استهجن الكثير إعلان سعد الحريري استقالته من الرياض وعلى قناة تلفزيونية سعودية، وكأن رئيس الوزراء المستقيل كان مستقلاً بأي صورة عن القرار السعودي. فمن نافل القول إن آل الحريري وكلاء معتمدون للمملكة السعودية في لبنان. ويعلم الجميع أن شيخ العائلة الراحل، رجل الأعمال ورئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، حقق ثروته الأساسية في المملكة من خلال علاقته بفهد بن عبد العزيز. وقد بدأ نشاطاته في الساحة اللبنانية بعد منحه الجنسية السعودية وبالتزامن مع الثورة التي أطاحت حكم الشاه في إيران. ثمّ طوّر نشاطاته في الثمانينيات بصفته مبعوثاً شخصياً للملك فهد، في المرحلة التي أخذت فيها المملكة تكثّف تدخلها لقلقها من بداية امتداد نفوذ «الجمهورية الإسلامية الإيرانية» في لبنان إثر الاجتياح الإسرائيلي له في عام 1982. حتى ذلك العام كان اعتماد الرياض الأساسي في لبنان على ياسر عرفات، أما بعد خروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت فبات رفيق الحريري وكيل السعوديين المعتمد.
ومثلما رعت المملكة اتفاق الرياض لعام 1976 بين المقاومة الفلسطينية ونظام حافظ الأسد بعد تدخّل الأخير عسكرياً ضد الأولى، وقد كرّس الاتفاق المذكور دور النظام السوري في لبنان، رعت اتفاق الطائف لعام 1989 الذي أوجد صيغة سياسية جديدة لتسوية النزاع بين أطراف الحرب الأهلية اللبنانية، مكرّساً مرة أخرى دور دمشق وتواجد قواتها ومبقياً على سلاح «حزب الله» في ظرف كان يتّسم باستمرار الاحتلال الإسرائيلي لجزء من الأراضي اللبنانية. وقد ترسّخ اتفاق الطائف في السنة التالية عندما التقت الرياض ودمشق وطهران في جبهة واحدة تقودها واشنطن ضد بغداد، إثر احتلال قوات صدّام حسين للكويت. فكانت اليد العليا في لبنان في التسعينيات لدمشق بالتعاون مع الرياض، وقد تجلّى ذلك التعاون من خلال ترؤس رفيق الحريري لمجلس الوزراء وتعاونه مع المندوب السامي السوري في لبنان، غازي كنعان.
هذا وقد انتهى التعاون على خلفية تدهور العلاقات بين واشنطن ودمشق بعد أن رفض النظام البعثي السوري برئاسة بشّار الأسد أن يدعم اسقاط النظام البعثي العراقي الجار من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، خشية أن يكون مستهدفاً بدوره لو نجحت العملية. حصل ذلك بينما كانت إيران تلعب لعبة مزدوجة، تسهّل الاحتلال الأمريكي للعراق، بل تتعاون معه من خلال وكلائها العراقيين المعتمدين، وتتيح لوكلائها اللبنانيين التنديد به صوناً لعلاقتهم بالنظام السوري الذي ارتهنوا به جسراً لإيصال معونة إيران إليهم. وكانت نتيجة انتهاء التعاون السعودي ـ السوري اغتيال رفيق الحريري عام 2005 وما تلاه من تطورات أخرجت القوات السورية من لبنان وعززت بالتالي دور «حزب الله» المباشر في حكم البلاد، بما في ذلك مشاركته في الحكومة اللبنانية بعد انكفاء طويل عن تلك المشاركة.
وقد تصاعد منذ ذلك الحين تدخّل الدولة الإيرانية في الشؤون اللبنانية، ولا سيما بعد العدوان الإسرائيلي في عام 2006. وبعد تحوّل نظام آل الأسد من شبّيح إلى شبح في غضون الحرب التي عصفت ببلاده وجعلته رهينة إيران وروسيا، بات الدور الأعظم في الساحة اللبنانية لإيران من خلال وكيلها المعتمد «حزب الله». وهذا ما حدا الحكم السعودي على سحب وكيله من الحكومة اللبنانية في إطار تصعيد صراعه مع طهران في الآونة الأخيرة وبتشجيع من واشنطن، إذ لم يعد يرى جدوى في التعاون مع وكيل إيران في حكم بلد لهذا الأخير اليد العليا فيه.
وإذا صحّ أن «حزب الله» لا يعلن قراراته من طهران وعلى قنوات التلفزيون الإيراني، تبقى الحقيقة الفاقعة أن ارتهانه بطهران لا يقل عن ارتهان الحريري بالرياض. والحال أن الحزب يدين رسمياً بـ«ولاية الفقيه» منذ نشأته وقد افتخر بهذا الأمر زعيمه، أي أن مرجع الحزب وولي أمره هو «المرشد الأعلى»، صاحب السلطة الأعلى في الدولة الإيرانية. وبينما كانت علاقة طهران بالحزب اللبناني علاقة دعم متعدد الأوجه في مرحلة مقاومته للاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان، بحيث كان يمكن لأنصار الحزب أن يروا في تلك العلاقة مساندةً للكفاح من أجل تحرير لبنان وأن يعتقدوا بالتالي أن لا غبار عليها، تبدّلت الأمور تبدّلاً نوعياً من خلال تدخّل الحزب في الحرب الدائرة في الساحة السورية وغيرها من ساحات المنطقة، بعضها لا يمت بصلة إلى النزاع العربي ـ الصهيوني.
وقد تم انتقال «حزب الله» من دور المقاومة اللبنانية إلى دور الأداة العسكرية لسياسة طهران على خلفية تصاعد التواجد العسكري الإيراني المباشر في العراق وسوريا، مصحوباً بوصاية إيرانية مباشرة على عاصمتين عربيتين، بغداد ودمشق، بما يشكّل بكل وضوح امتداداً توسعياً لدولة لبّست مطامعها الإمبراطورية لباس الجهاد الديني وأخذت القدس عنواناً وذريعة لنشر فيلقها، بينما كانت تستغل الطائفية الشيعية وسيلة لتحويل أعداد هامة من العرب الشيعة إلى وكلاء لها. وتقف في وجهها مملكة سعودية مذعورة، حائرة بين التجييش الطائفي السنّي ومخاطبة المشاعر القومية العربية، لا مصداقية لها من جراء تبعيتها للولايات المتحدة الأمريكية.
أما لبنان فضحيةٌ لهذا الصراع. وإن كان «ويلٌ لأمة مقسّمة إلى أجزاء، وكل جزء يحسب نفسه فيها أمة» حسب قول جبران الشهير، فكيف بدولة مقسمة إلى أجزاء، وكل جزء فيها يتبع دولة أخرى؟
٭ كاتب وأكاديمي من لبنان
جلبير الأشقر
تبعية حسن لإيران مذهبية بإمتياز
أما تبعية الحريري للسعودية فإقتصادية بإمتياز !
ولا حول ولا قوة الا بالله
السعودية كانت اساس المشكلات المستعصية اليوم في لبنان وسورية والعراق بسياساتها العمياء والعشواء لقد لعبت أدوارا مدمرة خلال عقود طويلة وكانت دائما الخاسرة في النهاية، أما النظام ” الشبيح الشبح” ( وهذا أجمل تشبيه) فقد استفاد من استفادة كبرى من السعودية حتى مكن نفسه في لبنان وسورية واليوم يلعب لعبته القذرة بتدمير سورية وتحول الى عدو معلن للسعودية وهذا الامر ينطبق على العراق فهي ارادت التخلص من نظام صدام حسين فجاءها نظام اسوأ بكثير وهي تقع اليوم في حيص بيص داخيا وخارجيا والقادم أعظم
مقال يضع النقاط على الحروف _ و بوضوح
كلما كان لبنان دولة فوق دويلة حزب الله فلن يتعرض للتقسيم وكلما تفوقت الدويلة التي يمثلها حزب الله على الدولة وأضرت بالدول العربية والخليجية على وجه التحديد، فإنّ لبنان كله سيكون عرضة لخطر التقسيم.