كتاب عن الدولة الصهيونية كمنتوج استعماري: ثقافة العنف والحروب في إسرائيل منابعها الأدب العبري

حجم الخط
0

الناصرة – «القدس العربي» : «النص الأمني.. وثقافة الحرب العبرية « كتاب جديد صادر في إسرائيل يلقي الضوء على منابع العدوانية وتقديس القوة، التي ما زالت تأسر الإسرائيليين منذ عقود بالعودة للنصوص الأدبية والثقافية قبل وبعد 1948.
ويوضح الكتاب لمؤلفه الباحث في الأدب البروفيسور أوري كوهن، أن ثقافة الحرب في إسرائيل منظومة متعددة الأبعاد تعمل على صياغة الحياة خلال حروب دائمة تعتبر مصيرية وقدرا وصياغة القوة العبرية كـ «رد طبيعي على العدوان»
يغوص الكتاب في نصوص الأدب الإسرائيلي ويبحث كيف يشارك في إنتاج لغة ومشاعر تبرر استخدام القوة من قبل معسكري اليمين واليسار على حد سواء، منطلقا من الرؤية النقدية الساخرة بأن الإسرائيليين يطلقون النار ويبكون في الوقت نفسه. ويقدم الباحث بجرأة تكاد تكون غير مسبوقة على كشف اللحمة بين محاور القوة العسكرية والثقافية وعلى فحص الوظائف المركبة التي يؤديها الأدب العبري في تجنيد الإسرائيليين لواقع الحرب الدائمة.
وعلى غرار باحثين آخرين انتقدوا نظام العسكرة الذي ما زال يميز إسرائيل يؤكد كوهن في هذا السياق أن استخدام القوة العسكرية من قبل الإسرائيليين لا يتم من منطلق تأسيس مشروع سياسي غايته الحياة، بل من منطلق أن الحرب هي هدف السياسة. ومن ضمن الأمثلة التي يقدمها على عبادة الحرب في إسرائيل عملياتها القاسية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي انتقاما من عمليات فدائية علاوة على حرب 1967 التي يعتبرها عملية انتقام كبرى.
في الواقع يقترح الكتاب قراءة جديدة لتاريخ إسرائيل العنيف مناهضا الرؤية الساذجة بأن الأدب يمثّل الحرب، ويوضح كيف تعمل الثقافة والحرب الإسرائيليتان على صياغة بعضهما البعض ومن هنا يتيح معاينة جديدة للحظات الحاسمة في تكوّن القوة اليهودية.
ويتعقب الكتاب تشكيل الكتائب المسلحة وتبلور الوعي العاطفي الذي قاد الاستيطان اليهودي في فلسطين من الخدمة في الجيش البريطاني مرورا بالعمل السري خلال فترة الانتداب ووصولا إلى بناء جيش نظامي سيادي يبادر إلى الحروب. ولذا فإن الكتاب وبخلاف الرواية التاريخية الصهيونية السائدة، يقدم قراءة جديدة لحرب 1948 من خلال متابعة نتاجات أدباء صهاينة أبرزهم الشاعر الإسرائيلي البارز نتان ألتيرمان الذي كتب شعرا عن ثلاث حروب مختلفة بطابعها، آخرها الحرب على الحدود من 1949 حتى العدوان الثلاثي عام 1956 وهي الحرب التي حسمت مصير إسرائيل برأيه كدولة في حالة قتال دائم. معتبرا أن النص الأمني هو اللغة المشتركة للشعراء حاييم غوري، الكاتب والسياسي الراحل موشيه شامير والشاعر نتان ألتيرمان الذي يعتبره مؤسس ثقافة الحرب العبرية، وأب القصيدة ذات الجوهر الأمني.
ويصف «النص الأمني» الجهاز المسؤول عن صياغة التاريخ الرسمي لإسرائيل: دولة تتحرك من حرب إلى حرب عنوة ورغم عنها باعتبارها حربا دفاعية  «عن البيت».
في الواقع ينسف الكتاب الجديد الرواية الصهيونية ويطعن بها وبالخطاب الجماهيري السائد حول استخدام القوة من خلال مراجعة اللقاء بين الأدب ومشتقاته، وبين التاريخ العسكري ومصطلحاته منذ نشوء المنظمات الصهيونية المسلحة وحتى حرب 1973. ويرى أن النص الأمني نبت من ثقافة القوى الضاربة التابعة للهغاناه (البلماح) وأنه هو المسؤول عن تكريسها وتمجيدها، مؤكدا أن الحرب في إسرائيل هي هدف السياسة والتصعيد هو وسيلتها السياسية. مشددا على أن النص الأمني المهيمن والمسيطر على حياة الإسرائيليين منذ ثلاثينيات القرن الماضي منبعه عالم الاستعمار كرؤية عنيفة تقوم على القوة وعلى نظام العنصر الديني الإثني. ويشير إلى أن هذا النص الأمني يبلور المعادلة بين عدو وبين صديق كمعادلة بين يهودي وعربي ويسوق الحرب كأنها طبيعية وحتمية، وإن كان غير مرغوب بها ويحاول محو الملامح الاستعمارية للمشروع الصهيوني.
ويركز الباحث الإسرائيلي على الجنرال الكاتب الصهيوني يتسحاق ساديه الذي ترجم العقيدة العسكرية لمنظومة قيمية ووجدانية تهدف لتبرير استخدام القوة كوسيلة دفاعية وتنمية طابعها الأخلاقي. ويتوقف عند ظاهرة الزنا داخل هذه الأطر الصهيونية ويعتبرها انعكاسا لمكان الجندي الإسرائيلي في النظام الاستعماري، مقدما عدة نماذج على ذلك. كما يركز الكتاب على أقوال وكتابات وزير الأمن الأسبق موشيه ديان الذي عرف باعتداءاته على النساء العاملات معه وبالسطو على المواقع الأثرية التاريخية في البلاد، مشددا على أن ديان هو النتاج العسكري للنص الأمني الإسرائيلي. كذلك يتوقف عند مؤسس إسرائيل ورئيس حكومتها الأول ديفيد بن غوريون الذي صاغ عقيدتها الأمنية القائمة على القوة وصاحب القول الشهير إن مستقبل إسرائيل لن يحدده ما سيقوله العالم عنها بل ما يفعله اليهود، وهي مقولة تبرر العدوانية وتقديس القوة. ويخلص الكتاب للقول إن واقع إسرائيل الراهن هو نتاج عبوديتها للنص الأمني ولنظام العسكرة لا خيارا سياسيا من جملة خيارات كثيرة دون تمييز بين التيارات الصهيونية المختلفة، لا فرق بين زئيف جابوتنسكي وبين اسحق رابين وشيمون بيريز فكافتهم شركاء في مشروع صهيوني استغلالي استعبادي عنيف.
وتعرض الكتاب كما هو متوقع لهجوم من أوساط إسرائيلية اعتبرته زعما منقوصا ومغلوطا وسطحيا وانتقائيا، ولا يميز بين القوة الصهيونية المركزية المتمثلة بالهغاناه وبين بقية المنظمات الصهيونية. ويتهم آدم راز (باحث إسرائيلي في معهد دراسات الأمن القومي) ضمن مقال نشرته «هآرتس» صاحب الكتاب بأنه وضع دراسة غطاؤها علمي تنقصها الدعائم البحثية بدوافع سياسية معادية للصهيونية.
 

كتاب عن الدولة الصهيونية كمنتوج استعماري: ثقافة العنف والحروب في إسرائيل منابعها الأدب العبري

وديع عواودة:

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية