المعركة على دير الزور: السباق الأمريكي – الروسي على الثروات وتشكيل مستقبل سوريا

حجم الخط
0

وسط التطورات المتسارعة على الساحة السورية خرجت سفيرة واشنطن في الأمم المتحدة نيكي هيلي بتصريحات طالبت فيها برحيل الرئيس السوري وقالت فيها: «إننا لن نرضى حتى يذهب الأسد». وتزامنت تصريحاتها مع التقدم الذي حققته روسيا وتركيا وإيران في «أستانة» التي تفرض على ما يبدو الآن حقائق المعادلة السورية على الأرض وليس جنيف أو حتى مقر الأمم المتحدة. ففي أستانة تتفق الدول الراعية الآن للأزمة السورية – بدون الولايات المتحدة- على ترتيبات المرحلة المقبلة وفرض مناطق تجميد صراع كان آخرها الإتفاق بتجميد النزاع في منطقة إدلب الخاضعة لمجموعة من فصائل مقاتلة أهمها هيئة تحرير الشام/ جبهة النصرة سابقا. ولا بد من الإشارة أن الصحوة الأمريكية المطالبة برحيل الأسد تأتي متأخرة نوعا ما في ظل تسليم الأمريكيين الملف لروسيا وتأكيدهم في المعركة الحالية على أولوية قتال تنظيم «الدولة» الإسلامية وليس رحيل الأسد. وحتى الدول التي طالبت برحيله توقفت عن طرح الموضوع فيما استسلمت بعض الدول التي دعمت المعارضة للواقع الذي فرضه النزاع على الساحة السورية. فتركيا مثلا اعترفت بخسارة الحرب والسعودية أخبرت المعارضة السورية أنها تتوافق مع المواقف والأهداف الروسية في سوريا والأردن لمح لعلاقات ثنائية مع نظام الأسد ولم يعد يسمح للمعارضة السورية بالقتال إلا في معارك مع تنظيم «الدولة» (الغارديان – 31/8/2017). وعليه تبدو تصريحات المبعوثة الأمريكية مثيرة للدهشة وسط التقدم الذي حققه الجيش التابع للنظام في بداية الشام وفكه الحصار قبل عشرة أيام عن مدينة دير الزور التي ظلت فيها قواته محاصرة فيها لمدة ثلاثة أعوام من مقاتلي تنظيم «الدولة». وخسر الجهاديون معاقلهم القوية في العراق، والموصل وتلعفر ولم يبق تحت سيطرتهم سوى جيوب صغيرة فيما استطاعت «قوات سوريا الديمقراطية» السيطرة على مناطق واسعة من مدينة الرقة حيث فر عدد من قادة التنظيم وجنوده إلى الشرق – دير الزور والبوكمال والميادين لكي يستعدوا لما يطلق عليها المراقبون المعركة الأخيرة. ومن هنا ففي هذه المعركة وما سيحدث بعد طرد وهزيمة تنظيم «الدولة» يقع مستقبل سوريا حيث بدأت القوى التي قاتلت التنظيم بموضعة نفسها للنزاع المقبل. وكانت وزارة الدفاع الروسية قالت إن النظام سيطر على نسبة 85٪ من الأراضي السورية أو على الأقل تلك التي تم طرد تنظيم «الدولة» منها.

مواجهة الإرادات

إلا أن دير الزور تظل المنطقة التي ستتلاقى فيها القوى المتنافسة على مستقبل سوريا، حيث بدأت القوات السورية المدعومة من إيران وروسيا بالتقدم نحو الحدود العراقية وعبر نهر الفرات الذي كانت ضفته نقطة تجميد للنزاع. فيما هددت قوات سوريا الديمقراطية بالتقدم نحو دير الزور التي لم تكن من ضمن أولوياتها، وأكد متحدثون عنها أنهم سيمنعون النظام من السيطرة على المناطق المحيطة بالمدينة. وتبدو خطورة الوضع من وجود الميليشيات الشيعية سواء كانت مرفقة مع القوات التابعة للنظام أو تلك المتحصنة على الجانب الآخر من الحدود العراقية. وكانت هذه الميليشيات واضحة في حديثها عن نية إقامة ممر يبدأ من إيران وينتهي على البحر المتوسط. وتقع المنطقة المستهدفة على طريق الممر. ويرى النظام السوري أن فك الحصار عن دير الزور يعتبر بمثابة انتصار للحرب حيث تحول الجنرال عصام زهر الدين الذي قاد القوات المحاصرة إلى بطل. ويرى ريتشارد سبنسر في «التايمز» (13/9/2017) أن المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية- المهيمنة عليها قوات حماية الشعب- في شمال- شرق سوريا منحت الولايات المتحدة والغرب ولأول مرة قاعدة في سوريا.

لا استراتيجية

ولم تشر القوى الغربية لخططها لما بعد تنظيم «الدولة» مع أن واشنطن أشارت في استراتيجيتها التي تعدها لمواجهة إيران أنها ترغب بالحد من هيمنتها في المنطقة، خاصة العراق وسوريا ولبنان واليمن. وكانت قوات سوريا الديمقراطية أعلنت يوم السبت عن فتح جبهة جديدة شرقي الفرات. وربما وصلت إلى الحدود العراقية ومواجهة تنظيم «الدولة» في البوكمال والميادين. ولكن المسؤولين الأمريكيين أكدوا أن سوريا الديمقراطية هي قوات ضد تنظيم «الدولة». وقررت المخابرات المركزية الأمريكية «سي آي إيه» وقف الدعم عن وحدات سابقة في الجيش الحر وطلبت منها إخلاء جيبين على الحدود الأردنية. وطلب من الوحدات وقوات سوريا الديمقراطية عدم مواجهة قوات النظام. وحسب «نيوزويك» (14/9/2017) قررت الولايات المتحدة عدم التدخل في المعركة الحالية شرق سوريا وتقدم قوات النظام والميليشيات الشيعية على الأرض والروس من الجو. وقال العقيد ريان ديلون، المتحدث باسم قوة المهام المشتركة في عملية العزيمة الصلبة، إن القوات المدعومة من الولايات المتحدة قررت عدم دخول مدينة دير الزور. وأن مقاتلي سوريا الديمقراطية الذين اجتازوا نحو دير الزور لن يدخلوها تجنبا لتعقيد ساحة حرب مكتظة بالقوى. وقال: «أود إخباركم أن الخطة لن تشمل دخول مدينة دير الزور ولكن هناك عددا كبيرا من مقاتلي التنظيم والمصادر والقادة الذين لا يزالون وسط وادي الفرات». وعليه ستتقدم القوات المدعومة من أمريكا على طول وادي الفرات لعزل الذين لا يزالون في الجزء الشرقي من المدينة التي يقسمها الفرات لنصفين.
وتقول صحيفة «إندبندنت» (11/9/2017) إن قوات سوريا الديمقراطية تريد إحكام سيطرتها على أراضي محافظة دير الزور الغنية بالثروات الطبيعية وبدعم من الولايات المتحدة. وأضافت أن قرار قيادة «قوات سوريا الديمقراطية» إطلاق حملة جديدة في دير الزور يعد تحديا خطيرا، خاصة أنه لم يتم الإنتهاء من معركة الرقة، ولا يزال تنظيم «داعش» يسيطر على 40٪ من أحياء المدينة. وحذرت من اندلاع اشتباكات بين القوات السورية ومسلحي المعارضة، حيث يسعى الجانبان إلى السيطرة على الشريط الحدودي مع العراق، إذ أن نتائج «السباق نحو الحدود العراقية» ستحدد من سيدير المحافظة بعد هزيمة تنظيم «الدولة» كما أن الجانب الفائز سيحقق مكاسب استراتيجية ملموسة.

نشاط روسي

وفي ضوء الموقف الأمريكي الذي لا يزال غير واضح من سوريا، كثفت روسيا من نشاطاتها الإعلامية والعسكرية. وقصفت من اسطولها في البحر الأسود مواقع قالت إنها تابعة لتنظيم «الدولة» ونظمت حملة علاقة عامة لصحافيين روس وأجانب لاطلاعهم على المهام التي تقوم بها في سوريا ومدى انخراطها الذي صار التزاما هناك وأنها تسيطر كما يقول شون ووكر، في «الغارديان» (15/9/2017) على الحرب والسلم. وشملت الزيارة حلب وحمص وقاعدة حميميم وانتهت على بارجة روسية في البحر المتوسط. وقال ووكر إن الروس كانوا حريصين على إظهار جهودهم في الإعمار ونزع الألغام وتوزيع المساعدات الغذائية والمشاركة في حماية نقاط تجميد النزاع حيث تعمل الشرطة العسكرية الروسية بشكل واضح، بالإضافة لدورها في محاربة تنظيم «الدولة». ويرى محللون أن الحرب السورية منحت موسكو منبرا للعودة إلى المسرح الدولي والتأثير لكنها « حرب بدون نهاية». وحسب استطلاعات الرأي الروسية فإن نسبة 35٪ من الروس يدعمون استمرار الحرب في سوريا، رغم الكلفة القليلة لها وتجريب أجيال جديدة من السلاح الروسي هناك.

تفسير زيارة

ويعلق مدير تحرير «المونتيور روسيا» في تقرير نشره الموقع يوم 15/9/2017 عن سر التحركات الروسية المحمومة في سوريا مشيرا إلى أنها الأكثر انشغالا من بين الدول المشاركة في الحرب. وأشار ماكسيم ساشكوف إلى زيارة وزير الدفاع سيرجي شويغو إلى دمشق فيما زار وزير الخارجية سيرغي لافروف في الوقت نفسه كلا من الأردن والسعودية. واستقبل الرئيس فلاديمير بوتين رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في منتجع سوتشي. والتقى ممثلون عن الجنرال خليفة حفتر ورئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج مع نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغاندوف في موسكو، وزار مبعوث السراج الشيشان. ومن بين الزيارات اتسمت رحلة وزير الدفاع بالسرية حيث لم يعلم الإعلام عنها إلا بعد لقاء شويغو مع الرئيس الأسد. وأكد بيان وزارة الخارجية الروسي على الموضوعات التي نوقشت وهي التعاون لتدمير تنظيم «الدولة» وجهود تحقيق الاستقرار في سوريا ومراقبة مناطق تجميد النزاع وإيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين. وأضاف مكتب الرئيس السوري موضوعا آخر وهو الجهود لاستعادة دير الزور ومحاربة الإرهاب على كل الأراضي السورية. ونظرا لمستوى وأهمية الزيارة فقد انشغل المراقبون بتفسير والبحث في أغراضها وطرحوا عددا من النظريات. وترى النظرية الأولى في الزيارة «رمزية» وتأكيدا على استمرار دعم موسكو للأسد. ورغم المضايقات التي تسبب بها في بعض الأحيان فلا يزال الرئيس السوري القائد الوحيد والشرعي وعلى العالم ان يتعامل مع هذه الحقيقة بجدية. وأضاف آخرون بعدا رمزيا آخر وهو تقديم الدعم المعنوي لقوات النظام التي تقاتل في دير الزور وتأكيد ما قاله الجنرال البارز على ضرورة نهاية الحرب الأهلية والتركيز على هزيمة تنظيم «الدولة». أما النظرية الثانية فتقول إن شويغو جاء إلى سوريا لتفقد القوات الروسية التي تعرضت في الأسابيع الماضية لخسائر. ويقول أندريه فرولوف، المحلل العسكري في المجلة الروسية «إكسبورت فورزيهني» (تصدير السلاح) إن الزيارة عادية «خاصة أنه لم يزرها منذ وقت طويل»، وكانت آخر زيارة له في حزيران (يونيو) 2016. وتدور النظرية الثالثة على حضور وزير الدفاع شخصيا للإشراف على نشر الشرطة العسكرية في منطقة تجميد النزاع الجديدة بإدلب، إلا أن فرولوف يستبعد هذه النظرية ويقول إن الشرطة العسكرية يمكن نشرها بدون حضور وزير الدفاع نفسه. وأشار الخبير إلى ما ورد في المجلة الفرنسية الالكترونية «إنتليجنس أون لاين» قبل فترة والتي تحدثت عن خلاف بين الجنرال سيرغي رودسكي، مدير العمليات العسكرية في وزارة الدفاع وقائد فيلق القدس، الجنرال قاسم سليماني، حيث اختلفا حول شكل الجيش السوري في المستقبل. ويعلق فرولوف قائلا: «اعتقد أن المحادثات حول مستقبل سوريا تحتل المستويات العليا». وقال مصدر مطلع إن اللقاء تركز على مناقشة التأكد من ابتعاد الميليشيات المدعومة من إيران عن حدود الأردن وإسرائيل مسافة 40 كيلومترا. أما الموضوع الأكثر أهمية على الأجندة حسب المصدر فقد كان مناقشة الوضع في دير الزور وإن كان على القــــوات الروســـية اجتياز الفرات بالدبابات والمدرعات أم لا.
وسط تهديد أمريكي بقصف القوات السورية وتلك الموالية لإيران إن فعلوا. وقال: «هناك تفاهم أنه من أجل السيطرة على دير الزور بنجاح على الروس ان يقصفوا شمال نهر الفرات، ولكن موسكو مترددة لفعل هذا ولست متأكدا إن توصلوا إلى قرار بهذا الشأن».

المعركة على دير الزور: السباق الأمريكي – الروسي على الثروات وتشكيل مستقبل سوريا

إبراهيم درويش

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية