لندن ـ ‘القدس العربي’ يتوقع ان يركز الامريكي باراك اوباما في خطابه للامة اليوم الثلاثاء على عدد من الرسائل الموجهة تحديدا للرأي العام الامريكي المتشكك من حملة الرئيس والنواب الامريكيين العائدين من عطلتهم الصيفية، منها ان واشنطن متأكدة من مسؤولية الاسد عن الهجوم الكيماوي الشهر الماضي، وان الحكومة الامريكية قد استنفدت كل الوسائل الدبلوماسية ولم يبق امامها الا التحرك. وستشهد الايام المقبلة بناء عليه نقاشا حادا حول الضربة التي يرى فيها الكثير منهم غير واضحة الاهداف او يتعاملون مع اثارها التي قد تؤدي الى تقوية القاعدة.
فقد تساءل السناتور جيم ماكفرن في ‘سي ان ان’ قائلا ‘قيل لنا ان هناك خيارين لا ثالث بينهما: ان لا نفعل شيئا او نقصف’ مشيرا الى انه يجب ان تكون هناك خيارات اخرى يجب استكشافها، فيما حذر مايكل ماكول، النائب الجمهوري عن تكساس من الحرب الصغيرة التي عادة ما تشعل حروبا اكبر منها ‘وعلينا ان نتذكر هذا’. لكن عودة النواب تعني بداية المرحلة الاخيرة من الدفع باتجاه اقناع الكونغرس باهمية الضربة ودعمها حيث سيلتقي اوباما مع عدد من النواب الديمقراطيين والحديث معهم مباشرة. ويحتاج اوباما الفوز باغلبية 51 صوتا حيث يعتقد عدد من النواب الديمقراطيين انهم قد يخسرون 15 صوتا في المرحلة النهائية من التصويت حسب ‘واشنطن بوست’ والتي اشارت الى عدد من النواب الجمهوريين الذين تحدثوا يوم الاحد معارضين الضربة على سورية، ومنهم الجمهوري عن كينتاكي راند بول وتيد كروز النائب عن تكساس. وترى ‘لوس انجليس تايمز’ بناء على مواقف وتصريحات النواب امكانية خسارة الرئيس التصويت مما قد يؤثر سلبا على اوباما في المرحلة الاخيرة من ولايته الثانية. وقالت ان عملية اللوبي التي قام بها البيت الابيض والتي شملت مكالمات شخصية قام بها الرئيس للنواب يبدو انها لم تغير مواقف الا عدد قليل منهم. مع ان مسؤولي الادارة لا يزالون متفائلين من تحقيق انتصار في جولة التصويت التي ستعقد نهاية الاسبوع الحالي. ومع ذلك فان التركيز في عملية اللوبي على الجماعات والنواب الذين يعتبرون داعمين تقليديين للرئيس تظهر الوضع الصعب الذي يواجهه الرئيس.
استنفار المعارضة والنظام
ومقابل الحشد الذي يمارسه البيت الابيض في الداخل والخارج، تقوم الاطراف السورية بحشد قواها قبل ان يبدأ الكونغرس الامريكي بمجلسيه التصويت على ضربة على عسكرية ضد نظام الاسد، بعد اجتيازه خط الرئيس باراك الاحمر، واستخدامه السلاح الكيماوي لقتل المئات في الغوطة قرب دمشق الشهر الماضي. فالنواب الامريكيون يتلقون الرسائل الالكترونية وافلام فيديو تشرح موقفهم وتدعوهم لدعم الرئيس اوباما في مسعاه لعقاب بشار الاسد، فيما يحذر الطرف المؤيد للرئيس السوري من تبعات الضربة وتقوية ساعد القاعدة في سورية. فمن كفر نبل، تطل المعارضة على النواب الامريكيين حيث يظهر فيديو كفر نبل، البلدة التي تسيطر عليها المعارضة برسائله وشهاداته،الى جانب الاقتباسات من نجل داعية الحريات المدنية، مارتن لوثر كينغ جونيور، والرئيس رونالد ريغان. ويظهر الفيديو عائلات فقدت ابناءها وهي تناشد الامريكيين دعم الضربة ‘يجب ان تقول نعم’ يصرخ ولد وتضيف فتاة ‘عليك الشعور بالعارلان بامكانك انقاذ ارواحنا لكنك لم تفعل’. على الجانب الاخر المؤيد للنظام، يتلقى النواب الامريكيون سيلا من الرسائل والصور من داخل سورية ومن الامريكيين السوريين الداعمين للاسد او يعارضون الانتفاضة المسلحة. ويستخدم هذا الطرف شعارات معارضة للحرب يؤكدون فيها على زيادة تأثير القاعدة داخل صفوف المقاتلين. وبحسب جوني عشي، وهو مهندس سوري امريكي في مجال الالكترونيات يدير حملة عبر فيسبوك لتحشيد الامريكيين السوريين ضد الضربة والذي يقول ‘عليكم ان لا تقفوا ضد الارهاب في افغانستان ومالي وعندما يأتي الى سورية فانكم تقومون بدعمه.
تركيز على القيم المشتركة
وترى صحيفة ‘ نيويورك تايمز’ ان كلا طرفي الصراع يحاول ان يربط نفسه بالامريكيين ويركز على القيم المشتركة التي تجمع الطرفين، حيث تركز المعارضة على انها تقاتل للحصول على حقوقها السياسية امام قمع النظام. فيما يركز داعمو الاسد على الطابع العلماني لحكومته. وبنفس السياق قامت الحكومة السورية بحملة مماثلة موجهة لاقناع النواب الامريكيين بعدم دعم الضربة حيث قام نواب مجلس الشعب السوري بارسال رسائل لنواب الكونغرس، واكد الاسد نفسه في مقابلة مع تشارلي روز، مراسل شبكة ‘بي بي اس’ الامريكية ان واشنطن لا تملك دليلا على تورط نظامه بالهجوم الكيماوي. وتقول الصحيفة ان الناشطين على مستوى القاعدة يعتمدون في حملتهم على الخبرات التي تراكمت عبر السنتين الماضيتين، اي وسائل الاتصال الاجتماعي والانترنت حيث يتشاركون في المعلومات والصور التي تخرج من سورية عن الاطفال الموتى والبيوت المدمرة والطائرات التي تقوم بقصف الاحياء المدنية، والتعذيب الذي تقوم به الاجهزة الامنية على السجناء. وتقول الصحيفة ان الحملة التي يقوم بها طرفا النزاع في سورية تظل محدودة الاثر لان النواب في النهاية يركزون على الناخبين في مناطقهم الانتخابية، ولهذا يقومون بعرض مواقفهم ليس من خلال الاعلام الوطني بل اعلام مناطقهم الانتخابية لتحديد مواقفهم من القضايا السياسية. ومع ذلك فقد استطاعت حملة عشي تغيير موقف النائب الجمهوري مايكل غريم- نيويورك والذي قرر عدم دعم خطة اوباما. وبالنسبة لـ’ك’ ابراهيم التي هربت من سورية بعد تعذيبها فانها تشك في امكانية احداث اثر على مواقف النواب الامريكيين ‘ماذا نفعل’ ولكن ‘يجب ان نواصل رفع اصواتنا والصياح’. وتشير الصحيفة الى ان كلا الطرفين ينطلق من مفهوم ان معظم الامريكيين لا يهتمون بسورية، ويفترضون ان الامريكيين يعارضون حربا جديدة في الشرق الاوسط بعد كارثة العراق. وترى ابراهيم ان بعضهم ربما سمع بسورية لاول مرة. وقامت ابراهيم وهي من الطائفة العلوية بالرد على الجنود الامريكيين الذين وضعوا على مواقعهم الاجتماعية شعارات تقول ‘لم انضم للمارينز كي اقاتل القاعدة في سورية’، وفي ردها والشباب السوريين وضعوا صورا لانفسهم وهم يشربون البيرة والبنات في ثياب ضيقة وتحت هذه الصورة عبارات ‘انا من القاعدة، هل تصدق هذا ؟’. وتضيف الصحيفة ان كلا الطرفين تأثر بحملات السوريين خارج امريكا وكذا غير السوريين، فحملة عشي تشبه حملات المعارضين السوريين للنظام في السعودية وقطر. وعليه يفهم الاتهامات المتبادلة بين الطرفين حول كونهم عملاء للحكومات التي تدعمهم. كل هذه الحملة من الطرفين لا تخفي خلافا داخليا وتحديات داخل المعارضة، لان الضربة الامريكية لسورية ستكون محدودة كما يقول اوباما ولا تهدف للاطاحة بالنظام بقدر ما هي محاولة لعقابه على استخدام السلاح الكيماوي. وهناك في المعارضة من يعارض التدخل الامريكي لانه سيؤثر على استقلالية حركتهم.
خلافات المعارضة
وقد اشارت صحيفة ‘ واشنطن بوست’ يوم الاحد الى التحديات التي تفرضها الضربة الامريكية على المعارضة السورية وقالت ان الجماعات الاسلامية في الانتفاضة السورية تعارض اي تدخل اجنبي مما يضعهم في تصادم مع الجيش السوري الحر الداعم له. فقد دعت الجبهة الاسلامية السوري والتي تتسيدها جماعة احرار الشام اتباعها للحذر وذلك في بيان نشرته على الانترنت حيث قالت ان التدخل الامريكي لن يخدم الا مصالح واشنطن وليس مصالح من يقاتلون للتخلص من نظام الاسد. ومع ان الجبهة لم تقم صراحة انها تعارض الضربة الامريكية الا انها حذرت في بيانها ان الهدف من الهجوم الامريكي هو ‘دعم مصالح اللاعبين الاخرين’ في الحرب التي مضى عليها عامان ونصف العام. وهناك جماعات اخرى عبرت عن رفضها وبشكل واضح التدخل الامريكي حيث وضعت جماعة قالت انها تمثل ثماني جماعات جهادية عن رفضها التدخل العسكري الغربي في سورية و’نعتبره عدوانا على المسلمين’. وتشير المواقف المتضادة والمتناقضة ايضا الى تعقد الساحة القتالية في سورية حيث ظهرت جماعات تتحالف فيما بينها ثم تختلف وتنفصل وتقوم بعقد تحالفات اخرى. فالمجلس الاعلى للثورة السورية الذي يقول انه يمثل الجماعات المقاتلة اعلن عن دعمه للضربة الامريكية فيما عبرت الجماعات الجهادية خاصة جبهة النصرة عن خشيتها من التحرك الامريكي الذي قالت انها هي المستهدفة الحقيقية منه. وعليه يفهم التحركات التي تقوم بها من خلال اخلاء مراكزها القيادية تحضيرا للهجمات. وبالنسبة لاحرار الشام التي قدمت اكدت حضورها في مواقع مختلفة من سورية خاصة الشمال فان منظور الحرب الامريكية القادمة يمثل معضلة لها.
اخفاء الاسلحة
ولا يخفى ان الجماعات الجهادية التي صنفتها واشنطن بالارهابية معنية اكثر من غيرها بالتحركات الامريكية، فمنذ ان اعلن اوباما عن عزمه معاقبة نظام الاسد وهذه الجماعات خاصة جبهة النصرة، والدولة الاسلامية في العراق والشام منشغلة باخفاء اسلحتها الثقيلة، واخلاء قواعدها، واخفاء السيارات في حظائر البقر، وتوزيع عناصرهم على المزارع والمصانع والتجمعات السكانية التي قبلت على تردد ايواءهم. ونقل مراسل صحيفة ‘الغارديان’ مارتن شولوف عن ابو اسماعيل، قائد الدولة الاسلامية في العراق والشام، في شمال- شرق البلاد قوله ‘لقد تعلمنا من دروس العراق’ مضيفا ان العراق ‘صنع منا مقاتلين اشداء’. وتقول الصحيفة ان تحضيرات الجماعات الجهادية تتناقض مع مواقف الجماعات المقاتلة الاخرى في سورية والتي تنتظر بحماس بداية القصف الامريكي. ففي كل مناطق الشمال السوري لا تشك الجماعات المرتبطة بالقاعدة ان عدوها القديم امريكا في الطريق لتوجيه ضربة لن تكون بمعزل عنها. وبحسب احد الجهاديين السعوديين فان معظم المقاتلين في صفوف هذه الجماعات لديهم خبرة في العراق وافغانستان. ويقول ولقبه ابو العبد ‘اميرنا يعرف كيفية التعامل معهم، والكل يعرف اننا العدو الحقيقي للامريكيين الذين يقولون انهم سيستهدفون النظام’. وكان ابو العبد يتحدث مع مجموعة من المقاتلين الاجانب الذين اجتمعوا في مطعم لتناول الغذاء. وقال ان الجهاديين الاجانب جاءوا من كل الامكنة التي يمكنك تخيلها حيث جاءوا لقتال الاسد والان امريكا مرة اخرى.
بلدة الباب
وفي بلدة الباب التي تقع تحت سيطرة المقاتلين منذ 14 شهرا يقول مراسل الصحيفة ان تاريخ الثورة وتطورها مكتوب على جدران البلدة بيوتها ومدارسها وما يميز الواقع هناك هو حضور اعلام القاعدة التي تبنتها الدولة الاسلامية في العراق والشام، وينقل عن ابو نشأت احد سكان البلدة انهم لا يحبون الوضع الحالي ولكنهم لا يريدون فتح جبهة جديدة مع القاعدة وحلفائها. ويشير الى ان المدرسة التي اتخذتها الدولة الاسلامية مركزا لقيادتها قد اخليت وترك عليها ملثمان لحراستها. وينقل عن احد مقاتلي لواء التوحيد نقده لممارسات الدولة حيث يقول ‘قد يكون تعلموا قتال الامريكيين لكنهم لم يتعلموا شيئا من العراق’ مضيفا ان اتباع التنظيم يعتقد بكفر من لا يفكر على طريقتهم. ويبدو المقاتل هذا مع فكرة الصحوات العراقية التي ادت الى تراجع تأثير القاعدة عام 2007 حيث قال ‘نحن بحاجة الى نفس الشيء’. واضاف متهما مقاتلي الدولة الاسلامية بانهم يحاولون ‘سرقة الثورة، وقد يكونون سرقوها، ولكن لا يغرنك انتشار الاعلام السود وانها تعبر عن دعم الناس لهم، لكن ليست لدينا القدرة على قتالهم الان، ومن سيدعمنا امريكا؟ اوروبا؟ العار عليهم الا يرون ان سورية ستجر كل الشرق الاوسط؟’ الى مصير مظلم. وبالنسبة لابو اسماعيل فانه لا يرى خوفا من صحوات سورية، فهو عراقي ولديه خبرة في العمليات العسكرية ومظهر عدم خوفه نابع من ان جماعته تعامل الناس بطريقة جيدة ‘واذا ارتكب امير اي خطأ فانه يعاقب حسب قوانين الشريعة، ولا توجد قوانين تطبق علينا واخرى على الناس، والصحوات امر لا نلقي له بالا’، ويعتقد ابو اسماعيل ان دفعة الجهاد ماضية ‘فان استطعت السيطرة على هذا الجزء من سورية فانك ستسيطر على كل الشرق الاوسط’
ستكون متأخرة
وعلى العموم فالكثير من المقاتلين يقللون من اهمية الضربة الامريكية وان كانت ستحدث اثرها المطلوب، وأنها جاءت متأخرة. فالامريكيون لن يدمروا سوى العربات المدمرة والبنايات الفارغة. ويقول مراسل صحيفة بريطانية ان مواطنين قالوا له ان سيقومون بتدمير الطائرات الامريكية في الجو، حيث لوحوا بالكلاشينكوفات القديمة في الهواء. وعندما سألهم عن طبيعة الاسلحة التي سيستخدومونها لضرب الصواريخ الامريكية قالوا ان لديهم اسلحة سرية قادرة على المقاومة. وعلى الرغم من حس البطولة التي يبديه هؤلاء الجنود الا انهم وسكان العاصمة يراقبون تطورات الاحداث بنوع من القلق، وتنتشر الشائعات الكثيرلة عن قيام الجيش السوري بتفكيك نظام الرادار في مطار دمشق الدولي، وان الجيش اخفى حاملات الصواريخ والدبابات فيما قامت وزارة الاعلام بتحضير قناة تلفزيونية جديدة جاهزة للبث حالة ضرب القناة الرسمية. ولم ير على جبل قاسيون المطل على العاصمة سوى عدد قليل من الجنود وهو امر مثير للغرابة لان الجبل فيه قاعدة عسكرية ضخمة.