الناصرة – «القدس العربي»: استغل رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو مذبحة العريش لتكرار أقواله حول «الإرهاب» بعد تقديمه التعزية لمصر، فيما تحدثت مصادر فيها عن تعاون سري بين الجانبين في سيناء. وفي بيان مقتضب قال نتنياهو أمس إنه يتقدم باسم الإسرائيليين بالتعازي إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي والشعب المصري وأسر الضحايا، متمنيا الشفاء العاجل للجرحى.
وفي محاولة لاستغلال المذبحة دعائيا ختم نتنياهو بيانه بالقول «سيتم دحر الإرهاب بشكل أسرع لو عملت جميع الدول ضده كتفا إلى كتف».
وقال وزير الأمن السابق موشيه يعلون لإذاعة جيش الاحتلال إن إسرائيل تقدم لمصر مساعدات متنوعة، منوها أن مصر والأردن تعلمان على من تعتمدان في مواجهة الإرهاب وفي قضايا أمنية، موضحا أنه يكتفي بذلك دون تقديم تفاصيل «لحساسية الأمر.» وقال إنه يجب عدم الكشف علانية عن مساعدات إسرائيل إلى مصر. ومع ذلك كشف يعلون أن تفعيل مصر لقوات معينة في سيناء يحتاج لمصادقة إسرائيل. وتابع «في كل شهر يتم تقدير الحالات الشاذة بالمقارنة مع الملحق العسكري في اتفاق كامب ديفيد حول سيناء والجانب المصري يعرف كيف يتوجه لنا ويحصل على مصادقة مسبقة قبل كل عملية عسكرية».
ووافق يعلون على مزاعم الإذاعة بأنها لاحظت لهجة عتب على العالم والمنطقة في خطاب السيسي لعدم مساعدة مصر في حربها على «الإرهاب» في سيناء. واستذكر «الموقف العدائي» للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما من السيسي، داعيا العالم لدعمه، معتبرا أن إهمال سيناء من قبل مصر وتراجع السياحة فيها دفع الكثير من البدو فيها للتعاون مع تنظيم الدولة (داعش) فيما خضع بعضهم الآخر للخضوع لتهديدات هذا التنظيم.
فشل مصري
ويعتبر المحلل العسكري في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، ان مذبحة المصلين في العريش تشكل الفشل الثاني على التوالي لأجهزة الأمن المصرية في غضون أكثر من شهر، مشيرا لحادث محافظة الجيزة، الذي قتل فيه أكثر من 50 شرطيا مصريا. ويقول إن هذين الفشلين المصريين يثيران التساؤلات، من وجهة نظر إسرائيلية، متسائلا كيف ينجح تنظيم عدده ألف رجل في سيناء بتنفيذ مثل هذه الهجمات القاتلة. ويتابع «عدم فعالية قوات الأمن المصرية يصرخ حتى السماء، خاصة عندما يتذكر المرء التغطية الواسعة في وسائل الإعلام الدولية، التي تؤكد مساعدة إسرائيل الواسعة لمصر في توفير المعلومات الاستخبارية وتشغيل الطائرات بدون طيار لشن هجمات على مواقع داعش».
كما يوضح هارئيل أن الجانب الأمريكي شريك أيضا في الإحباط والمفاجأة أمام الأداء المصري، وهم الذين كانوا قد لفتوا انتباه الرئيس السيسي ورجاله، عدة مرات، الى حالة الاستعداد العسكري المعقدة، الثقيلة والمتوقعة. زاعما أنه في الكفاح ضد المنظمات الإرهابية والعصابات، هناك حاجة إلى عمل أسرع، يدمج بين المخابرات الدقيقة وقوات الكوماندوز. لكن المصريين لا يزالون بعيدين جدا عن استخدام أسلوب الحرب هذا، وهو ما يذكرنا بالوسائل التي تستخدمها إسرائيل في مكافحتها للإرهاب «.
وعلى غرار يعلون يقول هارئيل إن الشاغل الرئيسي الذي تتقاسمه مصر وإسرائيل يتعلق بإمكانية تعزيز قوة تنظيم ولاية سيناء الآن على خلفية الأحداث الجارية في المنطقة بأسرها. ويعتقد أن هزيمة داعش وانهيار الخلافة التي أقامها في شرق سوريا وشمال العراق، تمهد الطريق لعهد جديد تسميه المخابرات الإسرائيلية «داعش 2.0» – لم يعد الأمر يتوقف على منطقة خاضعة لسيطرة محددة، بل هو مزيج من «الخلافة الافتراضية» التي يتم في إطارها تجنيد شبان متزمتين من الغرب، عبر الإنترنت، لتنفيذ الهجمات. كذلك والى جانب ذلك استغلال المناطق التي تواجه فيها البلدان الإسلامية صعوبة في السيطرة، مثل الصحراء الكبرى في سيناء. وكشف هارئيل أن اظهار منفذي المذبحة «ذكاء في التنفيذ» يقلق الجيش الإسرائيلي، أيضا، من إمكانية محاولة شن هجوم طموح على إسرائيل أيضا، مرجحا أن تثقل المذبحة على المصالحة الفلسطينية وعلى إعادة فتح معبر رفح.
داعش مات في سوريا وفي سيناء يتصارعون
ويرى المعلق الإسرائيلي للشؤون العربية عوديد غرانوت، ضمن مقال نشرته «يسرائيل هيوم»، قرار التنظيم غير المسبوق بالعمل ضد الصوفيين وداخل مسجد يدل على مرحلة جديدة في تاريخ داعش، بعد سقوط الخلافة في سورية والعراق. ويرجح أن المذبحة تعكس بدء صراع قوى وسيطرة بين مختلف فروع التنظيم على قيادته. ويقول إنه وبدلا من الاستثمار في تجنيد المتطوعين الجدد يحاولون الآن الإثبات، من خلال عدد الجثث، من هو الذراع الأقوى، ومن هم الأكثر وحشية والأكثر تطرفا في معتقداتهم. ويعتد ان فشل مصر في مواجهة تنظيم الدولة رغم وجود 40 كتيبة مشاة ومدرعات تم إدخالها الى سيناء بموافقة إسرائيل مرده الافتقار إلى الاستخبارات والمحفزات، ولكن في الأساس، عدم وجود وحدات خاصة بمحاربة الإرهاب، وعدم إجراء تغيير أساسي في طريقة الحرب. ويتفق غرانوت مع هارئيل بأن إسرائيل قلقة مما يجري في سيناء وبتقديمها مساعدات لمصر في مجال الاستخبارات، بل في تنفيذ عمليات إحباط مركز من الجو.
وهذا ما يؤكده الخبير في الشؤون العربية دكتور تسفي برئيل، في «هآرتس» ويقول إنه لا يمكن ان تكون لدى السيسي حلول سحرية لوقف «الإرهاب الإسلامي» في بلاده. ويلاحظ ان السيسي منذ توليه لمنصبه في 2013، وهو يخوض صراعا عبثيا ضد المنظمات العاملة في سيناء والصحراء الغربية، التي تنفذ هجمات في المدن الكبرى، ايضا. ويشير الى ان هذا الفشل مستمر رغم مساعدات حقيقية من الولايات المتحدة ومن اسرائيل ورغم إغلاق منافذ سيناء. ويرجح ان القوات العسكرية وحدها ربما لا تكفي لاقتلاع المنظمات، خاصة في شمال سيناء، فبعضها لا يزال يعتمد على التعاون مع بعض القبائل البدوية التي توفر للإسلاميين خدمات لوجستية مقابل المال.
في المقابل جدد المستشرق الإسرائيلي غاي بخور تحذيره لإسرائيل من التدخل مباشرة فيما يجري داخل سيناء. وقال في حديث للقناة الإسرائيلية العاشرة إنها فكرة غبية أن تتورط إسرائيل بالمواجهات العسكرية الدائرة في البلدان العربية المحيطة.
وديع عواودة: