مركز مجتمعي يهدف لخدمة السكان ومحاولة مساعدتهم.
وقال لـ«القدس العربي»: «هاجمنا الاحتلال أكثر من مرة، وهدموا الخيام وتعاملوا مع النشطاء بطريقة عنيفة، لكننا عاودنا الكرة في كل مرة وأعدنا البناء والعودة إلى الكهف وتطويره. فنحن نوجد مع السكان وفي الكهف على مدار 24 ساعة.
ويبلغ عدد سكان الخربة الأصليين قرابة المئة وثمانين فرداً، وكانت البداية هي التواصل مع السكان والاستماع إلى تجربتهم الصعبة مع المستوطنين اليهود وجيش الاحتلال، ثم إعطاؤهم دفعة معنوية بأن الجميع معهم وهم ليسوا وحدهم في هذه المعركة، وأن الهدف هو إعادتهم لأراضيهم الأصلية في أقرب وقت ممكن.
وقام النشطاء بزراعة أكثر من قطعة أرض من المنطقة بأشجار الزيتون واللوزيات وبعض المرزوعات الأخرى لمساعدة السكان، وتم استغلال الآبار الارتوازية القديمة الموجودة في المنطقة من أجل الري، كما تم تطوير الكهف الذي يحوي مركزا مجتمعيا وإضافة مكتبة مصغرة لخدمة الأطفال والشباب.
وأكد أحد النشطاء لـ«القدس العربي» أن الخطة الرئيسية هي إعادة سكان خربة صارورة إلى أراضيهم الأصلية. وأضاف «سنبدأ بتنفيذ الخطة على مراحل وإعادة العائلات الواحدة تلك الأخرى»، وسنواصل المرابطة في الكهف وفي خيام قرية صمود لدعمهم في حال عاود الاحتلال مهاجمتهم.
ويقيم النشطاء وسكان الكهوف الأصليون عدة نشاطات ليلية بشكل يومي، وخلال ساعات النهار، سواء الأهازيج الوطنية المصاحبة للدبكة الفلسطينية الشعبية، أو نقاش عام لكتاب، أو لفكرة معينة لمشاركة السكان همومهم وبث مزيد من الأمل بداخلهم.
فادي أبو سعدى: