علاقات ملتبسة بين أوروبا والبلدان المغاربية والحل في تنويع الشراكات

حجم الخط
2

ما انفك المسؤولون الأوروبيون يحضون البلدان المغاربية على تسريع المفاوضات الرامية للتوقيع على جيل ثان من اتفاقات الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، تُعرف باسم «اتفاقات التبادل الحر الشامل والمُعمق» التي تُختصر بعبارة ALECA. وتُوجه هذه الدعوات بشكل خاص إلى تونس والمغرب، لأنهما كانا الأولين اللذين انخرطا في مسار برشلونة وأبرما شراكة توصف بـ»المتقدمة» مع الاتحاد. وكرر رئيس البرلمان الأوروبي أنتونيو تاجاني في زيارة أداها لتونس أخيرا توجيه الدعوة لتسريع المحادثات التي يعتبرها التونسيون اتصالات استكشافية، فيما يعدُها الأوروبيون مفاوضات. وكان لافتا في كلام تاجاني أنه شدد على الجانب المالي للاتفاق المنوي إبرامه، إذ ذكر أن الاتحاد الأوروبي منح تونس منذ انتفاضة 2011 أكثر من 3.5 مليار يورو، وأن التوصل إلى هكذا اتفاق سيفتح أمام التونسيين أبواب سوق قوامها 500 مليون مستهلك (سكان الاتحاد الأوروبي)، متناسيا أن البنية الانتاجية التونسية معطلة تقريبا بفعل الاحتجاجات، واستطرادا فهي غير قادرة على استثمار الفرصة، هذا إن ثبت أنها فعلا فرصة.

سيناريو إفلاس المزارعين

في الجانب المقابل تتريث البلدان المغاربية في التجاوب مع الدعوات الأوروبية، كون «اتفاقات التبادل الحر الشامل والمُعمق» ستفتح الحدود أمام المنتوجات الزراعية من الجانبين، ما سيؤدي إلى إفلاس المزارعين المغاربيين. وكان الجيل الأول من اتفاقات الشراكة بين دولة عربية والاتحاد الأوروبي انطلق مع الاتفاق الذي توصل له الاتحاد مع تونس في 1995. وأتى المغرب ثانيا من خلال اتفاق توصل له مع الاتحاد في 1996 (دخل حيز التنفيذ عام 2000). ثم فاز المغرب بمنزلة «الشريك المُتقدم» في تشرين الأول (أكتوبر) 2008 وكان بذلك أول بلد عربي يستثمر سياسة الجوار الأوروبية ويحصل على دعم مالي يُقدر بمئتي مليون يورو سنويا.
غير أن حقيقة الموقف الأوروبي تكشفت مع إصدار المحكمة الأوروبية في شباط (فبراير) الماضي قرارا بإبطال اتفاق زراعي توصل له المغرب والاتحاد الأوروبي في إطار توسعة الشراكة بين الجانبين. ومن المؤكد أن أي اتفاق يُزيل الحواجز الجمركية ويفتح السوق التونسية في وجه المنتوجات الزراعية والخدمات الأوروبية، سيتسبب في خضة قوية للاقتصاد الزراعي المحلي. مع ذلك لا يمكن الاستمرار باتخاذ إجراءات حمائية وغلق السوق في وجه الوافد إلى ما لا نهاية له، في ظل القبول المبدئي بقواعد منظمة التجارة العالمية. وسيجد المغاربة والتوانسة أنفسهم في الأمدين المتوسط والبعيد، مضطرين للتخفيف من السياسة الحمائية.

جسرٌ بين افريقيا وأوروبا

ويتمتع كل من المغرب وتونس، بالإضافة للجزائر، بموقع استراتيجي يجعل من البلدان الثلاثة جسرا بين افريقيا وأوروبا، مع إطلالة مغربية على الأمريكتين. وهذا الوضع يفتح على خيارات متعددة تُتيح بناء شراكات مع البلدان والتجمعات التي ترى هذه البلدان أن مصلحتها تكمن في التعاطي معها، لكن بعد وضع تقويم شامل لحصاد اتفاقات الشراكة التي توصلت لها البلدان المغاربية الثلاثة في أوقات مختلفة مع الاتحاد الأوروبي.
أوروبا ليست قدرا محتوما على المغاربيين، بالرغم من أن العلاقات الاقتصادية التي ظلت قائمة مع المستعمر السابق، جعلت الانسحاب منها خيارا غير واقعي، بحكم المصالح التي نسجتها قرونٌ من السلم والحرب بين الجانبين، مع العلم أن أكثر من 70 في المئة من المبادلات التجارية المغاربية تجري مع القارة العجوز. لكن ليس منطقيا أيضا البقاء رهن الرؤية المركزية الأوروبية والتغاضي عما يدور في العالم من تغييرات، وعدم الاستفادة منها في بناء شراكات جديدة تختلف صيغُها وأنساقها عن الشراكات التقليدية مع أوروبا. وأكدت دراسات مختلفة حول «اتفاقات التبادل الحر الشامل والمُعمق» أنه لكي يستطيع القطاع الزراعي التونسي، على سبيل المثال، امتصاص تداعيات تحرير التبادل التجاري مع أوروبا في مجالي الزراعة والخدمات، ينبغي أن تُحقق الصادرات الزراعية نموا سنويا بنسبة 8 في المئة، وهو أمر مستحيل. أما في قطاع الخدمات فينبغي أن تنمو الصادرات بنسبة 15 في المئة سنويا من خلال زيادة سنوية في الإنتاجية تُقدر بـ7 في المئة. وهذا مُستبعد في ظل شروط الإنتاج الراهنة. وفي هذا السياق يمكن الاشارة إلى كلمتين مفتاحيتين تشيان برؤية خاصة للعلاقات بين الاتحاد الأوروبي وشركائه، وهما القيود ومظاهر التمييز، فليس من المنطقي أن يتم تحرير انسياب السلع والخدمات والأموال ووضع قيود في الوقت نفسه على تنقل الأشخاص. وهذا يعني أن رجل أعمال تونسي أو مغربي يمكن أن يفوز بصفقة للتصدير إلى بلد أوروبي ثم يفقدها لأنه لم يحصل على تأشيرة للدخول إلى أوروبا، فيكون الحصاد أقرب إلى ما سماه ابراهيم عبد القادر المازني «حصاد الهشيم».

ارتدادات تحرير التبادل

ويُشبهُ الأوروبيون المخاوف العربية من ارتدادات «اتفاقات التبادل الحر الشامل والمُعمق» بالأصوات الجزعة التي تعالت قبل كل عملية توسعة للاتحاد الأوروبي على طريق الوصول إلى حجمه الحالي (28 عضوا). لكن هذا الخطاب يتناسى الفوارق بين حجم الدعم الكبير الذي أغدق على البلدان المُرشحة للعضوية، أسوة بالبرتغال وكرواتيا وبلغاريا وسلوفينيا، والدعم الهزيل المقدم للبلدان الأوروبية. ويكفي التذكير في هذا المضمار بان الاتحاد الأوروبي ضخ لليونان إبان إفلاسها ما يعادل تسعة أضعاف موازنتها السنوية.
ولو ألقينا نظرة على الموقع الجغرافي للبلدان المغاربية لألفينا خطوطا عدة لشراكات ممكنة مع مناطق عدة، من بينها خط يتجه نحو البلدان الافريقية، وهي التي يُبصر بعضها حاليا حركة نمو سريعة مثل أثيوبيا والسينغال والغابون. وهذا يقتضي تطوير حركتي النقل الجوي والبحري مع تلك البلدان. كما تشكل البلدان الآسيوية، وخاصة منها الإسلامية (إندونيسيا، ماليزيا، باكستان…) خطا آخر يحمل في أعماقه فرصا كبيرة للاستثمار والتبادل التجاري، على رغم بُعد المسافات. وتوجد في شرق أوروبا والبلقان فرصٌ من نوع آخر، كان يجدر بالمغاربيين أن يستكشفوا كوامنها وينسجوا معها علاقات تبادل وتعاون. كما أن هناك أيضا تحفزا صينيا غير مكتوم لتكثيف الحضور في الأسواق المغاربية، من خلال قنوات التجارة الموازية، التي قضت على غالبية المنتوجات الآتية من أوروبا بالضربة القاضية. وقد يكون من الأجدى التوصل مع التنين الصيني إلى اتفاق شامل يحمي المنتوجات المحلية من المنافسة غير الشريفة.

علاقات ملتبسة بين أوروبا والبلدان المغاربية والحل في تنويع الشراكات

رشيد خشانة

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عبد المجيد - المغرب:

    بسبب الخلاف المزمن بين الدولتين الكبيرتين والقويتين بالمغرب العربي، المغرب والجزائر، لم تتمكن دول اتحاد المغرب العربي من التفاوض مجتمعة مع الإتحاد الأوربي بشأن اتفافيات التبادل الحر، وهذا ما أضعف موقفها التفاوضي مع دول الإتحاد الأوربي المتكتلة. وبعد ما سمي بالربيع العربي، تبدو دول المغرب العربي اليوم أكثر تشرذما بعد أن تفرقت بها السبل ففي الوقت الذي لا زالت فيه ليبيا تعيش صراعا مسلحا بين فرقاء كل واحد منهم يريد جر آلبلاد إلى جهته، وفي الوقت الذي عرفت فيه (الثورة) في تونس انتكاسة وفشلا بعودة الحرس القديم متمثلا في الوجوه التي قادت البلاد ليس فقط في عهد بنعلي ولكن حتى تلك التي خدمت إلى جانب بورقيبة. ويكفي أن يرى المرء أن الباجي فائد السبسي هو رئيس الجمهورية ليدرك أن (الثورة) قد نقضت ما غزلته. أما الجزائر فتعيش أوضاعا مزرية بسبب انخفاض أسعار الغاز وتدهور الوضع الإقتصادي والاجتماعي والسياسي،وتبقى نقطة الضوء الوحيدة، بالمغرب العربي: المغرب الذي يعرف استقرارا بفضل الإصلاحات الدستورية والسياسية والإقتصادية التي بدأت بالبلاد حتى قبل ما سمي بالربيع العربي، وبفضل الانفتاح والحرية والديموقراطية النسبية التي تعيش في ظلها البلاد. ولأن كل بلد من بلدان المغرب العربي منشغل بنفسه ولا شأن له بالبلدان الأخرى، فلا بد أن يؤدي- بالمقابل- ضريبة الذهاب منفردا إلى تكتل قوي كالإتحاد الأوربي، لعقد اتفاقيات للتبادل الحر بشروط تميل إلى الجانب الآخر وتخدم مصلحة الإتحاد الأوربي أكثر مما تخدم مصلحة دول المغرب العربي المتناثرة والمتنافرة.
    هامش: أشكر الأخ العزيز، المغربي على تحيته
    وأحييه بدوري وأحيي الأخ ابن الوليد، وأتمنى أن أقرأ دائما تعليقاته التي تتسم بالتحليل العميق. وهذه الميزة قد نبهنا إليها، مشكورا، الأخ العزيز المغربي الذي،- هو الآخر- نستمتع بتعليقاته ونستفيد من ثقافته الغزيرة.

  2. يقول Algeria:

    المغرب يعد الان اقوى دولة في شمال افريقيا وقريبا اقوى دولة افريقية!!!!!!!!!!اقوى دولة فى الديون, فى الفقر, فى المستوى الرديئ فى التعليم والصحة, فى نسبة الانتاج الاجنبى فى الناتج السنوى (85%) , فى الامية, فى البطالة فى بيع ممتلكاته للاجانب تحت غطاء الاستثمار من اجل تدفق السيولة لمواجهة عجز ميزان التجارة الخارجية , بتصدير الطماطم المنتجة فى مزارع دول الخليج وبيع الحوت فى البحر.ميزانيته لا تتعدى ما خصصته دولة مجاورة لصندوق تدعيم الاسعار (17 مليار دولار) , ناتجه لا يتعدى 40% من الناتج الجزائرى خارج المحروقات…نعم هو اقوى دولة فى الكلام الخاوى ومعاكسة الاخرين ببيع الريح.

إشترك في قائمتنا البريدية