السياسة الدولية تجاه الشعب السوري

حجم الخط
0

السياسة بكل تجلياتها غالباً ما تكون بغير ما تشتهي الشعوب، وهذا ينطبق على الواقع العربي والإقليمي، ذلك أن قضايا تمر بالمنطقة كثيرة ومتشعبة أثبتت غير مرة أنها لا تخدم قضايانا لا من قريب ولا من بعيد، وإذا اعتبرنا ان السياسة هي فن الممكن، أو لعبة إدارة الأزمات واتجاهات الدول نحو الخارج، وهي تنظيم للعلاقات الدولية بكافة مناخاتها، فإننا نقف مطولاً أمام الحالة السورية، لا بل تلك الحالة يجب عدم الوقوف عندها فحسب، بل ربما من الأجدى ترك أقلامنا تجول بأبحاثها وسبرها لهذه الحالة، من دون توقف. والثابت لدينا أن ما مر به السوريون خلال اكثر من عامين لم يمر به شعب أو أمة خلال العقدين الماضيين، وحتى أزمة كوسوفو لم تكن بهول القضية السورية ومعاناتها، التي ربما ترقى لتكون الجريمة الأكبر والأضخم على مر العصور. ومن خلال مقارنات كثيرة مع القضايا الأخرى المشتركة، نرى أن لا القضية الفلسطينية ولا حتى العراقية، لا بل ولا حتى ‘الربيع العربي’ بمجمله كان بمستوى تداعيات ونتائج الوضع السوري برمته. يتساءل أحدهم هل ما يجري هو آخر مطاف اللعبة السياسية في العالم؟ هل ما يحدث هو الكارثة التي تكون بوسعها أن تقرع أجراس حرب لا نهاية لها؟ بل لا يمكن مقارنتها من حيث النتيجة بالحربين العالميتين الأولى والثانية.
هذه التساؤلات تم تركها بجعبة المواطن السوري والمراقب على السواء، من دون حل ناجع أو فكرة تخرج ما حدث لدينا من دائرة الخطر أو من حيز المخاوف والتردد باتخاذ موقف رادع لهذه العصابة الحاكمة، أو زمرتها التي طغت، كما لم تطغ جماعة على مر التاريخ. كلنا رأينا كيف أن سنتين لم يكد يخلو يوم فيهما من ضحايا في صفوف الأبرياء والصغار، لا بل كانت الحصيلة تتفاوت بمعدل مئة شخص يومياً، وأحياناً كان العدد يصل إلى المئات بشكل يومي، ولكن الأفظع والأكثر فتكاً وشراسة هو ما قامت به قاذفات الصواريخ من مرتفعات جبل قاسيون، وما أمطر به الطيران التابع للنظام أهلنا في ريف دمشق بوابل من صواريخ وقذائف تحمل رؤوساً كيميائية، قتل بها الجميع، أطفالاً ونساءً وشيوخاً أثناء نومهم. كانت تحذيرات السياسة الدولية والمجتمع بشكل عام تنهال تباعاً على نظام دمشق محذرة من عواقب هذا الأمر في حال الإقدام عليه، ولكننا أصبحنا مدركين الآن أن جميع الدول وجميع المنظمات لا تكاد يخرج رأيها عن مجرد التحليل والدراسة والشجب والتنديد، لا بل ويتشدق البعض بأن لا حل سوريا إلا بعملية سياسية كبيرة تضم الجميع.
طبعاً إذا سلمنا بالأمر في هذا الخصوص، وإذا اعتبرنا أن الأزمة والحرب في سورية لا يمكن حلها إلا بتوافق داخلي وبعملية جامعة لجميع أطياف ومكونات الشعب، هنا يخرج من أذهاننا سؤال محير، وهو كيف لهذا الشعب الذي لن تنتهي معاناته ولا أزماته التي خلفتها هذه الحرب الشعواء على المدى المنظور، كيف لهذا الشعب أن يقبل بالجلوس إلى جانب الطاغية وزمرته الى طاولة واحدة؟ كيف يجلس الجلاد وضحيته في مكان متساوي الأبعاد والأهداف؟ كيف يستطيع المجتمع الدولي وضع يده على القضية السورية خارج إطار المماطلات والشجب والتنديد والتخويف، من دون أي خطوة رادعة؟ هنا يقف بنا المطاف أمام ما يحصل في أروقة صانعي القرار الدولي ومنظميه. في البداية امتنع الجميع عن تسليح الجيش الحر بحجة وصول الأسلحة إلى الحركات الإسلامية وغيرها، ثم انتقل الأمر ليكون مجرد شماعة وهذا رأيناه مراراً وتكراراً عبر رفض إسرائيل لهذا الأمر، رغم أنها لم تجاهر به. وموضوع أن يكون الأسد وعصبته ينفذان مخططاً صهيوإمبرياليا معقدا مفاده تدمير سورية والوصول بها إلى شاطئ دولة مجزأة ممزقة الأوصال لا جيش لها ولا حكومة مثل لبنان تماماً، بحيث تسيطر ميليشيات مسلحة كحزب الله على الشأن اللبناني برمته هو أمر بات مؤكداً لا يدع مجالاً للشك أبداً، ولا قيد أنملة. ينظر اليوم السوريون بأعين ملؤها الريبة والخوف، ومنهم من يتطلع للخلاص بأي وسيلة كانت، حتى إن تطلب الأمر تدمير البلد بأكمله، وذلك بقول أحدهم: ‘لقد قتلنا ونقتل بدم بارد منذ أكثر من عامين، من دون أن يرف جفن أحدهم أو يتقدم أحدهم لينزل فتيل مصيبتنا ولو بأي طريقة، فلماذا لا تكون ضربة سريعة تقتل هذا السفاح وتنهكه وصولاً لإسقاطه وعصابته على أيدي الثوار’، هنا ينهي هذا المواطن حديثه، ولكن من دون أي إجابة منّا، فنحن نعلم كما الجميع أن المجتمع الدولي بكافة أطيافه منقسم حول الأمر، لا بل ويتعدى انقسامه مفهوم الانقسام إلى الوصول لموقف أكثر ما يكون متواطئاً مساهماً في إطالة هذه المحنة والحرب. الأيام القليلة القادمة ستكشف مدى تواطؤ السياسة الدولية واشتراكها في تشريع قتل وسفك الدم السوري ومدى إرادتها الواضحة بشأن إطالة امد هذه الأزمة.

‘ كاتب سوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية