خلال أكتوبر من سنة 1908 وقّع عدد من أفراد النخبة المغربية على مشروع دستور للشعب المغربي. وكان أولئك المغاربة يهدفون إلى اختصار مسافة التأخر نحو التقدم، التي يعاني منها المغرب في علاقته بالدول الأوروبية. وبعد أكثر من مئة سنة، تفاقمت تلك المسافة الحضارية، بتأكيد من البنك الدولي الذي يؤكد على أن مغاربة اليوم يعيشون وضع مواطني فرنسا سنة 1950 أو إسبانيا 1960.
أصدر البنك العالمي، تقريرا مفصلا حول المغرب في أفق 2040، أي بعد 23 سنة من الآن، والتقرير المكون من 360 صفحة يؤكد على خلاصة مقلقة للمغرب، مفادها أن مواطني المغرب يفقدون قطار التنمية والتقدم مقارنة مع أمم أخرى. التقرير غني بالأرقام، خاصة في القسم الأول المعنون بـ»مغرب اليوم والغد» المكون من فصلين، الأول وهو «المغرب سنة 2016» والآخر «المغرب في أفق 2040». انتهى محررو التقرير إلى خلاصتين ذاتي دلالة رمزية لفهم مستوى العيش في المغرب، أو قياس مستوى الخدمات التي يتمتع بها المواطن المغربي، الأولى وهي: المواطن المغربي يعيش سنة 2016 في المستوى نفسه الذي كان يعيش فيه المواطن الفرنسي سنة 1950 والإسباني سنة 1960. وتنسب الخلاصة الثانية تأخر المغرب إلى قصوره في فهم الرأسمال اللامادي أو غير الملموس، وعدم استثماره بالقدر الكافي في القطاعات العمومية وهي الصحة والتعليم والشغل. ويؤكد التقرير تأخر المغرب الحالي بـ67 سنة عن فرنسا، وبنصف قرن عن مجموع أوروبا، وقد تبدو هذه المقارنة غير مناسبة، لكن في الواقع هناك معطيات تجعلها مناسبة، بل يمكن القول بأن المدة الزمنية الفاصلة بين تقدم فرنسا وتأخر المغرب تتجاوز 67 سنة.
في البدء، فرنسا خرجت سنة 1945 من حرب طاحنة، وهي الحرب العالمية الثانية، لكن فرنسا 1950 كانت تعاني من نسبة ضعيفة من الأمية وكانت تتوفر على صناعة صلبة، وفيها خدمات طبية صلبة وإنتاجها العلمي والأكاديمي رائع. في المقابل، نجد مغرب 2016 الذي لم يعان من أي حرب سوى ما يجري في الصحراء من نزاع جامد عسكريا، تمس الأمية قرابة الثلث من شعبه، ويفتقر للصحة ولعل حراك الحسيمة، وانتفاضة العطش في زاكورة من العناوين الصارخة لغياب الخدمات، بينما التعليم الجامعي وصل إلى الحضيض.
وتتجلى الخلاصة الثانية في استحالة القيام بأي نهضة حضارية وتحقيق أي تقدم بدون الاستثمار في الخدمات العامة من تعليم وصحة، أي الرأسمال اللامادي، ومحاربة الفساد واقتصاد الريع. ونتساءل هنا: هل يمكن العثور على دولة واحدة ابتداء من القرن الثامن عشر حققت نهضة بدون الاستناد إلى التعليم والصحة؟ هنا تحضر كلمة أو مصطلح مستحيل بكل ثقلها. التقرير يؤكد على أطروحة شدد عليها صاحب هذا المقال منذ سنوات في مقالات ومنها في جريدة «القدس العربي» وهي: فقد المغرب قطار التقدم رغم قربه من القارة الأوروبية، التي تفصله عنها فقط مياه مضيق جبل طارق، 17 كلم، بينما دول بعيدة عن مركز النهضة الأوروبية مثل كوريا الجنوبية وماليزيا وتشيلي حققت نهضة تعتبر مثالا في التنمية البشرية.
التقرير يأتي ليفضح خطاب التملق للكثير من مكونات الدولة المغربية حول التقدم، فقد عملت عناصر من الدولة المغربية على تجميل واقع لا يمكن تجميله، فقد احتفت بتقارير لمؤسسات مقيمة في أوروبا لا تتمتع بأي صفة علمية، دبجت تقارير جعلت من المغرب في مصاف كوريا الجنوبية، غير واعية بأن الوضع الحالي، سنة 2016، ليس هو القرن الثامن عشر أو التاسع عشر عندما كان الحاكمون منغلقون على أنفسهم ويوهمون «الرعايا» بأن الممكلة الشريفة المغربية هي محور العالم وأمة الله المختارة.
لقد ظهرت نخبة من المغاربة واعية بفقدان المغرب قطار التقدم أمام الأمم منذ حرب تطوان سنة 1860، وهي الحرب التي شنتها إسبانيا بسبب النزاع على الحدود حول سبتة المحتلة. وقتها اكتشفت مجموعة من المغاربة تطور إسبانيا التقني، التي كانت بالمناسبة دون دول مثل فرنسا وبريطانيا. اكتشف المغاربة أن تقدم الجار الشمالي يعود إلى الاستثمار في التعليم والصحة والصناعة.
منذ حرب تطوان، بدأت نخبة من المغاربة تجتهد من أجل النهضة، وبعد قرابة خمسة عقود، ستتوج بأول وثيقة دستورية صدرت خلال أكتوبر سنة 1908 تهدف الى تنظيم علاقة المواطن بالسلطة، وتنظيم مختلف القطاعات. ووعيا بأهمية التعليم، خصص مشروع دستور 1908 فصلا باسم «المدارس الوطنية» مكونا من سبعة بنود تنص على إجبارية التعليم، والاهتمام بتدريس الزراعة والصناعة وباقي العلوم الحية. لكن شاءت الظروف السياسية أن تلعب ضد النخبة، فقد كان قبل تلك السنوات سلطان اسمه عبد العزيز، اختصر وحاشيته التقدم في اقتناء الدراجات الهوائية وآلات التصوير، وفي قطار يتنقل به بين أرجاء قصره في مدينة فاس أو مراكش. ويا للمفارقة، منذ تلك الحقبة تحول قطار الحاكمين إلى رمز للتقدم على حساب الاستثمار الحقيقي في التعليم والصحة. وساهمت المواجهات بين هذا السلطان وشقيقه عبد الحفيظ الذي سيتولى العرش، في ضياع هذا المشروع لينتهي المطاف بالمغرب تحت الاستعمار سنة 1912، وينتظر 50 سنة للمصادقة على أول دستور بعد الاستقلال، وكانت بداية دساتير غلب عليها الهاجس الأمني وليس مصلحة الشعب.
في العقد الأول من القرن العشرين، تاريخ صدور مشروع الدستور المغربي، كانت دول أوروبا، ومنها إسبانيا متقدمة على المغرب بحوالي عقدين فقط، إذا اعتمدنا مؤشرات اجتماعية واقتصادية وصناعية، لم يكن العالم يعرف هوة كبيرة بين مناطقه خاصة في البحر الأبيض المتوسط. ونصل سنة 2016، وها هي الهوة تتجاوز النصف قرن، ومن المفترض، وفق معطيات الواقع المر للمغرب بعد تراجع التعليم وتدهور الصحة وانعدام فرص الشغل والاعتماد على المساعدات الاقتصادية الأجنبية لإنقاذ الميزانية السنوية، أن تصبح هذه الهوة سنة 2040 بأكثر من سبعة عقود.
هذا الكلام ليس تخمينات معارضة، بل يقولها البنك العالمي في تقريره حول المغرب، نعم يقولها البنك العالمي وليس مؤسسات تبيع تقارير تزيف الواقع لمن يدفع أكثر.
كاتب مغربي من أسرة «القدس العربي»
اصبحت الصومال التي هي في حالة حرب اهلية في مستوى المغرب من حيث التنمية البشرية التي صنفت بها الامم المتحدة مؤخرا دول كالمغرب .لكن الدعاية المخزنية تحاول تغطية الشمس بالغربال .اذا زرت المغرب تكشف ان اغلبية الشعب المغربي مازال يعيش عيشة بدائية كالتدفئة بالحطب و السفر على البغال و الحمير و التداوي بالاعشاب و نقل الماء بالحمير و البناء بالطين و الحجر .و الكهرباء منعدمة عن اهل البادية .
البنك الدولى فرنسا اسبانيا المغرب تشيلي مالزيا توركيا المغرب يكفى هذا ان ندكر مرفوقين بعظماء الاقتصاد وإن كنا في اخر الديل افضل من ان لا نذكر ولا نقارن نهائيا بصراحة الكثيرون يقلقهم المغرب في هذه السنوات ليش ما اعرف