عمان ـ «القدس العربي»ـ بسام البدارين: الإيجابية التي تظهرها الحركة الإسلامية في الأردن تجاه السلطة والملفات الحساسة زمنيا، لا يمكنها أن تكون محصلة لحالة تراجع أو ضعف بقدر ما هي على الأرجح رسالة تكتيكية مسيسة، لا تقف عند حدود قراءة الواقع الموضوعي فقط لكنها تسعى لفتح صفحة جديدة على الأقل في الموضوع الداخلي.
سلسلة طويلة من تبادل الرسائل الإيجابية رصدت في الأسابيع الأخيرة بين المؤسسات الرسمية والسلطة في الأردن ومطبخ الإخوان المسلمين.
هدف السلطة على ما يبدو من استقبال هذه الرسائل هو تثبيت بوصلة الواقع الموضوعي التي تقول إن الحركة الإسلامية تتقصد بوضوح عدم الاستثمار في الظرف الصعب الراهن سياسيا.
وهو سلوك يتباين مع اتجاه بعض القوى الكلاسيكية في المجتمع التي كانت طوال الوقت محسوبة على الدولة أو قريبة منها.
حجم التخندق والاختناق الحكومي في وجه الإخوان المسلمين تحديدا وصل إلى مستويات متدنية مؤخرا، حيث يمكن تفريغ الاحتقان المتبادل وتبادل الملحوظات عبر كتلة الاصلاح الإسلامية في البرلمان وعبر وسطيون في الكتلة يمتنعون عن المناكفة ويتصرفون برشد في بعض التفاصيل.
وهذا الأهم؛ هناك مساحات ولو قليلة من تقاطع المواقف حصلت بين الحكومة وبعض نواب كتلة الاصلاح الإسلامية عند التعاطي مع بعض التشريعات.
رئيس الكتلة المخضرم الدكتور عبد الله العكايلة يبدو صبورا وشغوفا وهو يمارس لعبة التوازنات عبر خطاب وسطي يستخدمه أيضا رموز الإخوان المسلمين ولكن بطريقتهم العميقة الذكية.
والقطب الثاني في الكتلة هو المحامي صالح العرموطي وبرغم الضجيج الذي يثيره بين الحين والآخر تحت قبة البرلمان، إلا أن بعض مداخلاته وخطاباته يمكن تصنيفها في مستوى المعارضة الموالية وهي المعارضة التي طالما مال السياسي البارز طاهر المصري إلى تسميتها بالمعارضة الإيجابية.
حتى الناطقة باسم كتلة الاصلاح الدكتورة ديمة طهبوب تظهر ميلا للتخفيض من التعليقات والتصريحات المثيرة للجدل.
لا يمكن بطبيعة الحال تقويم أداء الكتلة بمعزل عن انحيازات واتجاهات المطبخ الإخواني الراغب اليوم وفقا لمصدر مطلع في تقديم القرائن الممكنة جميعها على الرغبة في «مصالحة» دائمة وجذرية مع الدولة وحتى مع النظام والمؤسسات السيادية.
ذلك في حد ذاته قد يكون الهدف من احتواء نسبة الشغف والمناكفة تحت قبة البرلمان مقابل إظهار الإيجابية بعد الخطاب الملِكِي الذي رفض في بعض الأقنية الدولية تصنيف جماعة الإخوان في قائمة الإرهاب وهو ما تم إبلاغه رسميا حتى للأصدقاء والحلفاء العرب الذين ركبوا موجة هذا التصنيف قبل انحسارها مباشرة بعد إعلان الحصار على قطر.
وهو ما ألمح إليه وزير شؤون الاتصال الناطق الرسمي الدكتور محمد المومني لـ «القدس العربي» عندما تحدث عن معيار قانوني يحكم علاقة الحكومة مع الجميع.
في المقابل يدعم مطبخ الإخوان مراجعة جذرية لكل ما أعقب مرحلة الربيع العربي.
في النسخة المحلية من هذه المراجعة يمكن توثيق بعض المفاجآت التي رصدتها «القدس العربي» ومنها الإقرار بحصول أخطاء في الماضي ليس فقط على مستوى التنظيم الدولي وفي الإقليم.
ولكن أيضا على مستوى موجة الحراك الشعبي الأردني التي ركبها الإخوان المسلمون عام 2011
يقر أحد قادة الإخوان الأساسيين لـ «القدس العربي» بحصول بعض الأخطاء في الاجتهاد والتصريح والسقف في تلك المرحلة نتج عنها توتر شديد مع النظام.
هذا الإقرار مفيد ومهم لأنه يؤسس لفتح صفحة جديدة على أساس النوايا الحسنة، وإن كان حزب جبهة العمل الإسلامي قد وقع على البيان الساخن لأكثر من 14 حزبا بعنوان الدعوة لوزارة إنقاذ وطني.
ضمن المراجعات أيضا التي لا يبرز الحديث علنا عنها تلك المؤشرات المتعلقة بالكمون الإخواني على الصعيد الحراكي والشعبي.
هنا ثمة وقائع، فقد قرر الإخوان المسلمون تجاهل العودة للشارع عندما تعلق الأمر باتفاقية الغاز الإسرائيلي ووقفوا بوضوح مع خيارات الدولة الأردنية عند أزمة القدس والمسجد الأقصى كما تجمدت تماما فعاليات الإخوان في الشارع الشعبي طوال المرحلة الاقتصادية والمعيشية الصعبة تحت عنوان الاصلاح المالي والاقتصادي.
لا يريد الإخوان العودة للعبة الشارع. هذه قناعة راسخة الآن حتى في وجدان المؤسسات الأردنية العميقة، وأهم مؤشرات المراجعة برزت عند وقف المقاطعة للانتخابات عام 2016 واستمرت بالمشاركة في الانتخابات البلدية واللامركزية الأخيرة.
تلك رسائل في كل حال إيجابية وودية ومحسوبة بدقة للدولة والنظام في الأردن انتهت من الطرف المقابل بقبول مشاركة الإخوان وحزبهم ضمن معادلة محسوبة بدقة في البرلمان.
وبدعم خيار نجاح نخب معتدلة ووسطية ضمن قائمة التيار الاصلاحي العريض وبإظهار رغبة في عدم العبث بملف مشاركة الإسلاميين في انتخابات البلديات بمعنى منحهم فرصة منصفة للمنافسة.
هذا الوضع الاستراتيجي جديد على ملف الإخوان في الأردن ومن الثابت حتى الآن على الأقل أن أطرافا داخل الجماعة وأخرى في عمق قنوات القرار تتواطأ على هذا المناخ الإيجابي أو تتجنب إعاقته.
يحصل ذلك بالتأكيد لسبب أعمق من أزمة الثقة الداخلية بين الجانبين بصرف النظر عن التفاصيل يمكن توقع أن هذا السبب له علاقة بقراءة معمقة للمستقبل الوشيك وسط الإقليم المضطرب جدا.
إلى أن يصعد دخان أي ترتيب محتمل في المستقبل، تظهر المؤسسة الرسمية بطئا شديدا في العودة إلى مناخ المصالحة والعلاقة التشابكية فيما تبدو بنية الحركة الإسلامية وبعدما شارفت تماما على إغلاق ملف المصالحة الداخلية بين اجنحتها مستعدة نفسيا وبنيويا إلى فتح صفحة جديدة من الصعب استبصارها من دون علاقة متوقعة بالظرف الإقليمي.