تواضعت السيدة «مروج»، مذيعة قناة «سي بي سي»، ومن فرط تواضعها أكدت أنها تخاطب ضيوف برنامجها بـ «حضرتك»، وليس هذا هو الموضوع، فما شغلني منذ أزمتها هو الاسم «مروج»، وهل هو جمع مؤنث سالم، أم ظرف مكان، باعتبار أن «مروج» جمع «مرج»، والمرج هي منطقة على أطراف القاهرة الكبرى، وهي آخر محطة في الخط الأول للمترو، والذي يبدأ من محطة «حلوان»، وينتهي بمحطة «المرج»، وكانت هناك خُطة لمد الخط ليصل إلى محطة «القلج»، لكن على ما يبدو أنها تعثرت!
ليس لي سابق معرفة بالمذيعة المذكورة، ورغم أني أمر كثيراً على محطتها «سي بي سي اكسترا»، إلا أنني لم أتعرف عليها، لكن واحد من أولى العزم أخبرني أنها معروفة بمذيعة السيلفي، وشرح لي ما استغلق علي فهمه، بأنه لقب أطلق عليها على «السيوشيال ميديا»، لأنها تتصور سيلفي «عمالاً على بطال»، فأيقنت أنها أنثى «البقري»، وهو ابننا في الله، الناشط الطلابي المعروف «أحمد البقري»، الذي من غرامه بالسيلفي، استقر في وجداني أنه إذا هجمت عليه قوات الأمن لتلقي القبض عليه، فلن يفوت هذه اللحظة، وسينشغل بأن يلتقط سيلفي مع قائد القوات وأفراد «التجريدة» الأمنية. فالسيلفي هوس، وهو يليق بالمرحلة العمرية لـ «مروج» و»البقري»، وهما من جيل واحد، وأنا من الجيل الذي كان يضع المذياع على أذنه لكي يستمع إلى «هنا لندن، القسم العربي في هيئة الإذاعة البريطانية، أيوب صديق».
في مخفر شرطة
ما علينا، فقد استضافت المذكورة، الدكتور عاصم الدسوقي، أستاذ التاريخ الحديث، لتستأسد عليه، في وصلة تفتقد للمهنية وترشح بالجهل البين، وبدا الرجل كما لو كان قد تم القبض عليه من «قفاه» على سبيل التحري، وأنه في مخفر شرطة وليس في استوديو لقناة فضائية الأصل فيها أنها قناة اخبارية، ولا بأس فهي تردد أنها شقيقة لضابط في جهة سيادية، وربما تقمصت روحه وهى تحقق مع المتهم «عاصم الدسوقي»، اللص التائب الذي عدل عن توبته!
قالت المذيعة أن موضوع حلقتها من يكتب التاريخ؟ وهو موضوع قديم ومنذ أن عملت بالصحافة قبل ثلاثين عاماً، وهو سؤال يطرح، ويناقش صحافيا لتحدي الملل المهني، ومع ذلك لم يتم التوقف عن طرحه، ولم ينتبه من يطرحه عن أنه سؤال ليس مكتملاً، فهل المقصود من يكتب التاريخ فعلاً، أو من الذي ينبغي أن يكتبه، وما هو التاريخ المقصود؟! فتح «عاصم الدسوقي» فمه، وقبل أن يجيب، كان الاتهام من قبل المذيعة أنها لا تريد أن «تشخصن» الموضوع، وتظن أنها فضحت ضيفها لأنه أخبرها قبل الهواء، بموقفه من «يوسف زيدان»، وهذا ليس موضوعها، لأنها وفريق العمل أعدوا الحلقة حول من يكتب التاريخ؟! يقول «الدسوقي» إن هناك فرقا بين المؤرخ والباحث، فتقاطعه المذيعة: أنت تريد أن تتحدث عن «يوسف زيدان»، وأنا أرفض! يفتح الرجل فمه فتقول له إنها ترفض «الشخصنة»، توشك أن تقول إنها ترفض أن تذكر أحداً في غيابه!
لا أعرف إن كان مقطع الفيديو هو اللقاء «أول عن آخر»، أم أنه مجرد جزء، وهو ما تم الترويج له على نطاق واسع، فلا أحد يشاهد «سي بي سي اكسترا»، ليجيب على هذا السؤال، ومن الواضح أنها لم تكن أزمة «مروج» ولكنها مشكلة فريق العمل ببرنامجها، وقد يمتد الأمر ليكون أزمة القناة، وكانت المذيعة هى «سمكة القرش» الطافية على سطح الماء، وقد تم ترويج الفيديو باعتباره انتصار للمذيعة وللقناة في معركة «مرج دابق» اتساقاً مع الجمع «مروج»!
النشر كشف الفضيحة، التي هي «كوكتيل الغباء والجهل»، وما حدث سببه افتقاد المهنية، واختيار المذيعات بالواسطة، وبالنظر إلى الشكل، وغياب التدريب والنماذج القدوة، فكان مثل المذكورة الأعلى، «أماني الخياط» و«توفيق عكاشة»، فلدينا حالة من «العكشنة» تحتاج إلى سنوات من الإصلاح الجاد. ولقد قرأت أن المذكورة تقوم بتدريب الأجيال الجديدة من المذيعين والمذيعات فوقفت على حجم الجريمة التي ترتكب في حق الإعلام المصري!
عرابي الشخص التافه
سؤال «من يكتب التاريخ»؟ لا يمكن فهمه إلا في إطار إهانة «يوسف زيدان» للزعيم الوطني «أحمد عرابي»، ووصفه بـ «الشخص التافه» الذي كان سبباً في الاحتلال الانكليزي لمصر، لكن المذيعة أعلنت بشكل قاطع وحاد أنه ترفض «شخصنة الموضوع»، ووجهت كلامها للمشاهدين بأنها وفريق العمل ليسوا متخصصين لكنهم يستدعون المتخصصين فيرفضوا الكلام، وهي تشير إلى ضيفها «الدسوقي»، فيأتي الرجل ليتكلم فتقمعه، وعندما سألت سؤالها اللوذعي: هل يكتب التاريخ المصريون أم الأجانب؟ وأجاب: الاثنان، وقال إنه نفسه كتب في التاريخ الانكليزي، فسألته سؤالاً وضح معنى الجهل الذي يغني عن أي علم عندما قالت: وهل يعتمد الانكليز ما تكتبه؟ فما معنى أن يعتمد الانكليز ما يكتبه، هل تقصد أن يتم ختمه بخاتم النسر الانكليزي مثلا؟!
الشاهد أن الموضوع فيه من الحساسية ما فيه، فيوسف زيدان يراد تحويله إلى محمية طبيعية، فهو كان ضيفا لـ «عمرو أديب»، بعل «لميس الحديدي»، التي هي أحد أركان قناة «سي بي سي»، وهو مستدعى في برنامج «عمرو» ليقوم بمهمة تشويه الشخصيات النموذج في التاريخ المصري، وليواصل مهمة الإلهاء عن قضية مهمة، فيراد بالجدل حول ما قيل التغطية على الفشل الذي مني به نظام السيسي في موقعة «اليونسكو»، وهو فشل مركب، أحد طبقاته هو الوقوف مع المرشح الفرنسي، وفشل الدعاية القائلة بأن مرشح قطر دفعت به إسرائيل، وهو ما تكرر في معظم برامج «التوك شو»، تماماً كما فشلت دعاية المال القطري المستخدم لشراء الأفارقة وغيرهم، فقد نجحت المرشحة الفرنسية، كما أن المرشحة المصرية ارتفعت أسهمها بشكل كبير في الجولة الثالثة، فهل كانت الرشاوى المصرية والفرنسية سبباً في إزاحة المرشح القطري؟! لقد سقطت الدبلوماسية المصرية في اليونسكو وعلى كل الصعد، وكان الجانب الأخطر هو نظرة الاستعلاء في التعامل مع الدول الأفريقية، والنظر إلى قادتها بأنهم مجموعة من المرتشين الذين يمكن شراؤهم بوجبة عشاء، وهى نظرة تحكم الدهماء في مصر ومن اللافت أنها انتقلت إلى مراكز صنع القرار في عهد السيسي، وأحد المذيعين الموالين للانقلاب تحدث عن المطعم الواقع بجوار مبنى اليونسكو والذي يرابط فيه المرشح القطري، ليعزم ممثلي الدول الأفريقية على (الأكل) ثم يعطيهم (المعلوم)!
والذي زاد وغطى، هو هذا الشخص الذي هتف داخل اليونسكو «تسقط قطر وتحيا فرنسا»، وإذ أعلنت الخارجية المصرية أنه ليس دبلوماسيا مصرياً، وأنكرت معرفتها به، فقد كانت صفحته على «الفيسبوك» بها الكثير من صوره مع مسؤولين مصريين من بينهم وزير الخارجية نفسه، بل ونشر صوراً له مع ذراع السيسي اللواء كامل الوزير رئيس الهيئة الهندسية بالجيش، فكيف وصل لمكتبه، وما هو موقعه من الإعراب ليطلب مقابلته، وبأي صفة تأبط يده، أمام الكاميرا؟!
إن الانشغال بهذه الفضيحة قد يكشف في النهاية أن الهاتف بحياة فرنسا وسقوط قطر وإن كان ليس دبلوماسياً مصرياً، فإنه قد يكون ضمن الوفد المصري، فبأي صفة كان ضمن هذا الوفد؟ وإذا كان مواطناً عادياً، فمن سمح له بدخول مبنى اليونسكو؟ وهل اليونسكو «مقهى بلدي»، ليمكن لأي انسان عادي أن يدخله بهذه السهولة؟!
الاستدعاء السياسي
لقد كان لا بد من عملية إلهاء للتغطية على الفضيحة، فكان هذا الحضور الباهت وغير المبرر ليوسف زيدان، ليهاجم أحمد عرابي بدون مناسبة لذلك، فهل المصريون الآن مشغولون بعرابي أو غيره من الزعماء التاريخيين؟ لكنها الاستدعاءات السياسية، كما جرى استدعاؤه من قبل ليشوه تاريخ صلاح الدين الأيوبي، مع أن السؤال المهم الذي يمكن أن يوجه للضيف هو حول اتهامه بسرقة روايته «عزازيل»، وهو الاتهام الذي وجهه له الكاتب علاء حمودة! هذا الاستدعاء هو ما أعطى «يوسف زيدان» حصانة، ويبدو لي أن خطة حمايته صدرت في اللحظات الأخيرة، قبل مقابلة «سي بي سي» مع عاصم الدسوقي، فلا معنى لطرح سؤال: من يكتب التاريخ؟ الآن إلا بمناسبة، وهذه المناسبة هى موضوع أحمد عرابي، فأسقط في يد المذيعة وفريق عملها، فرأت أن دورها أن تكتم على أنفاسه فلا يتكلم أبداً، وهى أزمة عدم المهنية، وعدم التحضير الجيد لموضوع الحلقة، وكان بإمكان «مروج» أن تأخذه بعيداً عن «يوسف زيدان»، إلى شخص أحمد عرابي وما كتب عنه في كتب التاريخ، اللهم إلا إذا كانت الأوامر صدرت من الرئاسة بمنع رد الاعتبار لعرابي بعد الاتهامات التي لحقت به من قبل يوسف زيدان، وكان التشويه أمر من سلطة الحكم العليا وبرنامج عمرو أديب هو لتنفيذ هذه الأوامر، لاسيما، وكما قلت، أنه لا توجد مناسبة لطرح موضوع «عرابي»!
وعلى ذكر عمرو أديب فإن الجهل هو الذي دفع به لإلقاء خطبة عصماء في مدح فرنسا، بعد أن تفوق المرشح القطري على مرشحتها في اليونسكو في بداية السباق، وذكر أن فرنسا هى نابليون بونابرت، ربما ليعزز موقف السيسي باعتباره جنرال كنابليون، ولم يدرك أن نابليون يُذكر في مصر مصحوباً باللعنات لأنه قائد الحملة الفرنسية التي استباحت مصر واحتلتها ودخل بخيله الأزهر الشريف. إنه الجهل الذي يغني عن أي علم. وتبدو مذيعة «سي بي سي» في جانب من هذه القضية أنها ضحية، فإذا كانت القناة قد أوقفتها عن العمل، فلأنها تطاولت على واحد أيضاً من «آل البيت الانقلابي»، فقد حمت واحدا واستباحت آخرا ليس أقل قيمة منه، فعاصم الدسوقي هو المؤرخ الذي استعان به الانقلاب ليشهد بأن «تيران وصنافير» جزراً سعودية، ولأنه ناصري فمن أراد أن يمالئ الانقلاب من الناصريين بالتفريط في التراب الوطني، قال إنه يثق في نزاهة «الدسوقي»، لكن شهادته لم تكن لها أي قيمة علمية أمام القضاء الذي حكم بمصرية الجزيرتين.
إن أزمة مذيعة «سي بي سي» متشابكة، البسيط فيها هو الجهل، وستعود إلى عملها قريبا، لأن وقفها ليس انحيازا للمهنة كما قال بيان القناة، ولكن لأنها داست على حقول الكروم! فلو كان للمهنية اعتبار، لأغلقت كل فضائيات الانقلاب أبوابها.
صحافي من مصر
سليم عزوز
عجيب أمر المصريين !
لماذا يسمحون لبعض النكرات للتهجم على بعض رموزهم التاريخيين ؟
هل هؤلاء مدفوعين من العسكر حتى يتهجموا على بقية الرموز من بعدهم أو الذين لازالوا أحياء حتى لا يبقى رمز مدني بمصر ؟
ولا حول ولا قوة الا بالله
تحية للكتب الساخر
من طباع الدكتاتور انه يكره من له شهرة
ويعلم الجنين في بطن امه – على راي كاتبنا – ان جوقة الاعلاميين لا يتحدثون من تلقاء انفسهم
فاخر عهدهم بالحرية هي ٣٠ يونيو وما بعدها ما اوريكم الا ما ارى
للاسف الشديد تحتاج مصر لعشرات السنين لتخرج من القاع الذي اوصها السيسي بفكاكته وسوء تدبيره
انه زمن العكاشيات في الاعلام وعلي جمعة في الدين فيفي والراقصة اما مثالية ومعذب السجناء مسؤولا عن حقوق الانسان و لتكتمل الصورة السيسي رئيسا ،
ماذا سيكتب التاريخ عنا ؟
يقول صباح فخري في أغنية دومك دوم : يا ريتني مرج اخضر ويجي الغزال يرعاني ويمطر علي الندى ويرجع ربيع الثاني.
نعتقد أن إسم مروج يأتي هنا كجمع للمرج الأخضر كما في أغنية صباح فخري.
سيدي الفاضل،
هل رأيت الآن ما قصدته أنا في تعليقي على مقالكم يوم 18فبراير / شباط 2017 بعنوان “عندما ينبطح «أسد الخارجية» وبطل موقعة «المايك»!” وذكرت لك نظرية “اللاقاع”؟
اسمح لي يا أستاذ عزوز أن أعيد النص لنستدرك معا تطبيقا عمليا على تلك النظرية:
(سمعت من أحد أصدقائي القريبين إلى قلبي، وهو سوداني الجنسية، أن له قريبا ذو ذهن متفتح وتعليقات ساخرة وصف الأوضاع في السودان بنظرية من تأليفه تسمى: «نظرية اللاقاع»، وهي تعني ببساطة أن الأوضاع في البلاد تسري من سَيِّءٍ إلى أسوأ وبصورة متواصلة. كان صدى هذا التعليق علي حين سمعته لأول مرة كمن كان في غرفة مظلمة لساعات، أو لأيام أو شهور يبحث فيها عن «زرّ» الضوء ولا يجده، ثم فجأة وعلى غير توقع، يلمس الحائط فإذا بالنور يملأ المكان ويرى بعدما غابت عنه الرؤية.
كنت أحاول أن أصف أوضاع مصر فلا أجد في لغتي ما يسعفني! ضاعت مني الكلمات، ذهب عني الخيال في وصف ما حدث في مصر بعد ما يسميه البعض (30 سونيا)، كنية عن 30 يونيو/حزيران، اليوم الذي ادعى فيه البعض وصدقه المغفلون أنه استكمال لثورة 25 يناير/كانون الثاني، وأنه الموجة الثانية من الثورة، قبل أن تكتم أفواههم أحداث الواقع المرير اليوم.
ونحن نعيش خارج الوطن العربي المحفور في القلب كالنقش على الحجر، نرى رأي العين في كل مرة نزور فيها مصر مثلا أنّ أحوال المصريين أسوأ مما كانت عليه حين زرناهم في المرة السابقة قبل عامين أو ثلاثة، فنقول هذا هو القاع، فلا قاع بعد ذلك. ثم نغيب عامين أو ثلاثة أعوام أخرى ونعاود زيارة الأصدقاء في مصر، فنرى أن ما وجدنا عليه الأصدقاء في مصر قبل ثلاثة أعوام كان أفضل بكثير مما نراه اليوم. فكنا كمن ذهب من قاع عميق ظن أن ما بعده قاع إلى قاع أكثر عمقا وسوادا إذا أخرجت يدك فلا تستطيع أن تراها.
فلما سمعت عن «نظرية اللاقاع»″ من أخينا السوداني قلت هذا ما كنت أبحث عنه ولم يسعفني خيالي أن أصل إليه فدعوت له بدوام نعمة الذهن المتفتح وأيقنت أن هذا هو الوصف الفعلي لأوضاع المصريين.
والحال هكذا فلم أعد أستغرب أي شيء يحدث في مصر!
المصريون الآن في حالة «استقرار تام»، وهو عقد غير مكتوب بين السلطة المستبدة، ولا يمكن وصفها بغير ذلك، وبين المواطن إنما محتواه هو: أنا كحاكم سوف أسرق مالك، وأذلك حيثما ارتأيت وأحكم كيفما شئت، لا تتكلم ولا تعارض ويجب أن توافق على كل ما أقوله لك في سبيل أمنك الشخصي. وهذه نقطة تحتاج إلى تفصيل كبير لا يتسع المجال لشرحها هنا.
لو لم يكن هذا العقد موجودا لثار المصريون بمجرد سماع هذه الأخبار، لكننا نسمع أنهم غير راضين عما يحدث ولكنهم لا يتحركون. إذن هو الاستقرار سابق الذكر. هل يستيقظ هذا الشعب يوما ما؟)
أحمد حمدي – ألمانيا