التراث العمراني: تاريخ المكان وذاكرة الوعي الجمعي

حجم الخط
0

لا يزال التراث العمراني والحضري يحتل واجهة الصدارة في العديد من الدول التي باتت تدرك أهمية الموروث التاريخي في تشكيل الأساس الذي يمكن أن ترتكز عليه التنمية السياحية المستدامة، فضلا عن أهميته في تسجيل ذاكرة المكان، وتاريخ المجتمع ومماسارته وسلوكياته وطرائق معيشته، وما يرتبط بها من إفرازات وتعبيرات تتجاوز حدود الشواهد الحسية إلى دلالات ضمنية تعلن عنها الأنماط وعناصر التراث الحسي والمعنوي.
وفضلا عن ذلك فإن المعالم العمرانية الموروثة تمثل قمة ما أفرزته الثقافة المحلية وحضارة الإقليم من خلال الشواهد العمرانية التي باتت الجهات المحلية والرسمية ومؤسسات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومة وسواها تدرك عظم أهمية نقلها عبر الحاضر تجاه المستقبل في عالم باتت تتداخل فيه الحدود الثقافية. ومن هنا فقد باتت برامج الترميم والحفاظ المعماري والمحافظة التاريخية تأخذ مؤخرا حجمها الطبيعي في اهتمامات وأجندات، والأهم ميزانيات وموارد، الحكومة وأجهزتها المعنية بالتطوير الحضري والسياحي والتراثي على اختلاف مسمياتها والمؤسسات المنبثقة عن وزاراتها.
على المستوى الخاص، يعود الاهتمام، الأكاديمي والنظري، بالتراث لبداية التسعينيات، في وقت كانت برامج المحافظة التاريخية والترميم والحفاظ المعماري تبدو متحققة على المستوى النظري أكثر منها على مستوى البرامج الحكومية. وفضلا عن ذلك تشير أدبيات هذا التخصص الدقيق، الذي يجمع العديد من الإختصاصات المتداخلة العلمية والفنية في مجال العمارة والحضرية وتقنيات مواد البناء التقليدية والحديثة وما بينها، أن هذا التخصص هو حديث نسبيا وبخاصة في الدول العربية، بعيد استقلالها، بما لا يزيد عن عقدين أو ثلاثة بأحسن الأحوال، لأسباب متعددة ومتشابكة، منها قلة البرامج الأكاديمية المتخصصة في الجامعات والمعاهد، وقلة الموارد الحكومية، فضلا عن تردد بعض الدول التي خرجت من بوتقة الإستعمار وكانت تدرس خياراتها وموقفها من مسألة الأصالة والحداثة والمدى الذي تريد أن تقترب فيه من التراث، الذي تشير بوصلته إلى الماضي، أو من الحداثة التي تؤشر باتجاه الغرب والمستعمر والحديث. ومن بعض هذه الأسباب ما كان يتمثل في عدم الوعي بأهمية التراث وجدوى توثيقه والمحافظة عليه، أو إعادة تأهيله في الواقع المعاصر لخدمة الذاكرة الجمعية الماضوية من جهة، ولرفد التنمية السياحة بشكل مستدام بما يعود على الحاضر أيضا بعائد مجز.
كل ذلك قبل عقدين من الزمن، وعلى المستوى الخاص، كان يدور في فلك الإهتمام الشخصي النظري والأكاديمي والبحثي والتنظير الفلسفي. ولكن الحاضر بدأ يشي بدوران عجلة تنمية محمومة للتراث، توثيقا وتسجيلا وترميما وحفاظا، في الكثير من البلدان العربية والشرقأوسطية، فضلا عن العالم المتحضر الذي يدرك أهمية تاريخه لبناء حاضره. وقد شهدت الأعوام الأخيرة، تنامي أدوار وجهود مؤسسات غير حكومية وبرامج مؤسسية واهتماما على أعلى المستويات في العديد من الدول العربية مثل سلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وفلسطين وبعض من دول شمال إفريقيا وحيث تم إنتاج العديد من التجارب الرائدة، التي حصد بعضها جوائز عالمية وتقديرات دولية، تستحق الإشارة إليها بتفصيل في مساحات قادمة. وقد كان من هذه التجارب المتميزة، رحلة حديثة ومشاركة في ندوة دولية لتطوير التراث العمراني والحضري في أربيل خصوصا، في إقليم كردستان.

