يبدو أكثر فأكثر للمتتبعين وكأن مصير العدالة والتنمية كحزب مستقل مرتبط بشخصية من سيقوده بعد مؤتمره الذي سيعقد بداية الشهر القادم. وعندما نقول مستقلا فنحن نعني بذلك الاستقلال النسبي عن السلطة الذي يجعل انتخاب قيادته وتوجهه السياسي العام تقرر فيه قواعد الحزب وليس مبعوثي القصر وأجهزة الداخلية. فقد كان الرأي العام شاهدا خلال الشهور الأخيرة كيف أن هاته وذلك قد تدخلا بقوة لإزاحة عبد الحميد شباط من قيادة الاستقلال وتعويضه بأمين عام جديد. بل أن هذا الأخير لم يجد أي حرج في الاعتراف صراحة للصحافة بأنه كان قد أخبر الملك بترشحه لمنافسة شباط وكأن رئيس الدولة عضو في الحزب. والمصير الذي لقيه شباط هو نفسه الذي يهدد الآن نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية بعد إعفائه من لدن الملك من مهامه الوزارية معبرا بذلك عن عدم رضاه عنه. أما وزراء البيجيدي وكلهم غير متحمسين للتجديد لبنكيران فلم تمسهم الإعفاءات الملكية الأخيرة وهذا دعم رسمي وواضح لهم في مواجهة الأمين العام للحزب.
يبدو العدالة والتنمية في الظاهر مهتزا أيما اهتزاز وهو على مشارف مؤتمر حاسم. فالخلاف بين قيادييه وصل إلى حد جعلهم يتراشقون عبر الصحافة والشبكات الاجتماعية بانتقادات شخصية وسياسية حادة جعلت بعضهم يهدد بمغادرة الحزب في حال ما إذا فاز عبد الإله بنكيران بولاية ثالثة. والحزب يقف اليوم أمام اختيارين أحلاهما مر: فإما تغيير القانون الداخلي للحزب والتجديد لبنكيران كأمين عام وهذا قد يضر بالديمقراطية الداخلية للحزب التي تعتمد، بين أشياء أخرى، على التداول على القيادة، خصوصا وأن بنكيران يسجل لحد الآن، أي حتى قبل التثليث، أطول مدة على رأس الحزب. الاختيار الآخر هو انتخاب أمين عام جديد يحظى برضا القصر وهذا لعمري خطر مميت لاستقلالية الحزب، مع ما يتبع ذلك وينتج عنه من إضرار بشعبية العدالة والتنمية وقدرته على التعبئة والفوز أثناء المواعيد الانتخابية الحاسمة.
إن الأمور أكثر تعقيدا مما قد نظن، فمن بين الذين يعارضون التثليث لبنكيران شخصيات قوية ومستقلة داخل الحزب ومنظمته الأم أي حركة التوحيد والإصلاح. ويمكن أن نذكر من بين هؤلاء الفقيه أحمد الريسوني والبرلماني السابق عبد العزيز أفتاتي. فالعالم المقاصدي الشهير والذي يحظى بسلطة معنوية كبيرة داخل الحركة والحزب أكد على أن له موقفا مبدئيا يقول «بتحديد الولايات لا بإطلاقها». كما قال إن حزبا «لا يوجد فيه إلا شخص واحد هو حزب يجب أن يدفن فورا».
فرغم أن شعبية بنكيران قوية خارج الحزب كما داخل قواعده وأطره الوسطى ومنظماته الجماهيرية، فإنه يبقى شبه معزول داخل الأمانة العامة. كما أن بعض عمداء المدن الكبرى يتخوفون من تضرر قدرتهم على الفعل المحلي -الذي يتطلب التوافق مع الإدارة الترابية التابعة للداخلية- في حالة ما إذا استمر التوتر بين الحزب والبلاط كنتيجة لاعتلاء بنكيران لكرسي الأمانة العامة من جديد.
المناصرون لبنكيران يقولون بأن التجديد له لن يضر في شيء الديمقراطية الداخلية للحزب مادامت المساطر لا تتغير الا بإرادة الأغلبية المعبر عنها بتصويت فردي وسري وأن المؤتمر، على كل، سيد نفسه. بل إن بعضهم يذهب إلى حد القول إن إزاحة بنكيران رغم أنه يحظى برضا الأغلبية داخل الحزب هو ضرب للديمقراطية مادام يعني انتصارا للأباراتشيك على قواعد الحزب وناخبيه من صفوف الشعب. أما عن مخاطر الانشقاق التي تتربص، حسب بعض الصحف، بالعدالة والتنمية فإن أغلب الملاحظين بمن في ذلك المنتقدون لإيديولوجية الحزب، يستبعدونه. فالمحلل السياسي المخضرم مصطفى السحيمي يقول إن بقاء بنكيران في قمرة القيادة لن يبعد فقط شبح الانشقاق بل إنه سيحفظ للحزب قوته وشعبيته. كما أن عبد الرحيم العلام وهو استاذ جامعي ومحلل يساري يذهب نفس المنحى مؤكدا أن الخلاف منحصر بين القيادات وأنه ليس هناك أي مؤشرات على تمدده على مستوى القواعد أو المناطق. بل إن الأكاديمي محمد شقير يؤكد على أن السلطة نفسها لا تستهدف وحدة الحزب لأن «من مصلحتها الحفاظ على مكونات حزبية متوازنة، خاصة أن حراك الريف قد وجه تحذيرا مخيفا…إذ في غياب وساطات فان المواجهة تكون بشكل مباشر مع المؤسسة الملكية… لكن هناك توجها يسعى إلى إبعاد بعض الشخصيات منها بنكيران، التي لا تراعي بعض الضوابط وتتمرد على اللعبة السياسية».
يفصلنا إذن اليوم أقل من شهر عن مؤتمر حزب العدالة والتنمية، فهل سيقرر الحزب الدخول النهائي إلى بيت الطاعة كحال بقية الأحزاب الكبرى بالمغرب، أم أن بنكيران سيبقى شوكة في حلق السلطة ولو لبعض الوقت؟
٭ كاتب من المغرب
المعطي منجب
“وكان القيادي في حزب العدالة والتنمية عبد العزيز أفتاتي، قد اعتبر في حوار مع أسبوعية “الأيام” أن أحسن رد على الطريقة التي تمت بها تشكيل الحكومة العثماني هو إعادة التجديد لبنكيران على رأس حزب المصباح.” عن جريدة العمق.
.
“و فيما يخص رأي أفتاتي في ولاية ثالثة لعبد الإله بنكيران على رأس الحزب قال أفتاتي ” أن رأيه كان واضحا مند القدم و أنه مع ولاية ثالثة لبنكيران لان الأمر يتجاوز الحزب و نقاش المؤسسات الداخلية للحزب و المساطر بل هو مطلب مجتمعي إصلاحي فكل من لديه حس إصلاحي يرى اليوم أنه ضروري من ولاية ثالثة لبنكيران ” عن جريدة مغرس.
اظن ان الكاتب المحترم يقصد شخصا آخر غير عبد العزيز افتاتي الدي صرح اكثر من مرة انه مع تجديد ولاية اخرى لبنكيران.
شخصيا اعتبر ما آل اليه بنكيران بعد البلوكاج فعلا غير مقبول
–
في اعراف الدمقراطية و لكني بالمقابل اعيب عاى امثاله الموت
–
في الزعامة كان على الرجل ألا يتطفل على اي زعامة و يترك
–
لغيره قيادة الحزب
–
تحياتي
المعلوم أن المؤسسة الملكية في المغرب لم تكتفي بالهيمنة على الوزارات الحساسة والقطاعات الإستراتيجية بتعيين تقنوقراط مقربين من القصر على رأسها، بل تجاوز ذلك إلى التحكم في المشهد السياسي في البلد، فهي تسير عن بعد دواليب هياكل الأحزاب السياسية ” الإدارية” من حرب الأحرار إلى حزب الحركة الشعبية وكذا الحزب الدستوري، أما الأحزاب السياسية المستقلة نسبيا عن البلاط فكما أشار الأستاذ نجيب في المقال أعلاه فإن المؤسسة الملكية تمارس ضغوطات على الهيئات المقررة داخل الأحزاب وتستعمل أساليب متنوعة من الترغيب والترهيب للتأثير في إختيارات هذه الأحزاب المستقلة نسبيا. ضرب الأستاذ نجيب المثال بالدفع بقيادات حزب الإستقلال للتخلي على أمينه العام المشاكس السيد حميد شباط. كما عاقب أمين عام حزب التقدم والإشتراكية السيد نبيل بن عبد الله لاتخاذه سابقا مواقف لم يستصيغها محيط الملك! في المقابل لم تشمل حملة الإقالات أمين عام حزب الأحرار المقرب من الملك ووزير الفلاحة والصيد البحري رغم ارتباط وزارته بشكل مباشر باندلاع انتفاضة الريف!؟
هل سيسلم حزب العدالة والتنمية من السيناريو الذي عرفته باقي الأحزاب السياسية؟ لا أعتقد، فقد تم التخلص من أمينه العام السيد بن كيران بعد إعفائه من طرف الملك من رئاسة الحكومة، ثم استطاع القصر بدهاء في شق صفوفه الداخلية بعدما استطاع تدجين وتطويع بعض قيادات الحزب. وبذلك ينتهي رهان حزب العدالة والتنمية بقيادة التغيير من داخل مؤسسات الدولة العميقة بالفشل.