رواتب وامتيازات مقابل الصمت على الإرهاب؟

حجم الخط
0

تظاهر العراقيون ولأول مرة منذ الغزو الهمجي في معظم محافظات ومدن العراق الكبيرة يوم السبت 31/8، ليعبروا عن رفضهم لرواتب البرلمانيين الهائلة وامتيازاتهم ومخصصاتهم الخرافية غير القانونية، والمكلفة لميزانية الدولة العراقية، التي يحاولون تثبيتها بقرارات رسمية عبر البرلمان. بينما تعيش أغلبية الشعب العراقي في حالة مزرية بسبب فقدان الخدمات الأساسية الإنسانية للحياة، في بلد تصل ميزانيته الى عشرات المليارات، وتعيش في أجواء يسودها الإرهاب والقتل المتعمد والعشوائي والدهم والاعتقال التعسفي والتفجيرات التي يتزايد عددها ولا ينقص كل يوم في مدن العراق، خاصة في العاصمة بغداد، حيث تحصد أرواح الناس العمليات الإرهابية المنظمة الممهورة ببصمات لم تعد تخف على العراقي.
فهل ان من يقوم بالإرهاب، أي قتل العراقيين بشتى الوسائل والطرق وتهجيرهم وسجنهم في العراق يوميا وبشكل منتظم، بحجة وغطاء الحرب على الإرهاب، كما تفعل الحكومة الأمريكية – هي الحكومة نفسها والمشاركون في العملية السياسية مقابل هذه الرواتب الخيالية والامتيازات غير الموجودة في أي نظام سياسي في العالم؟
مثل هذا السؤال يفرض نفسه على ابناء الشعب العراقي، الذين بدأوا يتهمون الحكومة بأنها وراء هذا الإرهاب، وأن هذه العمليات هي عمليات مبرمجة ومنظمة لأن المسؤولين في حكومة الاحتلال الخامسة لا يبدون أي اهتمام بهذه العمليات، بل ان تجاهلها ربما هو الرسالة التي تجمع شركاء هذه العملية السياسية.
يخرج نوري المالكي رئيس الوزراء على شاشات الفضائيات من دون أن يشير لا من قريب ولا من بعيد للإرهاب اليومي الذي يضرب بلدنا وشعبنا، ويذهب ضحيته المئات شهريا، ولم يقدم يوما تعزية لعوائل الضحايا، ولم نسمع تصريحا يدينها ولا حصل احد من ذوي الضحايا على تعويض، ولا تم التحقيق في مقتل هؤلاء، ولا تم البحث عن الفاعلين لتسجل كل هذه العمليات في خانة المجهول او الإرهاب البعثي او التكفيري، حتى سئم الناس هذا وأصبحوا يتندرون عليها، من دون ان يثني ذلك رئيس الوزراء، الذي لا يتوانى عن التذكير بهذا الإرهاب عندما يتعلق الأمر برغبته بتسقيط خصومه في العملية السياسية وتلويحه بأن لديه ملفات يحتفظ بها تدين هذا أو ذاك. وليومنا هذا لم يكشف المالكي هذه الملفات، حتى التي من شأنها ان تدين خصومه، بل انه ينسى أحيانا تهديداته الخطيرة تلك، التي لا يمكن لمسؤول سياسي في العالم ان يتفوه بها ويبقى على كرسيه، ويطالب رغم ذلك أصدقاءه المتهمين بالإرهاب بالعودة الى الحكومة ونسيان كل شيء، كما هو الحال مع نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، او صالح المطلك او العيساوي، من دون ان يقدم تبريرا او تفسيرا لما قاله وصرح به. لماذا يردد نوري المالكي ان العراق أصبح بلدا ديمقراطيا؟ وهو دولة قانون ولم نر ولو مرة واحدة أن استدعت المحاكم الجديدة المالكي لاستجوابه حول اعترافاته، والاعتراف سيد الأدلة، عن إخفائه ملفات مسؤولين سياسيين يدعمون الإرهاب ضد مواطنيهم، بتهمة الــتواطؤ بالارهاب، لأن من يخفي الأدلة هو متواطئ مع الإرهاب فما السبب؟
أليس الذي قتل في الحويجة بدم بارد أربعمئة مدني ودهسهم بالمدرعات وقنص المصلين الخارجين من المساجد، ومن يقتل بالكواتم وبالمسدسات الشباب بطلقات في الرأس، بمقدوره ان يقوم بتفخيخ السيارات ووضع العبوات؟ ألا يستطيع من يقوم بالتطهير الطائفي وبعملية حزام بغداد ويهجر المواطنين باسم ثأر الشهداء، من تنفيذ عمليات الإرهاب اليومي لقتل مواطنيه؟ هل امتنعت قوات سوات عن قتل الأبرياء في كل هذه الأماكن؟ هل خالفت أمرا عسكريا ووقفت بجانب الأبرياء؟ ألم تغتل قوات أمن المالكي الشباب أمام بيوتهم برشهم بالرشاشات لمجرد ان احدهم من منظمي المظاهرات- خمسة قتلى أبرياء؟ هل يستطيع المالكي ان يخرج على الشاشات وينفي قتل قواته للمواطنين؟ ان القتل اليومي للعراقيين، سواء كان في الحويجة او في كربلاء او في الموصل او في الحلة او في زيارات العتبات وفي أشرف، هو نفس المصدر والفاعل. ان ما يحصل في العراق لا يمكن اطلاقا توصيفه بالعنف والإرهاب، بل يجب ان يسمى باسمه الحقيقي، وهو الحرب على الشعب العراقي، التي لم تنقطع منذ الغزو الأمريكي. وما تظاهر العراقيين في 12 محافظة، من بغداد الى النجف وكربلاء والناصرية وميسان والناصرية والأنبار وتكريت والموصل والبصرة وذي قار، بسبب تراكم فضائح وزراء وبرلمانيي حكومة الاحتلال وأكاذيبهم بخصوص أموالهم وشهاداتهم وامتيازاتهم، وما يقومون به على شاشات الفضائيات العراقية وفي الصحافة العالمية، الا القشة التي قصمت ظهر البعير. تظاهر العراقيون لأنهم يشاهدون يوميا ان بلدهم أصبح مقبرة للأبرياء المدنيين، من أطفال ونساء ورجال، ممن ينتظرون حياة أفضل ونهاية للقتل والدم المسفوح، وإعادة بناء الدولة التي هدمتها بترصد القوات الغازية، من دون جدوى، بينما يتفنن سياسيو الاحتلال باغتصاب حقوق المواطنين العراقيين، من دون حياء ولا اعتبار ولا قيم للشعب المحاصر جسديا وفكريا وماديا، خرج العراقيون للتظاهر ليعبروا عن غضبهم وسخطهم لاستلاب حقوقهم من سياسيين لا يردعهم أي رادع للتمادي في طلب المزيد من الرواتب والمخصصات، التي وبحسب نائب هي لا تكفي حاجاتهم.
لقد أرعبت هذه التظاهرات المالكي وحزبه وكسرت فتاوى عمائم الفتنة التي تسانده وتشق الصف العراقي، وتخيف ابناء البلد الواحد بعضه من بعض، الذين لم يسأل احدهم الاخل هل انت سني ام هل انت شيعي.. لقد نهض الكربلائي والنجفي والبغدادي والناصري يدا واحدة ومصيرا واحد ومشاعر واحدة ليرددوا شعارات ‘برلماني، برلماني انت سارق حصتي اني’، كما قال لنا ذلك الكاتب ضياء الخالدي في حوار معه وأكد ‘ان الفساد في العراق يطارد الكفاءات العراقية ويضع البليد في قمة المؤسسات المهمة، ومن ثم يجلب أقرباءه ومريديه ليعينهم في المرفق الذي يعمل فيه. ان هذه التظاهرات هي بداية لكسر الجليد ضد محاربة الفساد وستتبعها تظاهرات أخرى والفساد هو أساس الإرهاب’. في هذه المظاهرات خرج الشاب والمسن، المرأة والعامل، الكاتب والفنان غير عابئين بقوات المالكي المدججة بالسلاح ليصرخوا بأعلى صوتهم ‘كافي’! وخاطب الناشط عدي الزيدي من التظاهرة التي شارك فيها مع أبناء محافظة ذي قار، المالكي برسالة يشجب فيها اعتداءات الشرطة على المتظاهرين قال فيها : ‘أود أن أبلغك خبرا سيزعجك كثيرا وهو لقد صحونا من هيروين المرجعية غير العربية لأننا لدينا ترياق اسمه مرجعية عربية وال بيت ثائرون وقرآن وسنة نبي لنتبعها ونسير بنورها.. فالوطنية وحب العراق الذي حاولتم ان تقتلوه في نفوسنا وتضعون في قلوبنا بدلا عنه اسم الطائفة، لم يمت بل نهض أقوى من ذي قبل .. ان ما شاهدته أمس هو البداية.. فان كنت فتحت جبهة لقتال أهلنا في المحافظات المنتفضة، نقول لك ستحتاج الى أكثر من جبهة، لأن شرارة الثورة التي انطلقت في غرب العراق أشعلت في نفوسنا الرغبة بالحرية والتمرد على العبودية’. فهل ستتطور مظاهرات شعبنا كما حدث في تونس ومصر لتخلص العراق من سجنه الذي طال امده بمعية فصائل مقاومته الوطنية، التي قارعت المحتل وأخرجته بمعارك بطولية كبيرة لم يعرفها تاريخ الحروب ولن ينساها ابدا؟

‘ صحافية من العراق

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية