القاهرة ـ «القدس العربي»: محافظة الوادي الجديد هي أكبر محافظات مصر من حيث المساحة، والثالثة افريقيا بعد تمنراست وادرار في الجزائر، إذ تبلغ مساحتها نحو 440 ألف كيلومتر مربع، بما يعادل 44 في المئة من إجمالي مساحة مصر، كما تعد في الوقت نفسه ثاني أقل محافظة في عدد السكان المصريين بعد مدينة جنوب سيناء.
تقع الوادي الجديد في الجنوب الغربي لمصر في الصحراء الغربية، ويحدها من الشرق محافظات المنيا وأسيوط وسوهاج وقنا وأسوان، ومن الغرب حدود مصر مع ليبيا، ومن الشمال محافظات مرسى مطروح والواحات البحرية والواحات البحرية التابعة لمدينة السادس من أكتوبر، ومن الجنوب حدود مصر مع السودان.
تمتاز المحافظة الجنوبية بمناخ جاف صيفاً دافئ شتاءً والأمطار نادرة وتتميز المحافظة بأعلى نسبة سطوع للشمس في العالم على مدار السنة والتي يمكن استغلالها كمصدر للطاقة المتجددة.
يرجع أصل تسميتها بـ»الوادي الجديد» بعدما كان اسمها محافظة الجنوب إلى إعلان الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر عام 1958 عن البدء في إنشاء واد مواز لوادي النيل يخترق الصحراء الغربية لتعميرها وزراعتها على مياه العيون والآبار بهدف تخفيف التكدس السكاني في وادي النيل.
في يوم 3 تشرين الأول/أكتوبر سنة 1959 وصلت أول قافلة للتعمير والاستصلاح في الوادي الجديد، وتم اعتبار ذلك اليوم عيدا قوميا تحتفل به المحافظة كل عام. وفي العام 1961 أنشئت محافظة الوادي الجديد ضمن التقسيم الإداري لمحافظات الجمهورية وكانت تتكون من مركزين إداريين هما مركز الخارجة ومركز الداخلة، وفي 1992 تحولت الفرافرة إلى مركز إداري ليصبح للمحافظة ثلاثة مراكز إدارية اما الآن فقد تحول مركز باريس ومركز بلاط إلى مركزين إدارية أيضا وبالتالي أصبح للمحافظة خمسة مراكز إدارية.
مئة موقع أثري
كبير الأثريين في وزارة الآثار المصرية، مجدي شاكر، أكد أن محافظة الوادي الجديد تمتلك مقومات عدة لو تم استغلالها جيدا لتحققت لها تنمية اقتصادية وسياحية، خاصة فيما يتعلق بالسياحة الثقافة الأثرية والتجارية وسياحة سباق السيارات وسياحة الصحراء والاستشفاء وسياحة الرياضة.
وقال شاكر في بيانات صحافية إن المحافظة تضم 100 موقع أثري وتاريخي، منها 60 موقعا في واحة الخارجة و37 موقعا في واحة الداخلة، مشيرا إلى أن الخارجة تعرف باسم واحة طيبة، وأن أحد الرحالة أشار لها باسم الواحة الكبيرة وعرفت قديما باسم «هبت» بمعنى المحراث، ثم أصبحت في اليونانية «هيبس» وهو اسم أكبر معابدها الذي بدأ بناؤه من الأسرة 26 في عام 558 قبل الميلاد في عهد أبسماتيك الأول، وأكمله أحمس الثاني وتمت جميع نقوشه في عهد دارا الأول الفارسي، وخصص لعبادة ثالوث طيبة آمون وموت وخنسو، وأهم ما به نقوش من عهد الأمبراطور جلبا 68 ميلادية سجلت على البوابة الرومانية باللاتينية، وتعبر عن إصلاحات قام بها في نظام الضرائب والإدارة وعدالة الفصل في القضايا والوراثة وحقوق المرأة وكذلك أمامه طريق الكباش.
وتنقسم الوادي الجديد إداريا إلى مركز الخارجة، ومركز باريس، ومركز بلاط، ومركز الداخلة، ومركز الفرافرة. كما تضم 46 وحدة محلية قروية، تتبعها 173 قرية رئيسية وتابعة.
عرفت واحات مصر التي تشملها محافظة الوادي الجديد منذ أقدم العصور، فواحة الخارجة سميت بـ»الواحة العظمى» حيث كانت تشغل منخفضا كبيرا في الصحراء وعاصمتها «هيبس» والتي اشتق اسمها من كلمة «هبت» ومعناها المحراث.
وكانت الواحات «الداخلة» تسمى «كنمت» وعاصمتها «دس دس» أي «اقطع اقطع» بمعنى قطع الأرض وشقها لزراعتها، وعرفت واحة «الفرافرة» باسم «تا ـ احت» أي «أرض البقر».
عاش في منطقة الوادي الجديد، إنسان عصور ما قبل التاريخ منذ حوالي 5 آلاف سنة قبل الميلاد، وترك آثاره في ربوع الواحات منها جبل الطير في الخارجة، ودرب الغباري في طريق «الخارجة ـ الداخلة».
وفي العصور الفرعونية كانت الواحات تمثل أهمية قصوى لكونها خط الدفاع الأول عن مصر القديمة، لتعرضها لهجمات النوبيين من الجنوب والليبيين من الغرب، وكان الفراعنة يهتمون بهدوء المنطقة واستقرارها وتظهر آثارهم في عدة مناطق في الخارجة والداخلة، وعندما غزا قمبيز الفارسي مصر عام 525 قبل الميلاد، وأهان معبودها الإله آمون واختفى جيشه المكون من 50 ألف مقاتل في بحر الرمال العظيم، جاء خلفه دارا الأول فحاول إرضاء المصريين حتى يستقر بحكمه ويرضى عنه كهنة الإله آمون، فبدأ في ترميم ونقش بعض المعابد ومنها معبد هيبس، ثم كان للبطالمة دورهم الكبير في ازدهار الزراعة في الواحات واستغلال اقتصادها وتظهر آثارهم على طول درب الواحات في طريق «باريس».
وعندما بدأ اضطهاد الرومان لأقباط مصر، حضر إلى الواحات كثير من الأقباط الفارين بدينهم وعقيدتهم وعاشوا فيها على زراعة الأراضي حاصدين خيراتها.
شريان التجارة
وتعد جبانة البجوات في شمال الخارجة أبرز دليل لهذا العهد وجاء دور الرومان الذين استغلوا الواحات فظهروا وشقوا القنوات واستغلوها في الزراعات الكبيرة وازدهرت التجارة على طريق درب الأربعين، الموصل بين مصر والسودان عبر الواحات، وكان شريانا للتجارة، وتظهر معابدهم على طول هذا الدرب وأهمها معبد الغويطة ومعبد دوش.
وتنتشر في أنحاء الوادي الجديد المناطق الأثرية التي تمثل مختلف العصور التاريخية وتعتبر من المزارات الهامة ومنها في مدينة الخارجة «جبانة البجوات». وهي تقع خلف معبد هيبس من الناحية الشمالية وسميت بذلك لكونها بنيت على شكل قباب ويرجع تاريخ إنشائها عندما هرب الأقباط من اضطهاد الرومان في القرن السادس الميلادي واستقروا في الخارجة وشعروا بالآمان فبنوا كنائسهم والتي ما زالت موجودة حتى الآن. ومنها كنيسة الخروج والتي فيها رسوم تحكي قصة خروج بني إسرائيل من مصر يتبعهم فرعون وجنوده وبعض القصص الدينية التي ذكرت في القرآن الكريم والكتاب المقدس وبعد فترة من الزمان وبعد عودة الأقباط مرة أخرى كان يستغلها حجاج الدرب الغربي كاستراحات عند ذهابهم إلى الحج وفيها كتبوا ذكرياتهم وسطروا الشعر والنثر ويبلغ عدد هذه الأقبية 263 مقبرة.
أشهر المعالم الأثرية
ومن أبرز المعالم الأثرية معبد هيبس، الذي يقع شمال مدينة الخارجة. وترجع أهمية هذا المعبد العظيم إلى انه يمثل عصورا تاريخية مختلفة وهي الفرعونية والفارسية والبطلمية والرومانية وبدأ بناؤه منذ الأسرة 26 عام 588 قبل الميلاد ويبدأ المعبد من المساحة الواسعة الموجودة أمامه والتي كانت تعرف بالبحيرة المقدسة.
معبد الناصورة، ويقع في الجهة الشرقية الجنوبية لمعبد هيبس، على ربوة مرتفعة، وسمي بهذا الاسم لأنه استخدم في عصر المماليك للاستطلاع واكتشاف الطريق من مسافة كبيرة، وبني هذا المعبد في العصر الروماني أوائل القرن الميلادي وما زال فيه بقايا كتابات هيروغليفية ونقوش بارزة.
معبد الزيان، ويقع جنوب قصر الغويطة في قرية قصر الزيان بجوار قرية بولاق، ويرجع إلى العصر البطلمي، وقام بترميمه الإمبراطور الروماني انطونيوس بيوس عام 138 ميلادية، وقد أنشئ هذا المعبد لعبادة الإله آمون، وكانت تسمى المنطقة المحيطة به «تشمونمبريس» وفي نهاية المعبد توجد المقصورة وعليها بعض النصوص.
معبد دوش، ويقع جنوب واحة الخارجة ويبعد عنها حوالي 113 كيلومترا، وعن قرية باريس بنحو 23 كيلومترا داخل الصحراء، ويقع في ملتقى درب الواحات الموصل إلى السودان، ودرب إسنا الذي يربط باريس بمركز إسنا، وقد بني هذا المعبد عام 117 ميلادية، وفي الواحة دوش القديمة وعلى جدارنه نقوش ويبدو أن جواره منطقة أثرية هامة.
الخارجة القديمة، وهي أبنية من الطوب اللبن، شوارعها ضيقة ومتعرجة ومسقوفة بخشب الدوم النخيل، وكان لكل شارع بوابة تغلق عند حدوث أي عدوان من البدو. وقد بنيت في القرن العاشر الميلادي على طراز إسلامي، تتوسطها عيون الماء مثل (عين الدار) ويمثل كفاح أهالي الوادي الجديد منذ مئات السنين.
قرية البشندي، قرية صغيرة بنيت مساكنها على الطراز الفرعوني بالطوب الأخضر وفيها معبد قديم مدفون في الرمال يرجح أن يكون من الأسرة 19 الفرعونية، ثم أعيد ترميمه في عهد رمسيس التاسع، وتوجد أيضاً المقبرة الرومانية لحكام هذه المنطقة منذ القرن الأول الميلادي ومنقوش بصورة قديمة تحكي عملية التحنيط ومحاكمة الميت في محكمة أوزيريس، وتوجد في القرية المقبرة الإسلامية للشيخ بشندي الذي سميت باسمه وكانت تستعمل ككتاب لتعليم القرآن الكريم لأطفال القرية، ويقع في جنوب القرية معبد بربيعه، وهو من العصر الروماني وشيد من الحجر الرملي.
مقابر بلاط الفرعونية، وتقع على بعد كيلو متر واحد من قرية بلاط، حيث توجد المصاطب الست ترتفع عليها بعض البنايات لمقابر رومانية أخرى، والمقابر من الأسرة السادسة الفرعونية منذ عام 2420 قبل الميلاد، وتوجد فيها مقبرة حاكم المنطقة ومسلتان صغيرتان.
آثار قرية بلاط الإسلامية
وهي عبارة عن قرية تقع فوق رابية مرتفعة، شوارعها ضيقة ومسقوفة من خشب الدوم والنخيل ومقسمة إلى شوارع للعائلات، تحمل على بواباتها نقوشا على الخشب تحدد اسم العائلة وتاريخ البناء وآيات من القرآن الكريم.
موط القديمة: وهي عاصمة واحات الداخلة اسمها من «موت» زوجة الإله آمون. مدينة قديمة من العصور الفرعونية وفي وسطها آثار معبد ما زالت بعض أحجاره موجودة، وتبعد عن واحة الخارجة نحو 200 كيلومتر، وفيها لوحة المياه الشهيرة التي يرجع تاريخها إلى الأسرة الثانية والعشرية عام 1000 قبل الميلاد.
قرية القصر الإسلامية: وهي قرية تقع شمال «الداخلة» وكانت أول قرية استقبلت القبائل الإسلامية في الواحات عام 50 هجرية وفيها بقايا مسجد من القرن الأول الهجري. ازدهرت في العصر الأيوبي وكانت عاصمة الواحات وغيها قصر الحاكم وهي أصل التسمية. وفيها أيضا أحد مداخل القصر الإسلامي القديم المسمى «الحصن». وازدهرت في العصر الأيوبي وفيها قصر الحاكم ومأذنه لبقايا مسجد وهي مكونة من 3 طوابق بارتفاع 21 متراً كما توجد فيها مساجد من العصر التركي والمملوكي وهناك بوابة على شكل معبد للإله تحوت مستخدمة كمدخل لأحد المنازل.
مقابر المزوقة: تقع على مسافة 37 كيلومترا من مدينة الداخلة، ولها طريق ممهد، وهي عبارة عن جبانة ترجع إلى العصر الروماني وتضم مقابر منحوتة في الصخر وعليها نقوش زاهية تمثل خيرات الواحات ومنها إله الزرع وإله الماء ومزارع الشعير والنخيل والطيور والتحنيط والحساب والعقاب. اكتشفت عام 1973م على يد د. أحمد فخري. وفيها مقبرتان لشخصين أحدهما بادي اوزير والآخر بادي باستت.
وعاد مجدي شاكر ليؤكد، أن الأهم هو أن هناك أكبر عدد من النقوش تسمى (الكتابات الألغازية الكربوغرافية) وهي كتابات سحرية مشفرة أخذت منها فيما بعد علم الشفرة الحديث بجانب ما كشفته بعثة «جامعة المتروبولتان» من ودائع الأساس الخاصة بالمعبد حيث كان يوضع أسفل كل معبد بعض التمائم والأواني وأدوات البناء أسفل المعابد.
وأوضح ان هناك بقايا جبانة البجوات بجوار معبد هيبس وسميت بذلك لأنها بنيت على هيئة قباب وتسمى مدنية الموتى، وفيها كنيسة تعتبر ثاني كنائس مصر وهي مدينة بنيت في القرن الثالث ميلادية من المسيحيين هربا من ظلم الرومان، وبها 263 مزارا أهمها «مزار الخروج» و»مظاهر السلام» وهي زخارف ملونة لخروج بني إسرائيل وآدم وحواء، بجانب الكتابات التي كتبها الزوار باليونانية والعربية والنبطية.
وأشار إلى أن هناك أيضا «قصر الهندرك» و»معبد الناضورة الروماني» و»قصر مصطفى الكاشف» محصل الضرائب.
أليس الوادي الجديد يقع في أرض الكنانة، الدولة الأفضل سمعة عربيا؟