********

ندوة تطوير التراث العمراني والحضري
أقيمت في العاصمة أربيل، وتحديدا في جامعة جيهان، وبالمشاركة مع، وبدعم من، الجامعة اللبنانية الفرنسية ومحافظة وحكومة كردستان، ندوة دولية يوم الأربعاء الموافق 21 أغسطس 2013، والتي اعتبرت محطة مهمة جدا في وضع الجهود التي تقوم بها المؤسسات المحلية الحكومية، في بوتقة أكاديمية نقاشية، ولاحقا تحت نظر وإشراف الجهود العملية الدولية، هدفها الرئيس الإرتقاء من المستوى المحلي إلى المستوى العالمي. وقد نوقش في هذه الندوة البحثية، والتي تقدم فيها متحدثون أساسيون، منهم كاتب هذه السطور، بأوراق عمل تلخصت في محاضرات تبعها جلسة نقاش بحضور محافظ مدينة أربيل ورؤساء الجامعات ومهتمون من أبرز المعماريين المحليين وطلبة الجامعتين.
وقد اشتملت الندوة التي ترأسها الدكتور محمد صادق، رئيس الجامعة اللبنانية الفرنسية، على مجموعة من المحاضرات والمداخلات متنوعة المواضيع وضمن الإطار العام للندوة، استهلها ترحيب وتقديم من الدكتور نوزاد باجغر رئيس مجلس الأمناء، تبعه كلمة افتتاحية لمعالي محافظ أربيل السيد نوزاد هادي. أما المداخلات فبدأها المعماري دارا يعقوبي بمحاضرة حول قلعة أربيل، تاريخها وجهود العمارة والمحافظة القائمة حاليا فيها. حيث أوضح الجهود الحثيثة التي جرت لبدء التحضيرات للأعمال القائمة من ترميم وحفاظ على أنماط الأبنية في القلعة والتي تتربع في قلب المركز التاريخي لمدينة أربيل والتي نمت منها. وبالإضافة لذلك فقد شرح الجهود الكبيرة التي قامت بها محافظة أربيل وبلديتها، حيث تم تقديم القلعة أولا لقائمة الآثار العالمية عام 2010، ويجري حاليا ترشيحها عالميا ليتم ضمها لقائمة التراث العالمي لليونسكو، حيث ستدرج على تلك اللائحة في المستقبل القريب، إذ تجري عملية قبولها وإدماجها في القائمة. وهذا بحد ذاته إنجاز كبير ودلالة على التوجه التراثي في المحافظة على رموز وقلب المدينة رغم ما يدور من رغبة في ‘دبينة’ المدينة من أحاديث متناثرة في الفضاء العام لمخيلة وطروحات شعبوية ورسمية نتطرق لها لاحقا في هذه المساحة.
المحاضرة التي قدمها الدكتور هوشيار نورالدين، الأستاذ بالجامعة الكندية في دبي، كانت بعنوان التراث المعمارية الكردي، تطرق فيها للغة العمرانية ومقاربات ومقارنات في النمط التكويني الحضري والعمراني، وختمها بمجموعة من الملاحظات كان أبرزها الدعوة إلى عدم ‘دبينة’ المدينة، حيث يستبدل مصطلح ‘الدبينة’ بمفهوم يقدمه هو ‘الهلودة’ (في إشارة لهوليوود)، إذ يشير المصطلح الأول للتطور الرأسي الذي تشهده الكثير من العواصم العربية، والذي بات يشكل تيارا متناميا في سعي حثيث، رأسمالي، وإداري وتجاري. في الوقت الذي يعنيه المصطلح الأخير، التحول الدراماتيكي العبثي الذي يطيح بهوية المدينة وبتراثها وتاريخها وسجلها الحضاري، ناسفا كل ما تأسست عليه المدينة من ثقافة وأصل وقيم مجتمعية وسواها.
محاضرة البروفسور صباح مشتت، الأستاذ بجامعة ولفرهامبتون بإنجلترا، جاءت لتؤكد دور العناصر المعمارية في تأكيد الهوية المحلية، مع ما يستتبع استعمال عناصر محددة من قراءة جدلية في إطار التراث والحداثة. وجاء عنوان المحاضرة ‘استعمال العناصر التراثية في العمارة المعاصرة’ ليؤكد جملة من المداخلات مع استعراض لأمثلة من حالات في دولة الإمارات العربية المتحدة كمنطقة البستكية وحالات من دول عربية أخرى. قراءة البروفسور مشتت جاءت لتعبر عن الترابط الوثيق بين العناصر الحسية ودلالاتها المعنوية في التعامل مع الهوية والطابع، وهو محور مهم، وجدلي، لطالما دار في الأوساط المعمارية وما تزال اجتهاداته قائمة. وهذا المحور الذي يطرحه البروفسور مشتت يلتقي مع الأطر العامة لجهود إعادة البناء في مناطق حيوية وتاريخية حساسة تتطلب التعامل الدقيق بين الإستعمال الواعي والذكي لمواد البناء والعناصر المعمارية من جهة وبين تحقيق عملية الترميم والحفاظ وبشكل غير حرفي يتحدد عند حدود الماضي ولا يتفاعل مع طروحات العصر والواقع.
أما محاضرة البروفسور عامر مصطفى، الأستاذ بالجامعة الأمريكية بالشارقة، فقد انطلقت من نقطة تاريخية في البحث عن الإسم والمترادفات ومدلولات ارتباط الإسم بالوعي الجمعي للمكان والمجتمع المحلي. وقدم رؤية ومداخلة في بعض الأسماء القديمة لقلعة أربيل، قبل أن ينتقل للبحث في تاريخ القلعة مع عرض تحليلي ومقارنة تاريخية وبصرية وعمرانية مع قلعة حلب التاريخية. الإطار الذي تقدم به البروفسور مصطفى جاء مؤكدا على أهمية الهوية، الفردية والجمعية، ودور التراث الحضري في تشكيل مفاهيم المواطنة المجتمعية.
محاضرة كاتب هذه السطور جاءت لتجمع بين ثلاثة عناصر مهمة في مسألة التراث، حيث اجتهدت الأطروحة في الجمع بين الإطار النظري التقني من خلال تقديم مبادئ وقواعد للحفاظ التراثي مع دمجها في الإطار العملي، كل ذلك ضمن بوتقة تطوير التراث وتنمية السياحة المستدامة ومسألة الهوية. وقد كان عنوان المحاضرة ‘ملاحظات مفتاحية في تطوير التراث، والتنمية السياحية المستدامة والهوية المحلية’. وبتقديم مبادئ وقواعد المحافظة والحفاظ كان الهدف هو العودة للمربع الأول الفلسفي المهم في إدراك ومساءلة الأهداف التي تنطلق منها عملية الحفاظ والترميم والمحافظة التاريخية أو إعادة البناء، وهو الأساس الذي تنبني عليه العملية برمتها كيلا تتحول إلى عملية لذاتها وبذاتها، وكعمل روتيني تقني لا روح فيه ولا هدف أو غاية من وراءه سوى تحقيق برنامج يعتمد على موازنة متوفرة لا أكثر.
ما تبع المحاضرات من مناقشة عامة من قبل المسؤولين الحكوميين الحاضرين، وما بدا من محاولات للدفاع عن الجهود الحكومية والمؤسسية يشير بوضوح إلى جدية واضحة في التعامل مع عملية المحافظة التاريخية على التراث العمراني والحضري، وبالذات في قلعة أربيل. وقد كان واضحا أن جهود عمليات تطوير التراث لا تهدف لنوع من العمل الروتيني أو الدعائي، بل هي مشروع تنموي توعوي يهدف لرفع مستوى التفاعل الشعبي مع الأصل التاريخي القيمي الذي انطلقت منه مدينة أربيل، بما يشكل مشروعا يشمل ماضيها وحاضرها ومستقبلها.

*********
قلعة أربيل
تعتبر قلعة أربيل أقدم مستوطنة مسكونة بشكل ‘مستمر’ في العالم كما تشير المصادر التاريخية. ويتميز موقع القلعة بأنها ترتفع على تلة عما يجاورها وتتشكل مورفولوجيا القلعة الحضرية من محيط دائري يتخلله محور قوي شمال جنوب حيث يقع في وسطها فضاء مركزي. ويبدو شكلها كقصعة مجوفة ترتفع على تلة منحدرة تعلو عما حولها حوالي 32 مترا، وتحتضن حوالي 12 هكتارا فوقها تحيط بها الأسوار. وتتميز التلة بأنها عمل بشري تراكم عبر العصور جراء البناء التراكمي للبيوت في طبقات بعضها فوق البقايا الأثرية التي سبقتها. وكطبيعة القلاع فقد جاء غلافها الخارجي عبارة عن تحصينات وسور وأبراج لم يتبق منها سوى برج، بينما اندمجت بعض البيوت على الأطراف مع الشكل الخارجي للتلة والقلعة، وأتاح ذلك للقاطنين مطالعة المدينة بالأسفل من خلال النوافذ المحيطية.

أما نسيجها البنيوي من أنماط الأبنية فقد قسمت القلعة تاريخيا إلى ثلاثة أحياء تقليدية هي: أولا السراي. والتي تحتل الجزء الشرقي من القلعة. وسميت كذلك لأنها تحتوي على المكاتب الحكومية والإدارية. وكان يقطنها بشكل كبير طبقة الأغنياء والنبلاء وتحتوي بيوت الشخصيات المهمة في الحكومة تاريخيا. ثانيا التكية. والتي احتلت وسط وشمال القلعة. وسميت كذلك لإحتواء تلك الأقسام على التكايا وهي مباني مخصصة للعبادة. ثالثا الطبخانة. وتحتل الجزء الغربي من القلعة. وكان يقطنها بشكل كبير الحرفيون وعائلات المزارعين. ويوحي اسم هذا الجزء بوجود مدافع لحماية القلعة والمدينة من الغزاة. وقد تميزت البيوت التي يبلغ مجموعها حوالي 330 بيتا تقليديا فوق القلعة بأنها ذات أفنية وبناؤها من الطوب وتتخللها شبكة عضوية من الطرقات المتفرعة عن الطريق العام، لتتدرج من العام إلى شبه الخاص وصولا إلى الطرقات غير النافذة الخاصة جدا على غرار المدن التقليدية. وقد امتازت البيوت التي تعود لفترات قديمة بأنه لم يكن بها نوافذ للإنارة الطبيعية ولذلك فقد كان بها مساحات صماء كبيرة في الجدران تمت زخرفتها باستخدام الطوب. أما البيوت اللاحقة من الفترات العثمانية فقد وجد بها نوافذ تم حمايتها من ضوء الشمس النافذ القوي بعناصر معمارية مظللة من الطوب والخشب ومطعمة بأعمدة صغيرة حاملة. ويعود تاريخ بعض البيوت إلى القرن الثامن عشر، أما البيوت المتسعة والمتميزة معماريا فتعود للعقود الثلاثة الأخيرة من الحكم العثماني (1880 1918)، ولكن قليل من البيوت تم بناؤها بعد عام 1930، حيث كان البناء مستمرا على الدوام بطريقة تعمل على تحديث بعض البيوت وبخاصة بعد العشرينيات. أما شكل التخطيط الأفقي الشائع للبيوت التقليدية في القلعة فيتميز بوجود غرفتين لكل منها باب منفصل في الطرف الأضيق للشكل المستطيل يتقدمهما فناء داخلي تحيط به الخدمات ودرج صاعد للدور العلوي فيما يتقدم البيت مدخل صغير من الطريق الخاص للمتجاورة السكنية. وقد تميزت البيوت التي بنيت قبل عام 1880 بوجود مخزن صغير على أحد الجانبين، فيما تحوي البيوت الكبيرة غرفتين وإيوان مركزي يفصل بينهما. أما البيوت المبنية بعد 1880 فتتمايز بشكل كبير من ناحية الحجم، من بيوت ذات غرفة واحدة إلى القصور الكبيرة التي تحتوي غرفا خاصة لإستقبال الضيوف. كذلك تتمايز الطرز المعمارية بين البيوت المبنية قبل وبعد عام 1880 باستعمال عناصر الأقواس والكوات والحنيات والزخارف داخل الجدران، وبخاصة للقصور الكبيرة، فضلا عن الإستعمال المتميز للأخشاب في داخل البيوت في أعمدة منحوتة ومشغولة معماريا.
وتكمن أهمية القلعة في طبيعة البناء المعماري عليها حيث تتميز عمارة الطوب الطيني، والبيوت الأثرية التي بقيت عبر الزمن بالإضافة إلى الأهمية الأثرية والطبقات التي تحتويها والتي تدل على تاريخ طويل متميز. وتتميز القلعة عن غيرها من الشواهد الأثرية التي تعود لحضارة ما بين النهرين هي استمرارية السكن بها منذ القديم وحتى اليوم. وبالرغم من تاريخ القلعة المكتوب يروي أنها تأسست منذ حوالى 2300 قبل الميلاد، إلا أنه لا يمكن التحقق إلا بعد عملية مسح آثري شامل لطبقاتها المتعددة، لكن التقدير الأولي للآثريات التي عثر عليها يشير إلى أن عمرها على الأقل 6000 سنة. وتتربع اليوم شاهدا على توالي تاريخ عريق على المنطقة. وقد بدأ مشروع ترميم وإعادة بناء القلعة عام 2008 بالتنسيق بين المجلس الأعلى لإعادة إحياء قلعة أربيل وبين اليونسكو، حيث تم إجراء العديد من الدراسات والمسوحات الشاملة لصوغ المخطط الشمولي.

*********
أربيل: المدينة والمجتمع المحلي
من اللافت لزائر مدينة أربيل أن القلعة ومركز المدينة التاريخي قد ترك أثاره على التخطيط الحديث للمدينة والتي تتشكل من عدة حلقات من الطرق الحديثة السريعة بشكل متتابع تربطها طرقات تنطلق نحو المركز. كما يلحظ في المدينة عموما الإمتداد الأفقي مع نزعة نحو الرأسية في بعض المناطق التي تشهد تطورا عمرانيا كبيرا. في قلب المدينة التاريخي وأمام القلعة تنبسط ساحة كبيرة على طرفها يقع مسجد قديم وعلى جانبه الآخر بازار تقليدي يجري ترميمه وبه تنتشر محلات تبيع السلع التقليدية التي يشتهر بها الإقليم مثل المن والسلوى والمكسرات والمسابح، كما يطالع المتجول سوقا قديما للأقمشة والملبوسات تتعرج طرقاته الضيقة، وتشيع به أجواء محلية وادعة بين المجتمع المحلي.
يتميز المجتمع المحلي بالصفات الأصيلة من الكرم وحسن إقراء الضيف، واحترام الصغير للكبير، فضلا عن صفات النخوة والشهامة، وكلها مع النزعة الحكومية السائدة في تسهيل قدوم الزوار تعتبر مقومات وخامات أساسية لاستقطاب الإستثمارات الأجنبية ورفد عجلة التطور سريعا في الإقليم. وإذا تضافر ذلك مع الرؤية السليمة لوجهة التطور في المحافظة على الإرث التاريخي لقلب المدينة مع عدم إغفال مستلزمات الحداثة والمدنية فإن هذا سينبئ بمستقبل واعد وزاهر لإقليم كردستان في المنطقة المحيطة.
في هذه الزيارة القصيرة صادفنا والزملاء نماذج لا تنسى من الترحاب والضيافة والحفاوة، قضينا بعض الأوقات، خارج إطار الندوة، في جلسات عفوية، على أنغام رائحة الكباب الشهير، والمسقوف (السمك المشوي)، وكانت قصة مطعم ‘صمد’ التقليدي الشهير ذي الفروع الأربعة في إقليم كردستان وبغداد والموصل، قصة كفاح عامل بسيط في أحد المطاعم البسيطة ليصبح بؤرة جذب للمجتمع المحلي بتقديمه أطايب الأطعمة الشعبية، وليؤسس لقصة نجاح تكون حافزا للمجتمع المحلي، أفرادا ومجموعات، لشق طريق نحو التميز والتطور ودون التخلي عن القيم والعادات الأصيلة التقليدية. وبرغم أن هذه الزيارة، وبدعوة كريمة مشكورة من الجامعة الفرنسية اللبنانية (ورئيسها الدكتور محمد صادق) وجامعة جيهان، وبتخطيط من الدكتور هوشيار نورالدين وتزكية من الصديق البروفسور صباح مشتت، كانت الأولى، عبر رحلة ترانزيت شاقة خلال مدينة عمان، إلا أنها ستكون بداية الطريق لنشهد تطور الإقليم عبر خطط خمسية وعشرية وبجهود المؤسسات والقطاعات الحكومية التي تبدو وقد عقدت العزم ضمن رؤية استشرافية نحو مستقبل متميز للإقليم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية