على إيقاع جولات المفاوضات العديدة حد الملل وفقدان المقدرة على التركيز والمتابعة يعلو ويخبو الاهتمام بموضوع سد النهضة، فترانا نصحو يوماً على خبر تعسر المفاوضات، فتشمل الإعلام حالةٌ أشبه ما تكون بالهلع، فلا تسمع ولا ترى إلا متحدثاً أو معلقاً يحذر ويفصل في العواقب الوخيمة، مندداً (ساباً في مواقف عديدة) التعنت والصلف، وما لا يوصف سوى بتعمد الإذلال الإثيوبي، وما يُشتم من تواطؤ الجانب السوداني الذي يؤلم المصريين من منطلق «ما كانش العشم».
ولعلنا نذكر جميعاً ذروة الاهتمام بهذا الشأن إبان رئاسة الدكتور مرسي، فك الله أسره، وذلك الاجتماع المخجل الكارثي الذي عُقد لمناقشة الموضوع في حضور ممثلين لقوى عديدة، ثم أذيع متسبباً في أضرار كبيرة، إذ استغلها الجانب الإثيوبي للتشهير بمصر.
ثم ينحسر موج الاهتمام، لا لأن اتفاقاً يضمن حقوق مصر قد تم التوصل إليه، ولكن بسبب انشغال الناس بفرقعةٍ أو فضيحةٍ أخرى، في بلدٍ صار يستهلك الأخبار من دون التوقف لديها أو لمغازيها وتبعاتها، في مرحلة هيمنة ثورةٍ مضادة يصمها التشتت وفقدان البوصلة، وعدم فهم الواقع والبارانويا، وهواجس المؤامرات الكونية، والخوف العميم من كل شيء، وربما لا يخلو الأمر من أوامر عليا تحجم التناول الإعلامي، خوفاً من تمادي حالة الفزع وما قد يتبعها من الاستيقاظ من الغيبوبة وطرح الاسئلة، وربما يتطور الأمر وفق النسق الطبيعي والمنطقي لتوجيه أصابع الاتهام لأطرافٍ بعينها، على رأسها السيسي.
هذه المرة ايضاً ارتبط تذكر الإعلام لهذا الموضوع الأشد حرجاً وأهميةً بفشل الجولة السابعة عشرة من المفاوضات الثلاثية، وما عبر عنه وزير الري من قلقه إزاء هذا التطور «لما ينطوي عليه من تعثر للمسار الفني».
مرة اخرى المسار الفني، أو بالأحرى المرة السابعة عشرة. ليس من العسير بمكان التنبؤ بفشل الجولة المقبلة، إذا ما استمرت تلك المفاوضات. من المناسب، بل من اللازم هنا العودة للاستشهاد بما أعرب عنه الدكتور أحمد المفتي عضو اللجنة الدولية لسد النهضة الذي استقال إبان «تعسر المفاوضات» من آراء، فقد شرح وفصّل في حوارٍ نشرته «المصري اليوم» بتاريخ 12 ديسمبر 2015 بأن الخطيئة الأساسية في التناول تنبع من تقديم المسار الفني على المسار القانوني، حيث كان ينبغي التركيز على الخرق الإثيوبي للاتفاقيات الدولية المتعلقة بالأنهار المشتركة بين الدول، التي تقضي بالإخطار المسبق لهذه الدول، فضلاً عن تهديدها لحصة مصر من المياه بموجب اتفاقية 1959 أياً كان رأيها فيها.
لم يعبأ أحدٌ بذلك الكلام المنشور منذ عامين، على الرغم من تكراره من مصادر عديدة من المهتمين بالشأن العام، ولن يعبأ أحد في المستقبل، فقد تم إهمال هذا الكلام عمداً والتركيز على الجانب الفني، لصرف الانتباه عن المشكلة الرئيسية: إن السيسي مضى على اتفاق مبادئ في 23 مارس 2015 غامر فيه إن لم نقل أهدر حقوق مصر التاريخية، وقنن بناء ذلك السد من دون اعتبارٍ لبعض التحذيرات ممن يُطلق عليهم لقب مستشارين، والأهم والأفظع والأكثر إفزاعاً أن ذلك تم في غيبة الخبراء القانونيين المصريين، في حين أن سبعة مستشارين قانونيين رافقوا الجانب الإثيوبي بحسب الدكتور المفتي. لذلك لم يعد أمام السيسي سوى الخبراء الفنيين، فقد أهدر هو الجانب القانوني والسياسي، على الأقل حتى الآن.
غير أن التأمل المتعمق لهذه المشكلة الوجودية قد يتيح النظر عبرها إلى ما يقبع تحتها من هيكل السلطة وعقلية النظام وطريقة عمله، ولست أبالغ مطلقاً إذ أؤكد أن مشكلة السد تلك تعد أبلغ انعكاسٍ لها، فهي تعبر بأمانة عن نظامٍ مؤسسة الرئاسة فيه كلية السلطة والجبروت، يخشاها الجميع ولا تُسمِعها الغالبية المحيطة من خبراء وتكنوقراط مفترضين سوى ما تريد أن تسمع، ويتحولون جميعاً مع الوقت إلى مجرد موظفين ينفذون التعليمات والنزوات وشطحات الخيال، بل ويتبارون في ذلك (بفرض أنهم لم يكونوا كذلك منذ البداية). ومؤسسة الرئاسة تلك تنحصر في شخص الرئيس.
لا أنكر أو أشكك البتة في وجود خبراء في مصر ملمين بشتى المناحي الفنية والسياسية الخ، المحيطة بالسد، لكن النظام الآن لا يعمل هكذا، فهو لم يُدِر القضية بحرفية كما فعل الجانب المصري في مفاوضات استرجاع طابا على سبيل المثال، وإنما سلك المنحى الهمجي الارتجالي، حيث قرر الرئيس أن يمضي فمضى، ولتكدس كل الدراسات والآراء والمذكرات والأوراق، التي بذل فيها مجهود لتأصيل حجة مصر وحقها وحق شعبها التاريخي، ولتنضم على رفوف دور الوثائق لأخواتها التي تجذب العث وترفل تحت بحارٍ من غبار النسيان.
فالنظام الآن هاجسه الأول والأساسي تأمين نفسه بضرب معارضيه والتنكيل بهم، بالإضافة إلى استرضاء أركانه الداعمة في الجيش والشرطة والقضاء، عن طريق عسكرة الاقتصاد بصفةٍ خاصة والحياة العامة في تدافعٍ وتكالبٍ نهمٍ مسعور يذكر بتوزيع الغنائم والأسلاب عقب الغزوات، وما كل المشاريع العملاقة والمؤتمرات الدولية سوى مصائد لعدسات المصورين، لهاثاً وراء الفرقعة و»اللقطة « المبهرة.
كما إن أي كلامٍ في شأن السد ليقصر تقصيراً مخلاً، إذا لم يركز على ما يمثله السد والصلف الإثيوبي ومجمل مسيرة التفاوض من دليلٍ على ضعف الدور المصري، وتراجع مكانته في القارة الإفريقية، كما في محيطها العربي والشرق أوسطي، والآن فهناك من يحث على التلويح بالعمل العسكري ليثير سؤالاً: بغض النظر عن أخلاقية هذا العمل أو حكمته، فهل تستطيع المؤسسة العسكرية المصرية بالفعل القيام بهذه المهمة؟
في خضم كل ذلك لم يشر الإعلام المصري للمذنب الحقيقي: السيسي الذي هو مصر على ما لا يعلم ولا يفهم في إيمانه المطلق بذاته وقدرته على «الفهلوة» وحنكته التي حيرت الفلاسفة ودوخت العالم. وحده الله يعلم ماذا دار في رأسه، وربما بعض أجهزة المخابرات. أما نحن فكالعادة سنكون آخر من يعلم بعد عقودٍ عدة حين تنشر الوثائق الغربية. الأكيد أن الإعلام سيتعامل مع الأزمة على ما عهدنا منه، فيزيد من توزيع التهم والتعيير بالأفضال المصرية السابقة والأغاني الوطنية لنهر النيل وصب المزيد من الغاز على نار الوطنية فقط.
ثمة أسلوب للتعامل مع الأزمات والأخطاء (الشخصية منها بصفةٍ خاصة) يتلخص في التجاهل.. «التطنيش» كما نقول في مصر، أن تدير ظهرك ولا تتحدث في الأمر كأن شيئاً لم يكن، وقد يفلح هذا الأسلوب في غمرة الضجيج والصخب أو أي حدثٍ آخر يحظى باهتمامٍ أكبر، كعهد النظام دائماً مع مباريات كرة القدم وتعامله مع كل نماذج فشله، كالمؤتمر الاقتصادي «العالمي» والتفريعة الجديدة لقناة السويس «هدية مصر للعالم»، وقبل ذلك مشروع توشكى، إذ يعتمد ويعول على أن الناس المسحوقة تحت وطأة الغلاء ومتطلبات الحياة ستنسى. وقد كان يصيب حظاً وافراً من النجاح، حتى الآن، لكن حين تقل المياه ويرى الناس ذلك ويحسون به في حياتهم اليومية ويرون أثره الذي قد يكون مدمراً على مساحات الأراضي المزروعة، حين يرون الصحراء تلتهم الوادي كيف سيداري النظام على فشله وتقصيره؟
كاتب مصري
د. يحيى مصطفى كامل
عن تخبط الأداء وغياب الدور ..
بالنسبة لسد النهضة والنيل العظيم لا تقلق يا أخي
لقد شالت المطربة شيرين عبدالوهاب الليلة كما يقولون ..
قالت بلهارسيا فكانت كلمة السر رغم ان البلهارسيا ناتح الترع والمصارف وليس النيل العظيم
والبهارسيا لم تعد مشكلة فقد اطربنا العندليب الأسمر وهو مصاب بها
المأساة في معاملتنا كمصريين لنهر النيل شريان الحياة ومشكلة تلوث النهر بالقاء جثث الحيوانات وخلافه